أمريكا ترضخ.. واليمن يؤكد: ثوابتنا غير قابلة للتفاوض
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
يمانيون/ تقارير
بنص صريح وواضح، أكد الاتفاق بين الجمهورية اليمنية والولايات المتحدة، وقف العدوان العسكري الأمريكي على اليمن، بما في ذلك الغارات الجوية والتهديدات البحرية.
فاجأ الإعلان، الكثير، من عملاء ومحايدين، لكنه لم يفاجئ الكثير أيضا ممن قرأوا المشهد من واقع تفاصيله ومعطياته، وممن لم ينفصلوا عن الحقائق الثابتة، بأن أمريكا كيان عدواني، مثله مثل “إسرائيل”.
أكد اتفاق وقف العدوان، ثُقل الجانب اليمني ورسوخه، استنادا لما قام عليه موقفه في معركة الانتصار للمستضعفين في غزة.. وفضح في عين الوقت، هشاشة الموقف الأمريكي الذي تولّد عن غطرسة ووهم في القدرة على العبور بالكيان الصهيوني إلى أهدافه.
بعد ما يقارب الشهرين، تأكد لأمريكا حقيقة أنه لن يكون بمقدورها تجاوز عقبة اليمن في إطار سعيها لمخطط التمكين للصهاينة في “الشرق الأوسط” على طريق توسيع كيانه جغرافيا، وفرض هيمنته إرهابا.
دخل ترامب معركة الدفاع عن الكيان، بسقف مرفوع لأهداف انتحارية، في شيء تفاصيلها، إيقاف العمليات اليمنية المساندة لغزة، وإبادة من أسماهم بـ”الحوثيين من جذورهم”، وهذيانات أخرى بنفس الوزن ثبت أنها أكبر منه، لذلك جاء الإعلان عن الاتفاق ليؤكد على أن الوسط الأمريكي عموما بات يدرك فداحة الورطة التي أوقعهم فيها ترامب مع اليمن، وأن مغامرته هذه لا تستقيم مع وعوده بالرفاهية لهم، فبدأ يشكك حتى في الصحة العقلية للرئيس الطائش.
صواريخ باليستية وفرط صوتية وطائرات مسيرة
منذ اللحظة الأولى لترجمة رعيده بالتعامل مع اليمن نيابة عن العدو الإسرائيلي بما ينهي من المعضلة اليمنية التي لا تنفك في كل مرة ومع كل تصعيد صهيوني عن التكشير عن أنياب جديدة باليستية وفرط صوتية وطائرات مسيرة، كشفت عمليات ترامب عن دخوله المعركة بنفسية يائسة ومحبَطة وعقلية تائهة عن تحديد ماذا؟ وكيف؟ ومتى؟، ورغم استعانته بالأصدقاء وقبل ذلك بمنظوماته الاستخباراتية والتجسسية فائقة التكنلوجيا إلا أنه في نهاية المطاف عاد إلى أدراج مخطط عدوان التحالف السعودي الأمريكي (2015 – 2023) وأخرج قوائم أهداف مدنية شهدت خلال ثمان سنوات من القصف المتواصل عشرات الغارات، ولم يبقى منها إلا أطلال، ليجد فيها ضالته، من أجل الظهور أمام الرأي العام والمدلل الصهيوني، في مستوى ما وعد به.
انهارت الغارات على ذات المقصوف من الأعيان المدنية ومع كل غارة كانت معنويات ترامب ونتنياهو تنهار أكثر، فهذه الأهداف لن توصلهم إلى التأثير على القدرات العسكرية للقوات المسلحة. وقاد التمادي المخادع للداخل الأمريكي والإسرائيلي إلى تراكم مشاعر الإحباط، كما وتراكُم الخسائر المادية التي أظهرت وبالعين المجردة عدم قدرة ترامب على تحملها خصوصا مع انعدام ملامح أي أفق أمامه للوصول إلى الهدف.
ارتد السحر على الساحر ترامب، مع تصاعد العمليات اليمنية في عمق الكيان من جهة واستهداف الحاملات والبارجات الأمريكية من جهة أخرى، وشهد الوضع تصاعد دراماتيكي للورطة الأمريكية، من تعرض قطعه البحرية للصواريخ والطائرات اليمنية، إلى إسقاط لأعينها التجسسية (إم كيو 9)، إلى سقوط لطائرات (إف 18)، وإذا ما أضيف إلى ذلك آثار العمليات الهمجية على اليمن التي انتهك بها كل القوانين والثوابت الدولية بقصف الأعيان المدنية المرتبطة بحياة المواطنين كميناء رأس عيسى ومحطات الكهرباء وخزانات المياه، وكلها تعاضدت لتعريّة عجزه، وكشف استخفافه بالمجتمع الدولي، نجد في كل تلك المعطيات حيثيات موضوعية قادت إلى دفع ترامب إلى الانسحاب، والاعتراف بعدم قدرته على الوفاء بوعيده.
حفاظا على ما بقي من ماء الوجه
لم يكن في وارد اليمن على الإطلاق، التراجع عن الموقف، وقد لمس ترامب شدة هذا الموقف في إصرار القيادة الثورية المباركة على الثبات، وإصرار ملايين اليمنيين على انتظار لحظة الالتحام المباشر مع العدو الأمريكي والعدو الصهيوني، وكان ذلك عاملا له وقعه في زلزلة نفسية ترامب، لذلك لم يجد مفرا من الإسراع إلى عرض وقف إطلاق النار.
وبالنظر إلى تاريخ المفاوضات بواسطة العماني حول هذا الاتفاق، يتأكد أن ترامب كان يعيش حالة الاحباط من وقت مبكر، وما غاراته الأخيرة إلا محاولات أخيرة وتدارك يائس لتهدئة النفسيات الوحشية التي تتطلع لأن يظهر عليها بإعلان خبر تحقيقه للأهداف، وإنهاء قصة اليمن.
جاء الإعلان مخيبا، وكاشفا عن عجز أمريكي مخز عن فرض إرادة الإمبراطورية المرعبة بالعمليات العسكرية ضد اليمن، دفعها إلى الرضوخ لإبرام اتفاق “عُمان” وإجبارها على وقف عدوانها ضد الشعب اليمني.
محاولة البعض إضفاء شيء من النصر لجبهتهم الصهيونية بما فيهم يمنيين وعرب، كان قد وضع الحصانة ضدها، رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام، بقوله صراحة: نحن لم نقدم أي طلب للأمريكي ونحن من تلقينا الطلبات والرسائل عبر الأشقاء في سلطنة عمان خلال الأسابيع الماضية.
استند هؤلاء البعض المحبَطين إلى الكلام التخديري الذي حاول ترامب تسويقه، وحرص من خلاله على تخفيف وطئ المفاجأة الفاجعة، ليظهر الإعلام الأمريكي مباشرة بما لا تشتهي أمانيهم، إذ فنّد مزاعم ترامب بشأن طلب صنعاء وقف الهجمات الأمريكية على اليمن. وقالت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية نقلاً عن مصدر مطلع، إن المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، سعى للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من اليمن على السفن الأمريكية بمشاركة عُمان كوسيط، خلال عطلة نهاية الأسبوع. وأوضحت المجلة أن اتفاق أمريكا مع “الحوثيون” يقتصر على عدم استهداف السفن الأمريكية مقابل إيقاف الهجمات الأمريكية على اليمن، ومن غير المرجح أن يُهدئ هذا الاتفاق التوترات في المنطقة.
وأشارت إلى أن تكاليف الحملة الأمريكية في اليمن استمرت في التراكم مع العرض الاستثنائي للقوة العسكرية الأمريكية. وأضافت “أرسل البنتاغون ست قاذفات بي-2 إلى القاعدة الجوية الأمريكية بالمحيط الهندي، أي ما يعادل ثلث الأسطول الأمريكي بأكمله”.
ردنا على أي خرق سيكون سريعا وحازما
ما يؤكد أيضا على أن يد اليمن كانت الأعلى في الاتفاق، ثبات الموقف اليمني المساند لغزة، وإذعان أمريكا لهذا الأمر، وقد كشف رئيس الوفد الوطني كثير من التفاصيل التوضيحية في هذا السياق، فأكد أن الاتفاق لا يعني بأي شكل من الأشكال تخلي اليمن عن قدراته العسكرية أو تجميد موقفه السياسي تجاه القضايا الوطنية والعربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وقال “أن رد اليمن على الكيان الصهيوني لم ينتهِ بعد، وأن القادم سيكون أشد إيلاماً وأكبر تأثيرا” وأن “يمن المقاومة والصمود لن يتراجع أمام أي ضغوط، وأن استهداف العمق الإسرائيلي ليس غاية في حد ذاته، بل هو رسالة واضحة تقول إن العدو لم يعد آمناً، وأن الثمن الباهظ لجرائم الحرب لن يدفعه الفلسطينيون وحدهم، بل سيدفعه العدو أيضاً.” مؤكدا أن اليمن لن يقبل أن يُستخدم إسناد غزة ودعم المقاومة الفلسطينية ورقة مساومة أو ابتزاز سياسي، فالقضية الفلسطينية فوق كل اعتبار.
صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في هذا الاتجاه نقلت عن مسؤولين إسرائيليين إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المتوقع بوقف الضربات الأميركية ضد الحوثيين لا علاقة له بإسرائيل.
ولم يغفل الاتفاق عن وضع محددات تعطي اليمن الحق في مواجهة والرد على أي خرق، إذ أكد عبدالسلام أن لليمن الحق لا يمكن أن يقبل بأن تُستباح أراضيه أو يُستهدف شعبه دون رد، وأن أي خرق أمريكي أو إسرائيلي لهذا الاتفاق سيكون له رد فعل سريع وحازم.
الاتفاق ضربة لمن يراهن على الورقة الأمريكية
الوسط الصهيوني داخل الكيان وخارجه لم يخف قناعته، بأن ما حدث يمثل ضربة موجعة للعدو الإسرائيلي، كما وفي الوقت ذاته ضربة لمن يراهن على الورقة الأمريكية.
وفيما نقلت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله: لم نكن على علم بقرار ترامب بشأن “الحوثيون” والرئيس الأمريكي فاجأنا. قالت المجلة الأمريكية إن: تكاليف الحملة الأمريكية في اليمن استمرت في التراكم مع العرض الاستثنائي للقوة العسكرية الأمريكية.
فيما استنكر مراسل موقع “وللا” العبري باراك رافيد ما حدث قائلا: من المسؤول عن الإخفاق السياسي الذي بموجبه علمت “إسرائيل” من التلفاز عن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين؟ من الذي لم يوقظ نتنياهو في الليل؟ رئيس الأركان؟ رئيس “الشاباك”؟ رئيس الموساد؟ السكرتير العسكري؟”.
شبكة “سي إن إن” الأمريكية: توقف العملية العسكرية الأمريكية في اليمن يأتي في وقتٍ واجهت فيه الحملة صعوباتٍ منذ انطلاقها.
نقلا عن موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
اتفاق ترامب مع أوروبا.. هدنة جمركية بثمن السيادة
بروكسل – في خطوة وُصفت بأنها تحوّل إستراتيجي بالغ الخطورة، وقّع الاتحاد الأوروبي، أواخر الشهر الماضي، اتفاقا تجاريا مثيرا للجدل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أوقف مؤقتا حربا جمركية وشيكة، لكنه في الوقت ذاته فتح الباب لموجة انتقادات داخلية حادّة لم تهدأ حتى الآن، وأثار تساؤلات جوهرية عن مستقبل مشروع "السيادة الاقتصادية الأوروبية" في عالم تحكمه المصالح والضغوط، أكثر مما تحكمه المبادئ والشراكات المتوازنة.
الاتفاق، الذي أُعلن عنه من منتجع "ترامب ترنبري" في أسكتلندا، نص على فرض رسوم أميركية بـ15% على صادرات أوروبية محددة، أبرزها السيارات والآلات الدقيقة، مقابل تخفيض الرسوم الأوروبية على السيارات الأميركية إلى 2.5%. كما تضمّن التزاما أوروبيا بزيادة مشترياته من الطاقة الأميركية، والتوسع في الاستثمارات الصناعية داخل السوق الأميركية.
ورغم أن الاتفاق جنّب أوروبا رسوماً كانت مهددة بأن تصل إلى 30 أو حتى 50%، وفق ما لوّح به ترامب في حملته الانتخابية، فإن كثيرين اعتبروا أنه يمثل خضوعا للإكراه الاقتصادي، لا صفقة تجارية متكافئة.
عاصفة أوروبية واتهامات بالإذعانوفور الإعلان عن الاتفاق، تصاعدت موجة غضب في الأروقة الأوروبية. ففي فرنسا، وصف رئيس الوزراء فرانسوا بايرو يوم التوقيع بأنه "يوم مظلم في تاريخ الاتحاد"، بينما نقلت وسائل إعلام فرنسية عن الرئيس إيمانويل ماكرون قوله في جلسة داخلية لمجلس الوزراء: "حتى تكون حرًا يجب أن يخشوك.. ونحن لم نكن مخيفين".
أما النائبة الأوروبية فاليري هايير، فرأت أن الصفقة "لا تعكس شراكة، بل تكشف هشاشة أوروبا أمام تهديدات خارجية متكررة". وذهب بيرند لانغه، رئيس لجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي، إلى أن الاتحاد "أصبح رهينة لابتزاز اقتصادي يتكرر كل أربع سنوات مع تغيّر الإدارات الأميركية".
إعلانفي المقابل، تبنّت الحكومة الألمانية خطابًا أكثر واقعية؛ إذ قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن: "الاتفاق حال دون حرب تجارية، كان يمكن أن تضرب صادراتنا، وخفض الرسوم من 27.5% إلى 15% انتكاسة، لكنها مقبولة في ظل الظروف الراهنة". أما وزير المالية لارس كلينغبايل فوصف الاتفاق بـ"الضعيف"، لكنه أضاف: "علينا البناء عليه من أجل موقف أوروبي أقوى في المستقبل".
انقسام العواصم وشلل المفوضيةالبروفيسور ريمي بييه، الخبير الاقتصادي الأميركي والأستاذ بجامعة ميامي، أوضح في حديثه للجزيرة نت، أن الانقسامات بين الدول الأعضاء كانت السبب الجوهري وراء تمرير الاتفاق. وقال: "ما التفويض الذي مُنح للمفوضية أصلًا؟ بعض الدول، مثل ألمانيا أو إيطاليا، كانت مستعدة لتوقيع أي اتفاق خوفًا من ضرائب مرتفعة على قطاع السيارات، بينما كانت فرنسا أكثر تشددًا، ورأت أنه إذا فُرضت رسوم بنسبة 50% على صادراتنا، فعلينا الرد بالمثل".
وأشار بييه إلى أن غياب التماسك يعيد إلى الأذهان الانقسامات الهيكلية بين دول الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، إضافة إلى التباين في المواقف من الصين والولايات المتحدة، وهو ما يعيق تشكيل سياسة اقتصادية خارجية موحدة.
واعتبر أن الأخطر هو ابتزاز واشنطن الاقتصادي بصيغة أمنية، قائلاً: "ربط ترامب الاتفاق التجاري بالتزامات الناتو يُظهر انتقال أميركا من استخدام الاقتصاد كأداة ضغط إلى دمجه في منظومة الأمن، ما يضع أوروبا أمام ابتزاز مركّب".
اتفاق غير متكافئ وخطر على الصناعةمن جانبه، يرى الدكتور كميل الساري، الخبير الاقتصادي الفرنسي والمستشار السابق في صندوق النقد الدولي، أن الاتفاق يمثل انتكاسة خطِرة للسيادة الأوروبية. وقال للجزيرة نت: "لا يمكن لمجموعة تضم 500 مليون مستهلك من ذوي الدخل المرتفع أن ترضخ بهذه السهولة لشروط ترامب، خصوصًا وأن الرسوم السابقة على صادرات السيارات لم تتجاوز 2.5%".
وأوضح الساري أن استثناء قطاع الطيران من الاتفاق لم يكن مصادفة، بل قرار سياسي محسوب من جانب ترامب، لأن "فرض رسوم على إيرباص سيقابله رد على بوينغ، التي تعتمد بشكل كبير على مورّدين أوروبيين".
كما حذر من خطر "إعادة التموضع الصناعي" نحو الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن "70 ألف وظيفة في قطاع السيارات الألماني مهددة بالانتقال إلى أميركا، و35 ألفًا أخرى في قطاع الطيران"، مذكرًا بأن القطاع الصناعي شكل تاريخيًا نحو 28% من الناتج المحلي الألماني، وأن ألمانيا وحدها تسجل فائضًا قدره 47 مليار يورو (54 مليار دولار) من أصل 155 مليارًا (180 مليار دولار) على مستوى الاتحاد، ما يجعلها هدفًا دائمًا لغضب الإدارات الأميركية.
وعن فرص البحث عن شراكات بديلة، خاصة مع الصين، يرى بييه، أن العلاقة معها "تمر بمرحلة حرجة"، وأن "فرص التعاون في ملفات مثل المناخ قائمة، لكن التباينات الهيكلية والخلافات في الإغراق وفائض الإنتاج تعيق إحراز تقدم حقيقي".
وأضاف: "إذا واجه الأوروبيون صعوبات في التصدير إلى أميركا، قد تصبح الصين بديلًا، لكن ذلك يتطلب شروطًا عادلة وسلوكًا تجاريًا مسؤولًا من بكين. ألمانيا كانت دائمًا المحرك نحو بكين، وقد تدفعها الظروف الحالية لذلك مجددًا".
إعلانوأشار إلى أن تهميش أوروبا من واشنطن قد يكون حافزًا لـ"تعميق التكامل الاقتصادي والدفاعي داخل الاتحاد، كما حدث مع اليورو والشنغن في أزمات سابقة".
ابتزاز أم فرصة إصلاح؟ويرى بييه أن الاتفاق يمكن أن يشكل فرصة للمراجعة، بشرط تجنب مخاطر التشتت. وقال: "إن الاتحاد الأوروبي لطالما تقدم عبر الأزمات. ما نحتاجه الآن هو تنسيق فرنسي ألماني يعيد الزخم لمشاريع، مثل السوق الموحدة أو السياسات الصناعية المشتركة، وربما الدفاع".
أما الدكتور الساري، فاعتبر أن أداة مكافحة الإكراه الاقتصادي التي كانت معدة لمواجهة الصين، قد تصبح وسيلة لمواجهة الضغوط الأميركية، إذا توافرت الإرادة السياسية الأوروبية لاستخدامها.
أرقام الطاقة والاستثمارات.. بين الواقع والدعايةأحد البنود الأكثر إثارة للجدل كان إعلان ترامب أن أوروبا ستشتري 750 مليار دولار من الغاز والنفط الأميركيين، لكن المفوضية الأوروبية سارعت للتوضيح أن قرارات الشراء تعود للشركات لا للحكومات.
الساري علّق: شركات مثل توتال، وإيني، وبي بي لا تشتري بأوامر سياسية، بل وفقًا لمعايير الربحية، وهو ما أكدته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وأضاف أن ما قيل عن الطاقة يدخل في سياق دعائي يخاطب الناخب الأميركي، وليس اتفاقا ملزما.
كما أكد أن المفوضية لا تمتلك صلاحية فرض مشتريات طاقة أو توجيه الاستثمارات نحو الولايات المتحدة. ومع ذلك، أشار إلى أن عدة شركات أوروبية –مثل سي إم إيه وسي جيم إم، الفرنسية– أعلنت فعلا عن استثمارات ضخمة في السوق الأميركية، ربما تفاديًا للضرائب أو استغلالًا للحوافز التي قدّمها ترامب، وقبله بايدن.
ويحذر الساري من أن رغم تسجيل الاتحاد الأوروبي فائضًا في تجارة السلع مع أميركا يُقدّر بـ200 مليار دولار، فإن ميزان الخدمات –من التكنولوجيا إلى المالية– يميل لصالح واشنطن.
ويضيف، أنه بحسب تقديرات المفوضية، فإن الفائض الأوروبي الحقيقي لا يتجاوز 50 مليار دولار إذا أُخذت الخدمات في الحسبان، مما يجعل خطاب ترامب عن الاختلال الفادح في الميزان التجاري مضللًا.
خيارات أوروباورغم أن الاتفاق أنقذ أوروبا من مواجهة جمركية مدمّرة، فإنه كشف عن ثغرات بنيوية في آليات التفاوض والتكامل داخل الاتحاد. وكما يؤكد بييه "إذا استمر الاتحاد الأوروبي في نهج المهادنة، فقد يخسر ليس فقط في الاقتصاد، بل في السياسة والجيوستراتيجية أيضًا.
ويختتم الساري بالتحذير من أن استمرار هذا المسار قد يحوّل أوروبا إلى ملعب مفتوح للابتزاز التجاري، داعيًا إلى تسريع الإصلاحات، وتعزيز السياسات الصناعية، وتحقيق الاستقلال الإستراتيجي الذي طال الحديث عنه، لكنه نادر التنفيذ.