في غزة، المدينة التي لا تنام إلا على صوت الطائرات، ولا تستيقظ إلا على مجازر جديدة، لم يعد هناك شيء باقٍ على حاله، لا الطفولة، ولا الفرح، ولا حتى لقمة الطعام.

في كل زاوية من هذا المكان المحاصر، تنبت قصص مأساوية تُروى بدموع الأمهات ودماء الأبرياء، مع تواصل آلة الحرب الإسرائيلية ارتكاب المجازر بحق المدنيين، لتكتب كل يوم فصلا جديدا من الألم والمعاناة.

كانت آخر هذه الفصول مجزرة مروعة استهدفت مطعما شعبيا (غربي مدينة غزة)، لم تكن مجرد رقم يُضاف إلى قوائم الشهداء، بل كانت مشهدا حيّا من قصص إنسانية دامية، لو وردت في رواية، لاعتبرها القارئ من نسج الخيال.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على مجموعة من القصص المأساوية لضحايا قصف "مطعم التايلندي" ومحيطه، ستظلّ محفورة في الذاكرة، شاهدة على جرحٍ لا يندمل.

صحفي لم يهنأ بمولودته سوى ساعات

انتشرت حكاية الصحفي الفلسطيني يحيى صبيح، الذي لم يكن يعلم أن الحضن الأول الذي منحه لمولودته الجديدة سيكون وداعا أبديا، فبعد ساعات من نشره صورة وهو يحملها بين ذراعيه، استُشهد في مجزرة ارتكبها الاحتلال بقصف مطعم في مدينة غزة.

كانت هذه الصورة أمس الأربعاء، يظهر فيها يحيى وطفلته التي وُلدت صباحا، وربما لم تحمل اسما رسميا بعد.

إعلان

وعلّق مغردون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي: "يوم عيد ميلادها هو يوم تيتمها، وصورتها الأولى مع أبيها.. هي الأخيرة. كل شيء حدث للمولودة في أول يوم: ميلاد، وفقد، ذكرى، نظرة أولى، خيالات منسية، حياة وموت.. كله حصل في نصف يوم".

وأشار آخرون إلى أنه: "لو كانت هذه قصة في رواية، لما صدّقناها، لكن ما يحصل في غزة تخطّى حدود الخيال".

وتساءل بعضهم: "هل ستتذكر الطفلة، التي لم تكمل 10 ساعات من عمرها، أن الاحتلال الإسرائيلي قتل والدها؟ فرحان، وجائع، ومحاصر، شهيدا قبل أن يكتمل الحل هل ستعرف أن أول وجبة كانت لها، كانت الأخيرة في حياته؟".

فتاة البيتزا.. الحلم الأخير

يقول أحد العاملين في المطعم التايلندي إن هذه البيتزا كانت طلبا من فتاة وصديقتها. يقول إنه سمع حوارهما حين طلبتاها: "ولك، غالية غالية، شو يعني! خلينا نحقق حلمنا ونأكل بيتزا قبل ما نموت، محدش عارف".

يقول إنه تأكد أن إحداهن قد ارتقت، أما الأخرى فلا يعرف عن مصيرها شيئا.

وعلّق مغردون فلسطينيون على هذا المشهد: "هذا ليس مشهدا من فيلم، هذه غزة. هنا الحلم: بيتزا، والقَدر: صاروخ، والأمنيات تُدفن ساخنة تحت الركام".

بائع القهوة الصغير

في أحد شوارع غزة، كان هناك طفل صغير لا يتجاوز عمره سنوات قليلة، يحمل دلة القهوة وفناجين بسيطة، يجول بها بين المارّة قرب مطعم التايلندي.

لم يكن يبيع القهوة من أجل اللعب، بل ليساعد عائلته وسط الحصار والمجاعة التي يعاني منها أهالي غزة بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

View this post on Instagram

A post shared by Palestine Pixel (@palestine.pixel)

وفي لحظة غادرة، سقطت صواريخ الحرب على المكان، وامتزج دم الطفل بقهوته، وتفرّق زبائنه من المارّة بين شهيد وجريح.

وثّق ناشطون اللحظة المؤلمة، حين ظهرت طفلة تحتضنه وهو مسجّى على الأرض، وفنجان القهوة لا يزال في يده، بينما يسيل الدم من رأسه في مشهد بشع، لكنه أصبح شاهدا على مجزرة جديدة من مجازر الاحتلال.

إعلان نوح.. الطفل الذي احتفل بعيد ميلاده الأخير

نوح داود السّقا، طفل من غزة، احتفل أمس بعيد ميلاده بابتسامة واسعة وقلب مليء بالفرح، حيث قالها بصوته الطفولي: "هذا أحلى يوم في حياتي!" كانت لحظات بسيطة، ولكنها تعني له ولعائلته العالم كله، لحظات فرح نادرة وسط الألم.

الطفل نوح داود السّقا كان قد احتفل بالأمس في ذكرى يوم ميلاده وقال عنه "هذا أحلى يوم في حياتي".. قتـ،ـتله إىىىرائيل بعد ساعات في مجرْرة التايلندي في مدينة غزة وسلبت أحلامه وفرحة العائلة. pic.twitter.com/tBBFSPoNqk

— ق.ض (@Qadeyah1) May 7, 2025

لكن لم تمر ساعات، حتى جاء القصف الإسرائيلي على مطعم التايلندي في غزة، ليحوّل هذا "اليوم الأحلى" إلى آخر يوم في حياة نوح. استُشهد نوح، وسُلبت منه الأحلام، وضاع ضحكه بين أنقاض المدينة.

وانتشر مقطع فيديو للطفل نوح السّقا كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو يحتفل برفقة عائلته.

كان الصحن لي… قبل أن يصرخ الجميع

في شهادة مروّعة وثّقتها إحدى المواطنات عبر صفحتها على "فيسبوك"، تروي تفاصيل اللحظات الأولى التي أعقبت قصف الاحتلال الإسرائيلي لمطعم "التايلندي" غربي مدينة غزة، عقب صاروخ إسرائيلي أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والمصابين.

قالت، وهي التي اعتادت ارتياد المطعم بانتظام لإنهاء مهام عملها، إنها كانت تجلس في القاعة ذاتها، وعلى بُعد 3 طاولات فقط من موقع الانفجار، مشيرة إلى: "مشهد معتاد، ولكن عن قُرب أكثر.. صرخات، دخان، رائحة بارود أعرفها، فتات زجاج، ركض، شهداء.. أحدهم كان يتحسّس جسده ويصرخ: (يا أختي، شوفيلي! فيا إشي؟!)".

وتابعت منشورها الذي عبّرت فيه عن حالة الصدمة التي عاشتها: "وصلت سيارات الإسعاف، وبدأ الناس بالتجمهر، شعرت بدوار، ولم أعد أستوعب ما يحدث.. فقط قلت لنفسي: أنا بخير.. ربما؟!".

وأوضحت أنها اعتادت الجلوس في المطعم على الطاولة رقم (2)، وتأخذ حاسوبها لإنجاز عملها بهدوء وسط الأجواء الاعتيادية، وقالت: "كان ذلك الصحن معدّا لي.. قبل أن نصرخ جميعا. في بلد الموت، لا يوجد مكان هادئ أبدا".

إعلان نعتذر عن الإشهار بسبب استشهاد العريس

تداول مغردون فلسطينيون على نطاق واسع رسالة هاتفية قصيرة وموجعة، أرسلتها عائلة من قطاع غزة كانت تستعد لزفاف ابنتها، لكنهم اضطروا إلى سحب دعوة الإشهار والاحتفال بسبب استشهاد العريس.

"نعتذر منكم.. بسبب استشهاد العريس".

هذه رسالة حقيقية وزعتها عائلة في قطاع غزة، كانت تستعد لعرس ابنتها، لكنها اضطرت لسحب دعوة الإشهار لأن العريس استشهد..
هكذا هو الحال في غزة موعد الزفاف يتحول إلى موعد في الجنة، العريس يُزفّ إلى المقبرة بدلًا من قاعة الأفراح. pic.twitter.com/VMOEHKVR1t

— Dima Halwani (@DimaHalwani) May 7, 2025

تقول الرسالة: "نعتذر منكم.. بسبب استشهاد العريس".

ويشير المغردون إلى أن هذه رسالة حقيقية وزّعتها عائلة في قطاع غزة، كانت تستعد لعرس ابنتها، لكنها اضطرت لسحب دعوة الإشهار، لأن العريس استُشهد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مطعم التایلندی مدینة غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ما قصة صاروخ الكشري المصري الذي أغضب إسرائيل؟

مصر – بينما تواصل إيران إطلاق موجات من الصواريخ على إسرائيل في ظل الحرب الدائرة بينهما، نشر مطعم مصري صورة أثارت جدلا واسعا وتعليقات إسرائيلية لافتة.

مطعم كشري “أبو طارق” الشهير في وسط القاهرة، نشر صورة لصاروخ من الكشري، الوجبة الشعبية الشهيرة، على صفحته بمنصة فيسبوك، مع تعليق “قريبا في الأسواق”، وهو ما أغضب بعض الإسرائيليين الذين اعتبروا الخطوة دعما للهجمات الصاروخية الإيرانية.

مطعم أبو طارق، على وجه التحديد ضيف دائم على الساحة السياسية وتحول إلى ما يشبه ناديا دبلوماسيا غير رسمي، بعدما أصبح مقصدا لكبار الساسة والدبلوماسيين الأجانب الذين يزورون القاهرة، ما دفع البعض إلى إطلاق مصطلح “دبلوماسية الكشري”.

ومؤخرا زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، المطعم خلال زيارته للقاهرة حيث تناول “طبق كشري” وتغزل في الوجبة الشعبية المصرية، كما زاره كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعود بولس، وآخرون من المشاهير والساسة والدبلوماسيين.

وفي ظل الحرب الإيرانية الإسرائيلية، نشرت صفحة المطعم على فيسبوك، صورة صاروخ من الكشري، وأثارت هذه الصورة تفاعلا واسعا بين المصريين وتعليقا إسرئيليا لافتا.

وعلق مراسل هيئة البث العبرية روعي كايس، على الصورة قائلا: “يبدو أن مطعم الكشري الشهير أبو طارق دخل على خط الحرب بين إسرائيل وإيران بعد نشره صورة لطبق على شكل صاروخ مع عبارة: قريبا”.

وعلق سفير إسرائيل السابق في مصر ديفيد جوفرين، على المنشور قائلا إنه “مطعم موصى به بشدة لمحبي المطبخ المصري”.

وأثارت الصورة تفاعلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلق أحد المستخدمين قائلا: “كشري أبو طارق يزعج إسرائيل!”.

فيما علق “طارق” بشكل ساخر قائلا: “الصواريخ الإيرانية محتاجة تزود الدَّقة شوية، ويكون في كمالة لكل هجمة”، و”الدَقة” هي إحدى مكونات الكشري، و”الكمالة” مصطلح يستخدم لطلب كمية إضافية من الوجبة.

وقال مستخدم آخر، إن إسرائيل “تهدد مطعم كشري مصري بعد تقديمه وجبات مُشكّلة على هيئة صواريخ إيرانية. حتى كشري أبو طارق بات يُرعبهم”.

وحذفت صفحة المطعم، الصورة لاحقا بعد موجة الجدل حولها، وصرح طارق يوسف، نجل صاحب المطعم الشهير، بأن الغرض من الصورة كان دعائيا ورسالة إلى العملاء بأنه أسرع خدمة توصيل في مصر.

المصدر:

مقالات مشابهة

  • تقارير إعلامية: الصواريخ الأخيرة التي أطلقتها إيران استهدفت الجليل
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • الكشف عن قائمة أفضل المطاعم في العالم لعام 2025
  • مدرّسة فلسطينية: نجوتُ من مجزرة بغزة لكن طلابي أصبحوا ملائكة
  • 5 شهداء فلسطينيين من عائلة واحدة في مجزرة صهيونية بغزة
  • إذا كانت الملابس لا تناسب جسمك.. انتبه لهذه الأعراض الخطيرة التي تظهر دون ألم وراجع الطبيب فوراً
  • أسماء الشركات النفطية والشحن والقيادات الحوثية التي طالتها عقوبات أمريكا الأخيرة
  • شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)
  • رسميًا.. تحديد أول المتأهلين لدور الـ16 ووداع فريقين بمونديال الأندية
  • ما قصة صاروخ الكشري المصري الذي أغضب إسرائيل؟