في ظل الانهيار التدريجي للنظام العالمي وتراجع دور مؤسسات المجتمع الدولي، يعيش الشرق الأوسط حالة سيولة متزايدة تحوّلت من مرحلة الترقب إلى طور المواجهات المفتوحة في لحظة «ما بعد النظام».

وأمام هذا التأزم انتقل الوضع في الشرق الأوسط من مرحلة الحذر والترقب إلى مرحلة المواجهة الحقيقية، وكانت المواجهات الأمريكية والإسرائيلية مع اليمن أحدث فصول تلك المواجهات التي اعتبرها البعض إرهاصات لمواجهات أكبر وأوسع وأخطر فيما لو استمرت وذهبت إلى المسار الأصعب.

ومرة أخرى برز دور سلطنة عمان المحوري في نزع فتيل النار؛ فبعد أيام من نجاحها في جمع الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة التفاوض حول الملف النووي بعد انقطاع دام ثماني سنوات تقريبا، نجحت وساطة جديدة في الوصول إلى تفاهم بين أمريكا وجماعة «أنصار الله» في اليمن فيما يمكن أن يكون «سلاما موضعيا» في منطقة تتنازعها أدوات الحرب وأوهام الردع. ويقضي التفاهم مبدئيا بوقف الضربات الجوية الأمريكية على «أنصار الله»، مقابل التزام هؤلاء بوقف استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب.

ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التفاهم يمكن أن يصمد أو يتداعى في ظل السياسة الأمريكية التي يصعب التنبؤ بسلوكها فإن الأمر يعكس تحوّلًا في البنية النفسية والعسكرية للنزاع في المنطقة وأنّ ما كان مستحيلا بات اليوم ممكنا.

وأثبتت الضربات الجوية الأمريكية على صنعاء محدودية تأثيرها في تفكيك البنية القتالية لأنصار الله، بل على العكس فإن الضربات التي كان لها تأثير إنساني خطير جدا أعطى «أنصار الله» مبررا منطقيا للانتقام والإصرار على مواصلة إسناد غزة ومواصلة استهداف النقل البحري في البحر الأحمر والذي وإن كان تأثيره رمزيا إلا أنه دفع بالمجتمع الدولي إلى حافة أزمة شحن بحرية واقتصادية حيث ارتفعت أقساط التأمين، وأعيد توجيه طرق التجارة نحو مسارات أطول وأكثر تكلفة، وانكمشت تدفقات البضائع نحو موانئ قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.

في هذا المشهد الصعب كانت الدبلوماسية العمانية تتحرك لتثبت للجميع أن الحسم بالقوة ما هو إلا أحد الأوهام التي تسيطر على الفعل السياسي في منطقة الشرق الأوسط. فعلى العكس من المقاربات السابقة في المنطقة والتي حاولت فرض ترتيبات أمنية من أعلى، تبنّت مسقط أسلوب التفاوض من قاعدة التفاهمات المشتركة. لم تأتِ المبادرة من موقع استعلاء إقليمي، بل من موقع ثقة تاريخية اكتسبتها عُمان في علاقاتها الهادئة مع كل الأطراف، من واشنطن إلى طهران، ومن أنصار الله إلى المجلس الرئاسي الذي يمثل الشرعية في اليمن.

وتتجاوز الأهمية الجيوسياسية لوساطة سلطنة عمان توقيتها وتزامنها مع وساطة أخرى أكثر أهمية بين أمريكا وإيران؛ فهي أولًا تعيد الاعتبار للدور الخليجي الذي بدا مؤخرا أنه لا يريد التمحور حول التصعيد العسكري، وثانيًا، تثبت أن مناطق النفوذ في الشرق الأوسط لا يُعاد ترسيمها بالصواريخ، بل بالحوار البعيد عن الأضواء. وثالثا، ترسل إشارة مبطنة للغرب: أن أدوات «الردع عن بعد» لم تعد قادرة وحدها على ضمان أمن الممرات أو تهدئة الصراعات. ورابعا، تثبت للولايات المتحدة وبشكل خاص لليمين المتشدد أن علاقة سلطنة عُمان بأنصار الله يمكن أن يكون لها فائدة استراتيجية لهم في لحظات الحقيقة.

وفي ظل التحديات البنيوية التي تواجه النظام الإقليمي في الشرق الأوسط تكتسب هذه التجربة العُمانية قيمة استراتيجية حيث تطرح نموذجا بديلا للخروج من الأزمات وإعادة تعريف كيفية إدارة التوازنات في عصر لم يعد يسمح باستراتيجيات الغلبة.

قد لا يكون الاتفاق بين واشنطن وأنصار الله نهاية للصراع في اليمن، لكنه قد يكون بداية لنهاية استراتيجية الإنكار المتبادل، وبداية اعتراف بأن الطريق إلى الاستقرار يمر من ممرات ضيقة، تحتاج لصوت العقل أكثر من ضجيج الطائرات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشرق الأوسط أنصار الله

إقرأ أيضاً:

الصحفيين والمنتدى الاستراتيجي يناقشان تغطية الفضائيات لحروب الشرق الأوسط -(صور)

كتب- محمد عبدالناصر:

نظمت لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين، بالتعاون مع المنتدى الإستراتيجي للفكر والحوار، جلسة نقاشية بعنوان إعلام تحت القصف: تقييم تموضع الفضائيات الإخبارية في تغطية حروب الشرق الأوسط"، اليوم الأحد، بمقر النقابة.

مهنية وأداء الفضائيات الإخبارية

ويناقش الصالون أثر الحروب على مهنية وأداء الفضائيات الاخبارية وخاصة المصرية والعربية، ومدى تأثر العاملين فيها بالضغوط التي تفرضها طبيعة هذه التغطيات الإعلامية، إلى جانب التحديات التي تواجه الإعلاميين فى مناطق الصراع.

وتأتي أهمية الصالون في ظل التحديات المتزايدة التى تواجه العمل الصحفي في مناطق النزاعات، والدور المحوري الذي تلعبه التغطية الإعلامية في تشكيل الرأي العام خلال الأزمات والحروب.

وتمثل الحلقة النقاشية "إعلام تحت القصف" باكورة التعاون بين لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين والمنتدى الإستراتيجي للفكر والحوار، والذي يتضمن عددا من الفعاليات الهامة التي سيعلن عنها في ختام الحلقة النقاشية، والتي تشهد توقيع بروتوكول تعاون بين النقابة والمنتدى.

شارك في الصالون لفيف من الصحفيين والمهتمين بالشأن الإعلامي والدولي، ومن خبراء المنتدى الاستراتيجي، الكاتب الصحفي إيهاب نافع، والباحث السياسي عمرو أحمد، وأعضاء لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

نقابة الصحفيين المنتدى الاستراتيجي إعلام تحت القصف

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة "الصحفيين" يشكر الرئيس لتوجيهاته بزيادة بدل التدريب.. ويثمن دعوته لدعم أخبار غدًا.. صالون الشئون العربية بـ"الصحفيين" يُدشن تعاونا مع المنتدى الاستراتيجى أخبار الصحفيين: لم نتلق أي شكاوى تتعلق بعرقلة مهام الزملاء خلال الانتخابات أخبار "الصحفيين" تُعلن دعمها لطارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين أخبار

إعلان

أخبار

المزيد شئون عربية و دولية نتنياهو: لا نريد استخدام الجوع كسلاح حرب في غزة أخبار مصر هتموت من الضحك.. يا ترى أحمد آدم وصلاح عبدالله عملوا إيه لما طلع لهم فيل أخبار المحافظات من الإسكندرية لبورسعيد.. إطلاق زوج السلاحف "علي وفرح" بمياه المتوسط (صور) أخبار مصر أحمد موسي: توجيه رئاسي بتبني الآراء الوطنية والنقد البناء شئون عربية و دولية المجموعة العربية بمجلس الأمن تدين خطة إسرائيل وتطالب بوقف العدوان على غزة

الثانوية العامة

المزيد مدارس وزير التعليم: الالتزام بنسب الحضور للطلاب وضرورة متابعة نسب الحضور بدقة مدارس وزير التعليم: تسليم الكتب للمدارس فورًا وتوفير المقررات الدراسية نهاية مدارس وزير التعليم: تنفيذ خطة واضحة للانتهاء من الفترات المسائية في المرحلة الابتدائية مدارس وزير التعليم يهنئ القيادات التعليمية الجديدة.. ويؤكد دعم الوزارة للقيادات مدارس موعد انطلاق امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025

إعلان

أخبار

"الصحفيين" والمنتدى الاستراتيجي يناقشان تغطية الفضائيات لحروب الشرق الأوسط -(صور)

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

موجة شديدة الحرارة وأمطار.. الأرصاد تحذر من طقس الـ72 ساعة المقبلة حقيقة فيديو شكر نتنياهو للسيسي: لولاه لكانت إسرائيل في ورطة التطبيق من يونيو 2025.. رسوم تُخصم من عداد الكهرباء "أبو كارت" عند الشحن رغم ارتفاع السجائر.. لماذا تراجع التضخم الشهري والسنوي في يوليو؟ 40

القاهرة - مصر

40 28 الرطوبة: 22% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • الصحفيين والمنتدى الاستراتيجي يناقشان تغطية الفضائيات لحروب الشرق الأوسط -(صور)
  • تقرير عبري يتحدث عن تهديد أردوغان لـحلم تل أبيب في الشرق الأوسط
  • بالتفاصيل.. طيران الشرق الأوسط تعدل إقلاع بعض مواعيد الرحلات
  • من سايكس-بيكو إلى ترامب-نتنياهو: تقسيم المقسّم في مشروع الشرق الأوسط الجديد
  • تروكولر تتجاوز 100 مليون مستخدم نشط شهريا في الشرق الأوسط وأفريقيا
  • مسار الرياض -جدة يتصدر أزحم المسارات الجوية في الشرق الأوسط..فيديو
  • قبة حرارية تحاصر الشرق الأوسط وتهدد سكانه
  • الأحد .. مجلس الأمن يبحث الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية
  • جامع الشيخ زايد الكبير الأول على مستوى الشرق الأوسط في فئة أبرز معالم الجذب
  • كيف قرأ الإيرانيون مقترح إنشاء منتدى للتعاون النووي المدني؟