سودانايل:
2025-08-12@10:25:25 GMT

بكين تنسحب والسودان على المحك

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

✍️ محمد هاشم محمد الحسن

يمثل طلب جمهورية الصين الشعبية مؤخرًا من رعاياها مغادرة السودان تطورًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي والأمني الأفريقي، ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد الإجراءات الاحترازية المعتادة لحماية المواطنين. ففي ظل استمرار الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، فإن هذا الإجراء الصيني، الذي غالبًا ما يكون محسوبًا وذا مغزى استراتيجي، يطرح تساؤلات حيوية حول رؤية بكين لمستقبل هذا البلد، وانعكاساته على مصالحها المتشعبة في القارة السمراء.



تُعرف الصين بسياستها الخارجية التي تتجنب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وتركز على التعاون الاقتصادي وتنمية البنية التحتية. ولطالما كانت بكين من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في قطاع النفط والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. هذه الاستثمارات الضخمة، التي تخدم مبادرة (الحزام والطريق)، تجعل من قرار سحب الرعايا إشارة قوية على أن الصين ترى أن مستوى المخاطر قد تجاوز نقطة العتبة المقبولة، وأن استمرار وجود مواطنيها في ظل هذه الظروف بات يهدد أمنهم وسلامتهم بشكل مباشر، وربما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرتها على حماية مصالحها على المدى الطويل.

إن هذا القرار يمكن تحليله من عدة زوايا. أولاً، إنه يعكس تقييمًا حادًا للوضع الأمني المتدهور وتصاعد أولوية أمن المواطنين في الدبلوماسية الصينية. فبكين عادة ما تكون صبورة وتتحمل مستويات معينة من عدم الاستقرار، لكن استمرار القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتوسع الجغرافي للنزاع ليشمل مناطق حيوية، أدى بلا شك إلى تصاعد المخاوف الصينية. سحب الرعايا يشير إلى أن بكين لا ترى حلاً وشيكًا للأزمة، وأن الوضع مرشح لمزيد من التدهور، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لتقليل الخسائر البشرية المحتملة.
هذا التوجه نحو إعطاء أولوية قصوى لأمن المواطنين الصينيين في الخارج يمثل تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدبلوماسية الصينية، حيث لم يعد مبدأ عدم التدخل يعني التغاضي عن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة رعاياها أو استثماراتها.

ثانياً، إن هذا الانسحاب يحمل دلالات قوية بشأن العلاقة بين الضغط الدولي والوضع الداخلي في السودان. فانسحاب الصين، كشريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي، يضع ضغوطاً إضافية غير مباشرة على الحكومة السودانية (في بورتسودان) وقوات الدعم السريع على حد سواء. يمكن أن يُنظر إلى هذا الإجراء كرسالة دبلوماسية صامتة بأن النزاع يجب أن ينتهي، وأن استمراره يؤدي إلى خسارة شركاء استراتيجيين حيويين للتنمية والتعافي الاقتصادي. إن غياب اللاعبين الاقتصاديين الكبار، مثل الصين، يقلل من مصادر الدعم المحتملة للأطراف المتحاربة، ويزيد من عزلة البلاد على الساحة الدولية، مما قد يدفع نحو إعادة تقييم داخلية لجدوى استمرار القتال.

ثالثًا، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي للقرار، وتأثيره المباشر على مبادرة الحزام والطريق. ففي حين أن سحب الرعايا يمثل إجراءً أمنيًا في المقام الأول، فإنه يحمل في طياته دلالات اقتصادية سلبية للسودان. استمرار النزاع أثر بشكل كبير على البنية التحتية، وسلسلة الإمداد، والقدرة التشغيلية للمشاريع. لكن الأهم هو أن وجود الصين في السودان لم يكن مجرد استثمارات معزولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا. تعطيل المشاريع في السودان بسبب عدم الاستقرار لا يؤثر فقط على المشاريع القائمة في البلاد، بل يلقي بظلاله على سمعة مبادرة الحزام والطريق ككل في مناطق النزاع، ويفرض على بكين إعادة تقييم معايير المخاطر لمشاريعها الكبرى في الدول غير المستقرة، مما قد يؤثر على خططها المستقبلية في المنطقة.

رابعًا، يجب النظر إلى دلالة القرار على المستوى الدولي. فصوت الصين يحمل وزنًا كبيرًا في المحافل الدولية، وقرارها هذا قد يؤثر على قرارات دول أخرى ومستثمرين دوليين. إذا كانت بكين، وهي طرف فاعل رئيسي في السودان، ترى أن الوضع خطير لدرجة تستدعي سحب رعاياها، فإن ذلك قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، أو على الأقل إعادة تقييم استثماراتها ووجودها في السودان، مما يزيد من عزلة البلاد ويزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سلمي.

في الختام، يُعد طلب الصين من رعاياها مغادرة السودان نقطة تحول فارقة لا يمكن تجاهلها في مسار الأزمة الراهنة. إنه مؤشر قوي على أن الأزمة السودانية بلغت مستويات حرجة تهدد حتى مصالح القوى العالمية الكبرى. القرار يضع السودان أمام تحدٍ جديد، إذ يجب على الأطراف المتصارعة أن تدرك أن استمرار القتال لا يهدد فقط نسيجهم الوطني، بل يهدد مستقبل علاقاتهم الدولية وفرصهم في التعافي الاقتصادي. فبينما تسعى بكين لحماية أبنائها ومصالحها، تبقى الأنظار متجهة نحو بورتسودان، بانتظار ما إذا كانت هذه الإشارة القوية ستدفع الأطراف المتحاربة نحو إدراك حجم الكارثة وضرورة التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع المدمر.

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزام والطریق فی السودان

إقرأ أيضاً:

الأردن وأوزبكستان يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين،

صراحة نيوز -بحث الأردن وأوزبكستان،الاثنين، تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك في لقاءات مشتركة على مستوى وزاري في العاصمة عمّان.

واستقبلت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، وفدًا رسميًا رفيع المستوى من جمهورية أوزبكستان، برئاسة وزير الاستثمار والصناعة والتجارة لذيذ قدراتوف، وذلك ضمن برنامج الزيارة الرسمية إلى الأردن.

وضم الوفد ممثلين عن وزارة الاستثمار والصناعة والتجارة، ووزارة النقل، ووزارة الزراعة، ووزارة صناعة التعدين والجيولوجيا، إلى جانب عدد من الهيئات الاقتصادية والجمعيات المتخصصة، وقيادات من شركات صناعية واستثمارية خاصة.

وعقد الوفد اجتماعًا موسعًا مع وزير الاقتصاد الرقمي والريادة وفريق من قيادات الوزارة، جرى خلاله استعراض التجربة الأردنية في مجالات التحول الرقمي، وتطوير الخدمات الحكومية، ودعم ريادة الأعمال والصناعات الإبداعية، وتعزيز الشمول الرقمي. وقدّم فريق الوزارة عرضًا حول أبرز المشاريع والمبادرات التي تعمل عليها، في مجالات تطوير البنية التحتية الرقمية، وتمكين الشباب، وتبني التقنيات الناشئة، وتعزيز الأمن السيبراني، وتوسيع نطاق الخدمات الحكومية الرقمية، بما يسهم في بناء بيئة رقمية محفزة للنمو والاستثمار.

وأكد وزير الاقتصاد الرقمي والريادة سامي سميرات خلال اللقاء أن هذه الزيارة تمثل فرصة مهمة لتعزيز التعاون الثنائي بين الأردن وأوزبكستان في مجالات الاقتصاد الرقمي والابتكار، داعيًا إلى تكثيف هذا التعاون من خلال عقد منتدى مشترك يضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص في البلدين، لبحث الفرص والشراكات في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

من جانبه، أشاد وزير الاستثمار والصناعة والتجارة في أوزبكستان بما لمسه من تطور متقدم في البنية التحتية الرقمية والخدمات الحكومية في الأردن، معربًا عن اهتمام بلاده بالاستفادة من هذه التجربة في تطوير خدماتها الرقمية وتبني حلول مبتكرة في قطاعات مثل التجارة الإلكترونية، والتعليم الرقمي.

الصناعة

كما بحث وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة مع قدراتوف والوفد المرافق آليات تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين وخاصة في المجالات الاقتصادية.

وتم خلال اللقاء التأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين الأردن وأوزبكستان، وأهمية البناء عليها لتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات، خاصة في القطاعات غير التقليدية، وبما يسهم في تنويع الشراكات التجارية، وتعزيز الروابط بين القطاعين الخاصين في البلدين.

كما تم التوافق على إنشاء لجنة مشتركة لغايات بحث مجالات التعاون في مختلف المجالات والتنسيق والمتابعة .

وتطرق القضاة إلى الفرص المتاحة للاستثمار في الأردن، وما توفره المملكة من بيئة جاذبة للوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية وكونها بمثابة بوابة لإعادة إعمار سوريا ودخول أسواق المنطقة والعديد من البلدان بحكم اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعها الأردن بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف.

وأشار الوزير إلى الفرص الواعدة للتعاون في قطاعات الصناعات الدوائية ذات السمعة العالمية، وصناعة الألبسة والمنسوجات وفرص الاستفادة من مزايا التصدير إلى السوق الأميركي، إضافة إلى إمكانيات التكامل الصناعي في الصناعات الاستخراجية كالفوسفات والبوتاس والأسمدة، فضلاً عن قطاعات السياحة والرياضة والخدمات الرقمية وتطوير الألعاب الإلكترونية.

وأكد القضاة أهمية الانطلاق نحو مكاسب سريعة للتعاون من خلال مشاريع تكاملية، خاصة في قطاع الألبسة والحلي والمجوهرات والأسمدة، بالاستفادة من القاعدة الصناعية وتوافر الموارد الطبيعية في كلا البلدين.

من جانبه، أكد الوزير قدراتوف حرص بلاده على توسيع قاعدة التعاون الاقتصادي مع الأردن وأن المملكة يمكن أن تكون بوابة لأوزبكستان إلى أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا، فيما يمكن لأوزبكستان أن تشكل مركزاً للوصول إلى أسواق الاتحاد الأوراسي.

وأشار الوزير الأوزبكي إلى الفرص المتاحة للتعاون في مجالات صناعة الأدوية، والألبسة الموجهة للأسواق الأوروبية والأميركية، وصناعة السيارات والأجهزة المنزلية، إضافة إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات والزراعة، مؤكداً أهمية تسهيل إجراءات التأشيرات وتعزيز التبادل السياحي بين البلدين.

الاستثمار

كما استقبل وزير الاستثمار طارق أبو غزالة وفدا وزاريا من جمهورية أوزبكستان برئاسة قدراتوف، لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري.

ويأتي هذا اللقاء في إطار التحضيرات لزيارة جلالة الملك عبد الله الثاني المرتقبة إلى أوزبكستان، والتي من المتوقع أن تشكّل محطة جديدة في مسيرة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وخلال المباحثات، أكد أبو غزالة اعتزاز الأردن بعلاقاته مع أوزبكستان، مشيرًا إلى الإمكانات الكبيرة المتاحة للتعاون في قطاعات رئيسية مثل تكنولوجيا المعلومات، والسياحة، والرعاية الصحية، والصناعات الدوائية، والتعدين، والمنسوجات، وصناعة الأفلام، ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وأوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 6.9 مليون دولار في عام 2024، حيث شملت الصادرات الأردنية الأدوية والآلات والمنتجات الكيميائية، فيما استورد الأردن النحاس والفواكه والمكسرات ومنتجات الكاكاو من أوزبكستان، مؤكدًا تطلع الجانبين إلى زيادة هذا الحجم بشكل كبير في السنوات المقبلة.

وبيّن أن البلدين وقّعا اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري عام 1996، وأن مفاوضات معاهدة تشجيع وحماية الاستثمار الثنائية في مراحلها النهائية، معربًا عن أمله في توقيع هذه الاتفاقية خلال زيارة جلالة الملك المرتقبة إلى أوزبكستان، بما يسهم في تعزيز حماية المستثمرين، وترسيخ الثقة المتبادلة، ودعم النمو الاقتصادي ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.

كما استعرض أبو غزالة رؤية التحديث الاقتصادي للأردن 2033، التي تستهدف توفير مليون فرصة عمل جديدة، واستقطاب أكثر من 41 مليار دينار من الاستثمارات، مشيرًا إلى البيئة الاستثمارية الجاذبة التي توفرها التشريعات الحديثة وفي مقدمتها قانون بيئة الاستثمار لعام 2022.

وأضاف أن “الأردن حافظ على مرونته الاقتصادية رغم التحديات الإقليمية والعالمية، معتمدًا على إصلاحات جوهرية، منها تأسيس وزارة الاستثمار كنقطة مركزية للمستثمرين، وتطبيق قانون بيئة الاستثمار لعام 2022 الذي يضمن المعاملة المتساوية للمستثمرين، وحماية الحقوق، ويقدم حوافز تشجيعية للمشاريع ذات التوظيف العالي والتصدير والابتكار.”

ودعا الشركات الأوزبكية للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للأردن وعدد واسع من اتفاقيات التجارة الحرة، إلى جانب فرص الاستثمار الجاهزة في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات تحلية المياه، ومشاريع في قطاع النقل، إضافة إلى قطاعات التعليم والاقتصاد الرقمي.

كما أكد دور الأردن كمركز لوجستي وصناعي لإعادة الإعمار في المنطقة، بما في ذلك سوريا، داعيًا إلى إقامة شراكة تحقق منافع مستدامة وملموسة للشعبين والاقتصادين.

من جانبه، أكد الوزير الأوزبكي قدراتوف أن بلاده تُولي شراكتها مع المملكة الأردنية الهاشمية تقديراً كبيراً، مشيراً إلى أن هدف الزيارة هو استكشاف وتعزيز فرص التجارة والاستثمار بين البلدين، مع التركيز بشكل خاص على قطاعات الزراعة، والكيماويات، والصناعات الدوائية، والمنسوجات، وغيرها من القطاعات الواعدة.

ورتبت وزارة الاستثمار عددا من اللقاءات الرسمية والميدانية للوفد الضيف، حيث يلتقي وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة، ووزير الاقتصاد الرقمي والريادة سامي سميرات، بالإضافة إلى زيارة مجمع الملك الحسين للأعمال، واجتماعا مع رئيس وأعضاء غرفة صناعة الأردن.

وفي اليوم الثاني، سيعقد الوفد لقاءً مع رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية شحادة أبو هديب، ويزور مجموعة العبدلي، كما يعقد اجتماعات مع عدد من الشركات الأردنية لاستكشاف فرص التعاون والشراكة الاقتصادية.

مقالات مشابهة

  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة أمل جديد للتمكين الاقتصادي
  • الأردن وأوزبكستان يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين،
  • الاحتلال يفرض قيودًا مضاعفة على الطواقم القانونية التي تتابع الأسرى
  • بكين تطالب واشنطن بتخفيف قيود تصدير الرقائق لإبرام اتفاق تجاري
  • سامسونج تكشف عن تصميم Galaxy Tab A11 الاقتصادي لأول مرة
  • بنك رواد الأعمال.. من الفكرة إلى التمكين الاقتصادي
  • بكين وإسلام آباد.. شراكة إستراتيجية تتجاوز السلاح
  • رغم الإنفاق الكبير.. الانقسام الجماهيري يضع مشروع راتكليف على المحك
  • الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (3- 5)
  • السيسي وفيدان يؤكدان أهمية احترام السيادة الليبية