فرنسا تفتح أبواب أوروبا أمام الرئيس الشرع: ماذا في المقابل؟
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
فرنسا – أعطت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا زخما كبيرا لمساعي الحكومة السورية الجديدة في انتزاع اعتراف دولي لشرعيتها لا يزال يتأرجح على زئبق المصالح الدولية وتناقضاتها.
وإذا كانت واشنطن قد أمعنت في إملاء شروطها على الحكم الجديد الذي أبدى انفتاحه على مناقشة كل الملفات الجدلية والحساسة العالقة فإن زيارة الشرع إلى فرنسا قد تفتح أمامه أبواب أوروبا دون إغفال لحزمة الشروط التي لوحت بها فرنسا قبيل الزيارة وأعاد رئيسها ماكرون ترديدها على مسامع الرئيس الضيف.
زيارة وبصرف النظر عن الملاحظات التي أحاطت بها على مستوى الشكل والبروتوكول ودعوة البعض إلى عدم تحميلها ما لا تحتمل من مفاعيل إيجابية ربطا بكونها بالون اختبار ليس إلا فإنها سجلت نقطة هامة في رصيد دمشق، فالثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به فرنسا دولياً وأوروبا قد يشجع دولا غربية أخرى على سلوك المسار نفسه خاصة إذا ما نجحت دمشق بالإيفاء بوعودها للغرب أو الوصول معه إلى تسويات بشأنها تعزز الثقة وتؤسس لمسار مختلف.
الشرع يغتنم الموقف الفرنسييرى المحلل السياسي فهد العمري أن استقبال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في فرنسا جاء استكمالاً لما بدأته باريس من مسار الانفتاح السياسي على دمشق والذي بدأ مع إرسال وزير خارجيتها جان نويل بارو رفقة نظيرته الألمانية إلى العاصمة السورية حيث كانت فرنسا من أوائل الدول الأوروبية التي اعتقدت بوجوب الرهان على الحكم الجديد وانتظار ما يمكن البناء عليه من مرونة سياسية طبعت أداءه السياسي خلال المرحلة الماضية.
وفي تصريح ل “RT” أكد العمري أن باريس تأخذ على محمل الجد رغبة وقدرة الحكومة السورية الجديدة على بناء منظومة علاقات دولية تقطع مع كل مسببات العزلة التي فرضتها سياسة النظام السابق وهي تضع نصب عينيها رفع العقوبات المفروضة عليها من خلال ولوج البوابة الفرنسية التي قد تختصر عليها الطريق إلى بناء الشراكة الحقيقية مع الغرب من خلال التزكية الفرنسية المنتظرة بعد اجتياز امتحان الشروط التي تواضع الغرب على وضعها كمجاز لمرحلة بناء الثقة مشيرا إلى أن النظام الحاكم في دمشق اليوم أمام فرصة يجب اغتنامها لجهة استغلال الغزل الفرنسي الحالي به وإن كان مشروطا في مسألة رفع العقوبات والتعافي المبكر وإعادة الإعمار واستقبال المساعدات والهبات التي تحتاجها سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ووفقاً للعمري فإن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع قد نجح من على المنبر الفرنسي الهام في الإسهاب بشرح المخاطر الكبيرة التي قد تحيط بالمجتمع الدولي إذا تمنع عن لعب دور جدي في إسناد الحكومة السورية التي عرفت كيف تسوق للأمر من باب النصيحة المسؤولة لا التهديد الضمني مشيرا إلى أن دمشق اليوم أحوج ما تكون إلى دعم دولي في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهي قد تجد في باريس ضمانتها الحقيقية في إلزام تل أبيب بوقف اعتداءاتها على سوريا بعد طمأنة هذه الأخيرة بشأن نواياها الإيجابية تجاه الدولة العبرية التي تقضم في الجنوب وتعربد في السماء السورية.
هذا ما تريده فرنساواستدل المحلل السياسي على تلاقي المصالح الحالية بين دمشق وباريس من خلال سعي هذه الأخيرة لإحياء دورها التاريخي المنكفئ في الشرق الأوسط عبر بوابة كل من سوريا ولبنان ولعل هذا ما يفسر مسارعة ماكرون إلى تهنئه الرئيس الشرع بانتخابه وإعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق وتعيين قائم بالأعمال الفرنسي هناك واحتضان المؤتمر الدولي حول سوريا الذي عقد في شباط الماضي بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني فيما بدا أنه مسعى أوروبي بقيادة فرنسا لرعاية عملية القطيعة النهائية لسوريا مع الاستبداد والإرهاب.
وقلل العمري من خطورة الحديث الفرنسي عن الشروط المسبقة التي قد تمهد لعودة سوريا إلى لعب دورها المنشود على المستوى الدولي من قبيل عدم التمييز بين مكونات المجتمع السوري ومشاركة جميع الأقليات الدينية والعرقية في حكم البلاد ووقف الانتهاكات التي حصلت بحق العلويين والدروز وإقصاء المقاتلين الأجانب عن المراكز القيادية في الجيش والمؤسسات الأمنية مشيرا إلى أنها لزوم تمرير الزيارة بعيداً عن الصخب الإعلامي الذي لا زال يبحث في تاريخ جهادي منسي عند قيادة سورية قررت القطيعة مع الماضي والأخذ بالأسباب التي تجعل منها دولة مدنية متحضرة في حين أن دولة كفرنسا تفخر بأنها بلد الحرية لا يمكنها أن تسقط من الزيارة عناوين العدالة والمساواة بين السوريين في حين أنها تعلم أن قرار الانفتاح على دمشق قد اتخذ وبصرف النظر عن السرديات الكلاسيكية المتعلقة بمعاني العدالة والحرية التي تفخر بها عاصمة النور الفرنسية.
وشدد المحلل السياسي السوري على أن فرنسا تدرك خطورة نشاط “داعش” على الساحة السورية وهذا ما دفعها لحث الشرع على التعاضد مع قوات سوريا الديمقراطية في قتال التنظيم التكفيري بعد اشراكها الفعلي في الحكومة السورية كما أن باريس تخشى من عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا و تجتهد في إبقاء سوريا بعيدة عن روسيا ولهذا فإنها تحرص على استقطاب الشرع الذي لم يظهر مواقف متشددة تجاه موسكو على النحو الذي يتمناه الغرب.
وختم العمري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن فرنسا ترغب في أن يكون لها دور اقتصادي بارز في سوريا من خلال المشاركة الكبيرة للشركات الفرنسية في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة وقد بدأت بالفعل في جني ثمار سياستها السورية هذه من خلال العقد الذي وقعته” الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية” مع شركة “سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية لمدة ثلاثين عاما ويقضي بقيام الشركة الفرنسية بتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بقيمة 230 مليون يورو الأمر الذي يجعل من استقرار سوريا حاجة فرنسية ملحة على مختلف الأوجه السياسية والأمنية والاقتصادية.
الخطة البديلةمن جانبه يرى المحلل السياسي قتيبة العلي أن فرنسا تبدو جادة في إعطاء الرئيس الشرع الفرصة تجاه الإبقاء بتعهداته على المستويين الداخلي والخارجي لكن ذلك يبقى مرهونا بقدرته على التنفيذ.
وفي حديثه لـ”RT” لفت العلي إلى أن الفرصة قد لا تبقى مشرعة أمام الحكومة السورية الحالية خاصة إذا ما بقي الشرع عاجزاً عن طي صفحة الخلاف مع بقية المكونات السورية التي ترغب فرنسا في اشراكها بالحكم على نحو أكثر شمولا وإلا فإنها ستجد نفسها مضطرة لاستعمال خياراتها البديلة المرتبطة بعلاقاتها التاريخية مع هذه المكونات السورية كل على حدة. بعيدا عن مركزية العلاقة مع دمشق.
وأضاف بأن أوراق فرنسا المؤثرة في المشهد السوري كثيرة وهي ترتبط بعلاقتها القوية مع “قسد” في شمال شرقي البلاد في ظل أحاديث ملحة عن انسحاب أمريكي وشيك من هناك وملاحظة الدور الكبير الذي اضطلع به وزير الخارجية الفرنسي في إبرام المصالحة الكردية – الكردية من خلال زياراته المتكررة لمناطق الإدارة الذاتية وأربيل كما أن هناك علاقات تاريخية تربط ما بين فرنسا وأبناء الساحل السوري الذي تضغط باريس من أجل محاكمة قادة الفصائل المرتبطة بدمشق والذين ارتكبوا جرائم فيه .
وختم العلي حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن التعاطي الفرنسي مع الأقليات السورية في ظل ما تعتقد أنه مظلومية لحقت ولا تزال بها قد يكون البديل عن التعاطي مع الحكومة في حال لم يستطع الشرع فرض سياسة متوازنة تضمن الاستقرار في سوريا وهو الأمر الذي تفضله فرنسا وتدفع لتحقيقه لكنها قد لا تملك ترف الانتظار في ظل أطماع تركية وإسرائيلية تريد أن تأخذ الحصة الكبرى من الكعكة السورية دون أن تبقي لفرنسا ما يليق بتاريخها في المنطقة التي سيطرت عليها لعقود طويلة.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الحکومة السوریة المحلل السیاسی فی سوریا من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
فرنسا توشح حموشي بأرفع الأوسمة والرباط تشهد توقيع شراكة استراتيجية بين الأمن المغربي والشرطة الفرنسية
زنقة 20 | علي التومي
وقع المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، اليوم الثلاثاء، بالرباط، ونظيره الفرنسي لوي لوجيي، المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، على مخطط عمل مشترك بين مصالح الأمن الوطني بالمغرب والمديرية العامة للشرطة الوطنية بالجمهورية الفرنسية.
وأوضح بلاغ لقطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن هذا المخطط، الذي تم توقيعه بمناسبة استقبال حموشي للوجيي، الذي كان مرفوقا بسفير الجمهورية الفرنسية بالرباط، وبوفد أمني هام يضم عددا من مدراء المديريات المركزية بالشرطة الوطنية الفرنسية، “يُؤسس لخارطة طريق مشتركة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لكلا البلدين الشقيقين”.
وذكر البلاغ أن هذا الاستقبال يأتي في سياق الزيارة التي يجريها المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية للمملكة المغربية، من أجل توطيد التعاون الأمني وتعزيز آليات المساعدة المتبادلة في مختلف مجالات التعاون الثنائي الشرطي.
وأضاف المصدر ذاته، أن “أهمية هذا المخطط المشترك، تكمن في كونه يسمح بمأسسة آليات التعاون المتميز القائم منذ عقود بين مصالح الأمن المغربية والفرنسية، ويدفع كذلك في اتجاه تطوير وتوسيع مجالات هذا التعاون، لتشمل إمكانية خلق مجموعات عمل مشتركة لمواجهة مختلف التحديات المرتبطة بالجريمة المنظمة، بما في ذلك تعقب الأشخاص في حالة فرار والمبحوث عنهم دوليا”.
كما يفتح هذا المخطط المشترك آفاقا واعدة للتعاون الأمني والمساعدة المتبادلة بين مصالح الشرطة في المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، ليكون في مستوى العلاقات المتميزة بين البلدين الصديقين، وليشكل عنوانا لشراكة استراتيجية مستدامة، في مجالات التكوين والتدريب، وتبادل المعلومات، وفي المساعدة التقنية والتعاون العملياتي.
وفي هذا الصدد، عبّر المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية عن امتنانه الكبير للدور الذي اضطلعت به مصالح الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني في دعم الأمن الفرنسي في مكافحة الخطر الإرهابي، وفي ملاحقة وتوقيف عدد من المبحوث عنهم من طرف القضاء الفرنسي في قضايا الجريمة المنظمة، وفي تأمين الألعاب الأولمبية التي احتضنتها باريس، كما أبدى رغبة واستعداد فرنسا لتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لمساعدة الشرطة المغربية في بروتوكولات الأمن والسلامة لتأمين التظاهرات الرياضية الدولية التي سيحتضنها المغرب مستقبلا.
وبموازاة مع جلسات العمل المنجزة بين الطرفين، قام سفير الجمهورية الفرنسية المعتمد بالرباط السيد كريستوف لوكورتييه بتسليم ميدالية وبراءة وسام جوقة الشرف من درجة ضابط، الذي منحته السلطات الفرنسية للمدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي، وذلك وفق المراسم والشكليات التي تتطلبها مسطرة تسليم الأوسمة السامية التي تصدرها الجمهورية الفرنسية.
وقد أكد الجانب الفرنسي على أن منح عبد اللطيف حموشي أسمى وأعلى الأوسمة الفرنسية، هو اعتراف وتأكيد على الدور الريادي الذي تضطلع به مصالح الأمن الوطني بالمملكة المغربية في الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو أيضا إشهاد على نجاعة وفعالية المساعدة الأمنية المتبادلة بين البلدين بما يدعم ويخدم قضايا الأمن المشترك.
وقد عقد المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني مباحثات مكثفة مع نظيره الفرنسي، انصبّت على تقييم مستوى التعاون الثنائي في المجال الأمني، واستعراض مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن دراسة آليات جديدة لتعزيز المساعدة المتبادلة بين الطرفين لضمان أعلى مستويات الجاهزية لتحييد مختلف المخاطر والتهديدات الأمنية.
وخلص البلاغ إلى أن زيارة لوجيي تترجم أهمية ومستوى التعاون بين مصالح الأمن الوطني بالمملكة المغربية والشرطة الوطنية الفرنسية، كما تجسد رغبة الطرفين في تعزيز وتدعيم المساعدة المتبادلة والتعاون العملياتي بما يحقق أعلى مستويات الجاهزية لمكافحة مختلف التهديدات والمخاطر المحدقة بأمن البلدين.