د. ذياب بن سالم العبري

في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات، وتضيق فيه المساحات أمام المؤسسات المترددة، لم تعد الإدارة الجيدة خيارًا، بل ضرورة وجود. وإن من بين أعمدة هذه الإدارة الرشيدة، ما يُعرف بـ"القيادة بالتكلفة"؛ تلك الاستراتيجية التي لا تقوم على خفض النفقات عشوائيًا، بل على خلق قيمة حقيقية بأقل الموارد الممكنة.

ليست القيادة بالتكلفة مجرد نظرية اقتصادية مستوردة، بل هي انعكاس عميق لفكرٍ متجذر في الثقافة العُمانية. كيف لا، وقد نشأ هذا المجتمع على الاعتدال، واحترام الموارد، والتدبير في كل شيء من الماء إلى المال، ومن الجهد إلى الكلمة. في مجتمع واحة ومورد وشق، لا يُمكن أن تنشأ ثقافة التبذير، بل ثقافة التوازن وحسن التصرف.

ولذلك، حين تسعى المؤسسات العُمانية اليوم إلى ترسيخ ثقافة واعية بالتكلفة، فإنها لا تُدخل على نفسها جديدًا، بل تُعيد إحياء جزء أصيل من الهوية. هوية قائمة على "الاقتصاد"، لا بمعنى الفقر، بل بمعنى الحكمة. "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"، قالها القرآن، وطبّقها العُمانيون في زراعتهم وتجارتهم وأسواقهم القديمة.

لكننا، في ظل التوسع المؤسسي والتحديات الاقتصادية، بحاجة إلى تحويل هذه القيم إلى أدوات عملية. وهنا تبرز أهمية الأهداف الذكية (Smart Objectives)، التي تجعل من كل خطوة قابلة للقياس، ومن كل قرار قابلًا للمساءلة. فلا نكتفي بتوجيهات عامة، بل نحدد ما نريد، متى نحققه، وكيف نقيّمه.

ومن هنا تنشأ القيادة بالتكلفة كموقعٍ استراتيجي لا كإجراء طارئ. فهي لا تعني فقط خفضًا في الميزانيات، بل بناء نظام يربط بين الإنفاق والقيمة، ويُخضع كل مشروع لمعادلة الجدوى، ويمنح كل موظف شعورًا بالملكية والوعي.

وفي السياق العُماني، يمكن لهذه القيادة أن تواكب بجدارة تطلعات رؤية "عُمان 2040"، التي تستهدف بناء اقتصاد مرن، تنافسي، ومتنوع. القيادة بالتكلفة، حين ترتبط بالتحول الرقمي، وإعادة تبسيط الإجراءات، وتدريب الكوادر على التفكير بقيمة العائد، تصبح أداة تحوّل لا مجرد إصلاح؛ بل إن التنافسية في سوق اليوم لا ترحم من يهدر، ولا تنتظر من يتردد. فالمستهلك أصبح أذكى، والسوق أوسع، والمعايير أعلى. ومن لا يصنع لنفسه ميزة تكلفة أو قيمة، سيكون خارج دائرة الفاعلية.

وإذا كنا نريد لمؤسساتنا أن تزدهر، فلنُدرها بعقلية جديدة تُحسن الاستثمار، وتُكرّم المورد، وتُقوّم القرار. عقلية تُقدّر الميزانية لا لأنها مال؛ بل لأنها أمانة.

ولعل السؤال الذي نختم به: هل ستبقى مؤسساتنا تُنفق لتثبت حضورها، أم ستقود بالتكلفة لتصنع مستقبلها؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

باشات: كلمة الرئيس أمام القمة العربية تصوب البوصلة تجاه جوهر الصراع في الشرق الأوسط

قال اللواء حاتم باشات، عضو أمانة الدفاع والأمن القومي بحزب الجبهة الوطنية، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية ببغداد حملت رسائل حاسمة وواقعية، وجاءت بمثابة دعوة صريحة لإعادة تصويب البوصلة العربية والدولية تجاه جوهر الصراع في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن الرئيس تحدث بلسان الأمة العربية، وبمنطق الدولة القائدة التي ترى أن الحل السياسي العادل هو المدخل الوحيد للاستقرار.

اتفاقيات تطبيع لن تفلح بدون سلام

وأوضح باشات في تصريح اليوم أن تأكيد الرئيس السيسي خلال كلمته بأنه حتى لو نجحت إسرائيل في إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، لم يكن فقط توصيفا للواقع، بل كان رسالة تحذير إلى من يعتقد أن السلام يمكن أن يتحقق بتجاوز الحقوق الفلسطينية أو القفز على جوهر القضية.

رفض التهجير القسري

وأكد أن الرئيس السيسي عبر عن موقف مصر الثابت برفض التهجير القسري، وضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وإعادة إعمار قطاع غزة، مشددا على أن هذا الموقف يعكس اتساق السياسة المصرية مع القانون الدولي، ومع مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية لافتا إلى أن الرئيس أعاد التأكيد على أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن التضامن والعمل العربي المشترك هو السبيل الوحيد لردع التدخلات الخارجية وإعادة بناء الدولة الوطنية.

و أشار باشات إلى أن دعوة الرئيس لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة ليست مجرد مبادرة إنسانية، بل تجسيد لرؤية مصرية تنموية متكاملة تعتبر أن السلام لا يقوم إلا على العدل، وأن التنمية هي حائط الصد الأول أمام الفوضى والتطرف وأن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط لن يتم الا بحل القضية الفلسطينية داعيا القادة العرب إلى تحويل هذه الرؤية إلى برنامج عمل مشترك يعيد الحقوق ويؤسس لمستقبل من السلام القائم على العدالة والكرامة.

وشدد باشات على أن كلمة الرئيس السيسي لم تكن فقط موجهة إلى المجتمع الدولي، بل كانت أيضا دعوة للقادة العرب لإعادة ترتيب الأولويات في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجهها المنطقة وأن مفتاح الحل لكل هذه الأزمات يبدأ من التمسك بمفهوم الدولة الوطنية القوية والعادلة، باعتبارها الحصن الأساسي في مواجهة التفكك والانقسام.

وأكد أن وحدة الصف العربي أصبحت ضرورة مصيرية وليست مجرد خيار سياسي، مشددا على أن التكاتف العربي هو السبيل الأوحد للحفاظ على المصالح المشتركة، وتعزيز الأمن القومي، وتحقيق التوازن في مواجهة التحالفات الإقليمية والدولية المتشابكة و غياب التنسيق العربي أفسح المجال أمام التدخلات الخارجية وعمق الأزمات، في حين أن بناء موقف عربي موحد يعزز قدرة الأمة على الدفاع عن قضاياها المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وأشار إلى أن استقرار المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال احترام سيادة الدول ورفض التدخلات الخارجية ودعم المؤسسات الوطنية وتعزيز التنمية الشاملة، مؤكدا أن غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية ساهم في تغذية بيئة عدم الاستقرار كما لفت إلى أن استمرار الأزمات في بعض الدول العربية مثل سوريا واليمن وليبيا يعكس الحاجة الماسة إلى تسويات سياسية شاملة تستند إلى الحوار والعدالة.

وأكد أن الرئيس السيسي قدم خريطة طريق واقعية للتعامل مع أزمات المنطقة، تقوم على إعادة الاعتبار لمفهوم التضامن العربي، واستعادة زمام المبادرة، وتقديم نموذج في البناء الوطني يعزز الأمن الإقليمي ويؤسس لسلام مستدام وعادل في الشرق الأوسط.

طباعة شارك السيسي الرئيس عبد الفتاح السيسي حزب الجبهة الوطنية الجبهة الوطنية عبد الفتاح السيسي

مقالات مشابهة

  • مع أبطال العالم وأمل الأولمبياد: نوران جوهر وزياد السيسي ينضمّان لنجوم روابط.. رسميا
  • بعد ضربة قاضية.. تزويد ملاكم بالأكسجين على الحلبة
  • حتحوت: الدوري غابت عنه كل صور التنافسية في القمة والقاع
  • شاهد.. تزويد ملاكم بالأكسجين بعد تعرضه لضربة قاضية
  • نواب بيروت يدعمون اللوائح التنافسية ولوائح المستقبل يدوية
  • باشات: كلمة الرئيس أمام القمة العربية تصوب البوصلة تجاه جوهر الصراع في الشرق الأوسط
  • هانيا الحمامي تطيح بنوران جوهر وتصعد لنهائي بطولة العالم للإسكواش
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • جلسة حوارية تؤكد دور الأسرة في ترسيخ الهوية الوطنية