حين تحكم الشعبوية… ما مصير الاقتصاد؟
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
في العقد الأخير، انتقلت الشعبوية من موقع هامشي في الخطاب العام إلى توجه مؤثر في السياسات الاقتصادية والسياسية في عدد من الدول، مدفوعة بتراجع الثقة في المؤسسات الدولية وتزايد مشاعر الإحباط لدى قطاعات من المواطنين.
ولم تعد الشعبوية مجرد موضوع للنقاش الأكاديمي، بل أصبحت ظاهرة حقيقية تعيد صياغة كثير من الأولويات الوطنية، بدءًا من الموازنات العامة، ومرورًا بالضرائب والإنفاق، ووصولًا إلى قضايا التجارة والسيادة الاقتصادية.
ومع صعود هذا التيار، أخذت الشعبوية تلعب دورًا متزايدًا في توجيه النقاشات الاقتصادية، مستندة إلى خطاب بسيط ووعود مباشرة تتفاعل مع شواغل الناس اليومية. فهل يمكن اعتبارها مسارًا دوليًا جديدًا؟ أم أنها تعكس خللًا أعمق يتطلب معالجة متأنية؟
هذا المقال يطرح أسئلة جوهرية: ما هي الشعبوية؟ وما الذي يميز خطابها؟ كيف تؤثر على السياسات الاقتصادية؟ وهل تمثل تعبيرًا مشروعًا عن تطلعات الشعوب، أم أنها تنطوي على أخطار تمس الاستقرار والمؤسسات؟ تعريف الشعبوية ومضمونها
الشعبوية ليست أيديولوجيا سياسية منظمة، بل هي أسلوب في التفكير والخطاب، يقوم على تصوير المجتمع كما لو أنه منقسم إلى "الشعب الحقيقي" من جهة، و"الطبقات السياسية والاقتصادية" من جهة أخرى، والتي يُنظر إليها على أنها بعيدة عن هموم الناس.
في هذا السياق، يقدّم القادة الشعبويون أنفسهم كممثلين مباشرين لإرادة الشعب، ويَعِدون بإعطائهم صوتًا أقوى، مستخدمين وعودًا كبيرة وخطابًا بسيطًا يلامس مشاعر الإحباط لدى كثير من الناس، ويرفع سقف التوقعات نحو مستقبل أفضل.
وغالبًا ما يظهر هذا الخطاب عندما تتراجع الثقة في النخب السياسية، فيبحث الناس عمّن يخاطبهم بوضوح ويَعِدهم بتغيير سريع.
الشعبوية لا تنتمي إلى تيار سياسي محدد، بل يمكن أن تصدر عن أي اتجاه يرى نفسه أقرب إلى الناس وأقدر على تمثيلهم. وهي غالبًا ما تظهر كردّ فعل على مطالب تم تجاهلها، وتسعى إلى استعادة ما تراه صوتًا مفقودًا للشعب. ولهذا السبب، توصف الشعبوية بأنها "أسلوب سياسي مرن"، أكثر من كونها فكرًا سياسيًا متكاملا.
بدأت الشعبوية في القرن الـ19 كحركات احتجاجية ضد النخب الاقتصادية والطبقات السياسية، خاصة بين المزارعين. ثم تحولت إلى تيارات سياسية تتحدث باسم "الشعب الحقيقي" في مواجهة من يُنظر إليهم كممثلين للنخبة.
وفي القرن الـ20، برزت قيادات شعبوية تمزج بين الخطاب الوطني والسياسات الاجتماعية، مع اعتماد كبير على الزعامة الفردية. وقد تراجعت فترةً بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها عادت في الثمانينيات مع تصاعد العولمة والتقشف الاقتصادي.
لم يكن صعود الشعبوية في السنوات الأخيرة مفاجئًا، بل هو نتيجة لتراكم أزمات طالت حياة الناس بشكل مباشر. فالكثير من الدول واجهت صعوبات اقتصادية، وتورطت في صراعات سياسية وعسكرية، كما تضرّرت بفعل أزمات كبرى مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
هذه العوامل أثرت على دخل الناس، وقللت من فرص العمل، خاصة للفئات المتوسطة والفقيرة.
في المقابل، بدا النظام الدولي الذي يُفترض أن يساعد على حل الأزمات وكأنه غائب أو غير قادر على التدخل بفعالية. بل إن كثيرين رأوه جزءًا من المشكلة، لا من الحل.
مع الوقت، تفاقمت مشكلات أخرى مثل الفساد، وتراجع الخدمات، وعدم المساواة. وأمام هذا كله، شعر كثير من المواطنين أن صوتهم غير مسموع. وهنا جاءت الشعبوية كخيار بديل، لأنها تُخاطب الناس بلغتهم، وتَعِدهم بإجابات قريبة على أسئلتهم الملحّة، حتى لو لم تكن هذه الوعود دائمًا واقعية.
يعتمد الخطاب الشعبوي على لغة بسيطة وسهلة الفهم، بعيدة عن التعقيد والمصطلحات النخبوية. وغالبًا ما يُقسّم المجتمع إلى "الناس العاديين" من جهة، و"الجهات الأخرى" التي يُقال إنها لا تفهمهم أو لا تمثّلهم.
القادة الشعبويون يتحدثون بلغة قريبة من الشارع، ويستخدمون شعارات مباشرة وجذابة مثل: "نحن أولًا"، "استعادة الكرامة"، أو "الشعب هو من يقرر".
هذا الخطاب يركّز على مشاعر الإحباط أو الغضب من الوضع القائم، أو الحنين إلى ماضٍ أفضل. ويُقدَّم الزعيم الشعبوي كشخص مختلف عن السياسيين التقليديين، أقرب إلى الناس ويفهمهم أكثر.
في كثير من الأحيان، يكون هذا الخطاب هجوميًا، ويحمّل مسؤولية الأزمات لأطراف محددة، مثل السياسيين أو الإعلام أو حتى جهات خارجية. كما يرفع سقف التوقعات من خلال وعود سريعة وكبيرة، لكنها تفتقر غالبًا إلى خطة تنفيذ واضحة.
وباختصار، يجذب الخطاب الشعبوي الناس من خلال بساطته وتأثيره العاطفي، لكنه في المقابل قد يُبَسِّط المشكلات أكثر من اللازم، ويُهمّش النقاشات المعمّقة حول الحلول الواقعية.
ترى الشعبوية أن الاقتصاد يجب أن يخدم المواطن العادي أولًا، لا الشركات الكبرى أو الأسواق العالمية. لذلك ترفض السياسات التقليدية وتطرح وعودًا بسيطة مثل خفض الضرائب، رفع الأجور، دعم الفقراء، وخفض الأسعار.
هذه الإجراءات تكسبها شعبية سريعة، لكنها قد تُرهق ميزانية الدولة وتزيد العجز إن لم تُنفذ بحذر.
وتفضّل حماية المنتجات المحلية بفرض رسوم على الواردات وتشجيع الصناعة الوطنية، ما يُرضي الناس، لكنه قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع التنافس والاستثمار.
كما تشكك الشعبوية في المؤسسات المالية المستقلة مثل البنوك المركزية وتدعو إلى "استعادة السيطرة الاقتصادية" بقرارات داخلية بعيدًا عن التأثير الخارجي.
ببساطة، تستخدم الشعبوية الاقتصاد لكسب التأييد الشعبي، لكنها كثيرًا ما تُهمِل التوازنات المالية الدقيقة، مما يجعل سياساتها محفوفة بالمخاطر على المدى الطويل.
تختلف الشعبوية في توجهها الاقتصادي حسب الموقف السياسي:
الشعبوية اليمينية تركّز على القومية، أي إعطاء الأولوية لمصلحة الدولة والمواطنين، وتدعو لحماية الصناعات المحلية بفرض ضرائب على السلع المستوردة، وترفض الهجرة لحماية سوق العمل، وتعارض الاتفاقيات الدولية التي تُقيد حرية القرار الاقتصادي. وعلى خلاف التيارات اليمينية التقليدية التي تؤمن بحرية السوق، فإن الشعبوية اليمينية لا تمانع من تدخل الدولة لحماية الاقتصاد الوطني.
الشعبوية اليسارية تهدف إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتدعو إلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات الكبرى، وزيادة الإنفاق على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم. وتنتقد العولمة، لأنها ترى أنها تخدم الشركات الكبرى وتُهمل الطبقات الضعيفة.
ورغم هذا الاختلاف، تتشابه الشعبويتان في استخدام خطاب عاطفي مبسط، وطرح سياسات سريعة لكسب التأييد الشعبي. هذه السياسات قد تبدو مغرية على المدى القصير، لكنها غالبًا ما تفتقر للاستدامة، وتؤدي إلى ضعف الثقة في مؤسسات الدولة وخلق اضطراب اقتصادي طويل الأمد.
إعلان ما تأثير الشعبوية على الاقتصاد والسياسة؟تمثل الشعبوية ظاهرة ذات أثر مزدوج على الاقتصاد والسياسة. فمن جهة، تُسلّط الضوء على أزمات حقيقية يعاني منها المواطنون، مثل الفقر وتراجع الخدمات، وتدفع الأنظمة القائمة إلى مراجعة سياساتها والتجاوب مع الشارع.
لكن من جهة أخرى، تعتمد على وعود سريعة قد تفتقر للدراسة، مثل خفض الضرائب أو الإنفاق المفرط، مما يؤدي إلى عجز مالي وتذبذب في بيئة الاستثمار.
ويؤدي الخطاب الشعبوي، الذي كثيرًا ما يُشكّك في مؤسسات الدولة، إلى إضعاف الثقة بها. لذا فإن استمرار الشعبوية دون توازن اقتصادي ومؤسسي يعرض الاستقرار العام لخطر حقيقي على المدى البعيد.
رغم ما تحمله الشعبوية من أخطار سياسية واقتصادية، فإن لها بعض الآثار الإيجابية في حالات معينة:
فهي تسهم أحيانًا في لفت الانتباه إلى قضايا حقيقية يعاني منها الناس، مثل الفقر، والبطالة، وتراجع جودة الخدمات العامة، وغالبًا ما تكون هذه المشكلات قد أُهملت من قبل الحكومات.
كما تدفع الشعبوية بعض الحكومات إلى مراجعة سياساتها، والتفاعل مع مطالب المواطنين، مما يساعد على كسر الجمود السياسي وتحفيز التغيير.
وبفضل لغتها المباشرة والبسيطة، تشجع الناس على الاهتمام بالشأن العام والمشاركة السياسية، حتى وإن رافق ذلك شيء من الانقسام داخل المجتمع.
وباختصار، يمكن اعتبار الشعبوية، في بعض السياقات، رسالة احتجاج من فئات مهمّشة تطالب بنظام اقتصادي أكثر عدلًا، وقد تفتح الباب لإصلاحات حقيقية إذا تمت مواجهتها بمسؤولية وهدوء سياسي.
لكن رغم هذه الجوانب الإيجابية، فإن الشعبوية لا تخلو من آثار سلبية خطيرة، خاصة على الأمد البعيد، وهو ما سنناقشه في الفقرة التالية.
تمتد آثار الشعبوية إلى العلاقات الخارجية، حيث تُفضّل الحكومات الشعبوية التركيز على السيادة الوطنية بدلًا من التعاون الدولي، مما يُغيّر من موقع الدولة في العالم ويُضعف حضورها في النظام الدولي.
وترى هذه الأنظمة أن العولمة كانت سببًا رئيسيًا في التراجع الاقتصادي، وتآكل الصناعة، وفقدان الوظائف. لذلك، تتجه إلى الانسحاب التدريجي من منظومة العولمة، وتُعيد ترتيب أولوياتها لصالح الداخل، على حساب التعاون الدولي.
هذا الانغلاق لا يقتصر على الاقتصاد، بل يمتد إلى السياسة الخارجية، ويؤثر على علاقات الدولة وتوازناتها الإستراتيجية.
إضعاف التعاون الدولي: تميل الحكومات الشعبوية إلى الانسحاب من الاتفاقيات الدولية أو تعطيلها، خاصة تلك المرتبطة بالتجارة، البيئة، أو الهجرة، مما يربك النظام العالمي القائم على التعددية والعمل الجماعي. توتر العلاقات مع الحلفاء: يُفضّل الخطاب الشعبوي أسلوب المواجهة والاتهام، مما يؤدي إلى تدهور العلاقات مع الحلفاء التقليديين، ويُقلّل فرص بناء شراكات مستقرة. العزلة الدولية وتراجع النفوذ: بمرور الوقت، تفقد الدولة الشعبوية مكانتها في المؤسسات الإقليمية والدولية، مما يقلل من قدرتها على التأثير في القرارات العالمية ويُضعف صوتها في القضايا الكبرى. هل الشعبوية تهديد أم فرصة؟رغم آثارها السلبية الاقتصادية، وتحدياتها على المدى الطويل، فإن الشعبوية هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي راكمت الفجوة بين المواطنين ومراكز القرار.
وعندما تُهمل احتياجات الأفراد وتتراجع الثقة بالمؤسسات، يميل كثيرون إلى تبنّي خطابات بسيطة ووعود مباشرة، حتى إن بدت غير واقعية أو محفوفة بالمخاطر.
وقد ساعدت الأزمات المتلاحقة، من أزمات مالية إلى توترات سياسية ونزاعات إقليمية، في تسريع صعود التيارات الشعبوية إلى مواقع التأثير. لا لأنها قدّمت بالضرورة حلولًا أفضل، بل لأنها تلامس توق المواطن العادي إلى من يفهمه ويمثّله.
فالمواطن العادي لا يشغله كثيرًا تعقيد السياسات الاقتصادية أو تفاصيل النقاشات، بقدر ما يعنيه أمر واحد: كيف سيوفر قوت يومه، ويؤمّن مستقبل أسرته، ويعيش بكرامة في ظل ظروف مستقرة.
إن وصول بعض الحركات الشعبوية إلى صنع القرار اليوم يعكس بحث الشعوب عن بديل يُنصت لصوتها. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تمثّل الشعبوية بديلا طويل الأمد، أم أنها رد فعل ظرفي لأزمة أعمق؟
الجواب سيتوقف على قدرة النظام الدولي على قراءة هذا التحول بدقة، والتفاعل معه بإصلاحات واقعية تُعيد التوازن بين تطلعات الشعوب ومتطلبات الاستقرار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السیاسات الاقتصادیة الشعبویة إلى على الاقتصاد فی المؤسسات الشعبویة فی ل الحکومات ل الشعبویة على المدى غالب ا ما یؤدی إلى الثقة فی أحیان ا کثیر من من جهة
إقرأ أيضاً:
حمدان بن محمد يترأس اجتماع المجلس التنفيذي ويعتمد حزمة من السياسات والمبادرات
أكد سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، رسّخت مكانة دبي مدينة للتطوير المستمر والتمكين الدائم للإنسان والمجتمع وصناعة فرص المستقبل.
وقال سموّه: «برؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد.. نستثمر في الإنسان أولاً ودائماً.. فسعادة الفرد والأسرة والمجتمع غايتنا وأولويتنا التي تنطلق منها مبادراتنا.. ونحن مستمرون في تأكيد الجاهزية المستقبلية في الرعاية الصحية والأسرية والتعليم والمدن الذكية، تحقيقاً لأهداف خطة دبي 2033 بأجندتيها الاجتماعية 33 والاقتصادية D33».
وأضاف سموه: «اعتمدنا اليوم خطة لتعزيز المنظومة الصحية بدبي تلبي الاحتياجات المتنامية لمجتمع الإمارة.. والعمل مستمر بجهود الجميع ليكون متوسط العمر الصحي المتوقع في مجتمع دبي ضمن الـ 10 الأفضل عالمياً».
ونوّه سموّه بأهمية رأس المال البشري من الكفاءات الوطنية في تحقيق غايات أجندة دبي الاجتماعية واستراتيجية التعليم 33، قائلاً: «اعتمدنا أيضاً سياسة تمكين الطلبة الإماراتيين في قطاع التعليم الخاص.. والتي تدعم تحقيق المنظومة التعليمية الأقدر على مواكبة طموحات دبي المستقبلية. نفخر بطلاب الإمارات ونعتز بقدراتهم ونتطلع إلى مزيد من التميّز المعرفي لهم في التقييمات الدولية».
وشدّد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم على الدور المركزي للأسرة، وقال: «اعتمدنا مشروع المركز الموحّد للرعاية الأسرية.. الذي يشكّل نموذجاً متكاملاً للخدمات الأساسية لرعاية الأسرة وتمكينها وتعزيز تلاحمها.. فهي نواة مجتمعنا وعنوانه».
وتابع سموه: «اعتمدنا سياسة المباني الذكية في دبي التي توظف التكنولوجيا في خدمة سكانها وتمكّن قطاع بناءٍ ضمن الأذكى والأكفأ والأكثر استدامة وتقدماً.. فأفق دبي العمراني الفريد يميزها عالمياً.. وأصبح علامة مسجلة لها بمشاريعه المعمارية غير المسبوقة وأرقامه الهندسية القياسية.. وهي تفتح اليوم فرصاً جديدة واعدة في قطاع البناء الذكي الذي يستفيد من أحدث تطبيقات التكنولوجيا وبنيتها الرقمية المتقدمة».
جاء ذلك خلال اجتماع المجلس التنفيذي الذي عُقد، اليوم الخميس، في أبراج الإمارات بحضور سموّ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير المالية، وسموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي.
الرعاية الصحية
واعتمد المجلس التنفيذي خطة لتعزيز المنظومة الصحية بدبي تهدف للتوسع في نطاق تقديم خدمات الرعاية الصحية لتغطية كافة المناطق الجغرافية للإمارة بمختلف التخصصات، وبما يلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية.
وتسهم الخطة في تحقيق مستهدفات أجندة دبي الاجتماعية 33 بتوفير المنظومة الصحية الأكثر كفاءة وجودة ومواكبة لأفضل المستويات العالمية. وتهدف الخطة، التي تتولى تنفيذها هيئة الصحة بدبي، إلى ضمان توفر خدمات الرعاية الصحية وفق احتياجات السكان المستقبلية، وضمان التوزيع الجغرافي المناسب والتوازن بين العرض والطلب على الخدمات الصحية، فضلاً عن جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والعالمية إلى القطاع الصحي لتلبية احتياجات السكان من الخدمات الصحية. وتشمل الخطة رفد القطاع الصحي بثلاثة مستشفيات و33 مركز رعاية صحية أولية ومراكز تميز متخصصة في المجالات الطبية الدقيقة في الإمارة بحلول عام 2033، وستكون الأولوية للمناطق السكنية الجديدة مثل: اليلايس، والعوير، ومدينة هند، وند الشبا، والليسيلي، ولهباب، وذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتطوير حزم حوافز تشجيع الاستثمار الصحي في الإمارة التي تُغني في الكثير من الحالات عن الحاجة للابتعاث للعلاج خارج الدولة.
وتتضمن الخطة حصراً شاملاً لجميع الخدمات الصحية المُقدمة من قِبل المستشفيات والمنشآت الصحية الخاصة والعامة في دبي إلى جانب الكادر الطبي والمهني، وتقدير حجم الطلب المستقبلي على خدمات الرعاية الصحية حتى العام 2033. كما تضم مبادرات خطة تعزيز المنظومة الصحية توسيع برنامج المنح الدراسية للأطباء الإماراتيين، وتطوير وتنفيذ حزم حوافز تشجع الاستثمار في المناطق الجديدة والتخصصات ذات الأولوية، وجذب المواهب في تلك التخصصات، إلى جانب التوسع في التغطية التأمينية في الصحة النفسية، خدمات الطوارئ، وخدمات إعادة التأهيل والرعاية طويلة الأمد.
تمكين الطلبة الإماراتيين
كما اعتمد المجلس التنفيذي لإمارة دبي سياسة تمكين الطلبة الإماراتيين في قطاع التعليم الخاص لتوفير البيئة الداعمة لهم عبر مجموعة من السياسات ومشاريع الدعم الموجّهة للطلبة وأولياء الأمور. وتخدم السياسة تحقيق مستهدفات أجندة دبي الاجتماعية 33، واستراتيجية التعليم 33 لمواكبة طموحات دبي المستقبلية وتعزيز رأس مالها البشري. وتهدف السياسة، التي تتولى هيئة المعرفة والتنمية البشرية تنفيذها، إلى ضمان التحاق الطلبة الإماراتيين الراغبين بمتابعة تعليمهم في قطاع التعليم الخاص بمدارس خاصة عالية الجودة، مع تحسين مخرجاتهم وإثراء تعلُّمهم في مختلف المدارس الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف السياسة إلى الارتقاء بجودة التعليم في المدارس التي تستقطب أعداداً كبيرة من الطلبة الإماراتيين، فضلاً عن تعزيز التواصل مع أولياء الأمور الإماراتيين بمختلف الوسائل وتعزيز مشاركتهم الإيجابية لضمان حصول أبنائهم على التعليم عالي الجودة وبناء مستقبل مشرق لهم. ويركّز الأثر المرجو من السياسة على أن يكون 100% من الطلبة الإماراتيين ملتحقين بمدارس ذات تقييم «جيد» فما فوق، مع تحقيق رضا أولياء أمورهم بنسبة لا تقل عن 90% عن جودة الخدمات التعليمية في المدارس الخاصة، إلى جانب مواصلة رفع أداء الطلبة الإماراتيين في التقييمات الدولية.
وتشتمل سياسة تمكين الطلبة الإماراتيين في قطاع التعليم الخاص على حزمة من المبادرات أبرزها: خطة تطويرية متضمنة معايير واضحة وتوقعات لكل طالب ومتابعة الخطط بشكل دوري، بالإضافة إلى تحسين وتطوير اللوائح التنظيمية للخطة التعليمية الخاصة بهم، وتنفيذ برامج تحسين متكاملة للمدارس التي يلتحق بها عدد كبير من الطلبة الإماراتيين. كما تتضمن المبادرات تعزيز دور أولياء الأمور على المناهج التعليمية للأبناء، وتطوير نماذج تعليمية مرنة مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الطلبة الإماراتيين، إلى جانب توسيع نطاق برنامج دبي للطلبة المتميزين ليشمل أعداداً أكبر من الطلبة الإماراتيين.
الرعاية الأسرية
كما اعتمد المجلس التنفيذي لإمارة دبي، مشروع استحداث المركز الموحّد للرعاية الأسرية، الذي يُعنى بتقديم نموذج متكامل للخدمات الأساسية لرعاية الأسرة، ويسعى لتحسين جودة خدمات الاستشارات الأسرية وتعزيز التوجيه الأسري في دبي، بالإضافة إلى الخدمات المعنية برعاية المحضونين وتكامل الجهود في التعامل مع الحالة الخاصة لكل محضون، وحماية حقوق الطفل، وذلك من خلال مركز موحد يقدم هذه الخدمات من قبل كوادر متخصصة ومؤهلة. ويسهم المركز في ترسيخ دعائم دور الأسرة كنواة مركزية متينة للمجتمعات المتماسكة التي تضع الإنسان في مقدمة أولوياتها.
كما يدعم المركز تحقيق غايات أجندة دبي الاجتماعية 33، وشعارها الأسرة أساس الوطن، لا سيما غاية بناء الأسر الأسعد والأكثر ترابطاً وتسامحاً وتمسكاً بالقيم والهوية الوطنية، وغاية إرساء دعائم المنظومة الاجتماعية الأكثر فعالية واستباقية في الحماية والرعاية والتمكين. ويقدم المركز الموحّد، الذي تتولى إدارته هيئة تنمية المجتمع بدبي، خدماته المختلفة للمواطنين والمقيمين كافة، وذلك من خلال فرعين له في كلٍ من منطقة ديرة ومنطقة بر دبي، حيث يركز على الجانب الاجتماعي ويستند في عمله وخدماته الاستباقية والمتكاملة إلى أفضل الممارسات العالمية، ومن أهمها تبنّي أنظمة رقمية متقدمة لتعزيز قدرات المهنيين والتخصصيين في مجال تمكين الأسرة.
المباني الذكية
إلى ذلك، اعتمد المجلس التنفيذي سياسة المباني الذكية في دبي والتي تهدف إلى وضع أسس ومواصفات للمباني الذكية في الإمارة، والتشجيع على تطبيق أنظمة مستدامة لمختلف أنواع المباني، تسهم في جعل دبي المدينة الأذكى والأسعد عالمياً. وتشمل سياسة المباني الذكية: أنظمة الطاقة المتجددة والشبكات، وكذلك أنظمة المياه الذكية، والتواصل الذكية، والمواقف الذكية، والتحكم بالتكييف والإضاءة، والمتابعة الرقابية، والوقاية والسلامة من الحرائق. وتهدف السياسة إلى تخفيف البصمة الكربونية للمباني، وترشيد استهلاك الطاقة، وتخفيض تكاليف التشغيل، ورفع مستوى جودة الحياة ومواكبة التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى تطوير قطاع بناء ذكي ومستدام متقدم عالمياً.
ويترجم أثر تطبيق سياسة المباني الذكية في توفير بنسبة 25% في استهلاك الكهرباء، وترشيد بنسبة 15% في استهلاك المياه، وخفض تكاليف التشغيل بنسبة 20%، ورفع مستوى رضا السكان في مباني دبي.
وتدعم سياسة المباني الذكية، التي تتولى تنفيذها بلدية دبي، تحقيق الأهداف الاستراتيجية لأجندة دبي الاقتصادية D33، بفتحها الباب لجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة في القطاع العقاري.
كما تسهم السياسة في الوصول إلى مستهدفات كلٍ من استراتيجية دبي المتكاملة للطاقة 2030 واستراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050. أما نطاق تطبيق السياسة، فهو اختياري واسترشادي للمباني الجديدة، مع تحفيز السوق المحلي باستقطاب التجار والمستثمرين في المجال وزيادة الخيارات في السوق.