في 1045 ساحة.. اليمنيون يختصرون المشهد: استفتاءٌ شعبي بصبغة عسكرية
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
يمانيون/ تقارير في لحظةٍ فارقةٍ من عمر المواجهة ضمن معركة (طوفان الأقصى)، خرج ملايين اليمنيين إلى الساحات احتفاءً بالنصر، في مشهدٍ أُسطوري صاخِبٍ يختصرُ تحوُّلًا استراتيجيًّا في معادلات القوة والردع في الوطن العربي الكبير.
التظاهرات المليونية المتزامنة، أمس الجمعة، لم تترك بقعة في الجغرافيا اليمنية إلا وغطتها بالحشود، في “1045” مسيرة حاشدة، وفعالية مصغَّرة، في كُـلّ محافظةٍ ومديريةٍ وساحةٍ وسهلٍ وجبل، كانت إعلانًا وجوديًّا، سياسيًّا، عسكريًّا، وإيمانيًّا بأن اليمن دخل مرحلةً جديدة: مرحلة ما بعد الانتصار وهزيمة أمريكا.
من صنعاء إلى صعدة وحجّـة، ومن الحديدة إلى عمران والجوف، ومن تعز إلى البيضاء، ومن ريمة إلى ذمار، ومن إب إلى مأرب، ومن لحج إلى الضالع والمحويت، رفرفت راياتُ النصر في الفضاء اليمني الحر، تملأه حناجر هادرة تردّد: “بقوة الله هزمنا أمريكا وسنهزِمُ (إسرائيل)”.
أبعدُ من عين الشمس.. اليمن ترسلُ إشاراتِها لكل الأرض:
رسائلُ مدوية أرسلتها الجموعُ اليمنية، تؤكّـد أن لا مكانَ للحياد، ولا عودةَ إلى الوراء، وأن اليمن اليوم هو من يصوغُ قواعدَ الاشتباك ويعيد رسمَ خرائط الردع.
اللافت أن المسيرات تجسيدٌ لتراكم وعي ثوري متين، وموقف عقائدي ثابت، وتَجَلٍّ عملي لمعادلة الردع الإيماني التي أعلنها السيد القائد، واستكملتها القواتُ المسلحة اليمنية ببيانٍ ناري بعد انتهاء المسيرات، في واحدةٍ من أكثر العمليات النوعيةِ دقةً وجرأة.
وبينما كانت القوات المسلحة اليمنية تحتفلُ بالنصر بطريقتها، كانت الجماهير تتدفَّقُ إلى ميدان السبعين في صنعاء، في حشدٍ مليوني لا يمكنُ للعقل السياسي التقليدي استيعابَه، ولا لتقديرات العدوّ التعامل معه، وكأن اليمن يكتُبُ معادلة التحدي والتمكين: هُنا شعبٌ لا يُقهر، هُنا وعي لا يُخدع، وهُنا أُمَّـة لا تخذُلُ من استنصرها.
بيانات المسيرات كانت نارًا محرقة فوق رؤوس الأعداء، وبلسمًا يشفي صدور المستضعفين، حَيثُ جاء فيها: “بقوة الله هزمنا أمريكا وسنهزم إسرائيل”، و”العدوّ الأمريكي فشل وتراجع وانكسر، وخرج من ساحة المعركة بلا مكاسب”، و”نبارك العمليات المباركة التي وصلت إلى مطار اللُّد، واخترقت كُـلُّ منظومات الردع”، و”جاهزون لأية مواجهة.. والمقاومة في غزة ليست وحدها”.
التحول الكبير: من الدفاع إلى الهجوم
ولأول مرة منذ عقودٍ من الزمن، يتحدثُ شعبٌ بأكمله من موقع المنتصر، لا المتضامِن، من موقع الفاعل في المعادلة الدولية لا المراقب الهامشي، وبات في صدارة المعركة، متقدمًا الصفوف لا خلفها، وأن زمن الخطابات الفاترة قد ولَّى، وجاء زمنُ الصواريخ الفرط صوتية.
أمريكا نفسُها خرجت من عدوانها على اليمن بفضيحةٍ استراتيجية مدوية، بعدَ ما فشلت في تحقيق أيًّا من أهدافها، واضطرَّت لإعلان التراجع من بوابة سلطنة عُمان، وها هي حكومة كيان العدوّ الصهيوني تدفعُ ثمنَ حماقاتها في غزة، بالصواريخ والمسيَّرات اليمنية.
الساعاتُ التي جاءت بعد المَسيرات شهدت إعلانًا عسكريًّا حاسمًا من القوات المسلحة اليمنية، أكّـد نجاحَ عملية نوعية استهدفت مطار “اللُّد” داخلَ الأراضي المحتلّة، بالتزامن مع قصف أهداف حسَّاسة في مدينة “يافا” المحتلّة.
عملية عسكرية مزلزلة -حسبَ مشاهد الرعب والهلع الذي تركته في صفوفِ المغتصبين الصهاينة- لم تكن منفصلةً عن المشهد الجماهيري، بل كانت امتدادًا ميدانيًّا لصوت الشارع، وجاءت بمثابةِ البرهان العملي على أن اليمنيين يترجَّمونها نارًا وصواريخَ.
عمليةٌ جاءت ترجمةً لواقع اليمن الجديد الذي بات مركَزَ الفعل لا ذيل الحدث، ودوره القيادي والفاعل في قلب محور الجهاد والمقاومة، في سياق تحوُّلٍ نوعي من حالة الدفاع إلى المبادرة، ومن حالة ترديد شعار وصرخة الشهيد القائد؛ إلى الفعل العسكري الحاسم.
وها هو كَيانُ العدوّ الصهيوني اليوم يصيحُ: “أمريكا تركتنا وحيدين في مواجهة اليمنيين”، يعي ماذا يعني أن يكونَ خصمَك اليمن وقيادتُه القرآنية؟، ماذا يعني أن تكون المواجهة مع يمنٍ جديد، كتب في ساحاته: “نحن قوم إذَا ضربنا أوجعنا وَإذَا هدّدنا فعلنا؟”.
واشنطن نفسها أعلنت وقفَ التصعيد العسكري ضد اليمن بعد أشهرٍ من المواجهة في البحر الأحمر، في خطوةٍ عُدَّت بمثابة إقرارٍ أمريكي بالهزيمة أمام صلابة اليمنيين وتطور قدراتهم العسكرية غير المتوقعة، لا سِـيَّـما بعد فشل الدفاعات الأمريكية في التصدِّي للصواريخ الباليستية اليمنية.
المسيرات المليونية: استفتاءٌ شعبي ببُعدٍ روحي
المسيرات المليونية لم تكن مُجَـرّد حشود؛ بل كانت أقربَ إلى استفتاء وطني شعبي، أكّـدت أن قرارَ الردع غدا خيارَ شعبٍ كامِلٍ يسنُدُ قيادتَه.. اللافتات، الشعارات، الخطابات، وحتى التعبيرات على وجوه المشاركين، كلها كانت تنطق بلغة القوة والوثوق، لغة الانتصار لا الانكسار، لغة الردع لا التنديد.
كما أنها لم تخلُ من البُعد الإيماني العميق؛ فبين الحشود ارتفعت لافتات “مسيرة الشكر لله”، في تعبيرٍ عن وعي جَمْعِي يرى أن النصرَ يكتُبُه الله سبحانَه لعبادِه المستجيبين له، المتحرِّكين والمستعدِّين للتضحية، وليس وليدَ الحظ أَو الصدفة، وهذا ما يمنحُ المعركةَ اليمنية بُعدًا روحيًّا يتجاوز السياسةَ والجغرافيا، ليكرِّسَ نموذجًا فريدًا في مقاومة الهيمنة والاستكبار.
ومن قلب الميادين أرسلت الجماهيرُ ثلاثَ رسائل سياسية وعسكرية، قالت لقاطني البيت الأبيض: “لم يعد بمقدوركم ممارسةُ العدوان بلا كلفة. لقد جرَّبتم التصعيد.. وخسرتم”، وللكيان المؤقَّت: “زمنُ تفوُّقِكم العسكري قد انتهى. الصواريخ اليمنية تعرفُ طريقَها إلى عمقكم الاستراتيجي، ولا عائق يمنعُها”، وللشعوب الحرة: “بالإرادَة والعقيدة والإبداع، يمكن قلب موازين القوى، مهما كان الفارق في العتاد والتمويل”.
رسائلُ حملت عنوانًا لمرحلةٍ قرآنية، حَيثُ احتشد الملايين لا ليشكروا قائدًا أَو حزبًا، بل ليقولوا شُكرًا لله، في انعكاسٍ روحي عظيم لطبيعة المعركة اليمنية، التي تنطلقُ من يقينٍ قرآني أن النصر من عند الله، وأن التحرير لا يأتي إلا من باب الإيمان أولًا، ثم القوة والإرادَة والموقف.
أصواتُ الحشود، وكأنها استفتاء مفتوحٌ على الشرعية الثورية، وتجديدٌ للعهد مع القضية الفلسطينية، وتأصيلٌ لمعركة الأُمَّــة مع أعدائها، ورسالة مدوية تقول: “هنا اليمن.. هنا صوتُ الله في زمن الصمت.. هنا الشعبُ الذي صنع من رماده نيرانًا تُمطِرُ العدوّ المجرم، وتغسلُ عارَ الخِذلان العربي بماء النصر القرآني”.
ومن قرأ المشهدَ جيِّدًا سيدرك أن اليمن اليوم، بات الرقمَ الأصعب، الذي قلب الطاولة على أعظم قوى العالم المتغطرس، وقالها اليمنيون بصوتٍ واحد: “هزمنا أمريكا.. وسنهزِمُ (إسرائيل)”، والعالم -شاء أم أبى- بدأ يشعُرُ بذلك.
نقلا عن المسيرة نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أن الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمنيون.. أسياد البحر والجو في زمن الخنوع العربي
يمانيون|بقلم| سيف النوفلي*
في الوقت الذي تغرق فيه بعض العواصم العربية في صمتها المريب، وتنشغل أخرى بتجميل علاقتها مع الاحتلال الإسرائيلي، يظهر اليمنيون من عمق بحر العرب والبحر الأحمر كصوتٍ صادحٍ بالكرامة والعزة، يمارسون ما عجزت عنه جيوش عربية تملك أحدث الأسلحة وتُنفق المليارات على التسليح.ما يقوم به اليمن اليوم هو أكثر من مجرد عمليات بحرية؛ إنه حصار فعلي وشامل على إسرائيل، لا يقتصر على منع السفن المتجهة إلى موانئها فحسب، بل امتد ليشمل حصاراً جوياً غير معلن أرغم شركات الطيران العالمية على تغيير مساراتها، ودفعت “تل أبيب” إلى البحث عن مطارات بديلة في قبرص والأردن وغيرها. هذه الاستراتيجية اليمنية، رغم الإمكانيات المتواضعة، أربكت حسابات تل أبيب وحلفائها، وفرضت معادلة جديدة في البحر والجو معاً.
وبينما تتغنى الأنظمة بجيوشها وعدتها وعددها، يبرهن اليمني البسيط، الذي ربما لا يملك سوى طائرة مسيّرة أو زورقاً مفخخاً، أنه أكثر شرفاً وإخلاصاً لفلسطين من كثير من الحكومات التي استبدلت العداء للاحتلال بالتطبيع والاستسلام.
هذه ليست مجرد مواقف رمزية، بل إجراءات حقيقية ومؤثرة في ميدان الصراع، ساهمت في ضرب الاقتصاد الإسرائيلي، وأربكت خطوط الإمداد، وفضحت هشاشة “الدولة الأقوى في المنطقة” أمام قوة الإرادة.
والأهم من كل ذلك، أن ما يفعله اليمن لا يأتي بأوامر دولية أو مواقف مرتعشة، بل هو قرار نابع من إرادة شعب ومبدأ راسخ بأن فلسطين ليست للبيع، وأن الدم العربي ليس رخيصاً، وأن كل رصاصة تُطلق في غزة، سيرد عليها اليمنيون في البحر والجو بكل ما استطاعوا إليه سبيلاً.
في زمن الانبطاح السياسي والتنسيق الأمني مع العدو، يبدو اليمن وحده واقفاً على خط النار دفاعاً عن شرف الأمة. وهذا العمل البطولي يجب أن تُرفع له القبعة لا أن يُدان أو يُحاصر.
* كاتب عُماني
#الخنوع_العربي#النوفلي_عمان#اليمنيون_أسياد_البحر_والجو#خذلان_غزة