الخليج الجديد:
2025-05-12@00:00:34 GMT

تبسيط الاقتصاد العالمي المُعقد

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

تبسيط الاقتصاد العالمي المُعقد

تبسيط الاقتصاد العالمي المُعقد

خوفي يكمن في أن الأمر سيكون أكثر تعقيداً بكثير مما يتوقعه العديد من المحللين الاقتصاديين.

بعد ستة أشهر من الآن، ما هي المعلومات الأهم والأكثر قيمة المراد معرفتها بخصوص ما يحدث للاقتصاد العالمي؟

ليس واضحا إذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد تعلم ما يكفي من أخطاء التنبؤ والتواصل لإجراء تصحيحات المسار اللازمة للهبوط.

«إدارة السياسة النقدية نحو الهبوط السلس ليست مثل قيادة الطائرة على الإطلاق»، وهذا التشبيه ينطبق بشكل خاص على الاحتياطي الفيدرالي الحالي!

كيف أدارت أمريكا ديناميات النمو والتضخم وهل حقق الاحتياطي الفيدرالي «هبوطاً ناعماً» وتراجع التضخم دون تسبب بزيادة حادة في البطالة؟

نعم، تحدى الاقتصاد الأمريكي المشككين، وحافظ على نمو قوي أعلى من الاقتصادات الرئيسية الأخرى رغم معدلات الفائدة المرتفعة والتحديات الخارجية.

يتوقف استمرار الأداء الاستثنائي على خلق الفيدرالي تضخم منخفض ومستقر دون التسبب في ركود. هذا هو التوازن الدقيق المطلوب، وكل ما يحدث يؤثر كثيرا على الاقتصاد العالمي وتعامل صناع السياسة مع عدم اليقين اليوم.

* * *

كثرت مفاجآت الاقتصاد العالمي المربكة لهذا العام. فحالياً، يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي الياباني مثيله في الصين. وفي المقلب الآخر، جاءت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة لشهر يوليو ضعف التوقعات، رغم تفعيل مجلس الاحتياطي الفيدرالي واحدة من أكثر دورات رفع أسعار الفائدة تركيزاً منذ عقود.

وفي المملكة المتحدة، ارتفع نمو الأجور إلى معدل سنوي قدره 7.8%، مع بقاء التضخم الأساسي جامحاً رغم 14 رفعاً متتالياً لأسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا، مع توقع المزيد في المستقبل.

وفي أمريكا اللاتينية، خفضت كل من البرازيل وتشيلي أسعار الفائدة، في مخالفة واضحة لتوقعات السوق بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبقيها مرتفعة لفترة طويلة.

في الواقع، ليست هذه الأحداث الغريبة سوى غيض من فيض مما يحصل. ومما يزيد من تعقيدها الآثار غير المؤكدة للتحولات الهيكلية الكبيرة التي تلوح في الأفق، وتشمل الانتقال الضروري إلى الطاقة الخالية من الكربون، وثورة الذكاء الاصطناعي، والعديد من التغييرات الأخرى المدفوعة بالابتكار. أضف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية والتراجع عن العولمة الاقتصادية والمالية، ومجموعة واسعة من السيناريوهات القاتمة التي تلوح في الأفق.

ووسط هذا الموقف المعقد والظروف غير التقليدية التي تفسّر الكثير من المتغيرات، فإن التنقل في هذا المشهد سيكون تحدياً لأي شخص. ولكن حتى لو لم نتمكن من توقع كل حالة طوارئ، يمكننا أن نفهم الكثير من خلال تقييم توقعات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في ما يتعلق بهندسة هبوط اقتصادي ناعم في المدى القريب.

إنها نسخة متطرفة من «المعادلة المختصرة» التي يستخدمها الاقتصاديون للتركيز على عدد قليل من العوامل الرئيسية للتنبؤ بالنتائج. قد لا تفسر هذه العوامل ظاهرة ما بشكل كامل، لكن هذه الاستراتيجية أفضل من الاعتماد على مجموعة كبيرة وغير مفيدة من العوامل غير العملية.

في سياق ما يجري، يطرح النهج التحليلي الذي أقدمه سؤالاً بسيطاً:

بعد ستة أشهر من الآن، ما هي المعلومات الأهم والأكثر قيمة المراد معرفتها بخصوص ما يحدث للاقتصاد العالمي؟

بالنظر إلى الوضع الحالي، أود في المقام الأول أن أعرف كيف أدارت الولايات المتحدة ديناميكيات النمو والتضخم. أو، أكثر من ذلك، أود أن أعرف ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد حقق «هبوطاً ناعماً» ساهم بتراجع التضخم نحو هدفه دون التسبب في زيادة حادة في البطالة.

هذه المعلومات مهمة، لأن الاقتصاد العالمي يفتقر حالياً إلى محركات بديلة ويعاني من تفتت تدريجي. انظر إلى تحديات النمو التي تواجه الصين والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، كيف أنها لا تخضع للإصلاحات السياسية السريعة وإلى النظام المالي الدولي، القائم على الاستدانة مع مستويات ديون مرتفعة، هل يستطيع أن يتحمل ارتفاعاً آخر في أسعار الفائدة الأمريكية وتقييماً قوياً للدولار؟ وهل وجدت اليابان الطريق الصحيح لمعرفة كيفية الخروج من سياسة «التحكم في منحنى العائد» بشكل سلس؟

للوهلة الأولى، تبدو احتمالات تحقيق بنك الاحتياطي الفيدرالي هبوطاً ناعماً واعدة. فقد انحسر التضخم من ذروته التي تجاوزت 9% العام الماضي إلى ما يزيد قليلاً على 3% اليوم، ما قربه أكثر نحو هدف 2% المنشود، ويستمر إنفاق الأسر في دفع عجلة النمو الاقتصادي، كما أن الميزانيات العمومية للشركات لا تزال قوية.

وتشير هذه الظروف أيضاً إلى أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن يمتص التأثير التراكمي لمعدلات رفع الفائدة بمقدار خمس نقاط مئوية، ويتجنب في المقابل تأثيرات النمو الصيني المتعثر، وحديث الركود المتكرر في أوروبا.

لكن.. وكما أشار المؤرخ الاقتصادي نيال فيرغسون مؤخراً، يبدو أن «إدارة السياسة النقدية نحو الهبوط السلس ليست مثل قيادة الطائرة على الإطلاق»، وهذا التشبيه ينطبق بشكل خاص على الاحتياطي الفيدرالي الحالي، ولعدة أسباب.

أولاً، «دليل عمل» بنك الاحتياطي الفيدرالي قد عفا عليه الزمن. وفي الواقع، فإن إطاره النقدي الجديد مناسب للعقد السابق من حيث عدم كفاية (الطلب) الكلي، بدلاً من العقد الحالي من عدم كفاية (العرض) الكلي.

ثانياً، إن حيز المناورة المتاح للفيدرالي من أجل تحقيق هبوط سلس مشكوك فيه، لأن هدف التضخم الذي يسعى لتحقيقه قد يكون منخفضاً جداً بالنظر إلى الحقائق الهيكلية الراهنة واتجاهات السوق على المدى البعيد.

ثالثاً، مع تركيز الاحتياطي الفيدرالي المفرط على الظروف الآنيّة، قد ينتهي به الأمر إلى إهمال العقبات التي ستواجهه في المستقبل.

رابعاً، بدء مرحلة الهبوط السلس للفيدرالي جاء متأخراً بعد فترة طويلة أخطأ فيها بتوصيف التضخم على أنه «مؤقت» قبل أن يتدارك الأمر ويسارع إلى تطبيق دورة مكثفة من زيادات الأسعار.

وأخيراً، ليس من الواضح ما إذا كان الفيدرالي قد تعلم ما يكفي من أخطاء التنبؤ والتواصل لإجراء تصحيحات المسار اللازمة للهبوط.

نعم، لقد تحدى الاقتصاد الأمريكي المشككين، وحافظ على نمو قوي أعلى من الاقتصادات الرئيسية الأخرى رغم معدلات الفائدة المرتفعة والتحديات الخارجية. لكن استمرار هذا الأداء الاستثنائي يتوقف على قدرة الفيدرالي على خلق معدل تضخم منخفض ومستقر دون التسبب في ركود. هذا هو التوازن الدقيق المطلوب، وكل ما يحدث سيؤثر بشكل كبير على بقية الاقتصاد العالمي وكيف يتعامل صانعو السياسة مع حالة عدم اليقين الاستثنائية اليوم.

آمل أن نحتفل بحلول نهاية العام بنجاح البنك المركزي الأمريكي في تحقيق هبوط سلس وناجح، وفي قدرة الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي الأوسع على إدارة التحولات الاستراتيجية المثيرة في المستقبل. لكن خوفي يكمن في أن الأمر سيكون أكثر تعقيداً بكثير مما يتوقعه العديد من المحللين الاقتصاديين.

*د. محمد العريان خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المصدر | بروجيكت سيندكيت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تضخم البطالة نمو أمريكا الاحتياطي الفيدرالي عدم اليقين الاقتصاد العالمي أسعار الفائدة الاحتیاطی الفیدرالی الاقتصاد العالمی الفیدرالی قد ما یحدث

إقرأ أيضاً:

رئيسة الفدرالي في كليفلاند: لا بيانات واضحة للبدء بتحريك الفائدة بسبب عدم وضوح سياسات ترامب

الاقتصاد نيوز - متابعة

رأت رئيسة الفدرالي الأميركي في كليفلاند بيث هاماك، أن البنك يحتاج إلى مزيد من الوقت لمعرفة كيفية استجابة الاقتصاد للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيرها من السياسات قبل تحديد موعد تخفيف السياسة النقدية والبدء بتغيير أسعار الفائدة، مشيرة إلى أن الكثير من أجندة الإدارة الشاملة لا تزال غير واضحة.

وقالت هاماك: "أنا مستعدة للتحرك متى ما توفرت لدينا أدلة واضحة ومقنعة، ولكن... بالنظر إلى اتساع نطاق السياسات التي نوقشت ووُضعت، أعتقد أن هناك تساؤلًا حقيقياً حول شكل تلك الآثار، وبالتالي قد يستغرق الأمر وقتاً أطول".

في مقابلة على هامش مؤتمر السياسة النقدية في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، حيث شرحت المعضلة الحالية التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي، أشارت هاماك إلى أنه: "لا تتوفر بيانات كافية حتى يونيو/ حزيران"، موعد اجتماع الفدرالي القادم لتحديد أسعار الفائدة.

على سبيل المثال، في حين أظهرت أحدث البيانات انكماش الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي قدره 0.3% في الربع الأخير، يرى معظم المحللين أن هذه ليست إشارة واضحة على الاتجاه الاقتصادي بسبب التشوهات الناجمة عن السياسة التجارية؛ وبالنسبة لهاماك، فقد اتسم الاقتصاد بالمرونة، وما زال مساره المستقبلي غامضاً.

وأكدت: "أعتقد أن كل شيء متقلب للغاية، وأعتقد أننا بحاجة إلى الانتظار لنرى كيف ستتطور البيانات".

في المقابل، لاحظت هي وزملاؤها من صانعي السياسات قوة سوق العمل، حيث يبلغ معدل البطالة 4.2% فقط، لكنهم أقروا أيضاً بالمخاطر التي تهدد سوق العمل مع بدء الشركات في التفكير في تداعيات سياسات التعريفات الجمركية الجديدة.

وقالت إنه "إذا ثبت أن تأثير الرسوم الجمركية على رفع الأسعار محدود وضعف الاقتصاد، "فسنرغب في التركيز بشكل أكبر على جانب التوظيف من مهمتنا".

أبقى الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند نطاق 4.25%-4.50%، وهو النطاق الذي استقرت عليه منذ ديسمبر. 

وفي حين أن الرسوم الجمركية تزيد من خطر ارتفاع التضخم والبطالة، صرّح رئيس الفدرالي جيروم باول بأنه لم يتضح بعد حجم هذه الرسوم، أو مدتها، أو ترتيبها، ومع استمرار المفاوضات التجارية وعدم معرفة النطاق الكامل للرسوم، فمن السابق لأوانه معرفة كيفية استجابة الاحتياطي الفيدرالي.

فيما يتعلق بالتضخم، قالت إن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادات أسعار لمرة واحدة فقط. لكنها أضافت أن بعض الشركات تُخطط لإجراء سلسلة من التعديلات على الأسعار تدريجياً مع معرفة مستوى ضرائب الاستيراد التي تواجهها، وهي عملية قد تستمر حتى فصل الصيف. 

ويخشى مسؤولو الفدرالي من أنه كلما طال أمد هذه المشاكل، زاد خطر استمرار التضخم. وهذا يتطلب تشديداً في سياسة الاحتياطي الفيدرالي.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • مصر.. التضخم الأساسي يرتفع إلى 10.4% على أساس سنوي في نيسان
  • بعد قراءة التضخم.. هل يتجه البنك المركزي لتخفيض أسعار الفائدة للمرة الثانية؟
  • خبير اقتصادي : خفض الفائدة يُنشّط السوق.. لكن احذروا التضخم | فيديو
  • خبير يوضح سر ارتباط معدل التضخم وخفض الفائدة بالأسعار
  • مع ارتفاع التضخم.. ما هي توقعات أسعار الفائدة في اجتماع المركزي القادم؟
  • كريم العمدة: انخفاض معدل التضخم لا يعني تراجع الأسعار
  • المركزي الأوروبي قد يبقي أسعار الفائدة وفق مستوياتها الحالية
  • رئيسة الفدرالي في كليفلاند: لا بيانات واضحة للبدء بتحريك الفائدة بسبب عدم وضوح سياسات ترامب
  • خبير اقتصادي يوضح أسباب ارتفاع معدل التضخم خلال شهر أبريل
  • موعد اجتماع البنك المركزي القادم 2025.. هل يخفض سعر الفائدة؟