أين تقف الصين من الصراع بين الهند وباكستان؟
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
لطالما كانت كشمير المقسمة بين الهند (55%) وباكستان (30%) والصين (15% عبر أكساي تشين ووادي شاكسغام) نقطة اشتعال تاريخية، وازداد الوضع تعقيدا بعد أن ألغت الهند الحكم الذاتي للإقليم في عام 2019.
وتفاقم التوتر بشكل كبير عقب الهجوم المسلح الذي وقع في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية في 22 أبريل/نيسان 2025، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصا، مما أدى إلى إجراءات تصعيدية بين البلدين.
وفي خضم هذه التوترات تجد الصين نفسها في موقف معقد كقوة إقليمية تسعى إلى موازنة دعمها لباكستان من طرف وإدارة علاقاتها المتوترة مع الهند من جانب آخر.
تحقيق محايدأعربت الصين عن قلقها من التصعيد بين الهند وباكستان، داعية إلى ضبط النفس والحوار لحل الخلافات عبر التشاور المباشر وتجنب التصعيد العسكري.
كما طالبت بكين بالتحقيق المحايد ووقف الاتهامات المتبادلة، خصوصا في ظل مخاوفها من أي مواجهة بين دولتين نوويتين متجاورتين تهدد الاستقرار الإقليمي، مع تأكيد أن لها حدودا مشتركة مع كلا البلدين.
ويرى مراقبون أن مصالح الصين الإستراتيجية تشير إلى ميل ضمني لدعم باكستان، فوفقا لوزارة الخارجية الصينية قال وانغ يي خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الباكستاني إسحاق دار "بصفتها الصديق الموثوق لباكستان وشريكها الإستراتيجي في جميع الظروف فإن الصين تدرك تماما المخاوف الأمنية المشروعة لباكستان وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية".
إعلانوأضاف أن بلاده تأمل أن يظل الجانبان منضبطين، وأن يتحركا نحو بعضهما البعض ويعملا معا لتهدئة الوضع.
وبحسب لين مينوانغ نائب مدير مركز دراسات جنوب آسيا في جامعة فودان، فإنه يمكن تفسير تصريحات وزير الخارجية الصيني على أنها "تحذير للجانب الهندي"، إذ تسعى الصين إلى منع هيمنة الهند على باكستان، ولا تعتبر إسلام آباد مجرد وسيلة لموازنة نفوذ نيودلهي، بل تتبنى مقاربة إستراتيجية مستقلة تهدف لحماية مصالحها في المنطقة.
ومع ذلك تسعى بكين -وفقا لمراسلة الجزيرة شيماء جو إي إي- إلى إمساك العصا من المنتصف، فهي تحتفظ بعلاقات إستراتيجية وثيقة مع إسلام آباد، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن استمرار التوتر مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقدة على حدودها الشرقية، خاصة في ظل النزاع الحدودي التاريخي الذي يمتد على أكثر من 3500 كيلومتر.
تربط الصين وباكستان شراكة إستراتيجية قوية تتجلى في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (سي بي إي سي)، وهو جزء حيوي من مبادرة الحزام والطريق، ويمر هذا الممر عبر مناطق حساسة مثل كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، مما يجعل استقرار باكستان أولوية صينية.
تزود الصين باكستان بنحو 80% من أسلحتها (2020-2024)، بما في ذلك غواصات وطائرات مقاتلة، مما يعزز قدراتها العسكرية في مواجهة الهند.
كما أن الصين تدعم باكستان في المحافل الدولية مثلما حدث في جلسة مجلس الأمن عام 2019 التي دعت إليها الصين لبحث الوضع في كشمير.
ومما يفسر هذا الموقف، أن الصين ترى في الهند منافسا إقليميا رئيسيا، خاصة مع تصاعد التوترات الحدودية بينهما (مثل مواجهات لاداخ 2020) ودعم باكستان ولو بشكل غير معلن يساعد الصين في احتواء نفوذ الهند في جنوب آسيا.
إعلان خلفيات التوتر بين الصين والهندتشكل العلاقة المتوترة بين الصين والهند خلفية رئيسية لموقف بكين من أزمة كشمير والصراع المستمر بين باكستان والهند، وتتأثر تلك العلاقة بعوامل تاريخية وحدودية وجيوسياسية، منها:
النزاعات الحدودية:يمتد الخلاف بين البلدين على طول خط السيطرة الفعلية (إل إيه سي) بطول 3488 كيلومترا، والذي لم يُرسم بشكل رسمي، وتشمل النقاط الساخنة أكساي تشين (تحت سيطرة الصين وتطالب بها الهند) وأروناتشال براديش (تحت سيطرة الهند وتطالب بها الصين كجزء من التبت).
وأدت الحرب الصينية الهندية عام 1962 إلى سيطرة الصين على أكساي تشين، مما زرع بذور التوتر المستمر بين البلدين.
التنافس الجيوسياسي:ترى الصين في الهند منافسا إقليميا صاعدا، خاصة مع طموحات نيودلهي لعضوية دائمة في مجلس الأمن ودورها في تجمعات مثل تجمع الحوار الأمني الرباعي "كواد" الذي يشتمل على الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.
وتعتبر الصين أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال تحالف كواد ضدها، في حين تسعى لتعزيز نفوذها عبر مبادرة "الحزام والطريق" ومنظمة شنغهاي للتعاون.
الخلافات الاقتصادية:رغم العلاقات التجارية القوية (بلغت التجارة الثنائية 135 مليار دولار عام 2024) فإن الهند تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين بلغ نحو 85 مليار دولار.
وقد أثارت استثمارات الصين في القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا مخاوف أمنية في الهند، مما دفع نيودلهي إلى حظر تطبيقات صينية مثل "تيك توك" بعد مواجهة وادي غالوان.
ويقول السفير الهندي السابق يوغيش جوبتا إن "الصين منذ تأسيسها عام 1949معادية وغيرة مرتاحة لمكانة الهند العالمية وتنميتها".
التقارب الأميركي الهنديتعززت العلاقات الأميركية الهندية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين مدفوعة بمصالح مشتركة في مواجهة صعود الصين، وقد يؤثر هذا التقارب مباشرة على موقف الصين من أزمة كشمير 2025.
تدعم الولايات المتحدة الهند كجزء من إستراتيجيتها لاحتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، إذ تعكس اتفاقيات مثل "الاتفاقية اللوجستية للتبادل" (إل إي إم أو إيه) و"اتفاقية التوافق وتأمين الاتصالات" (كومكاسا) مدى عمق هذه العلاقات، من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة.
إعلانوفي إطار تحالف "كواد" تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دور الهند كقوة بحرية مضادة للصين في المحيط الهندي، مما يثير قلق بكين من تطويقها إقليميا.
وعقب هجوم بهلغام أعربت الولايات المتحدة عن تضامنها مع الهند، داعية إلى "محاسبة الجهات الإرهابية"، في إشارة ضمنية إلى باكستان.
وطالب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إسلام آباد بالتعاون في تحقيق الهجوم، مؤكدا دعم الولايات المتحدة للهند في مكافحتها للتطرف.
وعن الموقف الأميركي تقول كريستين فير أستاذة الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون إن الولايات المتحدة لن تضغط على الهند للتراجع عن ردها على باكستان، معتبرة أن للهند الحرية في تحديد مسارها.
ومن المتوقع أن توفر الولايات المتحدة دعما استخباراتيا وعسكريا للهند في حال تصاعد النزاع، بما في ذلك تزويدها بأنظمة دفاع جوي ومعلومات بشأن تحركات القوات الباكستانية، ويعزز هذا الدعم تصميم نيودلهي على اتخاذ مواقف متشددة ضد باكستان، مما يقلل فعالية دعوات الصين للتهدئة.
ويرى محللون صينيون أن الولايات المتحدة تستغل أزمة كشمير لتعزيز وجودها في جنوب آسيا، مما يضع الصين في موقف دفاعي.
في المقابل، يدفع التقارب الأميركي الهندي الصين إلى تعزيز دعمها لباكستان، سواء عبر تقديم مساعدات عسكرية (مثل طائرات "جيه-10") أو دعم دبلوماسي في الأمم المتحدة لموازنة النفوذ الأميركي.
ويرى المحلل الأمني أسفانديار مير أن الهند وباكستان "تتجهان نحو صراع ساخن، ومن المرجح أن يكون أكثر حدة من أزمة عام 2019".
وقال مير إن عملية صنع القرار في الهند بشأن الأزمة الحالية قد تعقدت بسبب اضطرار قيادتها إلى "وضع الصين في الاعتبار"، مشيرا إلى أن المواجهة الحدودية التي استمرت لسنوات قد أرهقت الموارد العسكرية الهندية وشكّلت تهديدا متزامنا إلى جانب الخطر القادم من باكستان.
إعلانوأضاف أن العلاقات الصينية الباكستانية "لا تزال قوية، ومن المرجح أن تقدم الصين المساعدة التي تحتاجها باكستان لمواصلة القتال مع الهند".
ويؤكد الدبلوماسي الهندي السفير يوغيش جوبتا أن الصين تزود باكستان بالتكنولوجيا النووية والأسلحة الثقيلة والسفن الحربية المتطورة والطائرات المقاتلة لتعزيز دفاعاتها ضد الهند.
ويضيف جوبتا "لسنا مستغربين من قرار الصين تزويد باكستان بمزيد من الأسلحة الآن، على أمل أن تُضعف الحرب بين باكستان والهند هذه الأخيرة".
ترى الصين في دعمها لباكستان وسيلة لمواجهة التحالف الأميركي الهندي، ويعد الممر الاقتصادي بين البلدين -الذي يوفر للصين وصولا إلى بحر العرب- أداة إستراتيجية لتقليل الاعتماد على مضيق ملقا الخاضع للنفوذ الأميركي.
حماية المصالح الاقتصادية:يمثل التصعيد العسكري في كشمير تهديدا مباشرا للاستثمارات الصينية في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والتي تقدّر بـ46 مليار دولار، إذ تمر أجزاء من هذا الممر عبر كشمير الباكستانية، مما يجعل استقرار المنطقة أمرا جوهريا لبكين.
كما أن توسع الصراع قد يعطل التجارة الصينية مع الهند التي تعد سوقا رئيسية للصادرات الصينية، لذلك تسعى الصين إلى تجنب حرب شاملة قد تؤدي لفرض عقوبات غربية أو تعطيل مشاريعها الإقليمية.
الحفاظ على الاستقرار الإقليمي:يتوقع مدير مركز دراسات جنوب آسيا ليو زونغي أن تسعى بكين إلى تعزيز محادثات السلام بين الهند وباكستان في ظل التوترات المستمرة، بهدف ضمان جوار إقليمي مستقر ومسالم، مما يهيئ بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
ويضيف ليو أن بكين لن تتسامح مع أي تهديدات لمصالحها الخارجية، خاصة الموجهة ضد مشاريعها وشعبها في باكستان.
وأشار إلى أن جماعات مسلحة، مثل جيش تحرير بلوشستان وحركة طالبان الباكستانية، يُزعم أنها تحظى بدعم هندي رغم غياب الأدلة القاطعة على ذلك، وقد سبق أن هذه الجماعات استهدفت مشاريع صينية ومواطنين صينيين، مما زاد حساسية الصين تجاه الوضع في باكستان، على حد قوله.
إعلانومع ذلك، فإن دعم الصين لباكستان قد يفسر في الهند كاستفزاز، مما يزيد احتمال الاشتباكات الحدودية.
تعزيز الدور الدبلوماسي:تقدم الصين نفسها كقوة عالمية مسؤولة من خلال دعواتها للحوار، لكن الدعم الأميركي للهند يحد من فعالية هذا الدور، حيث يُنظر إلى الصين في الهند كجزء من المشكلة بسبب تحالفها مع باكستان.
وبحسب صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، فإنه "من غير المرجح أن تفضل نيودلهي أو واشنطن دورا أكبر لبكين، في حين قد يصوّر الجانب الأميركي الصين وباكستان على أنهما متحالفتان بشكل وثيق، مما يقيّد الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين".
ويرى بعض المراقبين أن الدعم الأميركي للهند والتحالف الصيني الباكستاني يعزز حالة الاستقطاب الإقليمي، ويؤدي إلى مزيد من التقارب والتعاون بين الهند والولايات المتحدة ضد الصين وباكستان.
وإذا استمر الدعم الأميركي في تشجيع الهند على اتخاذ إجراءات متشددة فقد تلجأ الصين إلى تعزيز وجودها العسكري على الحدود أو تقديم دعم مباشر لباكستان، مما يزيد مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة، وهذا قد يدفع بكين إلى الاعتماد على أطراف أخرى مثل روسيا أو الأمم المتحدة لتخفيف التوترات.
ووفقا للكاتب والمحلل الصيني أورانغ وانغ، فإن "الصين اتخذت مؤخرا خطوات لإعادة ضبط علاقاتها مع الهند بعد سنوات من التوترات الحدودية في جبال الهيمالايا، وتعليق الرحلات الجوية المباشرة، وقيود التأشيرات المتبادلة، وذلك في ظل تزايد الضغوط الجيوسياسية من إدارة دونالد ترامب".
وعن إمكانية دور الصين كوسيط، يضيف وانغ "تعد الصين الصديق الثابت لباكستان منذ عقود، وشريكا في جميع الظروف منذ عام 2015، مما يثير تساؤلات عما إذا كانت بكين ستحاول التوفيق بين البلدين أو التدخل كوسيط خلال الأزمة الحالية".
ويرى لين مينوانغ أنه "من المرجح أن يكون دور الصين محدودا في التوترات الحالية بين البلدين"، ويستبعد قبول الهند الوساطة الصينية، مشيرا إلى "أن قيام بكين بدور الوسيط بين الجانبين يتطلب قبول كل من الهند وباكستان، ولكن من غير المرجح أن تقبل نيودلهي الجهود الصينية لشرح موقف إسلام آباد".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الهند وباکستان بین البلدین إسلام آباد بین الهند جنوب آسیا الصین إلى إلى تعزیز المرجح أن فی الهند مع الهند الصین فی
إقرأ أيضاً:
تضليل بالذكاء الاصطناعي.. الانتصارات الزائفة في حرب باكستان والهند
أثناء اشتعال الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان، تحديدا في مساء الثامن من مايو/أيار الجاري، أعلن عدد من مذيعي القنوات الهندية سقوط العاصمة الباكستانية إسلام آباد. ادّعى بعضهم -وفقا لتقارير- أن انقلابا قد أطاح برئيس أركان الجيش الباكستاني، فيما أكد آخرون أن البحرية الهندية شنّت ضربة مدمرة أزالت ميناء كراتشي من الخريطة. وعلى إثر تلك الأخبار، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي، وانتشر وسم "#استسلام_باكستان" ليحتل صدارة عدد من المنصات في الهند.
لمدة وجيزة، بدا أن النصر قد تحقق للهند فعلا، لكن الحقيقة كانت بعيدة تماما عمّا راج حينها؛ فيما تكشّف أن هذا الانتصار زائف، وأنه لا يعدو إلا أن يكون جانبا من طبيعة الحرب الحديثة: حرب المعلومات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صائد الطائرات الصيني.. كيف تمكنت باكستان من إسقاط المقاتلات الهندية؟list 2 of 2حافة الهاوية.. تصدُّعات المكان والوجدان في صراع الهند وباكستانend of listوقد وضعت حرب المعلومات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان تحت دائرة الضوء، إذ غيّرت هذه التقنيات الجديدة طبيعة النزاعات وأدخلتها إلى العصر الرقمي، بكل حمولاته المراوغة، ومنتجاته شديدة التضليل.
فقد أظهرت تلك الأحداث بوضوح مدى قوة وخطورة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تسببه من نشر للشائعات على منصات التواصل الاجتماعي، وترويج لمقاطع مزيّفة، ويترافق كل ذلك مع هندسة هجمات سيبرانية تستهدف منصات الخصم الرسمية.
إعلانومع تدفق المعلومات المضلِّلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومن ثم انتقالها إلى القنوات الإعلامية والصحف والمؤثرين، يصعب للغاية على الجمهور التمييز بين ما هو حقيقة، وما هو خيال.
طبقات من التزييفيرتبط عادة اندلاع الأزمات والحروب بانتشار الشائعات والأخبار المضللة، لكن ربما ما تغيّر اليوم هو مستوى واقعيتها وسرعة انتشارها؛ إذ يكفي أن ينتشر مقطع واحد مزيف خلال دقائق حتى يؤثر في إدراك جمهور واسع تجاه قضية ما، وبالتالي يؤدي إلى خلق رأي عام يشكل أداة ضغط مؤثرة على صُنّاع القرار.
مثلا، في الثالث من مايو/أيار الجاري، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يظهر فيه وهو يدلي بتصريحات مسيئة تجاه باكستان، ويهدد بـ"تدميرها" دعما للهند. كما ورد في نسخ أخرى من الفيديو ما يشير إلى دعوته لإزالة باكستان من الخريطة.
Trump को सुनो…
" If Pakistan attacks India, I will support India erase Pakistan" !
ऐसा पहली बार होगा जब भारत और पाकिस्तान में युद्ध होने का रहा हो और अमेरिका पाकिस्तान की जगह भारत का साथ देने की बात कह रहा हो….. pic.twitter.com/mBafhBRDOQ
— विकास प्रताप सिंह राठौर???????????? (@V_P_S_Rathore) May 3, 2025
وبعد تحقق من صحة الفيديو، تبيّن أنه مُفبرك، لكن هذا التحقق جاء بعد انتشار الفيديو ورواج التصريح على منصات التواصل. وعلى إثر انتشاره، أوضحت تقارير إعلامية في الهند أن إنتاج الفيديو كان بتقنية "التزييف العميق".
ووفقا لإحدى مواقع تدقيق الحقائق الهندية، فإن المقطع الأصلي يعود إلى عام 2016، خلال كلمة ألقاها ترامب حول الاقتصاد في نادي نيويورك الاقتصادي، دون أن يتحدث فيها عن الهند أو باكستان. كما أكدت شركة "هايف" أن الفيديو لم يُعدّل بصريا، لكن الصوت المرفق يبدو أنه من إنتاج تقنيات الذكاء الاصطناعي.
إعلانوبعدها بأيام قليلة، وتحديدا في الثامن من مايو/أيار، انتشر مقطع فيديو آخر يُظهر المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الفريق أحمد شريف شودري، وكأنه يعترف بأن الهند نجحت في إسقاط مقاتلتين باكستانيتين من طراز "جي إف-17″، وهو مقطع تبين أيضا أنه معدّل بتقنية "التزييف العميق" بالذكاء الاصطناعي.
Pakistan confirms 2 JF17 shot down by India
News coming in that we have hunted one F16 as well just a while ago! pic.twitter.com/DSEriRfuQW
— Ashu (@muglikar_) May 8, 2025
حصد هذا المقطع نحو 760 ألف مشاهدة على منصة "إكس"، قبل أن تُضاف إليه ملاحظة تحقق تكشف تزييفه. وقد خدع المقطع بعض وسائل الإعلام الهندية، إذ بثّته بعض القنوات على أنه خبر عاجل، ثم سحبته بصمت من مواقعها الرسمية.
ودَمج مقطع الفيديو بين لقطات حقيقية من مؤتمر صحفي للفريق شودري ومشاهد مفبركة. واستُخدمت لقطة للجمهور لتغطية نقطة الانتقال بين المقطع الأصلي والمُفبرك، وظهرت قفزة صوتية واضحة عند موضع التلاعب بالصوت.
كذلك اجتاحت الصور المزيفة بالذكاء الاصطناعي منصات التواصل الاجتماعي، من مشاهد تفجير طائرات حربية إلى صور دموية من ميادين المعارك لا أساس لها على الأرض. وفي إحدى الحالات، جرى تداول مشاهد من لعبة فيديو عسكرية على أنها لقطات حقيقية، وحققت أكثر من مليوني مشاهدة، ما يكشف حجم الإقبال على المحتوى المضلل في أثناء الحروب والنزاعات، كما أشارت صحيفة واشنطن بوست.
انتصارات زائفةفي هذا السياق، وصف المحلل السياسي المتخصص في شؤون جنوب آسيا، مايكل كوغلمان، هذا المشهد بوجود "كمّ هائل من الأخبار الكاذبة بصورة فجّة" في وسائل الإعلام الهندية الموالية للحكومة، وفقا لما ذكره لصحيفة واشنطن بوست.
وقد زعمت قنوات شهيرة مثل "زي نيوز" و"إيه بي بي" بأن انقلابا عسكريا يجري في باكستان، مدعية أن الجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، قد اعتقله مجموعة من الضباط تحت قيادته. ولم تُقدَّم تلك القنوات والصحف أي دليل يدعم هذه الرواية، ومع ذلك تناولها المذيعون بوصفها أمرا واقعا، بل وصل الأمر إلى حد التكهن باسم القائد العسكري الجديد.
إعلانلم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت بعض التقارير إلى تأكيد أن العاصمة الباكستانية إسلام آباد قد سقطت فعلا، فقد أعلنت "زي نيوز" أن القوات الهندية استولت على إسلام آباد، وأن الجيش الباكستاني قد استسلم.
وسارت قناة "تايمز ناو" الناطقة بالهندية في نفس التوجّه الخيالي، داعية البحرية الهندية إلى "إحراق كراتشي حرفيا". كانت القناة تروّج لسيناريوهات عن قوات هندية سيطرت على إسلام آباد، فيما ارتفعت الأصوات هناك حول توقيت "الاستسلام الرسمي لباكستان".
According to @ZeeNews, Pakistan's capital Islamabad has already been captured. pic.twitter.com/MZZHaf3dAR
— Mohammed Zubair (@zoo_bear) May 8, 2025
في السياق ذاته، بدأت قنوات هندية، باللغات المحلية والإنجليزية، تروّج لانتصار على جبهة بحرية جديدة، معلنة -دون دليل- أن البحرية الهندية قصفت ميناء كراتشي بصواريخ أُطلقت من حاملة الطائرات الهندية " آي إن إس فيكرانت" (INS Vikrant)، ودمرت الميناء بالكامل. إحدى القنوات الهندية أعلنت أن هذه أول ضربة من البحرية على كراتشي منذ عام 1971، بينما زعمت أخرى أن 26 سفينة حربية هندية تحاصر الميناء وأن "باكستان ستنتهي اليوم".
ولإضفاء بعض الطابع التوثيقي المرئي على هذه المزاعم، عرضت قناة ناطقة بالهندية مقطعا لتحطم طائرة في فيلادلفيا عام 2022، وادّعت أنه يُظهر دمار كراتشي بعد القصف.
ولم ترد تقارير ميدانية ولا تأكيدات عسكرية ولا تحقيق صحفي، لكن كان السبق هو المسيطر؛ حتى أن المؤسسات الإعلامية الشهيرة انزلقت إلى ترديد روايات جمعتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن مصادر مجهولة غير موثّقة. ومع حلول صباح اليوم التالي، كانت هذه الروايات المفبركة قد خلقت شعورا عاما باقتراب النصر لدى شرائح واسعة من الجمهور الهندي.
هجمات سيبرانيةبالطبع، لن يكتمل مشهد ساحة المعركة المعلوماتية إلا بالهجمات السيبرانية، وتزامنا مع مزاعم عن قصف كراتشي، بُث من حساب هيئة الميناء على منصة إكس –بعد اختراقه– منشور يؤكد الضربة، ويصف الميناء بأنه في حالة دمار، وأن حالة الطوارئ تسيطر على الأجواء.
إعلانففي التاسع من مايو/أيار، فوجئت هيئة ميناء كراتشي بأن حسابها الرسمي على منصة "إكس" قد تعرّض للاختراق، وبدأ في بث أخبار كاذبة تدّعي أن ضربة صاروخية هندية ألحقت أضرارا جسيمة بالميناء، مما أثار موجة من الشائعات عن كارثة إستراتيجية.
خلال 30 دقيقة، تمكن فريق تكنولوجيا المعلومات الخاص بهيئة ميناء كراتشي من استعادة السيطرة على الحساب، وأصدر بيانا رسميا أعلن فيه عن اختراق الحساب، مؤكدا أن الميناء آمن ويعمل بصورة طبيعية. دُعي الصحفيون لزيارة الموقع مساء اليوم ذاته، حيث كانت العمليات اللوجيستية تسير بسلاسة، دون أي أثر للمزاعم السابقة. ولم يتردد البيان الصحفي للهيئة في اتهام جهات هندية بالمسؤولية عن الاختراق وبث المعلومات المضللة.
Press Release
KPT'S OFFICIAL TWITTER ACCOUNT HACKED BY INDIA
This is to state that India has released fake news from official twitter/X account of KPT. It is clarified that KPT's official X/Twitter Account was hacked
Pls reconfirm the news from KPT PR before showing on media
— Karachi Port Trust Official (@official_kpt) May 9, 2025
وفي حادثة مشابهة في الليلة نفسها، تعرض حساب وزارة الشؤون الاقتصادية الباكستانية للاختراق، حيث استخدم القراصنة الحساب لنشر تغريدة زائفة تزعم أن باكستان تطلب قروضا طارئة بسبب "خسائر فادحة ألحقها بهم العدو". تلك التغريدة الملفقة حققت ملايين المشاهدات قبل حذفها، ما يبرز قدرة الهجمات السيبرانية على اختراق قنوات رسمية ونشر روايات زائفة على نطاق واسع.
هذه الحوادث تكشف بُعدا متقدما من الحرب المعلوماتية، إذ يتسلل المخترق -سواء كان جهة حكومية أو مرتزقة سيبرانيين- إلى حسابات رسمية، ليزرعوا الأكاذيب بغطاء رسمي، فيُطمس الخط الفاصل بين الحقيقة والبروباغندا.
إعلان معركة فرض السرديةمع تصاعد موجات الشائعات والأخبار الزائفة، لجأت حكومتا الهند وباكستان إلى أدوات رقمية متطورة -من ضمنها تقنيات رقابة مدعومة بالذكاء الاصطناعي- بهدف كبح السرديات التي تعدّها مُؤذية. في الهند، مارست السلطات ضغوطا أكبر على شركات التواصل الاجتماعي لإجراء عمليات حذف بالجملة للمحتوى، بل وحظر حسابات بالكامل.
بموجب أوامر طارئة، اضطرت منصات مثل إكس وفيسبوك إلى تقييد آلاف المنشورات المرتبطة بالأزمة. ففي الثامن من مايو/أيار، أعلنت إدارة العلاقات الحكومية العالمية، التابعة لمنصة إكس، أنها بدأت بحجب أكثر من 8 آلاف حساب داخل الهند استجابة لطلب حكومي.
X has received executive orders from the Indian government requiring X to block over 8,000 accounts in India, subject to potential penalties including significant fines and imprisonment of the company’s local employees. The orders include demands to block access in India to…
— Global Government Affairs (@GlobalAffairs) May 8, 2025
حتى وسائل الإعلام المستقلة في الهند لم تسلم من هذه المواجهة مع الحكومة، فموقع "ذا واير" -أحد أبرز المنصات المستقلة- حُجب فجأة لدى عدد من مزوّدي الإنترنت، دون تنبيه أو تفسير. واختفت تقاريره التي تناولت الفوضى من الواجهة لساعات، خاصة تلك التي انتقدت تعامل الحكومة مع الحرب المعلوماتية.
Dear Readers of The Wire
In a clear violation of the Constitutional guarantee of freedom of the press, the Government of India has blocked access to https://t.co/mEOYg6zJMu across India. + pic.twitter.com/K1jRk3Vxpy
— The Wire (@thewire_in) May 9, 2025
أما على الجانب الباكستاني، فرغم اتباع إسلام أباد لهجة رسمية أكثر تحفظا، تُدار المعركة المعلوماتية بحزم مماثل. فقد أعلن الفريق الوطني للاستجابة السيبرانية (National CERT) حالة "التأهب القصوى"، محذرا من تصاعد التهديدات السيبرانية، وتدفّق الرسائل المُفبركة المُنتجة بالذكاء الاصطناعي على الشبكات الحكومية.
إعلانويُرجّح استخدام الحكومتان لخوارزميات رقابية وآليات ذكاء اصطناعي للكشف عن المحتوى، إذ وُسمت بعض المنشورات الزائفة على منصة إكس بإشعارات تصحيحية، فيما استعانت شركة ميتا بفِرق تحقق مدعومة بأنظمة ذكية تعمل بمختلف اللغات الإقليمية.
لم تكن الحكومات وحدها من خاضت تلك المعركة، فقد أظهرت عاصفة المعلومات في الثامن من مايو/أيار كيف يمكن لبيئة التضليل أن تتحول إلى منظومة مكتفية بذاتها، بتحولها إلى حلقة ذاتية التوليد تعيد فيها وسائل الإعلام الموالية للحكومة، والحسابات المجهولة، والمستخدمون العاديون، تدوير الأكاذيب نفسها حتى تترسّخ كحقائق.
على الجانب الهندي، بدأ السيناريو من الجهات المعتادة: مؤثرون قوميون، وحسابات تروّج للجيش، تدفع بـ"معلومات استخباراتية" غير مؤكدة، كطائرات باكستانية أُسقطت، وقوات خاصة تسللت إلى إسلام آباد، أو ضربات بحرية استهدفت كراتشي. النبرة كانت احتفالية، والوسوم جاهزة للانتشار، ثم دخلت القنوات الإخبارية الكبرى، فالتقطت هذه المزاعم، وقدّمتها بوسم "عاجل" على الشاشة، ومنحتها طابع الحقيقة.
هكذا أُغلقت الدائرة: من وسائل التواصل إلى شاشات التلفاز، ثم تعود السردية إلى المنصات الرقمية، وتنتقل منها إلى تصريحات المتحدثين الرسميين، الذين كرر بعضهم الادعاءات ذاتها، مما أضفى عليها شرعية من خلال التكرار وحده. لا أدلة؟ لا توجد مشكلة، المهم أن القصة تُباع وتحقق رواجا.
حتى واقعة اختراق حساب هيئة ميناء كراتشي -رغم واقعيتها- تحولت إلى أداة في حرب فرض السردية. في الهند، اعتُبرت العملية برهانا على هشاشة البنية التحتية الباكستانية. بينما في باكستان، كانت دليلا على حملة نفسية سيبرانية تديرها الهند. والنتيجة؟ منظومة رقمية لا تشترط صحة المعلومة، بل اتساقها مع الهوية والانتماء.
بمجرد أن يتبنّى عدد كافٍ من المتابعين خبرا زائفا -أو تضخّمه حسابات لها مظهر موثوق- ينطلق كحقيقة. يلتقطه المذيعون، ويردده السياسيون، ويستقر في وعي الجمهور. وبحلول وقت التصحيح -إن حدث- تكون الرواية قد ترسّخت.
إعلانهكذا تعمل ماكينة الأكاذيب بكامل طاقتها: كذبة تولد في تغريدة، ثم تغذيها خوارزمية، بعدها تتوّجها غرفة أخبار، ثم يُعاد ضخّها إلى مجرى الرأي العام، وقد صارت أكثر صلابة، وأصعب في نفيها أو التحقق منها.
في معارك فرض السردية الجديدة، لا تنتصر الحقيقة، بل تسبقها الصورة الأولى بصرف النظر عن مصداقيتها. الرابح هنا هو من يملأ الفراغ الرقمي أولا، لا من يصحح المعلومة لاحقا.
الحقيقة كضحية جانبيةيحذر بعض المحللين من المخاطر المستحدثة التي يفرضها تصاعد الحرب المعلوماتية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي. يذكر جويجيت بال، الأستاذ في جامعة ميشيغان ومتخصص في المعلومات المضللة، أن انفلات الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي قد يُرغم الحكومات على اتخاذ قرارات مصيرية؛ الفكرة الجوهرية أن الأكاذيب المتداولة، والخطاب القومي المتشنّج عبر الإنترنت، قد يدفعان القادة إلى اتخاذ خطوات متهورة تحت ضغط جماهيري يسعى إلى ردّ فعل سريع، لا إلى حكمة إستراتيجية، كما أشار لصحيفة واشنطن بوست.
ويخشى بعض الباحثين من سرعة وواقعية المحتوى المُنتَج بالذكاء الاصطناعي. إذ تشير راشيل موران، الباحثة بمركز جامعة واشنطن للرأي العام، إلى أن الأزمات تُربك الجمهور أصلا، وتجعل التمييز بين الشائعة والحقيقة مهمة صعبة. لكن وجود مقاطع مزيفة عالية الجودة داخل هذا المزيج يزيد الأمر تعقيدا، ويُضعف قدرة الجمهور على اتخاذ قرارات مبنية على معلومات موثوقة. ببساطة، يمكن للمحتوى المقنع والمفبرك أن يشتّت الانتباه عن تحذيرات حقيقية، أو يضخم تهديدات وهمية، بما يؤدي إلى حسابات خاطئة قد تكون مكلفة.
لكن ربما يتمثل القلق الأعمق في أن وتيرة إنتاج المعلومات المضللة، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، باتت تتجاوز قدرتنا على الاستيعاب والرد. فعندما يُكتشف التزييف، تكون الرواية المضللة قد انتشرت وألقت بظلالها، في حين لا تلقى التصحيحات ذات الانتشار أو التأثير. وبهذا ندخل سباق تسلح جديد، ليس بين الدول فحسب، بل بين أدوات صناعة الأكاذيب وتلك التي تسعى إلى كشفها، في مشهد تتآكل فيه الثقة أكثر، ويُصبح التيقن من أي معلومة عملة نادرة.
إعلانفي هذا المشهد، يجد الجمهور نفسه غارقا في سيل من الادعاءات: الصادق منها والزائف، وذاك الذي يستحيل التحقق منه فورا. الحقيقة الرقمية باتت هشة للغاية، فصورة مصممة بإتقان أو تغريدة مضللة تكفي لتشكيل واقع مواز مؤقت، حتى يأتي النفي إن أتى أصلا. حتى الأخبار الحقيقية لم تعد تُستقبل بثقة، بعد أن أضعف التضليل المُمنهج مصداقية جميع المصادر.
ومع تحوّل الحرب المعلوماتية المعززة بالذكاء الاصطناعي إلى الوضع الطبيعي الجديد، لم يعد ضباب الحرب يخيّم على جبهات القتال فحسب، بل غزا شاشات أجهزتنا، وتوغّل في صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي. التحدي الأكبر الآن لا يكمن في كشف الأكاذيب، بل في استعادة الحد الأدنى من الثقة والعقلانية في زمن تتفوّق فيه البروباغندا الفورية، وتُصبح فيه الحقيقة أولى ضحايا الذكاء الاصطناعي.
قد لا نعتبر ما جرى مجرد حلقة جديدة في حروب البروباغندا المعتادة، بل يمكننا اعتباره محاكاة تمهيدية لعالم أصبحت فيه الحقيقة نفسها ضحية جانبية؛ عالم تُفبرك فيه الادّعاءات بأدوات ذكية، ويُصدّقها أغلب الجمهور فورا، ثم تُضخَّم عالميا قبل أن تتاح أي فرصة لأقرب مدقّق معلومات للتثبت من صحتها.