سودانايل:
2025-06-24@08:56:51 GMT

بكين تنسحب والسودان على المحك

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

✍️ محمد هاشم محمد الحسن

يمثل طلب جمهورية الصين الشعبية مؤخرًا من رعاياها مغادرة السودان تطورًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي والأمني الأفريقي، ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد الإجراءات الاحترازية المعتادة لحماية المواطنين. ففي ظل استمرار الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، فإن هذا الإجراء الصيني، الذي غالبًا ما يكون محسوبًا وذا مغزى استراتيجي، يطرح تساؤلات حيوية حول رؤية بكين لمستقبل هذا البلد، وانعكاساته على مصالحها المتشعبة في القارة السمراء.



تُعرف الصين بسياستها الخارجية التي تتجنب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وتركز على التعاون الاقتصادي وتنمية البنية التحتية. ولطالما كانت بكين من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في قطاع النفط والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. هذه الاستثمارات الضخمة، التي تخدم مبادرة (الحزام والطريق)، تجعل من قرار سحب الرعايا إشارة قوية على أن الصين ترى أن مستوى المخاطر قد تجاوز نقطة العتبة المقبولة، وأن استمرار وجود مواطنيها في ظل هذه الظروف بات يهدد أمنهم وسلامتهم بشكل مباشر، وربما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرتها على حماية مصالحها على المدى الطويل.

إن هذا القرار يمكن تحليله من عدة زوايا. أولاً، إنه يعكس تقييمًا حادًا للوضع الأمني المتدهور وتصاعد أولوية أمن المواطنين في الدبلوماسية الصينية. فبكين عادة ما تكون صبورة وتتحمل مستويات معينة من عدم الاستقرار، لكن استمرار القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتوسع الجغرافي للنزاع ليشمل مناطق حيوية، أدى بلا شك إلى تصاعد المخاوف الصينية. سحب الرعايا يشير إلى أن بكين لا ترى حلاً وشيكًا للأزمة، وأن الوضع مرشح لمزيد من التدهور، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لتقليل الخسائر البشرية المحتملة.
هذا التوجه نحو إعطاء أولوية قصوى لأمن المواطنين الصينيين في الخارج يمثل تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدبلوماسية الصينية، حيث لم يعد مبدأ عدم التدخل يعني التغاضي عن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة رعاياها أو استثماراتها.

ثانياً، إن هذا الانسحاب يحمل دلالات قوية بشأن العلاقة بين الضغط الدولي والوضع الداخلي في السودان. فانسحاب الصين، كشريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي، يضع ضغوطاً إضافية غير مباشرة على الحكومة السودانية (في بورتسودان) وقوات الدعم السريع على حد سواء. يمكن أن يُنظر إلى هذا الإجراء كرسالة دبلوماسية صامتة بأن النزاع يجب أن ينتهي، وأن استمراره يؤدي إلى خسارة شركاء استراتيجيين حيويين للتنمية والتعافي الاقتصادي. إن غياب اللاعبين الاقتصاديين الكبار، مثل الصين، يقلل من مصادر الدعم المحتملة للأطراف المتحاربة، ويزيد من عزلة البلاد على الساحة الدولية، مما قد يدفع نحو إعادة تقييم داخلية لجدوى استمرار القتال.

ثالثًا، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي للقرار، وتأثيره المباشر على مبادرة الحزام والطريق. ففي حين أن سحب الرعايا يمثل إجراءً أمنيًا في المقام الأول، فإنه يحمل في طياته دلالات اقتصادية سلبية للسودان. استمرار النزاع أثر بشكل كبير على البنية التحتية، وسلسلة الإمداد، والقدرة التشغيلية للمشاريع. لكن الأهم هو أن وجود الصين في السودان لم يكن مجرد استثمارات معزولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا. تعطيل المشاريع في السودان بسبب عدم الاستقرار لا يؤثر فقط على المشاريع القائمة في البلاد، بل يلقي بظلاله على سمعة مبادرة الحزام والطريق ككل في مناطق النزاع، ويفرض على بكين إعادة تقييم معايير المخاطر لمشاريعها الكبرى في الدول غير المستقرة، مما قد يؤثر على خططها المستقبلية في المنطقة.

رابعًا، يجب النظر إلى دلالة القرار على المستوى الدولي. فصوت الصين يحمل وزنًا كبيرًا في المحافل الدولية، وقرارها هذا قد يؤثر على قرارات دول أخرى ومستثمرين دوليين. إذا كانت بكين، وهي طرف فاعل رئيسي في السودان، ترى أن الوضع خطير لدرجة تستدعي سحب رعاياها، فإن ذلك قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، أو على الأقل إعادة تقييم استثماراتها ووجودها في السودان، مما يزيد من عزلة البلاد ويزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سلمي.

في الختام، يُعد طلب الصين من رعاياها مغادرة السودان نقطة تحول فارقة لا يمكن تجاهلها في مسار الأزمة الراهنة. إنه مؤشر قوي على أن الأزمة السودانية بلغت مستويات حرجة تهدد حتى مصالح القوى العالمية الكبرى. القرار يضع السودان أمام تحدٍ جديد، إذ يجب على الأطراف المتصارعة أن تدرك أن استمرار القتال لا يهدد فقط نسيجهم الوطني، بل يهدد مستقبل علاقاتهم الدولية وفرصهم في التعافي الاقتصادي. فبينما تسعى بكين لحماية أبنائها ومصالحها، تبقى الأنظار متجهة نحو بورتسودان، بانتظار ما إذا كانت هذه الإشارة القوية ستدفع الأطراف المتحاربة نحو إدراك حجم الكارثة وضرورة التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع المدمر.

herin20232023@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزام والطریق فی السودان

إقرأ أيضاً:

برلماني: سفن التغييز الثلاث تحول جذري في أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي

قال النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، إن القرار الحكومي بإدخال ثلاث سفن تغييز بحلول بداية يوليو هو التحوّل الاستراتيجي المنتظر في ملف الطاقة بمصر في وقت كان الاعتماد على سفينة واحدة فقط يمثل نقطة ضعف كبيرة، فإن هذا التوسّع يعزز مرونة المنظومة ويصبّ في استقرار السوق المحلية.

وأوضح الدسوقي، في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن “تلك الخطوة تأتي في ظل تقلبات كبيرة بأسواق الطاقة العالمية، خصوصاً على خلفية الأزمات والأوضاع المتعاقبة في المنطقة".

وأضاف أن وجود ثلاث سفن يمنح الدولة قدرة أكبر على التعامل مع الطلب المتزايد على الغاز، ويحول دون تذبذب الإمدادات بشكل يؤثر على الأسعار.

قناة السويس: بدء عودة السفن العملاقة للمرور تدريجياقناة السويس تشهد عبور سفينة الحاويات العملاقة CMA CGM JULES VERNEقناة السويس تعلن تفاصيل حادث سفينة الغطس 1 RED ZED خلال عبورها ضمن قافلة الشمالأسامة ربيع: عودة تدريجية لسفن الحاويات العملاقة إلى قناة السويس


كما أكد أن “المستثمرين المحليين والأجانب يراقبون باهتمام هذه الخطوة؛ فهي رسالة قوية تعكس التزام الدولة بتوفير بيئة تشغيل مستقرة جداً، خالية من المخاطر المرتبطة بانقطاع الطاقة”.

وأشار إلى أن “خطط التوسّع في القدرات لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتضمن تعزيز الشبكة القومية بأساليب النقل والتخزين، بما يحقق أمن الطاقة على مدى السنوات القادمة”.

واختتم بالقول: “الوضع اليوم مختلف تماماً عن الصيف الماضي، حين كانت الدولة ترتجف أمام أي ضغط طلب أو أزمة طارئة. إننا الآن أمام نموذج متكامل ليس فقط لتجاوز الأزمات بل لتأسيس القدرة على الصمود في مواجهة أي تحديات مستقبلية”.

كان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قال: “برغم عدم التخطيط لعقد مؤتمر صحفي بعد جولة اليوم، إلا أنني حرصت على الحديث لشرح للمصريين حجم الجهد الذي تنفذه الدولة لتلبية مجمل احتياجاتها من الطاقة”.

وأضاف رئيس الوزراء: "في نفس هذا التوقيت من الصيف الماضي كنا نشهد تخفيف الأحمال، ولم يكن لدينا حينها في مصر سوى سفينة تغييز واحدة، وهي التي تستقبل سفن الغاز المسال وتقوم بتغييزها وضخها على الشبكة القومية للغاز الطبيعي، وهي السفينة "هوج جاليون" الموجودة على رصيف ميناء سوميد، ويقف بجوارها الآن بالمصادفة سفينة غاز مُسال تستقبل منها شُحنة جديدة".

وأوضح أنه “منذ أزمة الصيف الماضي، وعدت الدولة المصريين بالتحرك لإيجاد حلٍ مُتكامل، لنحو 5 سنوات على الأقل، ولذا كان القرار بأن يكون لدينا هذا العام 3 سفن تغييز للغاز الطبيعي المسال”.

وأكد أن “القرارات التي تتخذ في هذا الملف والجهد المبذول حالياً ليس مرتبطاً بتداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي نشبت منذ نحو أسبوع، فهذا الجهد كانت بدايات تنفيذه منذ أكثر من 6 أشهر، واليوم نشهد اللمسات الأخيرة له”.

ولفت الدكتور مصطفى مدبولي، إلى أنه قام اليوم في البداية بتفقد سفينة التغييز الثانية "إنرجوس اسكيمو"، التي وصلت ميناء السخنة، ويتم تجهيزها حالياً للإنتقال إلى رصيف ميناء سوميد، لتضخ داخل شبكة الغاز، وهذا سيكون بنهاية هذا الشهر، لتكون قد دخلت الخدمة وتضخ الغاز بكميات 750 مليون قدم مكعب يومياً.

طباعة شارك ثلاث سفن تغييز مجلس النواب النائب علي الدسوقي الشؤون الاقتصادية

مقالات مشابهة

  • تحت ضغط شعبي.. ميرسك تنسحب من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية
  • المملكة تختتم مشاركتها في معرض بكين الدولي للكتاب 2025
  • مشاجرة تشعل حريقا في أكشاك بشارع مصر والسودان بحدائق القبة
  • وزارة المواصلات تشارك في المنتدى الاقتصادي الدولي بمدينة سانت بطرسبورغ
  • وفد من دار نشر بريل «Brill» يزور فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين لبحث آفاق التعاون
  • البناء الاقتصادي في سلطنة عُمان.. بين الطموح والتحديات
  • قواعد واشنطن تحت التهديد.. وإمدادات الطاقة على المحك
  • برلماني: سفن التغييز الثلاث تحول جذري في أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي
  • محللة صينية: موقف بكين ثابت ويدعو لوقف الصراع الإيراني الإسرائيلي
  • مستشار حكومي:العراق في دائرة الخطر الاقتصادي