«حصاد المعرفة العابرة» تحت الميكروسكوب
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
تسعى شركات التكنولوجيا والابتكار الناشئة إلى الحفاظ على الصدارة العلمية كأدوات لاستدامة بقائها في عالم الأعمال، وخلال هذه الرحلة، تتولد مجموعة كبيرة من الأفكار التي قد لا يجد معظمها طريقًا إلى التنفيذ، ومع الوقت تتقادم هذه الأفكار وتُهدر، ثم تتكرر العملية نفسها، ولكن لا يكمن التحدي الجوهري الذي يواجه الشركات العلمية في احتمالية تجاهل أفكار ابتكارية قيِّمة، وإنما في حقيقة أن سلسلة توليد الأفكار قد تؤدي إلى نشوء ظاهرة «المعرفة العابرة»، وهي نوع من المعرفة الضمنية المرتبطة بمهارات وذاكرة من عاصروا فترة ظهور وتلاشي الأفكار، ولا تندمج مع المعرفة الأساسية كأدوات تمكينية للإنتاج، ومن هنا تبدأ نقاط الضعف الحاسمة.
تعالوا نبدأ من إدارة المعرفة المؤسسية، ونتوقف عند قاعدة مهمة مفادها أن المعرفة التي لا يتم تدوينها وتوثيقها تبقى معرفة ضمنية عابرة في عقول الأشخاص، ومن الصعوبة بمكان نقلها، أو اكتساب القيمة من مضامينها، إذ تقتصر الاستفادة الفعلية من المعارف العابرة بالفترة الزمنية لوجود حاملي هذه المعرفة في واقع العمل، وتفاعلهم مع الفرق ، وبخروجهم لا تخسر المؤسسة المعرفة العابرة المرتبطة بالأفكار، والوقائع، والمحاولات التطويرية وحسب؛ وإنما تفقد الحكمة الكامنة وراء التجارب، والتاريخ المهني، والخبرات التنفيذية السابقة، والتي تمثل دعامة محورية لصنع القرار الاستباقي.
ولذلك تعد عملية الوصول إلى المعلومات، والأفكار المُدونة حجر الأساس لاستدامة الشركات الابتكارية، إذ لا يتوجب تدوين ومشاركة الأفكار الناجحة فقط؛ بل ينبغي أيضًا توثيق قصص حالات عدم تحقيق النتائج المخطط لها، وحفظ الأفكار المُستقاة من المحاولات الأولية ضمن نهج التجربة والخطأ، وهذا التوثيق يتيح الفرصة لتعلم ونشر الدروس المُستفادة من أفكار التطوير التي لم تجد صدى في وقت ما من عمر المؤسسة، وهي ميزة قلّما توجد في شركات الابتكار قليلة الخبرة.
وهذا يقودنا إلى النقطة الأساسية وهي أن العامل الأساسي والمحدد لتنافسية الشركات العلمية هو قدرتها على إدارة المعرفة المؤسسية بشكل شمولي يمكنها من تخطي صعوبات نقل ومشاركة المعرفة العابرة الضمنية، وتجاوز الفجوة بين امتلاك الذكاء التقني، والمعرفي وتوظيفها في دعم الكفاءة والفاعلية، فالمعرفة التقنية لوحدها غير كافية لدعم الممارسات والعمليات في شركات الابتكار، وهذا ما أسهم في ظهور ما أطلق عليه مصطلح «حصاد المعرفة»، وهو في المجمل يُعنى بدعم سلسلة اكتساب المعرفة من قراءة وفهم البيانات، والمعلومات، إلى اكتساب الخبرة، وتعتمد عملية حصاد المعرفة بشكل كبير على مستودع المعارف المدونة والمحفوظة بما في ذلك المعارف الذاتية، وحصاد هذا النوع من المعرفة يتطلب توجيه مجموعة متكاملة من العمليات التي تسمح باستخلاص الحكمة غير الصريحة للخبرة البشرية، وتحويلها إلى مدونات يمكن استخدامها وتوظيفها دون الحاجة للرجوع إلى حاملي المعرفة.
إن مفهوم المعرفة العابرة لا يتوقف عند مجموعة المهارات التراكمية، أو السمات الشخصية لذوي الخبرة، ولكنه فكر فلسفي واسع المدى، وله تبعاته العديدة التي يجب الالتفات إليها أثناء تطبيق آليات حصاد المعرفة، وعلى رأسها تأتي محاور تحديد الخطوط الفاصلة بين الخبرة المتحصلة من تكرار العمليات، والكفاءة الناتجة عن مختلف الأبعاد الضمنية للمعرفة العابرة، لأن غياب الإدراك الشامل بهذه المحاور يمكنه أن يعمّق الفجوة المعرفية.
وعلى سبيل المثال، تعد خيارات نقل أو توطين التقنيات من أهم القرارات التي تتخذها أي شركة علمية ناشئة، ورؤى الخبراء وتوصياتهم هي أساس صناعة مثل هذه القرارات، وفي هذا السياق تتنوع الاستجابات، فهناك استنتاجات منبثقة عن الذكاء العميق لذوي المعرفة الضمنية العابرة، وفي المقابل هناك توصيات عامة تنشأ من خلال الخبرة المُشتركة لفرق العمل الفنية، وقد تأتي التوصيات على طرفي النقيض، ما يضع متخذي القرار على مفترق الطريق، ولكن إذا كان هناك سيناريو ثالث يتمثل في مستودع معرفي يحتوي على التوثيق المتكامل للممارسات الماضية والحالية، وكذلك السرد النوعي للمحاولات التطويرية السابقة، وكذلك التغذية الراجعة والقراءات الانعكاسية للجهود والأفكار التي تولدت في مختلف المراحل الزمنية، فإن المدخلات تكون حينها مستوفية لدعم عملية صناعة القرارات المستنيرة، والقائمة على الأدلة، ففي ظلّ غياب الاعتدال، ليس من السهل التمييز بين التوصيات الموضوعية الهادفة، ومجازفات المحاولات التجريبية غير المحسوبة.
ولكن حصاد المعرفة العابرة ليس بالأمر الهين، فكما توجد تحديات مؤسسية ممثلة في عدم وجود الإدارة المتكاملة للمعرفة، هناك تحديات أخرى على مستوى الثقافة الفردية والمؤسسية، فعلى الرغم من إدراك قادة العمل بأن المعرفة المشتركة تخلق مستوى من الاتساق الذي يدعم العمل الجماعي؛ إلا أنه لا توجد عمليًا مقاييس واضحة لتتبع مدى التزام حاملي المعرفة العابرة في الكشف عن خبراتهم المتراكمة، ونقلها ومشاركتها للصف الثاني من فرق العمل، وبالقدر نفسه، لا توجد آليات إلزام الفرق نحو التفاعل الإيجابي مع حاملي المعرفة، وتقبل عملية التعلم التي تتطلب مساحة مكانية وذهنية، وكذلك تستوجب وجود التواصل الفعال، والثقة المتبادلة بين الطرف المالك للمعرفة والأطراف المستقبلة.
وفي الواقع، فإن نقل المعرفة العابرة بحاجة إلى شبكة من الروابط الاجتماعية الفاعلة، وأي إخفاق في عملية حصاد المعرفة يعتبر مؤشرًا واقعيًا لدرجة كثافة هذه الروابط داخل الشركات العلمية، وهي كذلك تعبّر عن بيئة العمل الداخلية، ومدى كفاءة العمليات المؤسسية من حيث تشجيع العمل التشاركي عبر فرق العمل، أو الاكتفاء بإنجاز المهام في الصوامع المعزولة.
وإذا تأملنا إحصاءات الشركات العلمية الناشئة التي تتعرض للإخفاق في السنوات التأسيسية، سنجد بأن عملية تقييم أسباب الفشل تتمحور في معظم الأحيان حول التمويل، أو التسويق، أو متطلبات السوق، وغيرها من العوامل التقليدية، ولكن من النادر جدًا أن يتطرق التحليل إلى قياس تأثير فقدان المعرفة الضمنية العابرة التي تخلق فجوات في القدرات العلمية والتقنية، وتؤدي بالتدريج إلى حدوث اختلال في التوافق الاستراتيجي بين العمليات الأساسية، والرؤية المستقبلية للاستثمار العلمي طويل الأمد، ويتلخص مفتاح الحل في تعزيز القدرة التنظيمية للإدارة المتكاملة لعملية حصاد المعرفة العابرة، وترسيخ الثقافة المؤسسية الداعمة للتعلم، وتجذير المعرفة الضمنية في العمل والسياق، لضمان استدامة شركات الابتكار العلمي والتكنولوجي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرکات العلمیة حصاد المعرفة
إقرأ أيضاً:
الفاو: نعمل بكل طاقتنا لكبح جماح الآفات الزراعية العابرة للحدود
شارك علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، صباح اليوم في المؤتمر الاقليمي لدعم استراتيجية الصحة النباتية والذي تنظمه منظمة الاغذية والزراعة الفاو بالتعاون مع المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط سيام، وذلك في اطار التعاون مع دول اقليم الشرق الادني.
وفي كلمته الافتتاحية أكد "شو دونيو" المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" ان المنظمة تعمل بكل طاقتها لكبح جماح الافات العابرة للحدود من خلال برامج التعاون المختلفة التي تقوم مكاتب الفاو بها بالتعاون مع حكومات الدول والتي يأتي من بينها برنامج تعاون الجنوب الجنوب، فضلا عن التعاون في تنفيذ المشروعات الاقليمية بين دول الإقليم، لافتا الي التنوع الحيوي ودوره في توفير الغذاء وتنوع مصادر الغذاء، وأهمية ان تتبنى الدول مفاهيم التعاون فيما بينها لتوحيد جهود المنظمة.
واضاف بان لدينا دول كبيرة بتاريخها الحضاري الزراعي مثل مصر والصين وغيرها والتي يمكن ان نستلهم منهم اهمية حماية المحاصيل الزراعية خاصة الاستراتيجية منها.
ومن جانبه اشار مدير عام مركز سيام باري "ماوريسو رالي"، الي اهمية التعاون بين دول الشرق الادني للتصدي للافات والامراض النباتية التي تؤثر على الإنتاجيات الزراعية وبالتالي الامن الغذائي لدول الشرق الادني والذي قد يتمثل فى فقد نحو ٢٠ مليار دولار سنويا جراء الاصابة ببكتريا الزيللا التي تتسبب في تدمير اشجار الزيتون في دول العالم.
كما اشار محافظ اقليم بوليا "ميشيل ايمليانو"، في الكلمة التي ألقاها نيابة عن حكومة ايطاليا، إلى أن الأضرار الكبيرة التي سببتها الافات العابرة للحدود والتي من بينها بكتريا الزيلا، حيث ألحقت أضرارا كبيرة في عدد من الأقاليم داخل ايطاليا ومنها اقليم بوليا.
ويقام الإجتماع الدولي الرفيع المستوى، الخاص بدعم الاستراتيجية الإقليمية لمنظمة الأغذية والزراعة بشأن إدارة الآفات والأمراض النباتية العابرة للحدود، في مدينة بارى في إيطاليا، خلال يومي 12 و 13 مايو الجاري، حيث يشارك فيه عدد من وزراء الزراعة والأمن الغذائي، في بلدان الشرق الأدنى، وشمال أفريقيا، فضلا عن ممثلو الجهات المانحة والمنظمات الإقليمية والدولية، العاملة في هذا المجال، والعديد من كبار الخبراء والمسئولين في هذا المجال من مختلف الدول.
ومن المقرر ان يلتقي وزير الزراعة وبعض من نظراءه بالدول المختلفة، وعدد من مسئولي المنظمات الدولية والإقليمية لتعزيز التعاون الزراعي المشترك لدعم قطاع الزراعة في مصر ودول الشرق الادنى، كما يرافق وزير الزراعة خلال الإجتماعات الدكتور سعد موسى المشرف على العلاقات الزراعية الخارجية بالوزارة.