الوساطة العُمانية.. نهاية استراتيجية الردع وهندسة السلام الممكن
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
في ظل الانهيار التدريجي للنظام العالمي وتراجع دور مؤسسات المجتمع الدولي، يعيش الشرق الأوسط حالة سيولة متزايدة تحوّلت من مرحلة الترقب إلى طور المواجهات المفتوحة في لحظة «ما بعد النظام».
وأمام هذا التأزم انتقل الوضع في الشرق الأوسط من مرحلة الحذر والترقب إلى مرحلة المواجهة الحقيقية، وكانت المواجهات الأمريكية والإسرائيلية مع اليمن أحدث فصول تلك المواجهات التي اعتبرها البعض إرهاصات لمواجهات أكبر وأوسع وأخطر فيما لو استمرت وذهبت إلى المسار الأصعب.
ومرة أخرى برز دور سلطنة عمان المحوري في نزع فتيل النار؛ فبعد أيام من نجاحها في جمع الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة التفاوض حول الملف النووي بعد انقطاع دام ثماني سنوات تقريبا، نجحت وساطة جديدة في الوصول إلى تفاهم بين أمريكا وجماعة «أنصار الله» في اليمن فيما يمكن أن يكون «سلاما موضعيا» في منطقة تتنازعها أدوات الحرب وأوهام الردع. ويقضي التفاهم مبدئيا بوقف الضربات الجوية الأمريكية على «أنصار الله»، مقابل التزام هؤلاء بوقف استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب.
ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التفاهم يمكن أن يصمد أو يتداعى في ظل السياسة الأمريكية التي يصعب التنبؤ بسلوكها فإن الأمر يعكس تحوّلًا في البنية النفسية والعسكرية للنزاع في المنطقة وأنّ ما كان مستحيلا بات اليوم ممكنا.
وأثبتت الضربات الجوية الأمريكية على صنعاء محدودية تأثيرها في تفكيك البنية القتالية لأنصار الله، بل على العكس فإن الضربات التي كان لها تأثير إنساني خطير جدا أعطى «أنصار الله» مبررا منطقيا للانتقام والإصرار على مواصلة إسناد غزة ومواصلة استهداف النقل البحري في البحر الأحمر والذي وإن كان تأثيره رمزيا إلا أنه دفع بالمجتمع الدولي إلى حافة أزمة شحن بحرية واقتصادية حيث ارتفعت أقساط التأمين، وأعيد توجيه طرق التجارة نحو مسارات أطول وأكثر تكلفة، وانكمشت تدفقات البضائع نحو موانئ قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.
في هذا المشهد الصعب كانت الدبلوماسية العمانية تتحرك لتثبت للجميع أن الحسم بالقوة ما هو إلا أحد الأوهام التي تسيطر على الفعل السياسي في منطقة الشرق الأوسط. فعلى العكس من المقاربات السابقة في المنطقة والتي حاولت فرض ترتيبات أمنية من أعلى، تبنّت مسقط أسلوب التفاوض من قاعدة التفاهمات المشتركة. لم تأتِ المبادرة من موقع استعلاء إقليمي، بل من موقع ثقة تاريخية اكتسبتها عُمان في علاقاتها الهادئة مع كل الأطراف، من واشنطن إلى طهران، ومن أنصار الله إلى المجلس الرئاسي الذي يمثل الشرعية في اليمن.
وتتجاوز الأهمية الجيوسياسية لوساطة سلطنة عمان توقيتها وتزامنها مع وساطة أخرى أكثر أهمية بين أمريكا وإيران؛ فهي أولًا تعيد الاعتبار للدور الخليجي الذي بدا مؤخرا أنه لا يريد التمحور حول التصعيد العسكري، وثانيًا، تثبت أن مناطق النفوذ في الشرق الأوسط لا يُعاد ترسيمها بالصواريخ، بل بالحوار البعيد عن الأضواء. وثالثا، ترسل إشارة مبطنة للغرب: أن أدوات «الردع عن بعد» لم تعد قادرة وحدها على ضمان أمن الممرات أو تهدئة الصراعات. ورابعا، تثبت للولايات المتحدة وبشكل خاص لليمين المتشدد أن علاقة سلطنة عُمان بأنصار الله يمكن أن يكون لها فائدة استراتيجية لهم في لحظات الحقيقة.
وفي ظل التحديات البنيوية التي تواجه النظام الإقليمي في الشرق الأوسط تكتسب هذه التجربة العُمانية قيمة استراتيجية حيث تطرح نموذجا بديلا للخروج من الأزمات وإعادة تعريف كيفية إدارة التوازنات في عصر لم يعد يسمح باستراتيجيات الغلبة.
قد لا يكون الاتفاق بين واشنطن وأنصار الله نهاية للصراع في اليمن، لكنه قد يكون بداية لنهاية استراتيجية الإنكار المتبادل، وبداية اعتراف بأن الطريق إلى الاستقرار يمر من ممرات ضيقة، تحتاج لصوت العقل أكثر من ضجيج الطائرات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرق الأوسط أنصار الله
إقرأ أيضاً:
غزة وإيران.. لقاء سري بين ترامب ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي
كشف موقع "واللا" العبري، الخميس، عن عقد اجتماع غير معلن في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ناقشا خلاله مستجدات المحادثات النووية مع إيران والوضع المتأزم في قطاع غزة.
وشارك في الاجتماع كذلك نائب الرئيس دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، وقوع اللقاء، واصفة إياه بأنه "اجتماع خاص"، دون الخوض في تفاصيل إضافية.
يأتي هذا اللقاء قبل أيام فقط من انطلاق الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، المقررة يوم الأحد المقبل في العاصمة العمانية مسقط، وكذلك قبيل زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط تبدأ الثلاثاء، وتشمل السعودية وقطر والإمارات، لكنها تستثني إسرائيل من جدول الزيارة، في خطوة أثارت تساؤلات في الأوساط السياسية.
وبحسب الموقع الإسرائيلي، فإن الاجتماع يأتي أيضاً بعد حالة من الصدمة التي أصابت الحكومة الإسرائيلية إثر إعلان ترامب، قبل يومين، وقف إطلاق النار مع جماعة الحوثي في اليمن، دون التشاور المسبق مع تل أبيب.
ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي قوله: "لقد صدمنا لأن إدارة ترامب لم تخبرنا بأي شيء، وعلمنا بذلك من خلال التلفزيون"، وهو ما ألقى بظلال من الشك على مدى متانة التنسيق بين الجانبين، لا سيما في ملفات استراتيجية مثل إيران وغزة.
وفي لقاء منفصل عقد الأربعاء بين ديرمر ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أعرب الوزير الإسرائيلي عن قلق بلاده المتزايد من ما وصفه بـ"تآكل تأثير إسرائيل" على السياسة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
وقد اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هذا الاجتماع يأتي في سياق محاولات إسرائيلية لاحتواء التباينات المتزايدة مع إدارة ترامب.