لم تعد بيئة الابتكار في الوقت الراهن تضم مشاهد التنافس التقليدي على فرص التطوير التكنولوجي، والسباق للوصول إلى الريادة العلمية، فقد أصبح التعاون بين الشركات المتنافسة أمرًا مألوفًا من منطلق أن الابتكار هو في الأصل عملية تشاركية يمكن أن تحقق موقف «رابح - رابح» لجميع الأطراف الفاعلة، وهذا ما ألهم المفكرين والباحثين للتركيز على دراسة محور السلوكيات الاستراتيجية لشركات الابتكار، وقد برز موضوع التعاون التنافسي كأحد أهم الأطروحات الفكرية في أدبيات إدارة الابتكار.

وأظهرت الأبحاث بأن التعاون التنافسي يُسهم بشكل كبير في رفع القدرة الابتكارية للشركات التكنولوجية التي تتبنى أنماطًا تعاونية بدلًا من المواقف التنافسيّة البحتة، وكل ذلك يعود بالكثير من الآثار الإيجابية على بيئة النظم الابتكارية. ومع ذلك، ينطوي التعاون التنافسي أيضًا على تحديات ومخاطر وخصوصًا فيما يتعلق بالآثار غير الملموسة لديناميكيات شبكات الابتكار.

تعالوا في البدء نتأمل المصطلح ذاته وهو التعاون التنافسي، سنجد بأنه يجمع قطبي العلاقة بين شركات الابتكار؛ ويشمل التنافس الذي يؤدي إلى ما يطلق عليه مصطلح «لعبة المحصلة الصفرية» وفقًا لنظرية اللعبة، وفيها يكون أحد الأطراف رابحًا، والقطب الآخر هو التعاون الذي يؤدي إلى «لعبة المحصلة المضاعفة»، والتي تكسب فيها جميع الأطراف، ولكن التعاون التنافسي يختلف بشكل جزري، فهو يمثل التعادل التكتيكي بين التنافس والتعاون، والذي يؤدي إلى «لعبة المحصلة المتغيرة»، إذ يصعب تحليل ديناميكيات التنافس والتعاون ذات الصلة بالابتكار، بل وحتى التنبؤ بها ليس أمرًا هينًا، ولذلك فإن أنماط المواقف التنافسيّة التعاونية هي مربكة ومتشابكة، ولا تعني بالضرورة مجرد تكتيكات لتغليب مزايا التعاون على المنافسة، كما أنها كذلك قد تحدث عفويًا دون تخطيط مسبق، وهذا ما يزيد من تعقيد هذه المواقف، وبنفس القدر من الأهمية، فإن التنافسية بين الفاعلين في الابتكار التكنولوجي هي في الأصل إيجابية ومطلوبة، فالعديد من المنافع الآجلة يمكن تحقيقها بالتعاون المشترك، ولكن اكتساب الميزة التنافسية المستدامة تتطلب التميز.

وهذا يقودونا إلى التحديات التي تعترض تحقيق حالة التعاون التنافسي بالشكل المطلوب، وفي مقدمتها يأتي موضوع تعريف العلاقة بين الشركات الابتكارية، فالعملية الابتكارية تتطلب الجمع بين أوجه التكامل، وهنا تأتي أهمية الوعي بأن التعاون الثنائي يختلف تمامًا عن التعاون مع أطراف متعددة، فهناك أطراف محورية، وجهات أخرى فاعلة، ولكن ليست مؤثرة بشكل محوري، وبذلك فإن الخطوة الأولى هو تحديد طبيعة العلاقة، ثم توجيه الاهتمام نحو تقدير شدة المنافسة، وفرص التعاون، وتقييم التفاعلات السابقة من أجل إتاحة الصورة الكاملة في وضع التكتيكات الاستراتيجية، والنقطة المهمة تكمن في تحديد المسار المستقبلي لهذه العلاقات، أي أنه لا بد أن تكون الشركة على دراية كاملة بالخطوط العريضة للتعاون على المدى البعيد، لأن اختيار نهج التعاون التنافسي يتطلب الالتزام، فإدارة موضوع تقاسم المنافع هو بمثابة قرار استثماري، وليس حالة فردية تنتهي بانتهاء مشروع واحد مشترك.

في الواقع، يمكن تحليل التعاون التنافسي بعدسات مزدوجة بغية الإلمام بالدوافع والمنطلقات، وكذلك التحديات والثغرات القائمة حاليًا، فمن منظور استراتيجي بحت، ترتبط الدوافع الرئيسية التي طالما حفزت الشركات الابتكارية على التعاون هو حاجتها إلى موارد وكفاءات نوعية لا تمتلكها، وفي الوقت ذاته، هي موارد حاسمة لإنجاح جهودها الابتكارية.

وانطلاقًا من هذه الحاجة، تستخدم الشركات الابتكارية قدراتها الداخلية في التواصل والتشبيك لتحديد الجهات الفاعلة في مجالاتها وتخصصاتها، ثم تبدأ في تصنيف الجهات الأعلى تأثيرًا بين المنافسين لرسم الصورة الكاملة عن مسارات التعاون الأكثر ربحية لها، والتي يمثل تنشيطها ورعايتها فرصة لتوليد ميزة تنافسية مستدامة، وهذا يفسر ميل الشركات الابتكارية الرائدة إلى التعاون والتنافس في آن واحد.

وفي مختلف مراحل التفاعل، يطغى النهج الهجين على الصبغة الأحادية، إذ يرتبط التعاون التنافسي ارتباطًا وثيقًا بعمليات إدارة المعرفة الداخلية، والتطوير المعلوماتي، واستقطاب المهارات النوعية، وهي جميعها تخلق إمكانية زيادة تبادل المعرفة المشتركة، وتقليل منحنى التعلم.

ولا يعني ذلك بأن التعاون التنافسي يفرض الانكشاف الكامل على الشركات المنافسة، وإنما هو تكتيك يشمل تعزيز شراكات في أنشطة محددة، وفي مراحل معينة من مراحل التطوير المعرفي أو التكنولوجي، ففي سياق التفاعل المحدد، يمكن العثور على عناصر التعاون، ولكن تبقى دائمًا نقاط أخرى محل تنافس، وغالبًا ما يطغى أحد هذين العنصرين ضمنيًا على الآخر، وهذا هو النهج الصحيح لتحقيق العوائد الإيجابية المشتركة دون فقدان الميزة التنافسية.

ولكن التعاون التنافسي يمكن أن ينظر إليه أيضًا كتنافس تعاوني، والتغيير في ترتيب الكلمات ليس مجرد تقديم أو تأخير، ولكنه يحمل الكثير من الأبعاد العميقة للسلوك التعاوني والتنافسي المتزامن، والذي يضم مسارات مختلفة من التعاون والمنافسة، وهي مستمدة من الجمع بين الحاجة إلى الابتكار في مجالات جديدة وتحقيق التميز المطلق من جهة، ومن جهة أخرى، التكامل مع النجاحات القائمة وتحقيق تميز مشترك، وهي صورة مختلفة عن التنافس التقليدي لشركات الابتكار التي تتسابق بشدة من أجل الأسبقية، وهذا يعني بأن مرجعية التنافس هو الزمن، بعكس التعاون التنافسي الذي يعود إلى مرجعية الاستدامة، وذلك بحيث تكون المنافسة موجودة بشكل معتدل، ويكون التعاون مرتفعًا بمستوى أعلى، ويتيح صياغة أدوار الجهات الفاعلة بشكل تشاركي.

وبذلك فإن التعاون التنافسي هو بديل للأنواع التقليدية من التفاعلات، وقد أدى ظهور هذا الفكر إلى الوصول لفهم أكثر واقعية عن أهمية تنويع العلاقات الثنائية بين الأطراف الفاعلة في الابتكار في سياقات متعددة، والاستفادة من التأثير الإيجابي لهذه التفاعلات، وذلك بالوصول إلى حالة التعاون التنافسي التكيفي، والذي يحدث في ظل ظروف التعاون العالي والمنافسة العالية معًا.

إن التغييرات العلمية والتكنولوجية الهائلة قد غيرت ملامح التفاعلات بين الجهات الفاعلة في الابتكار، وأسهمت في ظهور أنماط مركبة من الابتكار القائم على التعاون التنافسي، وعلى شركات الابتكار تبني منظور أكثر انفتاحًا في دعم أنشطة الابتكارية لاكتساب الميزة التنافسية المستدامة، والتعلم من المسارات الفكرية المعاصرة في توظيف جوهر النهج الاستراتيجية والتكتيكية القائمة على التعاون والتنافس المتزامن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشرکات الابتکاریة التنافسی ا

إقرأ أيضاً:

الاتصالات تناقش دعم الشركات الناشئة في سوريا

دمشق-سانا

نظمت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، اليوم، جلسة نقاش مع ممثلي الشركات الناشئة لريادة الأعمال في سوريا، بهدف جمع الشركات من مختلف أنحاء سوريا بلقاء مباشر مع صناع القرار الحكومي، لصياغة سياسات وبرامج وطنية تبنى وفق نهج تشاركي حقيقي، وذلك في فندق الشيراتون بدمشق.

وتضمنت الجلسة التي حملت عنوان “قمة الشركات الوطنية الناشئة نحو آفاق جديدة بحلول مبتكرة”، مناقشة محاور المشهد الحالي والمستقبلي لشركات ريادة الأعمال، والتحديات التي تعيق إنشاءها، ودورها في تطوير وبناء سوريا.

وتركزت مداخلات الحضور على ضرورة وجود تصنيف عادل للشركات، وسبل إيجاد حلول للعوائق التي تعترض عملها، وأهمية تقديم التسهيلات لتسجيلها، وإيجاد مساحات عمل مشتركة للتواصل بينها، وخلق بيئة استثمارية لها، وتأمين قاعدة بيانات متكاملة عن الشركات العاملة في سوريا، إضافة إلى إصدار تشريعات وقوانين واضحة داعمة لها، وتطوير البنية التحتية لخدمات الإنترنت والاتصالات.

وأكد وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل في كلمة له أن سوريا اليوم بمرحلة تأسيسية جديدة، تركز فيها على كيفية تمكين ودعم الشركات الوطنية الناشئة، ووضع المعايير اللازمة لعملها، لدورها الكبير في تطوير القطاعات الاقتصادية، والذكاء الاصطناعي، وأتمتة العمل الحكومي، مشيراً إلى أن الوزارة تحرص على الوصول لأفضل بيئة رقمية تقنية ذات بنية تحتية قوية، وتوفر أفضل بيئة إنترنت في المنطقة، وهذا يعود بالفائدة على المستخدمين والشركات الناشئة.

وفي رده على المداخلات، أوضح الوزير هيكل أن الوزارة تعمل مع الجهات الوزارية المعنية، على توفير أفضل بيئة قانونية تسهل انطلاقة الشركات الناشئة، من مرحلة الفكرة إلى التنفيذ بشكل سريع مع تقديم كل الدعم اللازم، وإتاحة خدمات الدفع الإلكترونية، وتأمين بنية تحتية رقمية، مؤكداً أنه يتم العمل على أن تكون سوريا بمقدمة الدول في البنية التحتية للشركات الناشئة، في ظل امتلاكها للطاقات الشبابية، والعقول، والعلاقات الدولية.

ولفت معاون وزير الاتصالات محمود موسى إلى أن ريادة الأعمال تبرز بقوة في دعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي، والوزارة تحرص على دعم هذه الشركات والعمل على اتخاذ الإجراءات في سبيل تسهيل انطلاقتها، وتأمين الحماية والأمان لبياناتها، ومنع اختراقها.

بدوره، بين مستشار الابتكار وريادة الأعمال في الوزارة أحمد بيرم، أن هذه القمة تمثل محطة محورية ضمن الأجندة الوطنية لريادة الأعمال التي تقودها الوزارة، وتعد المنصة الأولى من نوعها التي تجمع صناع القرار الحكومي مع مؤسسي الشركات الناشئة من مختلف المحافظات، مشيراً إلى وجود أكثر من 140 شركة في هذه القمة التي تشكل مساحة عمل حقيقية لرسم ملامح المستقبل لمنظومة ريادة الأعمال، ودفع عجلة التعافي الوطني عبر الابتكار وإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس جديدة.

من جهته استعرض نائب المدير العام للهيئة الوطنية ومدير مركز أمن المعلومات الوطني جهاد ألالا، الآلية الجديدة المعتمدة من قبل الوزارة لتسهيل عمل الشركات وتراخيص التطبيقات الإلكترونية في سوريا، مبيناً التعديلات التي أجرتها الوزارة لمنح الاعتمادية للتطبيق الإلكتروني.

الشركات الناشئة في سوريا 2025-07-01mohamadسابق مفوض حقوق الإنسان الأممي يدعو لحماية البشر من فوضى المناخالتالي الخارجية القطرية: إنهاء العقوبات الأمريكية على سوريا نقطة تحول تاريخيةآخر الأخبار 2025-07-01الخارجية القطرية: إنهاء العقوبات الأمريكية على سوريا نقطة تحول تاريخية 2025-07-01الاتصالات تناقش دعم الشركات الناشئة في سوريا 2025-07-01مفوض حقوق الإنسان الأممي يدعو لحماية البشر من فوضى المناخ 2025-07-01الأمم المتحدة ترحب برفع جزء كبير من العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن سوريا 2025-07-01أوتشا: أكملنا مهمة مشتركة بين وكالات الأمم المتحدة شمال غرب سوريا 2025-07-01تخريج 3000 مقاتل من الفرقة 76 في الأكاديمية العسكرية بحلب 2025-07-01الصحة تدعم جهود الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا 2025-07-01الإدارة المحلية تبحث مع الهجرة الدولية دعم البلديات في سوريا 2025-07-01منتخب سوريا لرفع الأثقال يشارك ببطولة آسيا في كازاخستان 2025-07-01تعرف على نظام البلاي أوف لتحديد بطل الدوري السوري الممتاز لكرة القدم

صور من سورية منوعات شركة صينية تطرح روبوتاً لإزالة الأعشاب الضارة بالليزر 2025-06-30تحذير علمي: ارتفاع الحرارة يؤثر في القدرات الإدراكية 2025-06-29
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • من كاوست إلى العالمية.. سعودي يقود مستقبل الابتكار في أشباه الموصلات
  • المملكة ترسم ملامح الحلول العالمية لأزمات الجفاف وتؤكد أهمية الابتكار والتعاون الدولي لمواجهة التحديات البيئية
  • ناجحون في الامتحان التنافسي / أسماء
  • عقدت 17 اتفاقية في مؤتمرBIO الدولي للتقنية الحيوية.. السعودية تعزز حضورها عالمياً على خارطة الابتكار الصحي
  • «غرف دبي» توعي مجتمع الأعمال بضريبة الشركات وقانون العمل
  • تعلن مصلحة الجمارك عن منتجات الشركات الأمريكية والداعمة للكيان الصهيوني المحظورة
  • الاتصالات تناقش دعم الشركات الناشئة في سوريا
  • وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي والرياضة والشباب تطلقان مبادرة "حاضنات الابتكار المدرسية"
  • جامعة الأميرة نورة.. فعاليات تدريبية خلال يوليو لتنمية الابتكار التقني
  • أورنج الأردن تدعم الابتكار الرقمي برعاية مؤتمر ICIT 2025 الدولي