يمن مونيتور:
2025-08-12@09:55:56 GMT

عدن حقنا!!!

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

نغفو مثقلين بحمولة وطنٍ مُنهك، نُرهقنا واقعهُ المرير، بعدما فقد المواطن فيه كل شيء: حقوقه السياسية، والاجتماعية، ووسائل العيش الكريم. نغفو ونحن الخاسرون، ونصحو على منشورات وتصريحات، لا تحمل إلا أوهام الانتصارات، واستعراضات القوة، وتقاسمٍ بشعٍ للسلطة والثروة، وكأن الوطن غنيمة يتوارثها من تمكنوا من السيطرة، بينما يُقصى المواطن من المشهد كليًا.

مجلس رئاسي، حكومة، أحزاب، ومكونات سياسية وعسكرية، كلها باتت لا ترى المواطن إلا من خلال نظرتها الضيقة المحكومة بمنطق التقاسم والتوازنات. ما يبدو شكليًا سلطة سياسية، ليس في الحقيقة سوى صورة لتقاسم مناطقي وطائفي، تتحكم فيه القوة العسكرية لا إرادة الناس. وكل من لم يكن جزءًا من هذا التشكل الوظيفي القائم على المحاصصة، فهو خارج اللعبة، لا يُعترف له لا بحقوق سياسية ولا بمكان في السلطة أو الثروة.

عدن اليوم مكبلة داخل مثلث قبلي يفرض عليها سطوته، محاط بمربعات نفوذ أخرى. حتى الانتماء المذهبي لم ينجُ من هذا الانحراف، إذ غدا يُصنّف وفق الانتماء الجغرافي والقبلي. بات من يطالب لعدن بحق سياسي موضع سخرية من المتنفذين، وكأن المدينة قد أصبحت إرثًا لمن تمكن من وضع يده عليها. لذا لم يعد مستهجنًا أن تسمع العبارة الوقحة: “عدن حقنا”.

وإن تجرأ ابن عدن على المطالبة بحقوقه في الشراكة السياسية، وُوجه باتهامات جاهزة، وصكوك تخوين تصدرها سلطة لا ترى في المواطنة سوى أداة قمع. يبدأ الهجوم بالسؤال البذيء: “من أين أنت؟”، سؤال حقير بقدر ما تعكسه ثقافة الكراهية المتأصلة، التي زرعت في عقول الأجيال، فكبرت مشوهة، تتغذى على التمييز المناطقي والمذهبي، متجاوزة قيم القبيلة الأصيلة، والنخوة الإنسانية التي لطالما ميزت تقاليدها.

ورغم أن عدن كانت دومًا حاضنة لكل من ضاقت بهم أوطانهم، وملاذًا للهاربين من طغيان الداخل، باتت اليوم تُواجَه بخصومة مركبة، لا تستند إلى منطق سياسي ولا إلى فهم إنساني، بل إلى حالة من الهلع المزمن وفقدان الثقة تجاه المدينة ورمزية نهوضها، وكأنها خطر على عروش سلطوية بُنيت على وهم الامتلاك واحتقار الآخر. هذه الفوبيا السياسية والاجتماعية ليست سوى انعكاس لانعدام الثقة بالنفس وبالقدرة على الشراكة، وكأن مجرد نهوض عدن هو تهديد لبقائهم ومشروعهم .

ما يُمارس على عدن اليوم هو اغتصاب للهوية، وتشويه للواقع، وسط آلة إعلامية ممولة خارجيًا، توظف المرتزقة والأقلام المأجورة، لتزوير الحقيقة، وتلميع من يتحكم برقاب الناس، بينما تتجاهل المدينة الموجوعة. أدوات التزوير تملأ الفضاء العام، تحرّف الحقائق، وتُسقط فشلها على خصوم وهميين، وعلى “عدو” خارجي هو مجرد شماعة لتبرير الاستبداد والنهب.

لكن مهما اشتدت الحملات، وتفاقمت المحاصصات، واستمر دعم الإقليم والعالم المتواطئ مع الفساد، فإن عدن لن تصمت. المدينة التي شكّلت منارة ثقافية وسياسية ونقابية، قادرة على استعادة دورها، إن أُفسح لها المجال. وإذا كان البعض يريدها مناطقية، فنحن أبناء هذه المدينة نعرف تاريخها، ونعرف قبائلها التي لطالما شكّلت عمقها: من العقارب والعبادل وجزء من الصبيحة، إلى ضواحيها في بير أحمد والعزيبة ومصعبين، ومناطق الامتداد الطبيعي لها نحو الحوطة وزنجبار. هذه الجغرافيا الممتدة تاريخيًا وعدنيًا، تُقصى اليوم بفعل سطوة الهضبة، شمالًا وجنوبًا، التي توحّدت في عقلية النهب والغلبة.

من أراد جرنا للمناطقية فسيسقط فيها أولًا. المناطقية داء سرطاني، ينخر المجتمع، ويقوّض الانتماء الوطني. ومن ينسى أن اليمن كلّه مليء بالامتدادات البشرية من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، فقد خانه الإدراك. لا الجنوب نقيّ الهوية، ولا الشمال غريب الأصل. القبائل والعادات امتزجت، وأسماء العائلات تنقلت، والهضبة ليست سوى وجه آخر للفيد الممنهج.

لكننا في عدن نؤمن أن الحق لا يسقط ما دام وراءه مطالب. وأبناء عدن، على اختلاف أصولهم وأعراقهم ومذاهبهم، سيظلون يطالبون بحقهم في إدارة مدينتهم، والحفاظ على هويتهم المتنوعة، على ثقافتهم المدنية التي تعايش فيها الكل، دون إقصاء. فعدن لم تكن يومًا منطقة بقدر ما كانت فكرة، ولم تكن نسبًا بقدر ما كانت سلوكًا وهوية حضارية.

وستظل عدن تناضل لتعود كما كانت: قائدةً في النهضة، حاضنة للتنوع، ومنبرًا للعلم والثقافة والسياسة. فاتركوها تنهض بكم، بدل أن تسحبوها إلى حيث فشلتم.

 

 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: اليمن عدن

إقرأ أيضاً:

منى الشاعر: تجربة المدينة المنورة بالعهد النبوي نموذجاً في النهوض بالأمة

أوضحت د. منى الشاعر، أن تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي تُعتبر نموذجاً يُستفاد منه في جهود النهوض بالأمة، حيث إن تحقيق الأهداف الإصلاحية لا يتوقف عند حدود الزمن، بل يعتمد على الفعل والعمل الدؤوب، كان مجتمع المدينة يتسم بتنوع ديني وفكري واجتماعي واقتصادي، حيث كان يتكون من عناصر متباينة تمثل تحديات كبيرة تتطلب سياسة حكيمة، فقام النبي مُحمَّد ﷺ بتأسيس أسس لدولة متماسكة من خلال بناء المسجد، والمآخاة بين المسلمين، وكتابة وثيقة تحدد العلاقات مع الآخرين، خاصة مع اليهود، وساهمت المبادئ التي وضعها النبي في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، مما يجعل من الممكن تكرار هذه التجربة للنهوض بالأمة اقتصادياً اليوم، فعند وصول النبي ﷺ إلى المدينة، واجه مجتمعاً معقداً يستدعي نهجاً دقيقاً لتحقيق الوَحدة، وكانت المؤاخاة التي أبرمها بين المهاجرين والأنصار أساسية في التغلب على الفتن، وتعزيز العدالة والمساواة.

وأضافت أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، خلال اللقاء الأسبوعي من البرامج الموجهة للأسرة: كان للتجارة والزراعة دور كبير في تشكيل بنية المدينة الاقتصادية، كان المهاجرون يعملون في التجارة، وهو ما ساهم في تعزيز الاقتصاد، حيث لم يكن لدى أهل المدينة سوى الزراعة وسوق بني قينقاع، ومثال ذلك سيدنا عبد الرحمن بن عوف الذي اختار العمل في التجارة ليعزز من دخله، كما أثر فرض الزكاة والصدقات في بناء مجتمع متكافل، حيث أسهمت إقامة السوق الإسلامية على مبادئ الأمانة والصدق في تعزيز الاقتصاد، بينما كانت الأسواق الأخرى قائمة على الاحتكار والغش، وفي المدينة المنورة خطط النبي ﷺ لنظام اقتصادي إسلامي متكامل، حيث مهدت الهجرة الطريق لتأسيسه، هذا النظام يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى به في النهوض بالاقتصاد اليوم إذا توفرت الإرادة والعزيمة.

وفي ذات السياق ذكرت د. دينا سامي، أن النبي ﷺ عندما وصل هو والمهاجرون إلى المدينة، وضع  نظاماً اقتصادياً إسلامياً كان للهجرة دور رئيس فيه، وأصبح هذا النظام أساساً يمكن أن تستند إليه الأمة في سعيها للنهوض، كان المجتمع آنذاك يتألف من عناصر متنوعة ومتباينة دينياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً، مما جعله مجتمعاً معقداً يتطلب سياسة مدروسة لتحقيق الوحدة بين المسلمين، فكان أول ما قام به النبي ﷺ هو وضع الأسس المهمة للدولة، والتي تضمنت بناء المسجد، وإقامة روابط الأخوة بين المسلمين، وكتابة وثيقة تحدد العلاقات مع الآخرين، خاصة مع اليهود، فالمؤاخاة التي أبرمها النبي ﷺ، سواء كانت فردية أو جماعية، كانت قائمة على مبدإ التكافل، مما ساهم في تجاوز الفتن الداخلية وإقامة العدالة والمساواة بين الناس، الأمر جعل المجتمع المسلم متماسكاً، حيث امتزجت أرواح أفراده وجماعاته.

وتابعت مدرس التفسير وعلومه بجامعة الأزهر: لقد أسهم مبدأ الإخاء في توفير الغذاء والمأوى، وكان للمهاجرين دور بارز في التجارة، بينما كانت المصادر الاقتصادية لأهل المدينة محدودة بالزراعة وسوق بني قينقاع، وأدى تنظيم السوق الإسلامية إلى تقويض أي تحالف بين قريش واليهود ضد النبي ﷺ، مما دعا المسلمين للاعتماد على أنفسهم، كما حرص النبي ﷺ على توفير السلع الأساسية التي كانت تحت سيطرة اليهود، مما أتاح للمسلمين التنافس في فعل الخير،على سبيل المثال، عندما دعا النبي ﷺ لشراء بئر رومة، اشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه وجعلها سقاية للمسلمين.

وأوضحت د. حياة حسين العيسوي، أنه رغم التحديات الداخلية مثل المنافقين واليهود، والخارجية المتمثلة في مؤامرات المشركين وأتباعهم، التي كانت تهدف إلى عرقلة نمو الدولة الإسلامية الناشئة، فقد كانت هناك خطة واضحة وأهداف محددة للرسول ﷺ، شهدت المدينة المنورة بعد الهجرة تغييرات كبيرة في وضعها الاقتصادي، فكانت قبل الهجرة تعتمد على الزراعة، خصوصًا زراعة النخيل، بينما كانت التجارة تحت سيطرة القبائل اليهودية، مع قدوم المهاجرين من مكة، الذين كانوا تجارًا في الغالب، ظهرت حاجة ملحة لإعادة هيكلة الاقتصاد لتلبية احتياجات المجتمع المسلم المتنامي، فوضع النبي ﷺ ملامح الوضع الاقتصادي بعد الهجرة والتي كان من أبرزها: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والتي كانت من أهم الخطوات التي اتخذها النبي ﷺ، فقد آخى بين المهاجرين الذين تركوا أموالهم في مكة والأنصار الذين كانوا يمتلكون الأراضي والخيرات، إلى جانب تنمية الزراعةن فقد شجع النبي ﷺ على إحياء الأراضي البور وزراعتها، مما زاد من الإنتاج الزراعي في المدينة وإنشاء سوق المدينة المنورة، وتنويع الأنشطة الاقتصادية، لتصبح المدينة المنورة مركزًا تجاريًا بفضل خبرة المهاجرين في التجارة، مما أنعش الحركة التجارية، وتطبيق الزكاة ونظام التكافل الاجتماعي فأصبحت الزكاة فريضة أساسية، مما ساعد في إعادة توزيع الثروة ودعم المحتاجين وتعزيز مفهوم التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وبشكل عام، تحول الوضع الاقتصادي في المدينة بعد الهجرة من الاعتماد الكبير على الزراعة تحت سيطرة فئة معينة إلى اقتصاد أكثر تنوعًا وعدلاً، يعتمد على الزراعة والتجارة مع تطبيق المبادئ الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية للمجتمع.

طباعة شارك ملتقى المرأة بالجامع الأزهر جامعة الأزهر الجامع الأزهر

مقالات مشابهة

  • حرس الحدود بمنطقة المدينة المنورة ينقذ طفلة من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • ضبط مقيم لتلويثه البيئة في المدينة المنورة
  • الفاشر تنتصر كما العادة.. وتصد الهجوم رقم 227 على المدينة
  • دير البلح.. ذاكرة المدينة الصغيرة بين إرث الحضارة وتهديد الإبادة.. قراءة في كتاب
  • الوراثة السياسية: سرطان السلطة من معاوية إلى اليوم
  • ندوة توعوية عن التنمر ضمن مبادرة «من حقنا نعيش» بإسنا جنوب الأقصر
  • النقابة التونسية تدفع ثمن خياراتها السياسية
  • منى الشاعر: تجربة المدينة المنورة بالعهد النبوي نموذجاً في النهوض بالأمة
  • لحج.. ضبط رافعات مخصصة لإنزال حاويات السفن كانت في طريقها إلى الحديدة
  • أوقاف المغاربة في القدس كتاب يعرض تاريخ المغاربة ودورهم في المدينة المقدسة