تأثيرات الصمود اليمني في تعزيز الموقف الصيني تجاه غطرسة أمريكا
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
يمانيون../
في خِضَمِّ التحوُّلاتِ الجيوسياسية الكُبرى التي يشهدُها العالَمُ، برزت التجربةُ اليمنية في المقاومة كحالة دراسية فريدة ألهمت العديد من الدول، بما فيها قوى كبرى مثل الصين.
فمنذ عام 2015م، واجه اليمن تحالفًا عسكريًّا مدعومًا أمريكيًّا، لكنه تمكّن ليس فقط من الصمود، بل من فرض معادلات جديدة في المنطقة، خَاصَّةً عبر عملياته الناجحة في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية.
هذه التجربة لم تمر مرور الكرام أمام العسكريين والاستراتيجيين الصينيين، الذين بدأوا ينظرون إلى اليمن ليس كمُجَـرّد طرف في صراع إقليمي، بل كنموذج يُحتذى به في مواجهة الهيمنة الغربية.
لقد لاحظت الصين بعناية كيف استطاع اليمن -رغم محدودية إمْكَاناته العسكرية والاقتصادية- أن يُحْدِثَ شرخًا في صورة التفوق الأمريكي الذي ظل يسود العالم لعقود.
وباستخدام أسلحة غير تقليدية مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، تمكّن اليمن من تحييد جزءٍ كبيرٍ من القوة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، بل وأجبر حاملاتِ الطائرات الأمريكية على الانسحاب في بعض المواجهات.
هذا الأمر أثار دهشة المحللين العسكريين الصينيين، الذين بدأوا يتساءلون: “إذَا كان اليمن قادرًا على تحقيق ذلك؛ فما الذي يمنع الصين، بقوتها الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، من أن تكون أكثرَ جُرأةً في مواجهة الضغوط الأمريكية؟”.
في الواقع، كان للصين مواقفُ متردّدةٌ في السابق، خَاصَّةً عندما يتعلق الأمر بمِلفات حساسة مثل تايوان أَو جُزُر بحر الصين الجنوبي.
ففي عام 2022م، على سبيل المثال، تراجعت الصين عن خططها لاستعادة جزيرة “كينمن” التابعة لتايون، والتي تبعُدُ كيلومترات قليلة عن الساحل الصيني، بمُجَـرّد ظهورِ الأسطول الأمريكي في المنطقة. لكن اليوم، وبعدَ مراقبة التجربة اليمنية، بدأ الخطابُ الصيني يتغير.
فالتقارير الصينية الصادرة مؤخّرًا لم تعد تتردّد في السخرية من “انتهاء زمن حاملات الطائرات الأمريكية”، بل إن بعضَ المحللين العسكريين صاروا يصرِّحون بأن الصين يجب أن تتعلم من اليمن أن القوةَ الحقيقية تكمن في الإرادَة والاستعداد للتضحية، وليس فقط في امتلاك أحدث الأسلحة.
هذا التحول في التفكير الصيني لم يكن وليدَ الصدفة، بل جاء نتيجةَ دراسة عميقة لكيفية تعامل اليمن مع التهديدات الأمريكية. فبينما كانت الصين تخشى لسنوات أن تؤدِّيَ أيةُ مواجهة ضد الولايات المتحدة إلى عواقبَ اقتصادية وسياسية كارثية، فَــإنَّ اليمن أثبت أن الضغوطَ والعقوبات لا تعني بالضرورة الهزيمةَ، بل يمكن تحويلُها إلى فرصة لتعزيز الصمود الوطني.
كما أن نجاحَ اليمن في فرض حصار بحري فعّال ضد (إسرائيل) -رغم كُـلّ المحاولات الأمريكية لوقف هذه العمليات- قدّم درسًا واضحًا للصين، مفادُه أن القوة الناعمة والحرب غير المتماثلة يمكن أن تكونا أداتَينِ فعالتَينِ في مواجهة القوى العظمى.
اليوم، نرى أن الصين أصبحت أكثر جرأة في تحدّي السياسات الأمريكية، سواء في دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا، أَو في زيادة وجودها العسكري حول تايوان. بل إن بعض الخبراء يعتقدون أن بيجين قد تتبنى في المستقبلِ استراتيجياتٍ أكثرَ تشدّدًا، مستفيدةً من الدروس التي قدمتها التجربة اليمنية.
فإذا كان اليمنُ، أحد أفقر دول العالم، قادرًا على إرباك الحسابات الأمريكية؛ فما المانع أن تفعل الصين الشيءَ نفسه ولكن على نطاق أوسع؟
في النهاية، يمكن القول إن اليمن لم يعد مُجَـرّد لاعب إقليمي في الصراعات العربية، بل تحوّل إلى مصدرِ إلهام للدول التي تسعى إلى تحدي الهيمنة الغربية.
فتجربتُه أثبتت أن الإرادَة السياسية والعسكرية يمكن أن تعوِّضَ نقصَ الإمْكَانات، وأن المواجهة مع القوى الكبرى ليست مستحيلةً إذَا وُجدت الاستراتيجيةُ الصحيحة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستمر الصين في استلهام هذه الدروس لتعزيزِ موقفها العالمي، أم أن تعقيداتِ السياسة الدولية ستجعلها تتراجعُ مرة أُخرى؟ الإجَابَة على هذا السؤال قد تحدّد ملامحَ النظام العالمي الجديد في السنوات القادمة.
محمد الأسدي – المسيرة
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
عاشوراء في اليمن.. الإمام الحسين بين الوعي الثوري والامتداد المقاوم
يمانيون | تقرير
شهدت العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات خلال الأيام الماضية فعاليات ثقافية وخطابية واسعة في الجامع الكبير، ومحافظات صنعاء وريمة وحجة، وذلك إحياءً لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، تحت شعارات عبّرت عن استمرار التمسك بالنهج الحسيني في مواجهة الظلم والطغيان.
هذه الفعاليات لم تكن مجرد فعاليات دينية، بل مثلت محطات تعبئة ثورية، وربطاً واعياً بين الماضي والحاضر، في معركة ما زالت مفتوحة بين قوى الحق والاستكبار، من كربلاء إلى فلسطين.
الجامع الكبير بصنعاء.. عاشوراء بين الثورة والجهاد
في قلب العاصمة صنعاء، وتحديداً في الجامع الكبير الذي يحمل رمزية تاريخية وروحية خاصة، نظّمت دائرة الثقافة القرآنية ندوة توعوية حملت عنوان: “عاشوراء ثورة وجهاد”، لتضع المناسبة في سياقها القرآني والتاريخي المتجدد.
الناشط الثقافي زياد الرفيق، افتتح الندوة بالتأكيد على أن التمسك بعترة آل البيت هو جوهر الدين الإسلامي ومصدر الهداية، معتبراً أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ليست حدثاً عابراً في الزمن، بل منهاج دائم لمقارعة الطغاة ومواجهة الانحراف عن مبادئ الإسلام المحمدي الأصيل.
واستعرض الرفيق في محوره، أبرز المواقف البطولية للإمام الحسين، لافتاً إلى أن كلماته الخالدة كانت إشارات متقدمة في مقاومة الظلم والاستكبار، وأن الشعب اليمني اليوم، وهو يحيي هذه الذكرى، إنما يجدد ارتباطه بالقيم التي خرج من أجلها سبط رسول الله، وفي مقدمتها نصرة المظلومين ورفض الخضوع لقوى الطغيان، كما هو حال اليمن في موقفه المبدئي والثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم.
أما العلامة طه الحاضري، فقد حذّر في محوره من عواقب التفريط في كل زمان ومكان، مؤكداً أن ما حدث في كربلاء كان نتيجة لصمت الأمة وتخاذلها أمام الانحراف السياسي والديني، في مشهد يتكرر اليوم بأدوات ووجوه جديدة.
وشدد الحاضري على أن المشروع الأمريكي الصهيوني ليس إلا امتداداً لطغيان يزيدي جديد، يستهدف الأمة في عقيدتها وهويتها واستقلالها، داعياً إلى التمسك بخيار المقاومة والقيادة القرآنية المتمثلة في السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي أعاد البوصلة إلى مركزها الإسلامي المقاوم.
ريمة.. عاشوراء منصة لتجديد العهد ورفض الذل
وفي محافظة ريمة، نظّمت السلطة المحلية والتعبئة العامة فعالية خطابية كبرى تحت شعار: “هيهات منا الذلة”، شارك فيها عدد من القيادات المحلية والشخصيات الاجتماعية، تأكيداً على الموقف الثابت المستلهم من ملحمة كربلاء.
وخلال الفعالية، شدد مسؤول التعبئة العامة محمد النهاري على أن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كان نتيجة حتمية لتخاذل الأمة، وأن دروس كربلاء لا تزال حاضرة في كل مرحلة من مراحل الصراع بين الحق والباطل.
وأوضح النهاري أن استلهام الموقف الحسيني يعني الاستمرار في الصمود والثبات في مواجهة العدوان، ورفض أي محاولة للهيمنة أو التطبيع أو الانصياع لمشاريع الغزاة، مؤكداً أن الإمام الحسين كان ولا يزال الملهم والقائد لكل الأحرار الذين اختاروا العزة على الذل.
حجة.. الأمن والهوية الحسينية في مواجهة المشروع الاستكباري
أما في محافظة حجة، فقد نظّمت إدارة أمن المحافظة فعالية خطابية تحت الشعار ذاته، بحضور عدد من المسؤولين الأمنيين، لتؤكد أن الهوية الحسينية ليست مجرد إحياء مناسبات، بل إطار للثبات والعقيدة الجهادية في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.
مدير الأمن العميد حسن القاسمي، أشار إلى أن فاجعة كربلاء تمثل مأساة كبرى في تاريخ الأمة، لكنها أيضًا منارة يهتدي بها الأحرار في مواجهة الظلم والطغيان.. وأكّد أن الأجهزة الأمنية اليمنية تستمد من روح كربلاء الصبر، والبصيرة، والصلابة في مواجهة المؤامرات التي تستهدف أمن البلاد واستقلالها.
عضو رابطة علماء اليمن، عبدالمجيد شرف الدين، اعتبر أن الاحتفاء بعاشوراء هو تجديد للولاء لخط الحسين، والتأكيد على أن دماء الشهداء ستظل حاضرة في معركة الأمة ضد المستكبرين، وفي مقدمتهم أمريكا و”إسرائيل”.
مديرية همدان.. النساء في قلب المعركة الحسينية
وفي مديرية همدان بمحافظة صنعاء، كانت المرأة اليمنية حاضرة بقوة في إحياء هذه الذكرى، من خلال فعاليتين خطابيتين نظّمتها الهيئة النسائية في قريتي شمال السودة والقنحة، حيث عبّرت الكلمات والأنشطة الإنشادية عن وعي نسائي متجذر بجوهر المعركة الحسينية.
الفعالية ربطت بين مظلومية الإمام الحسين ومظلومية الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن نصرة غزة امتداد طبيعي لثورة كربلاء، وأن المرأة اليمنية كانت ولا تزال شريكة في خيار المقاومة من خلال التوعية، والتحريض، والدعم المعنوي والمادي.
وقد تُوّجت الفعاليتان بوقفتين نسائيتين تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بالجرائم الصهيونية بحق غزة، لتؤكد أن كربلاء ليست مجرد ذكرى، بل حالة وعي ثوري يتجدد في كل موقف مقاوم للعدوان.
عاشوراء في اليمن… حالة وعي
ما يميّز إحياء اليمنيين لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هو أنهم جعلوا من عاشوراء حالة وعي، ومرتكزاً ثورياً، ودافعاً لتعزيز الصمود والمواجهة مع أعداء الأمة.
في هذا السياق، يصبح شعار “هيهات منا الذلة” ليس مجرد شعار تاريخي بل هوية مقاومة ومشروع حياة، يتجلى في المواقف السياسية، والتحركات الميدانية، والاصطفاف الشعبي مع قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين.
وعليه، فإن عاشوراء في اليمن لم تعد مناسبة دينية فحسب، بل تحولت إلى رافعة استراتيجية تعبوية، تكرّس ثقافة الرفض، وتجذّر روح التضحية، وتعيد صياغة العلاقة بين المعتقد والواقع، بين الذكرى والموقف، بين كربلاء وغزة، بين الإمام الحسين والشعب اليمني.