سودانايل:
2025-06-24@08:48:58 GMT

السودان وحرب المسيرات

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

أدركت الدولة الغضّة بواسع علمها، وثاقب رأيها، أنَّ الجيش الذي تحاربه بالوكالة، لم ينتصر في جبل موية، وسنجة، والجزيرة، والخرطوم، وتسير جحافله الآن غرباً لتدك آخر معاقل التتار الجدد، بالسحر والأرواح، وخوارق الطبيعة، ولكن لأنه جيشٌ جريءٌ يجيد الحرب، ويتقن النزال، ولا أعلم إذا كانت هذه الدولة الهشّة التي تعض شقيقاتها بنابٍ مسموم، وتصاولهم بمخلب قاتل، تدرك أنَّ هذا الجيش اللجب الذي تورّطت في مناجزته، قد ظفر بشهرة لم يظفر بها أحد سواه في الجزء الشمالي الشرقي لقارة أفريقيا.

لقد استطاع هذا الجيش ببطولاته وجهاده، وتضحياته الجسام، على مدار أكثر من قرن، أن يحوز على هيام شعبه، وينال حبّه وصبابته، وفي الحق أنَّ هذا الجيش لم يهيمن على فؤاد شعبه، إلا لأنَّ هذا الشعب أبصر قواته بقوامها الرشيق، وبمنطقها البسيط الأنيق، لا تتردد لحظة في الذبّ عنه، والذود عن حياضه، بل لم تقتصر مهمة القوات المسلحة السودانية، على مدار عمرها الحافل، في الحفاظ على كيان الدولة التي يمنحها أغلى ما يملكه، ويتحفها بهذا الجهاد الطويل الخصب، وتخصه هي باللين حيناً، وبالعنف والشدة حيناً آخر، رغم محبتها له، لأنها تجهل لماذا يتدفق جنودها أو يُحجموا عن اجتياح منطقة ما، أو لماذا يفتحوا أبواب بعض المدن أو يغلقوها، ولكنها بعد كل هذا تملك هذه القوات المسلحة فؤادها، وتسيطر على ضميرها، متى ما انجلت الأسباب، واتضحت لها الحقائق، فالجيش لا يمكن أن يُشرك شعبه في كل أمره، ويطلعه على جميع شأنه.
نقول لحكام هذه الدولة الذين نعرف أنهم ليسوا أهل إيمان، ولا أصحاب دين، إن جيشنا الذي يؤدي واجبه كأحسن ما تُؤدى الواجبات، لم يكتفِ بهذه الأعباء الثقال التي تنهض بها كل جيوش العالم، ولكنه زاد عنها بالحركة والنشاط، الذي جعل شعوب المنطقة تحتفي به، وتثني عليه، لأنه سار وفق قواعده ومثله العليا، التي تحتم عليه أن يتضامن مع محيطه الذي يعرفه جيداً، ويفهم دقائقه. لأجل ذلك رأينا لجنود السودان مشاركات خارج نطاق حدودهم، أبصرناهم يضطربون في بيئات ليست غريبة عليهم، وغايتهم من هذا الاضطراب أن يُعربوا عن ذاتهم التي ترغب في مساعدة الغير على نيل الحرية، ولكي يعيدوا الأمور إلى نصابها. لأجل هذا شاركوا مصر في كل حروبها منذ الاستنزاف حتى أكتوبر الأخضر، وكان تواجدهم سائغاً إبّان الحرب الأهلية في لبنان، وفي الكويت حينما أراد الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم في ستينيات القرن المنصرم أن يشمخ فيها بأنفه.
إذن سادة تلك الدولة التي سوف تثكلها قريباً مدارج الفتون، لن تظل أبراجها وعماراتها الشامخة وادعة آمنة، فنخبها السياسية كانت جامحة الخيال، حينما ظنّت أن خارطة السودان غيداء فاتنة، يمكن الحصول عليها بتلك الشرذمة من الرعاع الذين لا أجد رزءاً في موقفي هذا، بأن أدمغهم بالجبن، وأنهم أحطّ الناس مرتبة، وأنأى الخلائق بعداً عن الشرف والوطنية.
دويلة الشر اعتقدت أنها ستُخرج من الهوام رجالاً، ومن البراغيث أفيالاً، وأن هذه الجموع من طغام الناس وبغاثهم، في كل صورهم وأشكالهم، يستطيعوا أن يسحقوا جيشاً عرمرماً، ويجعلوه في حرجٍ وفي عُسرٍ شديد، كلا، لم ولن يحدث هذا، فمما لا يندّ على ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هذا الجيش الذي تطمئن إليه قلوبنا، وتستريح إليه نفوسنا، صاحب فلسفة عميقة رفيعة لا يدركها كل إنسان، فلسفة غذّت عقولنا وأرواحنا، فلسفة شامخة ناضجة، مكنتنا من أن نفهم قيمة جيشنا، ونجعله هادينا الأوحد في حياتنا، فقد آمنا به وكفرنا بما غيره، وأيقنّا بأنه قد تجرد عن الشعور بالفردية، وتسامى عن كل شهوة أرضية. نحن نعشق جيشنا الذي اعتلى ذروة المجد، ونتعصّب لهذه الأفكار والآراء التي تزعم بأنه رمز النضال، وأنه موئل انعتاقنا الأبدي، فلولا هذا الجيش الكاسر الصنديد، لأمست تلك الدويلة التي لا تُؤمن بوائقها تتحكم حتى في سمعنا وبصرنا، وحسّنا وفكرنا.
إن حربك معنا أيها المأفون الواهم، أنت وحاشيتك، قد اتخذت سُبلاً ومواطن أخرى، وها نحن نراك قد انحرفت عن صورها الراتبة المعهودة، وكأنك قنطت من رهط المغامرين الخبثاء، الذين تظاهر بعضهم على بعض، ونشأت بينهم الغوائل، فعمدتم إلى المسيرات التي اتخذت صبغتكم الدموية، عساها تشفي غليلكم، وتستلّ سخميتكم من القوات المسلحة السودانية التي أودت بحياة مجموعة مقدّرة من ضباط جيشكم الفينان، ثُلّة قضت نحبها في مدينة نيالا. فما أن سمعتم بخبر "نفوقهم" حتى هاج كبرياؤكم، وثارت ضغينتكم، فأمطرتم بورتسودان وغيرها من مدن السودان بهذه البعثة المباركة من المسيرات التي لن تغيّر أعاليها وأسافلها شيئاً من إحكام الصلة بسهول، وهضاب، ومدن، ونجوع، ليس بينها وبين القوات المسلحة شيء من الإهمال أو الغفلة.
إذن أسدر في غيّك، وتمادَ في ضلالك، وأرسل مسيرات غضبك وامتعاضك، فهي لن تُلهي الجيش عن إكمال مهمته، فالجيش، والقوات المشتركة، و"ألوية البراء بن مالك" التي تعج متحركاتها بالتهليل والتحميد، وتصخب بالتسبيح والتمجيد، هذه الألوية تندمج مع الجيش دونما نفور، ولن يمضي غير قليل حتى تمتد أياديهم من كل جانب لتخنق "تتر العصر"، وتبطش بعد ذلك بمن عاونهم ومكّن لهم.
لن يستمر هذا الحال طويلاً، ولن ينظر الناس إلى قصورك وأبراجك معجبين، فسوف يُخني عليها الذي أخنى على لُبَد. فهذا مصير كل من يرى في الأنانية دستوراً للحياة، وينساق وراء نزواته وهواه.

د. الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوات المسلحة هذا الجیش

إقرأ أيضاً:

فخر بالتصدي.. قطر : تصدينا لـ18 صاروخ إيراني بالهجوم على قاعدة "العديد"

الدوحة - أعلنت وزارة الدفاع القطرية، مساء اليوم الاثنين، أن الدفاعات الجوية للدولة اعترضت هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية، وذلك بعد إعلان إيراني لبدء عملية استهداف لقواعد أمريكية في المنطقة.

وأضافت الوزارة في بيان: "بفضل الله ويقظة القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية لم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات".

وتابعت: "نؤكد أن أجواء وأراضي دولة قطر آمنة، وأن القوات المسلحة القطرية على أهبة الاستعداد دائماً"، متابعة: "ننصح المواطنين والمقيمين بأخذ التوجيهات وآخر التطورات من المصادر الرسمية".
يأتي ذلك بعد أن أعلن التلفزيون الإيراني، مساء اليوم، بدء الرد على الهجوم الأمريكي من خلال ضرب قاعدة العديد في قطر، والقواعد الأمريكية في العراق.

وقال التلفزيون الإيراني: "القوات المسلحة الإيرانية بدأت رداً قوياً على العدوان الأمريكي"، في حين قالت وكالة الأنباء الإيرانية إن الهجوم على القواعد الأمريكية في قطر والعراق قد بدأ ضمن عملية "بشائر الفتح".

وذكر مجلس الأمن القومي الإيراني أن "عملياتنا خالية من أي تهديد أو خطر على الدولة الصديقة والشقيقة قطر وشعبها".

فخر قطري بالتصدي
وأعلن نائب رئيس الأركان للعمليات المشتركة القطرية، شايق الهاجري، أن القصف الإيراني جاء على دفعتين، الأولى عبر 7 صواريخ جرى إسقاطها جميعاً من قبل دفاعات الدولة، قبل أن يطلق 12 صاروخاً آخر تم اعتراض 11 منها، فيما سقط أحدها في قاعدة "العديد"، دون تسجيل أي إصابات.

وأوضح في مؤتمر صحفي مشترك مساء الاثنين، أن وزارة الدفاع كانت على تنسيق مع الدول الخليجية، مضيفاً: "فخورون بعملية التصدي لهجوم اليوم ولم تسجل أي أضرار".

وتابع قائلاً: "نطمئن المواطنين والمقيمين بجهوزيتنا الكاملة لضمان أمنهم على أراضينا لتوفير الأمن في البلاد".

بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية، في المؤتمر ذاته، أن الدوحة تعتبر "الهجوم مفاجئاً في ظل حرص قطر على الوساطة لحل الأزمات".

ولفت إلى أن "الهجوم الإيراني يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة قطر ومخالفة لمبادئ حسن الجوار".

وتعتبر قاعدة العديد أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وأكبر قاعدة جوية للولايات المتحدة في الخارج، وفيها قرابة 13 ألف جندي، إلا أنها أخليت مؤخراً بعد التصعيد بين واشنطن وطهران.

 

مقالات مشابهة

  • إبراهيم جابر يؤكد اهتمام الدولة بمعاشيي القوات المسلحة
  • فخر بالتصدي.. قطر : تصدينا لـ18 صاروخ إيراني بالهجوم على قاعدة "العديد"
  • إيران تستهدف قاعدة العديد الأمريكية بقطر
  • القوات المسلحة الإيرانية تتعهد بـ"رد حازم" بعد الضربات الأمريكية
  • رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية يتعهد “ردا حازما” بعد الضربات الأميركية
  • القوات المسلحة الإيرانية تتعهد بـ"ردا حازما" بعد الضربات الأميركية
  • الجيش الإيراني يهدد الولايات المتحدة
  • إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهدافها؟
  • حكومتان وحرب واحدة
  • الجيش الإسرائيلي يكشف إجمالي عدد المسيرات الإيرانية على البلاد ونسبة ما اعترضه