في زمن كانت المرأة فيه تُحاصر بين جدران الصمت والتهميش، خرج صوت أمينة السعيد ليقلب الموازين، لا بصرخة غاضبة، بل بكلمة صادقة وموقف حاسم، لم تكن مجرد كاتبة أو صحفية، بل كانت مدرسة في التنوير، جسدت بقلمها ووعيها الحاد صورة المرأة المصرية القوية، الطامحة، والمتمردة على كل أشكال الإقصاء.

 

على مدار عقود، أسهمت أمينة السعيد في صياغة وعي نسوي جديد، وكانت من أوائل من فتحن الأبواب المغلقة أمام النساء للحديث، والكتابة، والمشاركة في الشأن العام، في إطار ذلك، يرصد الفجر أبرز محطات أمينة السعيد تزامنًا مع ذكرى ميلادها

نشأة شكلتها القيود وغذّتها الأحلام

 

وُلدت أمينة السعيد عام 1914، ونشأت في بيئة محافظة بصعيد مصر، وتحديدًا في محافظة أسيوط، منذ طفولتها، أدركت أن هناك ظلمًا ممنهجًا يُمارس ضد الفتيات، حيث يُفرض عليهن الحجاب مبكرًا، ويُمنعن من التعليم والاختلاط، لكنّها لم تستسلم لتلك التقاليد، بل حولت إحساسها بالرفض إلى دافعٍ للتمرد والبحث عن أفقٍ أوسع للحرية.

خطواتها الأولى في دروب النضال النسوي
 

في سن الرابعة عشرة، التحقت بالاتحاد النسائي المصري بقيادة هدى شعراوي، والتي شكّلت وعيها النسوي والسياسي، لم تكن عضويتها شكلية، بل كانت بداية حقيقية لرحلة نضال طويلة ستخوضها لاحقًا في عالم الصحافة والفكر، كانت تلك الخطوة الأولى نحو بناء شخصية قوية ومثقفة تُدرك حجم التحديات التي تواجه المرأة المصرية.

تجربة جامعية شكلت وعيها التحرري

 

كانت أمينة من أوائل النساء اللاتي التحقن بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، في وقت كان وجود فتاة في الحرم الجامعي مثار استغراب ورفض، درست الأدب الإنجليزي، وخاضت معركة رمزية برفضها ارتداء الحجاب التقليدي، ومارست الأنشطة الجامعية بحرية، لتصبح رمزًا للمرأة المثقفة التي تفرض حضورها بثقة وتميّز.

انطلاقتها في عالم الصحافة

 

بعد تخرجها، شقت أمينة طريقها في الصحافة، بداية من مجلات "كوكب الشرق" و"آخر ساعة"، ثم التحقت بمجلة "المصور" التابعة لمؤسسة دار الهلال، كانت موهبتها وقوة شخصيتها كفيلتين بأن تفرض اسمها وسط بيئة مهنية يهيمن عليها الرجال، لكن محطة التحول الكبرى كانت عام 1954، حين أسندت إليها رئاسة تحرير مجلة "حواء"، أول مجلة نسائية تصدر عن مؤسسة صحفية كبيرة.

"حواء".. منصة للنضال والتغيير

حولت أمينة مجلة "حواء" من مجرد مجلة نسائية تقليدية إلى منبر نسوي صلب، يناقش قضايا التعليم والزواج والحقوق السياسية للمرأة، ويطرح أفكارًا جريئة غير معتادة في ذلك الوقت، كانت المجلة بمثابة مساحة حرّة لتأكيد مكانة المرأة كعنصر فاعل في بناء المجتمع، لا مجرد تابع أو كائن هامشي.

أول امرأة تتولى رئاسة "دار الهلال"

 

في عام 1976، وصلت أمينة السعيد إلى قمة جديدة في مسيرتها، عندما أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال العريقة، بذلك دخلت التاريخ الإعلامي من أوسع أبوابه، وأثبتت أن المرأة قادرة على إدارة كبرى المؤسسات الصحفية بنفس الكفاءة والحسم اللذين يتمتع بهما الرجال.

مواقف فكرية صلبة وجرأة بلا حدود

 

عرفت أمينة السعيد بمواقفها الجريئة، فقد كانت من أشد المدافعات عن إلغاء المحاكم الشرعية، ومناصِرة لحقوق المرأة في العمل والتعليم والمساواة الكاملة، لم تتردد في مواجهة رجال الدين والتيارات الرجعية، وكانت تعتبر أن معركة المرأة ليست فقط في نيل الحقوق، بل في كسر الأفكار التي تقيدها وتُبرر التمييز ضدها.

نتاج أدبي يُعبّر عن هموم المرأة

 

كتبت أمينة السعيد عددًا من الروايات والكتب التي تناولت فيها قضايا المرأة من منظور اجتماعي وإنساني، مثل رواية "الجامحة" و"أوراق الخريف" و"وجوه في الظلام".

 

 استخدمت الأدب كوسيلة أخرى للبوح، وكشفت من خلاله عن عالم المرأة الداخلي، وصراعها مع القيود الاجتماعية.

التكريم والرحيل 

كرّمها الرئيس جمال عبد الناصر بوسام الاستحقاق، كما حصلت على عدد من الجوائز والتقديرات المحلية والدولية، ورغم أن  رحيلها في 13 أغسطس عام 1995 مرّ بهدوء، فإن أثرها ظل حاضرًا في ذاكرة الصحافة والحركة النسوية، كاسم لا يمكن تجاوزه في أي حديث عن تاريخ المرأة المصرية.

إرثها باقٍ في كل صوت نسوي حر

 

أمينة السعيد لم تكن مجرد صحفية، بل مؤسسة وملهمة، مهدت الطريق لأجيال من النساء اللواتي أردن أن يكتبن، يتحدثن، ويُحدثن فرقًا، إرثها لا يزال حيًا في كل صوت نسوي يطالب بالحرية، وفي كل فتاة قررت أن تقول "لا" للقيود باسم المعرفة والحق والمساواة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: أمينة السعيد جامعة القاهرة هدى شعراوي الصحافة المصرية ارتداء الحجاب كوكب الشرق أمینة السعید

إقرأ أيضاً:

القومي للمرأة يشارك في منتدى «الخمسين سيدة» ضمن القمة المصرية للمرأة

شارك المجلس القومي للمرأة، اليوم، في فعاليات منتدى الخمسين سيدة، الذي عُقد ضمن فعاليات القمة المصرية للمرأة في نسختها الرابعة، وذلك برعاية الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وتنظيم المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع منتدى الخمسين سيدة الأكثر تأثيرًا، وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وجامعة النيل، تحت شعار «العلم والتكنولوجيا والابتكار والاقتصاد المعرفي».

وأدار فعاليات المنتدى الإعلامية دينا عبد الفتاح، مؤسس منتدى الخمسين سيدة، وذلك بحضور محمد جبران وزير العمل، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، و الدكتورة ماريان عازر، والدكتورة سلمى دوارة، والمهندسة هدى منصور عضوات المجلس القومي للمرأة، وباسل رحمي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، و إيف ساسينراث ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر، والدكتور عصام رشدي رئيس جامعة النيل، وعدد من السفراء و الوزراء السابقين القيادات والشخصيات العامة وممثلي منظمات المجتمع المدني.

وخلال الجلسة الافتتاحية، ألقت الدكتورة ماريان عازر عضوة المجلس و رئيس لجنة البخث العلمي و التكنولوجيا و الامن السيبراني  كلمة نيابة عن المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس القومي للمرأة، أكدت خلالها أن مشاركة المجلس في المنتدى تأتى في إطار جهوده المستمرة لدعم وتمكين المرأة المصرية، وتعزيز دورها الفاعل في مختلف المجالات التنموية والاقتصادية والعلمية، إلى جانب تسليط الضوء على النماذج النسائية الملهمة، وإتاحة الفرصة لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين القيادات النسائية والمؤسسات المختلفة.

وأكدت على أن منتدى الخمسين سيدة الأكثر تأثيرًا أصبح منصة قوية وفاعلة لدعم وتمكين المرأة، حيث تشهد النسخة الرابعة من المنتدى مشاركة رفيعة المستوى من القيادات التنفيذية بالدولة ،والوزراء السابقين، وسفراء دول جنوب أفريقيا والهند، وممثلي منظمات المجتمع المدني.

واستعرضت الدكتورة ماريان عازر الدور المحوري الذي يقوم به المجلس القومي للمرأة باعتباره الآلية الوطنية المعنية بوضع السياسات الخاصة بتمكين المرأة، مشيرة إلى جهود المجلس من خلال لجانه، وتطرقت كذلك إلى ملف العنف السيبراني وسبل مواجهته، وأهمية تمكين الفتيات منذ سن مبكرة، حيث استعرضت جهود المجلس في تدريب نحو 17 ألف فتاة و2500 شاب ضمن برنامج نورة و «نور»، اللذان يحظيان برعاية كريمة من السيدة انتصار السيسي. و تطرقت الي برنامج دوي 

كما أكدت على أهمية دعم التعليم الفني للفتيات بما يعزز ثقتهن بأنفسهن ويكسبهن المهارات العملية اللازمة لسوق العمل، موضحة المجلس على سد الفجوة الرقمية وتمكين المرأة من الاندماج الفاعل في سوق العمل، 

 وضرورة توفير بيئة عمل آمنة وداعمة للمرأة، مشيرة إلى احتفالية «ختم المساواة» التي نظمها المجلس القومي للمرأة مؤخرًا، والتي شهدت اعتماد ٢٩ شركة، موضحة أن توفير بيئة عمل مناسبة يسهم بشكل مباشر في زيادة إنتاجية المرأة وتحقيق تمكينها الكامل داخل سوق العمل. و اضافت ان تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة و القطاع الخاص و المجتمع المدني هي السبيل لرفعة المجتمع.

مقالات مشابهة

  • حسن المستكاوي: الأرقام التي يحققها صلاح دخلت كتاب تاريخ ليفربول
  • مذكرات أنيس منصور بخط يده.. دار المعارف تطبع اعترافات فيلسوف الصحافة المصرية والعربية
  • مذكرات أنيس منصور بخط يده .. دار المعارف تطبع اعترافات فيلسوف الصحافة المصرية والعربية
  • القومي للمرأة يشارك في منتدى «الخمسين سيدة» ضمن القمة المصرية للمرأة
  • فى ذكرى وفاتها.. من هي بهيجة حافظ التي خطفت البطولة من أمينة رزق؟
  • قبل مواجهة بيراميدز و فلامنجو ... تاريخ مواجهات الفرق المصرية مع البرازيلية
  • ياسمين عبدالعزيز: "المرأة الحديدية" عنوان مناسب لفيلم يصف قصة حياتي
  • القومي للمرأة يهنئ مجلة «حواء» لفوزها بجائزة أفضل مجلة مصرية
  • القومي للمرأة يهنئ حواء بجائزة أفضل مجلة مصرية ذات محتوى هادف للأسرة
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها