في عالم تتزايد فيه أهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عصا سحرية تتمتع بالقدرة على إحداث نقلة نوعية وإحداث ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمالية والسياسة.

ومن بين الشخصيات العربية البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبئي، أثبت البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مكانته في الابتكار والأبحاث بالولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب أستاذ في جامعة نيويورك (NYU) ومدير مختبر التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في الجامعة.

وفي لقاء خاص مع الجزيرة نت، أشار باري إلى ضرورة اهتمام الشباب ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مؤكدا على ضرورة إنشاء أول جامعة ووزارة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية.

البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مع طلبة في جامعة نيويورك (مواقع التواصل الاجتماعي) المسار الأكاديمي

وُلد أنس باري في مدينة طنجة بالمغرب حيث درس في المدارس الحكومية وتخصص في الرياضيات. وأشار أنس في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أكمل دراسته في جامعة الأخوين بإفران بتمويل من قرض طلابي، وحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، متخرجا في صدارة دفعته عام 2007.

وعند التحاقه للعمل بشركة "ميرسك"، كان باري من أوائل الموظفين الذين أسهموا في بناء البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم وأكبر ميناء في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

ولتحقيق طموحاته الأكاديمية، تقدم بطلبه في برنامج فولبرايت ـوهو أحد أكثر المنح الدراسية شهرة في العالمـ وحصل على المنحة الدراسية في المحاولة الثانية.

إعلان

وفي عام 2010، انتقل إلى واشنطن العاصمة ليكمل دراسة الماجستير ثم الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، وتخرج في صدارة دفعته بمعدل 99%.

وقد ركز بحثه في الدكتوراه على التنقيب في البيانات والذكاء الجماعي، وهما فرعان من الذكاء الاصطناعي. وأصبح من أوائل الباحثين الذي طوروا خوارزميات مستوحاة من الطبيعة، وتحديدا سلوك الطيور، لتصميم نماذج تحليل تنبؤية.

ويعتقد باري أن حلول العديد من مشاكل العالم موجودة في الطبيعة "هذا الإيمان قادني إلى التخصص في الذكاء الجماعي ودراسة السلوك الجماعي للأنواع الذكية مثل الطيور والنحل والدلافين لتطوير خوارزميات تُستخدم اليوم على نطلق واسع في منصات مثل نتفليكس وأمازون وأنظمة صنع القرار".

البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مع طلبة في جامعة نيويورك (مواقع التواصل الاجتماعي) التدريس والبحث

بعد حصوله على الدكتوراه، انضم البروفيسور المغربي إلى مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة كعالم بيانات رئيسي، قبل العودة إلى الأوساط الأكاديمية كأستاذ في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، حيث حصل على جائزة أفضل أستاذ للسنة.

وقبل 10 سنوات، انتقل إلى جامعة نيويورك ليشغل منصب أستاذ وباحث، ويدير مختبرا يضم أكثر من 29 عالما "أعمل مع نخبة من كبار العلماء في معهد كورانت، الذي يُعد أحد أفضل المراكز عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي".

وبالتوازي مع التدريس، شغل باري عدة أدوار استشارية مع مؤسسات معروفة، مثل وول ستريت ومنظمات الرعاية الصحية والأمم المتحدة وغيرها.

أول جامعة للذكاء الاصطناعي

وأكد الأستاذ في جامعة نيويورك للجزيرة نت على ضرورة إحداث تغيير جذري للنظام التعليمي في الدول العربية، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات الحكومية بشكل خاص.

وقال "يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي لضمان ولوج الطلاب العرب سباق التنافس على المستوى العالمي والاستفادة من الإمكانات التكنولوجية لإعداد جيل جديد من المفكرين واستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات رئيسية، كالزراعة والسياحة والطاقة المتجددة".

إعلان

وتابع البروفيسور باري "عندما شهدنا 3 ثورات تكنولوجية كبرى في القرن الماضي ـالحاسوب الشخصي والإنترنت والذكاء الاصطناعي- كنا في موقع المستهلك فقط. أما اليوم، فيمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لقيادة هذه الثورة بدل البقاء في مقعد المتفرجين والتابعين لها فقط".

وبالتالي، يقترح باري إنشاء أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المغرب أو إحدى الدول العربية، تشمل كلية علوم الكمبيوتر وكلية التحليلات التنبؤية وكلية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

ويعتبر البروفيسور المغربي أن هذه المبادرة ستضمن تخرج الآلاف من الخبراء في هذا المجال "وسيكون ذلك أفضل استثمار تقوم به الدول العربية في تاريخها. ومن موقع الجزيرة نت، أدعو إلى العمل الفوري وأنا مستعد للتعاون بخطة واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذا الطموح واتخاذ خطوات جريئة وفعالة نحو المستقبل".

كما حثّ باري كل دول المنطقة على تطوير إستراتيجية وطنية لإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي على غرار وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في الإمارات العربية المتحدة.

ويرى المتحدث أن التجربة الإماراتية نموذج يمكن الاحتذاء به بعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم.

البروفيسور والباحث المغربي أنس باري في اجتماع بين باحثين بارزين وطلبة إحدى الجامعات (مواقع التواصل الاجتماعي) جوائز وابتكارات

وتقديرا لما حققه في التعليم والبحث، حصل أنس باري على جائزة مارتن لوثر كينغ لعام 2025، وتُمنح هذه الجائزة لأعضاء هيئة التدريس المتميزين الذين يُجسدون روح الدكتور كينغ الابن في دراسته وحياته وعمله في مجال العدالة، والذين يُروجون لمبادئ وأخلاقيات مساهمات كينغ العالمية الواسعة في أبحاثهم وتدريسهم وقيادتهم وجهودهم في بناء المجتمع.

إعلان

وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور إن "هذا التقدير يحمل معنى كبيرا لي ويعكس القيم التي أسعى لغرسها في طلابي، خاصة خدمة الناس والأمم، وهي قيم نجدها عند المغاربة والشعوب العربية".

وقد قاد أنس باري أول فريق من علماء الحاسوب والأطباء لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالحالات الشديدة من كوفيدـ19 في عام 2020، من خلال الجمع بين التحليلات التنبؤية والبيانات السريرية والعوامل الديمغرافية للمرضى وغيرها.

وفي عام 2021، أنشأ أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المعلومات المضللة حول فيروس كورونا وقياس مستوى الثقة في اللقاحات. وبعدها بعامين، شارك في إنشاء خوارزمية لإعادة تعريف أنظمة التوصية من خلال برنامج "بايرورانك" (PyRoRank) الذي استلهم سلوكه من الطريقة التي تنتظم بها أسراب الطيور ذاتيا.

وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قاد البروفيسور فريقا من العلماء لتصميم أداة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج الانتخابات والتنبؤ بها.

وعند سؤاله عن المشاريع التي يعمل عليها حاليا، قال باري إنه يركز على البحث في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية حيث يتعاون مع خبراء بارزين، من بينهم البروفيسور ديفيد ناغل ـوهو أحد كبار الباحثين العالميين في مجال الطاقةـ لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستكشاف مصدر جديد واعد للطاقة يُعرف باسم التفاعلات النووية منخفضة الطاقة (LENR).

وأضاف "هدفنا هو تسريع البحث والتطوير التجاري لهذا المصدر النووي المبتكر، الذي قد يُحدث ثورة في إنتاج الطاقة العالمي. وقد تم عرض أعمالنا في أهم المؤتمرات الدولية للطاقة النووية، ولا نزال نواصل توسيع آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع".

وإلى جانب ذلك، يعمل مختبره البحثي على تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، وعلوم المناخ، وتطوير الذكاء الاصطناعي.

البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مع بيل غيتس (مواقع التواصل الاجتماعي) وصفة النجاح

وعن وصفة النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي، أكد أنه بالإضافة إلى الخبرة العملية والعلمية، يُعتبر الإصرار والالتزام وتعزيز حس الفضول والانفتاح على التعاون من كلمات السر للتفوق في هذا المجال.

إعلان

كما ركز في حديثه للجزيرة نت على قيم إنسانية عديدة، مثل التفاني في العمل والصدق، قائلا "والدتي الراحلة رشيدة بارگاش غرست فيّ قيمة النزاهة والصدق في كل الجهود التي أبذلها، وكانت تقول لي دائما: اعمل بجد وأمانة في كل ما تقوم به".

وأضاف "المغاربة والشباب العربي شعوب موهوبة وملتزمة بالعمل الجاد لأنه يسري في دمائها. وبما أن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور والانتشار، سيتزايد الطلب على خريجي الجامعات الذين يملكون معرفة ومهارات متخصصة فيه. لذا، أنصحهم ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، فعلى الرغم من إمكانياته الهائلة فإنه يأتي مع اعتبارات أخلاقية مهمة للغاية".

وقال البروفيسور "طوال مسيرتي المهنية، واجهت العديد من التحديات والرفض. عندما التحقت بجامعة الأخوين، كان تمويل دراستي صعبا ورغم مساعدة والديّ، اضطررت إلى أخذ قرض كبير من البنك. كما تم رفض طلبي للحصول على منحة فولبرايت في المرة الأولى، لكنني تقدمت مرة أخرى ونجحت".

وتابع أنس باري "واجهت العديد من الرفض في فرص العمل، وكنت عاطلا عن العمل لمدة تزيد عن سنة. استمرت حالات الرفض والإخفاقات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. الرحلة لم تكن سهلة قط؛ فالفشل والرفض جزء من التجربة. نحن كبشر لا نفشل، بل نتعلم من إخفاقاتنا. وفي النهاية، أولئك الذين ينجحون هم الذين لا يستسلمون أبدا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مواقع التواصل الاجتماعی الذکاء الاصطناعی فی فی الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی فی جامعة نیویورک علوم الحاسوب للجزیرة نت الذین ی فی مجال

إقرأ أيضاً:

مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي يبحث المشاريع الوطنية

دبي: «الخليج»
بحث اجتماع مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية، الذي عقد برئاسة عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، في مقر وزارة الطاقة والبنية التحتية بالشارقة، بحضور أعضاء المجلس، مستجدات وتطورات المبادرات والمشاريع الوطنية الهادفة إلى تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وتعزيز دور دولة الإمارات الرائد في تطوير الخدمات وتحسين جودة الحياة عبر ابتكار الحلول المعززة بالتكنولوجيا.

وجهة عالمية


وأكد عمر العلماء، أن دولة الإمارات تواصل بتوجيهات القيادة الرشيدة جهودها لتعزيز ريادتها وجهة عالمية في مجالات الذكاء الاصطناعي، من خلال تكامل الجهود الوطنية بين مختلف الجهات والقطاعات، بما يرسخ بيئة عمل متكاملة ترتقي بتنافسية المشاريع، وتوجه الطاقات نحو تحقيق أهداف استراتيجية موحدة لتسريع وتيرة الابتكار وضمان تحقيق مخرجات استثنائية.
وقال إن حكومة دولة الإمارات تركز على تبني نهج استباقي في تطوير بنية تحتية رقمية متقدمة وقابلة للتوسع المستدام لدعم تطلعات الدولة لإرساء اقتصاد معرفي متجدد، وضمان مواكبة الأطر التنظيمية والسياسات التطورات العالمية المتسارعة، وتحرص على تعزيز الاستثمار في بنية تحتية مرنة وذكية تدعم تحويل الدولة إلى مختبر عالمي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الهادفة إلى الارتقاء بالمجتمعات.
وناقش المجلس الخطوات الهادفة إلى دعم تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، عبر اعتماد مبادرات تعزز عمليات تبني الذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية، بما يعزز تنافسية دولة الإمارات في القطاعات ذات الأولوية، عبر توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير خدمات المتعاملين وتعزيز الأداء الحكومي المتميز، وترسيخ بيئة تشريعية وتنظيمية فعالة للذكاء الاصطناعي.
وتابع المجلس الاستعدادات لإطلاق النسخة الجديدة من جائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي التي استقطبت في نسختها الأولى أكثر من 225 مشاركة من أكثر من 76 جهة، وناقش الفئات الجديدة التي تضمن شمول الجائزة، وتعزز تنافسية الجهات.
واستعرض أعضاء المجلس آخر مستجدات العمل على مبادرات اللجنة وآلية عمل المنصة الموجدة لبيانات الطاقة والبنية التحتية، وأكدوا أهمية تطويرها لما تمثله من أداة استراتيجية تدعم اتخاذ القرار وتحقق التكامل بين الجهات المعنية، كما تم تسليط الضوء على الدور المحوري لمراكز البيانات في دعم التميز والابتكار في عدد من القطاعات الحيوية.

الإقامة الذهبية


وناقش الاجتماع سير العمل في مجال منح الإقامة الذهبية لفئة المواهب المتخصصة في مجال التكنولوجيا، وبحث آليات استقطاب الكفاءات النوعية في هذا القطاع الحيوي، وأكد أعضاء المجلس أهمية تسريع الإجراءات وتطوير السياسات المحفزة التي تواكب المتغيرات العالمية، وتسهم في ترسيخ مكانة الدولة مركز جذب عالمياً للمبدعين والمبتكرين في مجالات التكنولوجيا الحديثة والناشئة.

مقالات مشابهة

  • «ايدج» تطلق مُسرِّعاً للذكاء الاصطناعي للمجموعة
  • مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي يبحث المشاريع الوطنية
  • “ايدج” تطلق مُسرّعاً للذكاء الاصطناعي في المجموعة
  • «إم جي إكس» تشارك في تأسيس أكبر مجمّع للذكاء الاصطناعي في أوروبا
  • المركز الأول دوليًا.. جامعة كفر الشيخ تكرم فريق الذكاء الاصطناعي |صور
  • ايدج تطلق مُسرّعاً للذكاء الاصطناعي للمجموعة
  • فريقان من جامعة البترا يحصدان مراكز متقدمة في هاكاثون الذكاء الاصطناعي 2025
  • العيون عاصمة المجتمع المدني المغربي لسنة 2025
  • ترامب يدعم إنشاء أضخم مركز للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط لمواجهة الصين