تصعيد إسرائيلي أمريكي| وهدنة مفاجئة تثير الجدل.. ماذا يحدث في اليمن؟
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
تشهد الساحة اليمنية عمليات عسكرية متزايدة بقيادة إسرائيل، مدعومة بتنسيق أمريكي بريطاني، في مقابل مواقف سياسية وعسكرية متباينة من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائها.
وقف الضربات على اليمنوتزامن هذا التصعيد مع إعلان مفاجئ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف الضربات على اليمن، ما فتح بابا واسعا أمام التحليلات السياسية، لا سيما في ظل حالة الإرباك داخل إسرائيل، والانقسام في الداخل الأمريكي، والتدخل الفاعل للدبلوماسية العُمانية في محاولة لاحتواء الموقف.
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: تعد العملية العسكرية الإسرائيلية على اليمن جزءا من تحرك مستمر يستند إلى مجموعة من الاعتبارات، من أبرزها التصعيد الأخير الذي شهدته الساحة، والمتمثل في إطلاق صواريخ استهدفت مواقع عسكرية واستراتيجية، بما في ذلك مطار بن غوريون ومواقع أخرى لم يُكشف عنها بسبب القيود التي تفرضها الرقابة العسكرية على تداول المعلومات.
وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن سعت إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية، أحدها توجيه رسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي مفادها أن إسرائيل تواجه حاليا سبع جبهات مفتوحة، واليمن تعد الجبهة الثانية ضمن هذا الصراع المتعدد الأبعاد.
وأشار فهمي، إلى أن كما تأتي هذه الخطوة في توقيت حساس بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يحاول رفع شعبية حكومته في ظل تصاعد الضغوط من قبل المعارضة، وعلى رأسها يائير لابيد وبيني غانتس، اللذين يدعوان إلى حل سياسي للصراع.
وتابع: "ويتزامن التصعيد الإسرائيلي مع العمليات العسكرية التي تنفذها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد أهداف في اليمن، ما يعكس تنسيقا بين الأطراف الثلاثة ويؤكد وجود عدوان ثلاثي على البلاد، وهي زاوية لم تحظ بالاهتمام الكافي في بعض التحليلات".
وتتقاطع التقديرات السياسية مع الوقائع الميدانية، وسط تشابك غير مسبوق بين الأهداف العسكرية، والرهانات الإقليمية، والحسابات الانتخابية في تل أبيب وواشنطن.
إعلان ترامب بوقف العدوان على اليمنومن جانبه، قال محمد علي الحوثي، عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، الثلاثاء، إن الجماعة ستقوم بتقييم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلق بوقف العدوان على اليمن من الناحية الميدانية أولا، قبل إصدار أي موقف نهائي.
وأوضح الحوثي أن ما أعلنه ترامب يعد بمثابة "انتصار سياسي" يظهر تراجع الدعم الأمريكي لما وصفه بـ"الكيان المؤقت" في إشارة إلى إسرائيل، معتبرا أن هذه الخطوة تمثل أيضا فشلا لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، داعيا إياه إلى تقديم استقالته.
في السياق نفسه، أصدرت وزارة الخارجية في سلطنة عمان بيانا، كشفت فيه أن الاتصالات التي أجرتها السلطنة مع واشنطن والأطراف المعنية في صنعاء قد أثمرت عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وبحسب البيان، فإن الاتفاق ينص على التزام جميع الأطراف بعدم استهداف بعضها البعض، بما يشمل السفن الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يضمن استمرار حرية الملاحة في المنطقة.
من جهتها، نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أن الجيش الأمريكي تلقى تعليمات مباشرة بوقف الضربات العسكرية ضد جماعة أنصار الله في اليمن.
محادثات بين واشنطن والحوثيينوأضافت الشبكة أن قرار وقف إطلاق النار جاء نتيجة محادثات غير مباشرة جرت بين واشنطن والحوثيين، بوساطة عمانية خلال الأسبوع الماضي، قادها المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وفي تطور لافت، أفاد موقع "أكسيوس" الأمريكي نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع، بأن الولايات المتحدة لم تبلغ إسرائيل مسبقا بشأن إعلان ترامب عن وقف العمليات ضد الحوثيين، وأكد المسؤول أن تل أبيب فوجئت تماما بالقرار، وعلق بقوله: "الرئيس الأمريكي فاجأنا".
وفي تصريحات أدلى بها أمس، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن جماعة أنصار الله في اليمن بعثت برسالة إلى واشنطن طلبت فيها وقف القصف الأمريكي مقابل وقفهم لاستهداف السفن. وأوضح ترامب أن بلاده لم تبرم أي اتفاق رسمي مع الجماعة، لكنها قررت وقف الغارات الجوية على الفور استنادا إلى تعهدهم بوقف الهجمات.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن الحوثيين أبلغوا إدارته مساء أمس بعدم رغبتهم في الاستمرار بالقتال، واصفا هذه التصريحات بأنها "أنباء جيدة"، ومؤكدا أن واشنطن "تقبل بكلمتهم" وستوقف قصفها في الحال.
في المقابل، أكدت حكومة "الإنقاذ الوطني" التابعة لأنصار الله في صنعاء، وهي حكومة غير معترف بها دوليا، أن العمليات العسكرية للجماعة ستستمر، مشددة على أن دعم اليمن للقضية الفلسطينية لن يتوقف إلا بوقف العدوان بشكل كامل ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وأشارت الحكومة إلى أن اليمن يخوض معركة وجودية في مواجهة عدو وصفته بأنه "ارتكب جرائم حرب وعمليات إبادة واستهداف متعمد للمدنيين والبنية التحتية".
من جانبه، قال المكتب السياسي لجماعة أنصار الله إن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنشآت مدنية في صنعاء ومناطق يمنية أخرى، هو دليل على "عجزه وفشله العسكري".
وأوضح البيان أن القصف الذي طال الموانئ ومطار صنعاء ومصانع الإسمنت ومحطات الكهرباء يهدف إلى فرض حصار خانق على الشعب اليمني.
وشددت الجماعة على أن العدوان الإسرائيلي والأمريكي لن يمر دون رد، مؤكدين أن مثل هذه الهجمات لن تثنيهم عن موقفهم الثابت في مساندة الشعب الفلسطيني، خصوصا في ظل استمرار الحصار والعدوان على غزة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اليمن نتنياهو الاحتلال غزة الحيثيين الحوثيون
إقرأ أيضاً:
إدانة روسية متوقعة للقصف الأمريكي وقلق أمريكي متصاعد إزاء الرد الإيراني المنتظر
يونيو 22, 2025آخر تحديث: يونيو 22, 2025
د. أيمن أبو الشعر
انتظار الرد الإيراني أكثر توجساً من الحدث نفسه، فكل الاحتمالات مفتوحة رغم استبعاد إغلاق مضيق هرمز ومهاجمة القواعد الأمريكية في الخليج
-مفارقات هامة
لم يكن القصف الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية مفاجئا، فقد كان واضحا حتى قبل أن توجه واشنطن هذه الضربة أن الوضع المتأزم في إسرائيل يستدعي التدخل الأمريكي المتحمس أكثر من إسرائيل ضد إيران.
ورغم أن ترامب نفسه أوحى – قبل القصف- بأنه لا يزال يفكر في المساهمة إلا أن ذلك كان تكتيكا لتحقيق عنصر المفاجأة لا أكثر، والمفارقة الأولى هنا أن طهران كانت تدرك ذلك من خلال خبرتها بالموقف الأمريكي عموما ومدى حماس ترامب لإسرائيل خصوصا، فهو الذي انسحب من الاتفاقية النووية مع إيران دون أي دلائل ملموسة على خرقها للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
هذا الإدراك يقود إلى المفارقة الثانية، وهي إعلانات الرئيس ترامب بأنه دمَّر البرنامج النووي الإيراني بقصفه مفاعلات نطنز وأصفهان وبشكل خاص فوردو التي تقبع محصنة في عمق الأرض، والتي لا تملك إسرائيل قنابل خارقة لتدميرها، ولهذا قامت القوات الجوية الأمريكية بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل بهذه المهمة، ويشار إلى أن الطائرات الأمريكية رمت أكثر من ثلاثين طنا من القنابل على هذه المنشأة المحصنة، ومع ذلك تكمن المفارقة الرئيسية بين التصريحات الأمريكية والتصريحات الإيرانية، ففي حين اعتبر الرئيس ترامب أنه قضى تماما على البرنامج النووي الإيراني ترى طهران أن الضربة الأمريكية قوية بالفعل، ولكنها أولا لم تحدث أضرارا لا يمكن إصلاحها حسب التصريحات الإيرانية، وثانيا أن المسؤولين في إيران حسب التلفزيون الإيراني قاموا مسبقا بنقل المواد النووية المشعة بحيث لا يشكل هذا القصف خطرا إشعاعيا على السكان وعلى المنطقة برمتها، والأمر الثالث هو أن هيئة الإذاعة والتلفزيون نوهت بثقة بأن واشنطن مخطئة في تقديراتها بأن إيران فقدت التكنولوجيا النووية والأجهزة اللازمة لمتابعة برنامجها النووي السلمي.
-الجانب المقلق والمرهق
هذا الوضع الاستثنائي أنتج مشاعر استثنائية وحالة ترقب بالغة الخطورة، فقد أعلن ترامب أن الوقت الآن هو وقت السلام، بمعنى أنه قضى على قوة إيران وبالتالي يمكن التفاوض معها على سلام أشبه بالاستسلام ما يذكرني بعبارة محورية في مسرحيتي “الأرنب الذئبي” حين يُحاصَر بطل المسرحية من كل جانب، فيقرر الهجوم شبه الانتحاري قائلا “إن التفاوض بين أنياب الخصم هو أحد أشكال الاستسلام لرغباته”، وبالفعل نرى بوضوح حتى الآن على الأقل أن إيران حتى قبل الضربة أعلنت على لسان المرشد الأعلى خامنئي أن أي تدخل عسكري من الأمريكيين سيسبب بلا شك أضرارا يصعب إصلاحها ولكن الشعب الإيراني لا يستسلم، كما أعلن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن إيران لن تتفاوض قبل أن يقف العدوان من جهة، وأنها لن تتنازل عن حقها المشروع من جهة ثانية – يقصد التخصيب-، ناهيك عن التهديدات من الحوثي والذي أظهر سابقا أن قواته قادرة بالفعل على تحقيق إصابات ومعيقات جدية لإسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، وقد أعلنت صنعاء بوضوح أن “على واشنطن تحمل التبعات”.
بيت القصيد في التكتيك الأمريكي أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي عموما فترامب ونتنياهو يعتبرانه غير سلمي لو أكدت لهما جميع دول العام أن إيران لا تسعى للحصول على سلاح نووي، ورغم كلمة الرئيس ترامب التي اعتبر القصف حالة انتصار شامل ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي اعتبر المساهمة الأمريكية حدثا تاريخيا سيغير كامل المنطقة من خلال مبدأ السلام بعد إظهار القوة، إلى أن الولايات المتحدة باتت في حالة ترقب بالغ القلق، فقد سبق أن حذرت إيران من مغبة التدخل الأمريكي وأنها سترد بحسم، وقلق واشنطن الآن يتصاعد، فالمجهول أخطر نفسيا حتى من الحدث نفسه، متى سيكون الرد الإيراني وكيف سيكون، هل ستهاجم إيران القواعد الأمريكية في الخليج، أو تستهدف بعض السفن وحاملات الطائرات الأمريكية ، الأرجح أن ذلك مستبعد، وربما يستبعد كذلك إغلاق مضيق هرمز لأن تأثيره سيكون عالميا مما يستدعي الاستنفار ضد إيران في الوقت الذي أدانت معظم دول العالم القصف الأمريكي على إيران.
الموقف الروسي سابقا ولاحقا
كانت موسكو قد أعلنت بوضوح إدانتها للقصف الإسرائيلي على إيران معتبرة أنه عدوان غير مقبول حتى أن الرئيس الروسي اقترح أن تلعب موسكو دور الوسيط لوقف تبادل القصف، ورغم أن روسيا شريك استراتيجي لإيران إلى أن المعاهدة بهذا الصدد لا تشير إلى انخراط روسيا في الحرب إن تم الاعتداء على إيران، لكنها ملزمة بعدم تقديم الخدمات والتسهيلات للمعتدي، الجانب الآخر أن روسيا هي التي تزود إيران بالمواد النووية وهي التي تسترد الوقود المستنفد من إيران، وهي التي بنت مفاعلاتها النووية، وبالتالي فإنها بقصف هذه المفاعلات ستكون خاسرة اقتصاديا على الأقل، كما أنها أكدت مرارا أنها لم تلاحظ أية نشاطات غير سلمية لدى إيران، وقامت باتصالات مكوكية مع طهران وتل أبيب وواشنطن تمكنت عمليا الحصول على ضمان أمن خبرائها في محطة بوشهر بعد أن أعلت انها لن تسحبهم، وأنهم سيتابعون العمل محذرة من احتمال حدوث كارثة حقيقية إن تم قصف المنشآت النووية، هذا ما كان فهل سيتغير الموقف الروسي إزاء المستجدات الخطيرة ؟
لا أعتقد أن الموقف الروسي سيتغير ولا بد لنا أيضا كمراقبين من أن نكون موضوعيين، إذ من غير المنطقي -وخاصة لبلد يدعو دائما للحلول السلمية- أن تغامر روسيا بالدخول في حرب مع الولايات المتحدة، فهذا ما سعت الدولتان العظميان لتجنبه بكل الوسائل حتى أيام الحرب الباردة خاصة أن المعطيات الواقعية تؤكد أن الجميع خاسر ولا وجود لمنتصر في مواجهة يمكن أن تدمر البشرية، كما أن موسكو نفسها في حالة ترقب قلق فكيفية وحجم الرد الإيراني تشكل حالة انتظار بالغة الرهافة، إذ قد تجعل أية محاولة للوساطة أو التهدئة أمرا لم يعد قابلا للتحقق، وربما يترك الرد الإيراني فرصة معقولة لأن تلعب موسكو دور الوسيط، فهي الأكثر قدرة حاليا على لعب مثل هذا الدور، لذا أميل إلى الاعتقاد بأن موسكو ستدين بشدة القصف الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، وقد يصدر بيان بهذا الصدد خلال ساعات أو دقائق بعد نشر هذه المادة، وأرجح كذلك أن تدعو موسكو الأطراف إلى التهدئة ووقف التصعيد وحل جميع المسائل سلميا بما في ذلك وقف تبادل القصف بين إيران وإسرائيل وربما التأكيد على استعدادها للعب دور الوسيط .