9 مايو، 2025
بغداد/المسلة:
ناجي الغزي
منذ أكثر من عقد، تتصرف الإمارات العربية المتحدة كقوة إقليمية صاعدة بوجه إمبريالي مموَّه بالدبلوماسية والمال، بينما تنفذ سياسة خارجية تتسم بالاختراق، والتخريب، وتفكيك الدول الوطنية من الداخل. تسوّق نفسها كدولة استقرار، لكنها في الواقع تُعيد تشكيل الجغرافيا السياسية العربية بما يخدم طموحاتها السلطوية، وذلك عبر أدوات متعددة: التدخل العسكري، ودعم الانقلابات، وشراء الولاءات، وبناء نخب تابعة تخدم مصالحها، لا مصالح شعوبها.
1. قطاع غزة: واستثمار الدم الفلسطيني
التحركات الإماراتية الأخيرة ضد خطة ما بعد الحرب في غزة، والتي وضعتها مصر وصادقت عليها الجامعة العربية، تكشف رغبة إماراتية صارخة في السيطرة على المشهد الفلسطيني. بدلاً من دعم الجهد العربي، عملت الإمارات على نسف الخطة عبر الضغط على إدارة ترامب، رافضةً أي تصور لا يتضمن إخراج حركة حماس بالقوة، ولو على حساب تهجير الفلسطينيين قسراً إلى سيناء. الأسوأ من ذلك، هو الترويج لمحمد دحلان، رجل الإمارات، كحاكم لمرحلة ما بعد الحرب، دون أي شرعية شعبية. هذا تدخل سافر في مصير قضية يفترض أنها “قضية الأمة”، وليس ورقة للمناورة السياسية.
2. اليمن: من دعم الشرعية إلى تفكيك الدولة
دخلت الإمارات الحرب في اليمن تحت شعار دعم “الشرعية”، لكنها سرعان ما انقلبت على ذلك، وسعت لتقسيم البلاد. دعمت المجلس الانتقالي الجنوبي بالسلاح والتمويل لتقويض الحكومة اليمنية، وبنت ميليشيات موازية للجيش، أبرزها “ألوية العمالقة” و”قوات الحزام الأمني”، وحوّلت ميناء عدن وجزيرة سقطرى إلى قواعد استراتيجية تخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية. لم يكن الهدف إعادة الشرعية، بل الهيمنة على موانئ اليمن والتحكم بمضيق باب المندب وخطوط الملاحة.
3. السودان: دعم الانقلاب والانقضاض على الثورة
في السودان، وقفت الإمارات ضد الثورة الشعبية التي أسقطت عمر البشير، وسعت لإعادة بناء النظام عبر الجنرالين حميدتي والبرهان. مولت قوات الدعم السريع وقدّمت لها غطاءً سياسياً وإعلامياً، ثم دعمت الحرب الأهلية الجارية حالياً، ما تسبب بمقتل الآلاف وتشريد الملايين. لا يعني الإمارات استقرار السودان، بل بناء تحالفات تابعة في بلد غني بالموارد، وتحويل جيشه إلى أداة مرتزقة كما فعلت مع قوات سودانية نُقلت للقتال في اليمن وليبيا مقابل المال.
4. مصر: الهيمنة المالية وتهميش القرار السيادي
رغم تحالفها المعلن مع القاهرة، تعاملت الإمارات مع مصر كدولة بحاجة دائمة للدعم، وسعت لترويض القرار المصري عبر الدعم الاقتصادي المشروط. في المقابل، تستغل الإمارات الأزمات المالية في مصر لشراء أصول استراتيجية (موانئ، مصانع، أراضٍ)، وتحاول توجيه القرار السياسي المصري ليتماشى مع رؤيتها في ملفات ليبيا، فلسطين، والسودان. تحولت العلاقة من شراكة إلى هيمنة ناعمة، تمارسها أبوظبي باستخدام أدوات المال والضغط السياسي الأمريكي.
5. الجزائر: صراع خفي على النفوذ والهوية السياسية
رغم غياب التدخل العسكري المباشر، تنظر الإمارات إلى الجزائر كعقبة أمام مشروعها التوسعي، بسبب تمسك الجزائر باستقلال قرارها، ودعمها للقضية الفلسطينية، ورفضها التطبيع مع إسرائيل. حاولت الإمارات التسلل عبر المال والإعلام، ودعمت بعض الأصوات الانفصالية في منطقة القبائل، وموّلت حملات إعلامية ضد مؤسسات جزائرية سيادية. تصاعد هذا الصراع المكتوم مؤخراً مع تقارب الجزائر مع تركيا وقطر، ما أثار مخاوف الإمارات من بروز محور مغاربي يعارض مشروعها في المشرق.
6- العراق أمام الاستقطاب والاختراق الاماراتي
في العراق، تسعى الإمارات إلى اختراق البنية السياسية السنية أولاً، ومن ثم التأثير في القرار المركزي عبر أدوات محلية تدين لها بالولاء المالي والسياسي. طحنون بن زايد، بصفته مهندس السياسات الأمنية للإمارات، يدير هذا المشروع عبر بوابة “الاستقرار” التي تروج لها أبو ظبي كغطاء لتدخلها. لكن واقع الحال يشي بأن الغاية ليست استقرار العراق، بل تحويله إلى ساحة نفوذ إضافية في صراع المحاور الإقليمي، وامتداداً أمنياً للتطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني.
خلاصة المشروع الاماراتي
إن ما تفعله الإمارات اليوم لا يمكن تفسيره في إطار مصالح الدولة، بل في إطار مشروع سلطوي إقليمي يتقاطع مع مشاريع أكبر، ويعتمد على نسف المؤسسات الوطنية العربية وبناء بدائل خاضعة. من فلسطين إلى اليمن، ومن السودان إلى الجزائر ثم العراق، تترك الإمارات وراءها ندوباً دامية، وساحات محطمة، وتحالفات مفككة.
هذا المشروع لا يمكن مواجهته بالسكوت أو الحياد، بل يتطلب اصطفافاً عربياً صادقاً يستعيد للقرار العربي استقلاله، ويمنع المال من أن يتحول إلى سلاح دمار شامل للهوية والسيادة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
السودان.. ميليشيا الدعم السريع تستهدف بورتسودان بطائرات مسيرة
أفادت مصادر رسمية بأن، الدفاعات الجوية السودانية تصدت فجر اليوم لمسيرات أطلقتها ميليشيات الدعم السريع على بورتسودان.
وفي وقت سابق، اعتمد مجلس الأمن الدولي، الخميس، قرارًا بتمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان حتى 30 أبريل 2026، داعيًا إلى وقف شامل وفوري للقتال الذي تجدد خلال الأسابيع الأخيرة، وأثار مخاوف دولية من انزلاق البلاد مجددًا نحو حرب أهلية.
القرار الذي حظي بموافقة 12 دولة، امتنع عن التصويت عليه كل من روسيا، والصين، وباكستان، وسط انتقادات للمجتمع الدولي بعد تقارير عن استخدام "عشوائي" للأسلحة الفتاكة ضد المدنيين.
ودعا القرار كافة الأطراف المسلحة في جنوب السودان إلى الانخراط في حوار سياسي شامل يهدف إلى إنهاء الصراع، مع التشديد على ضرورة وضع حد لأعمال العنف ضد المدنيين.
وتزامن ذلك مع تقارير مقلقة نشرتها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اتهمت فيها الجيش باستخدام طائرات لإسقاط قنابل حارقة على مناطق في شمال شرق البلاد، ما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. هذا التصعيد أعاد إلى الواجهة ذكريات الحرب الأهلية السابقة التي مزقت البلاد عقب الاستقلال.
بحسب نص القرار، سيظل قوام بعثة الأمم المتحدة عند 17 ألف جندي و2101 شرطي، مع فتح المجال أمام إجراء "تعديلات" على العدد والمهام بحسب تطورات الوضع الأمني الميداني.
وشدد المجلس على أهمية إزالة العقبات التي تعترض عمل البعثة وتهيئة مناخ سياسي وأمني مناسب يمهد الطريق نحو انتخابات حرة ونزيهة، كان من المفترض إجراؤها هذا العام، لكن تأجلت إلى 2026.