هل يقع الذكاء الاصطناعي في نفس أخطاء البشر؟ دراسة تكشف مفاجأة مثيرة للاهتمام
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
في الوقت الذي يتسارع فيه تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي ويُعوّل عليها لاتخاذ قرارات بشأن الأعمال والحياة اليومية، وعلى الرغم من أن البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي "يفكرون" بطرق مختلفة جذريًا، كشفت دراسة علمية حديثة عن مفاجأة مثيرة للاهتمام حول هذه الأنظمة وأنها ليست بعيدة عن الوقوع في نفس الأخطاء التي يقع فيها البشر.
اقرأ أيضاً..سباق نحو الذكاء العام.. اختبار جديد يتحدى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي
وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي صُمم ليعالج المشكلات بعقلانية ومنطق، إلا أن الدراسة الجديدة كشفت أن تشات جي بي تي، يمكنه أحيانًا الوقوع في نفس أخطاء البشر واتخاذ قرارات غير عقلانية. وفي ما يقرب من نصف السيناريوهات التي تم اختبارها، أظهر تشات جي بي تي، العديد من الانحيازات المعروفة في علم النفس البشري. وفق موقع livescience.
الدراسة نُشرت في 8 أبريل في مجلة Manufacturing & Service Operations Management، وتُعد الأولى من نوعها التي تقيم سلوك تشات جي بي تي، عبر 18 اختبارًا للكشف عن مدى تأثر الذكاء الاصطناعي بالتحيزات البشرية، وكانت النتائج مثيرة للاهتمام.
كيف تم اختبار تشات جي بي تي؟
باحثون من خمس جامعات في كندا وأستراليا قاموا باختبار نموذجَي GPT-3.5 و GPT-4، المحركين الأساسيين لـ تشات جي بي تي، عبر 18 انحيازًا معرفيًا مشهورًا في علم النفس.
تم تقديم أسئلة افتراضية مستمدة من تجارب نفسية تقليدية، إلى جانب سيناريوهات تجارية حقيقية مثل إدارة المخزون والتفاوض مع الموردين، لمعرفة مدى تكرار هذه الأنماط الإدراكية لدى النماذج.
متى يتفوق تشات جي بي تي… ومتى يتعثر؟
أظهر GPT-4 أداءً أفضل من GPT-3.5 في المسائل ذات الحلول الرياضية الواضحة، مع عدد أقل من الأخطاء في مسائل الاحتمالات والمنطق.
ولكن في الحالات التي تتطلب أحكاماً ذاتية أو قرارات قائمة على التفضيل، مثل تقييم مخاطر مقابل مكاسب، كرر النموذج الأخطاء البشرية.
GPT-4 أظهر ميلًا أكبر لليقين أكثر حتى من البشر أنفسهم، كما ذكر الباحثون- في إشارة إلى تفضيله الخيارات الأكثر أمانًا عند مواجهة مهام غامضة.
لماذا يكرر الذكاء الاصطناعي نفس أخطاء البشر؟
هذه الانحيازات تأتي من بيانات التدريب التي تحتوي على أنماط التفكير البشري، والتي تتعزز أكثر أثناء مرحلة تحسين النموذج باستخدام تقييمات بشرية تفضل الإجابات المقنعة على الإجابات المجردة.
وقال الباحث يانغ تشين: "عندما تستخدم تشات جي بي تي في مسائل دقيقة ومنطقية، فهو ممتاز. لكن في قرارات ذات طابع شخصي أو استراتيجي، عليك الحذر".
وأكدت الباحثة مينا أنديابان: "يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأنه موظف يتخذ قرارات مهمة - يحتاج إشرافاً واضحاً وإرشادات أخلاقية".
تشات جي بي تي، قوي في الحسابات والمنطق، لكنه يتأثر بالبشر في القرارات الغامضة. فالإشراف البشري ضروري عند استخدامه في قرارات استراتيجية أو ذاتية.هذه النتائج تنبه الشركات إلى ضرورة الدمج بحكمة بين الذكاء الاصطناعي والعقل البشري.
المعادلة المثالية تكمن في دمج قدرات البشر والذكاء الاصطناعي، لتحقيق قرارات أكثر دقة وأقل تحيزًا لخلق مستقبل تتعاون فيه العقول الطبيعية والاصطناعية جنبًا إلى جنب.
لمياء الصديق(أبوظبي)
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: تشات جي بي تي التحول الرقمي الذكاء الاصطناعي التطبيقات الذكية الذکاء الاصطناعی تشات جی بی تی
إقرأ أيضاً:
الثقافة والمعلوماتية وسؤال الذكاء الاصطناعي
اليوم وفي ظل الحديث عن الذكاء الاصطناعي، ترى إلى أين نحن ماضون كأفراد وجماعة وشعوب وأمم؟ وأين نحن كأمة من هذا كله، في ظل أننا كنا وما زلنا مستهلكين لهذه المنجزات التي "تعولم" الدول الصغيرة لصالح ثقافة الدول الكبيرة؟ وهل من دور ثقافي إزاء هذا كله؟
الثقافة والتعليم والإعلام ووسائل الإعلام الجماهيري والتواصل الاجتماعي كلها منظومة واحدة يصعب تجزئتها، وقد انتبهت لذلك حين بدأت عملي معلما، وإعلاميا معا كمحرر ثقافي، وسارا معا جنبا الى جنب حتى اللحظة، ومعهما وقبلهما، عملي مزارعا. إنه المنطلق الذاتي الموضوعي، أي المعرفة المقترنة بالخبرة العملية، والحياتية.
لم تمر بضع سنوات على التعليم، الذي قضيت فيه 4 سنوات، حتى بدأت الصحافة الجديدة في فلسطين، ومن ضمن ذلك كانت جريدة "الحياة الجديدة" التي تلتها جريدة "الأيام" بعام، إضافة للصحف والمجلات الأخرى.
كان سحرا ما زلت أذكره حين رأيت كيف نضع أي مقطع على موقع جوجول لنبحث عنه، حتى يزودك بكل ما له صلة به، من المواد التي تمت حوسبتها الكترونيا.
كان ذلك عام 1996، أي بعد عملي كمعلم بوقت قليل، لذلك تمازج فيّ المعلم والإعلامي من الدماء الجديدة التي دخلت الإعلام بعد عام 1994، تلك الفئة التي ارتبط عملها بثورة الاتصالات من خلال الشبكة العنكبوتية (المعلوماتية)، أي الانترنت.
كان جيلنا، ومن قبلنا ومن بعدنا بعديد سنوات، يتلقى ما تيسر من تعليم مدرسي بعد هزيمة عام 1967، ثم ما تيسر من صحافة كان مركزها المدن، ثم ما تيسر من إذاعات عربية، إلى جانب ما تيسر مما ساد من تلفزيون في تلك الأيام: التلفزيون الأردني، وأحيانا تلفزيونا سوريا ومصر. كان الإعلام السياسي والثقافي وما يتعلق بجوانب المجتمع أحد مكونات شخصياتنا ومصادر معارفنا.
بعد عام 2000، أصبح لدينا فرصة كتابة المناهج، وبذلك امتلكنا فرصة توطين المعارف، فقد انضمت الكتب المدرسية مع مصادر المعرفة المختلفة، ومن بينها الإعلام والثقافة، حيث كان للمعلوماتية دور في الوصول السريع ومواكبة الجديد، كذلك في الوصول الى ما تم نشره من قبل، حيث تمت حوسبة المكتوب والمرئي بشكل كبير.
للكتب المدرسة والجامعية، والمواد الإعلامية دور في الاطمئنان على ما ينبغي معرفته، وتوجيه السلوك نحو من اتجاهات متنوعة، شخصيا وأخلاقيا وقيميا وقانونيا ووطنيا وقوميا وإنسانيا، في الوقت الذي من المهم المحافظة على الفسيفساء الثقافية والفكرية بصفتها التعددية الطبيعية الملتزمة.
لكن من خلال ما شاهدنا ونشهد عليه، فإننا وجدنا اختلال التوازن، حيث صرنا نتشتت، بعيدا عن التعددية التي عشناها، وبالتدريج وجدنا أنفسنا ندخل عصر الخطاب المتهم، والمحرض والمقسم، وصولا لانقسامات سياسية ووطنية.
عادت ذاكرة الثلاثة عقود، ولعل استعدتها، وأنا أستمع لمداخلات تربويين وإعلاميين، ناقشوا "الوثيقة المرجعية لتطوير الاستراتيجيات الوطنية للتربية الإعلامية والمعلوماتية"، التي تمت بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وجامعة بيرزيت واليونسكو، وعدت أستعيد ما كتبته من خبرة ومن الخبرة الممكنة التي توفرت لي منذ عام 1998، والتي تراكمت وتطورت للكتابة والبحث في التعليم عن بعد والتعليم الالكتروني. وقد نبع ذلك الاهتمام من عملي في المجالات الثقافية والتربوية والإعلامية، في ظل المعلوماتية. وصرنا نرى مستويات البحث في المدارس الثانوية، الذي اعتمد على النقل، أما في الجامعات، فلم يختلف كثيرا عن المدارس، فكثر النسخ واللصق، وقد بدأ الأمر محزنا في عصر الذكاء الصناعي، حيث أصبح طلبة الدراسات العليا يعتمدون على النصوص التي يكونها الذكاء الصناعي.
في هذا المجال، واكبت المنجزات الأدبية للأدباء الشباب، ونشرت لهم، وخلال ما يقرب من عقد تقريبا، بدأ يظهر أدب الشباب، والذي نزع الى الذاتية، والتأثر باتجاهات الكتابة والنشر الالكتروني إن كان سمينا أو غثا، وربما ما يتفق مع خصوصياتنا، فشاع تقليد الآخرين في مواضيع هامشية تاركين مواضيعنا الحقيقية، ويبدو أن ذلك لاقى تشجيع ما من قبل من يهندسون ثقافة الشباب.
للأسف، في ظل انفجار المعلومات، صار المهتمون يلتقطون، دون إعمال الفكر بما يتفق مع جوهر البحث. ومن هنا فقد ارتبط بهذه الظاهرة أمر خطير، ألا وهو النشر غير المسؤول للمعلومات والآراء، والتي تضمنت داخلها الإشاعات، والتجاذبات والمعارك، والتي زادت من تشظي الأفراد والجماعات، ما أثر سلبيا على ما قصناه من وحدة وطنية وتعددية طبيعية ملتزمة، في ظل ما نتوقعه من الدور الراقي للأدب والثقافة.
لفت نظري التوصية الخامسة "تعزيز التفكير النقدي والمساءلة المجتمعية" من التوصيات الأساسية، ضمن ملخص "الوثيقة المرجعية لتطوير الاستراتيجيات الوطنية للتربية الإعلامية والمعلوماتية".
تجيء الدعوة لتعزيز التفكير النقدي، في إطار تكرارها كثير في المنتديات والمؤتمرات التي تخص تطوير التعليم، فلسطينيا وعربيا، ولعل الخطة الاستشرافية لتطوير وتجويد التعليم، التي تتبلور في أروقة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ومؤسسات التعليم العربية، قد أشارت لها كوسيلة وغاية. إذن الحديث عن التفكير النقدي ليس جديدا ولا اكتشافا، لذلك فإن المهم هنا هو حضوره عبر مأسسة التعليم المعتمدة على التفكير النقدي حسب مرحلة النمو، والتي تحضر بقوة في التعليم العالي، والبحوث.
وبالطبع فإننا حين نتحدث عن التعليم، فإن الثقافة تقع في صلب ذلك كله، حيث تنمو من جهة، وتشكل الاتجاهات من جهة أخرى.
التفكير النقدي هو إذن بيت قصيد عملية التعلم والتعليم والثقافة والإعلام. وهو بيت قصيد التلقي الإعلامي والثقافي والفني، وبالطبع السياسي والفكري. انه بيت قصيد التلقي والتفاعل الإيجابي المسؤول. إننا إزاء نظرية التلقي لكل ما تصل إليه حواسنا من معلومات، يقوم الفكر بدورها في التعامل الإنساني لها، والذي يعلي من شأن الفكر عبر الفهم.
والسؤال اليوم وأمس وغدا، من هو المؤهل لإحداث ذلك ونحن نسعى الى هذا الهدف؟
في البدء، ثمة شكوك أن هناك إيمانا فعليا من المؤسسات ذات الصلة سياسيا وتربويا وثقافيا بالاقتناع بإيجاد هذا النوع من التفكير، والذي لا ينسجم مع منهجيات الحكم والإدارة ومؤسسات التعليم والثقافة والعلم والإعلام. ولكن لنفترض الظن الطيب. إذن ما العمل؟ ومن العامل الفاعل؟
من المهم، واللازم، والمنطقي، البحث عمن يتسمون بهذا النوع من التفكير، أو لنقل من نراهم يتسمون بالتفكير بحد ذاته، في مجالات الفعل المختلفة، بدءا في التعليم والثقافة والإعلام، كونهما المشكلين الأساسين للعقول. من هنا، يمكن البدء.
ربما يقودنا الحديث الى سقراط وأفلاطون ومن ثم أرسطو وجون ديوي حديثا، الذي قام بعمل فكري عميق حين اكتشف نظام تصنيف المعرف، أي مكانها في المكتبات.
إن بناء تفكير نقدي سيساعد في الحكم، بعد ممارسة الاطلاع عبر القراءة والمشاهدة والتأمل، التي تؤدي إلى الفهم؛ فلا بناء حكم بدون الفهم الحقيقي. فهم المقروء والمسموع، ثم التعرف على ما يحيطه من معلومات، والتأكد منها قدر الإمكان، وهذا ما سيخلصنا من الانفعالية الشعبوية، القادمة من نظم تفضل برمجة الشعوب وهندسة عقولها من الطفولة المبكرة.
إن التفكير الناقد هو مفتاح إنتاج المعارف والآداب، وهو من يضمن أي عبث بالجمهور، باتجاه التخريب والفرقة. وإن التربية عليه، سيجنبنا أيضا العنف بمعظم أشكاله، حيث سيستند الفرقاء الى أرض واحدة، تتم المحاججة علها.
إنه فعل وطني وقومي، لم يزدهر أمة قديما ولا حديثا لم تستند له. أم البدء فهو من البيت والمدرسة والمركز الثقافية والفنية. يبقل الصراخ والصوت العالي لصالح الاستماع، للفهم والتعبير والإبداع لا المحاكاة ولا الانفعال.
إنه الذكاء الإنساني الذي وهبنا الله، حتى نعبر مرحلة الذكاء الاصطناعي، والتي تجيء اليوم كاستئناف لتحدي المعلوماتية، وليس ظاهرة جديدة.