من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
كان بوب ديلان Bob Dylan، الحائز على جائزة نوبل للموسيقى، يغني في ستينيات القرن الماضي: « TheThe Times They Are A-Changing’ » “الأزمنة تتغير…” — وبعد ستين سنة، يبدو أن هذا المقطع الشيق أصبح نبوءة حزينة بالنسبة للصحافيين في العالم، الذين يواجهون ضغوطًا متعددة ومتزايدة يوماً بعد يوم.
اليوم، لم تعد الصحافة تعمل فقط في مناخ من انعدام الثقة، بل تجد نفسها وسط عاصفة تتقاطع فيها الرقابة المقنعة، الضغوط القضائية، التبعية المالية، والتلاعبات الأيديولوجية.
المغرب واختبار الحق في الإعلام دون «قيود»
المغرب ليس استثناءً. عدد المحاكمات المرتبطة بحرية التعبير منذ مطلع القرن لازال يثير القلق. صحافيون متابعون بتهم القذف، وسائل إعلام معاقبة لكشفها وقائع حساسة: مساحات التعبير تقلصت مع مرور الزمن، رغم التصريحات الرسمية المتكررة عن «الحداثة الديمقراطية» و«احترام حرية التعبير الصحافة».
ويبدو أن الرقابة الذاتية، بل الصمت الكامل عما يزعج، أصبحت سيدة الموقف في المشهد الإعلامي المغربي، مقابل التركيز على الحوادث العابرة، والفضائح الجنسية، و«التفاهة» التي تضمن النقرات، ولكن قد تجلب الصفعات أيضًا.
وإذا كنا نتوقع (بحق أو بغير حق) مثل هذه الانحرافات في ديمقراطيات ناشئة، فإن المفاجأة تكون أكبر عندما تقع في معاقل الحرية المعلنة، كحال الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات المتحدة: عندما تهاجم الديمقراطية صحافتها
نشرت صحيفة نيويورك تايمز New York Times في عددها الصادر بتاريخ 18 ماي 2025 سؤالًا يبعث على القشعريرة:
“كيف يمكن أن يحدث هذا هنا، في بلد يتفاخر بالتعديل الأول؟” The first amendment
وينص التعديل هذا في الدستور الأمريكي على أنه: “لا يجوز للكونغرس إصدار أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة.”
ويعني ذلك أن الدولة لا يمكنها قانونيًا فرض رقابة على الصحافيين أو منع المواطنين من التعبير بحرية — وهي ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية.
تطرقت هذه الصحيفة الواسعة الإنتشار إلى شكلين من أشكال قمع الإعلام:
الأول مباشر ووحشي، كما في الأنظمة السلطوية مثل الصين أو روسيا، حيث يُسجن الصحافيون أو يُقتلون.
والثاني أكثر مكرًا وخطورة، يوجد في الديمقراطيات الحديثة، حيث لا رقابة رسمية، بل مضايقات قضائية، ضغوط تنظيمية، ملاحقات تعسفية، أو استهداف مصالح ملاك وأصحاب وسائل الإعلام الاقتصادية.
الهدف: ردع الصحافيين عن التطرق للمواضيع الحساسة، وإجبارهم على الرقابة الذاتية، أو صرف نظرهم عن ما تود السلطة إبقاءه في الظل بعيدا عن فضول الجمهور .
لقد ولّى الزمن الذي كشفت فيه صحيفة واشنطن بوست فضيحة ووترغيت Watergate وتسببت في إسقاط الرئيس نيكسون.
قناع الصحافة الخانعة
هذه الآلية ليست بجديدة. ففي سبعينيات القرن الماضي، تَسرّب الصحافي الألماني غونتر فالراف إلى صحيفة Bild الشعبوية، والتي تطبع ملايين من النسخ يومياً، تحت هوية مزيفة، لكشف ممارسات صحافة منحرفة في خدمة أصحاب المال والنفوذ. وفي كتابه : الصحافي غير المرغوب فيه (1977)، لم يتردد في وصف صحافة تكذب، وتشوه، وتضلل لإرضاء الممولين والمعلنين.
واشتهرت عبارته اللاذعة:
“الصحافيون كالعاهرات، يفعلون ما يُطلب منهم مقابل المال.”
رغم قسوتها، إلا أنها لا تزال تُحدث صدى، خاصة في زمن باتت فيه الاستقلالية التحريرية مشروطة بالمصالح المالية. وفي كتابه : كبش فداء (1985)، ذهب الكاتب الألماني هذا إلى أبعد من ذلك، منتقدًا التهميش المنهجي للعمال المهاجرين خاصة الأتراك، ودور الإعلام في هذا التواطؤ. وقد لجأ بعد ذلك إلى هولندا بعد الحملة الشعواء التي شنتها عليه وسائل الإعلام المقربة من أصحاب المال والجاه مطالبة بمحاكمته.
وهكذا أصبحت العلاقة المشتبه فيها بين الإعلام والسلطة مكشوفة للرأي العام. فحسب تحليل نشره الموقع الإخباري الأمريكي Splinter، وحدهم الديمقراطيون الأمريكيون فوق سن الخمسين يحتفظون ببعض الثقة في الإعلام التقليدي، أما باقي الفئات — على اختلاف انتماءاتهم السياسية — فتعبر عن شكوك عميقة تجاه الصحافة الرصينة.
هذا مثال صارخ: فرغم الشكوك حول تلقي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رشوة فاضحة من قطر، لم تجرؤ الصحافة الأمريكية الكبرى على استعمال مفردات مثل «رشوة» أو «فساد». هذه قضية استغلال السلطة يعترف به بعض المؤثرين من اليمين المتطرف المساندين لترامب، في حين تمتنع المؤسسات الإعلامية الكبرى عن تسميته علنًا.
تقرأ، كل يوم، هذه العبارة تحت شعار صحيفة واشنطن بوست Washington Post :
“الديمقراطية تموت في الظلام” ( Democracy dies in darkness)
ولا يُراد من هذا الكلام شيطنة «الإعلام» بجملته. هناك الكثير من الصحافيين الذين لا يزالون يقاومون، يحققون، يكشفون — وغالبًا على حساب مستقبلهم المهني، وأحيانًا حياتهم. لكن المؤشرات الحمراء تتكاثر: فلا ديمقراطية بدون صحافة مستقلة وشجاعة.
فالمعركة من أجل إعلام حر لا تُخاض فقط في ساحات المحاكم، بل في كل غرف التحرير، وكل خط افتتاحي، وفي العلاقة بين الصحافي وقارئه. وفي هذا الزمن الملتبس، أصبحت المعركة ضرورة قصوى.
ولا غرابة أن تذكّر واشنطن بوست قراءها، للأسف، بأن «الديمقراطية تموت في الظلام». وهي جملة تعيدنا إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف والمناضل أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci من زنزانته:
“العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد، وفي هذه الحالة الملتبسة بين النور والظلام تظهر الوحوش.”
منعطف تاريخي حافل بالغموض…
حادث له علاقة بالموضوع
في 2012، نشر موقع Gawker الجريء والرائد في الصحافة الرقمية مقطعًا حميميًا لنجم المصارعة الشهير هالك هوغان (تيري بوليا). فرفع هذا الأخير دعوى بتهمة التعدي على الخصوصية، وكسب تعويضًا بقيمة 140 مليون دولار سنة 2016.
لكن خلف الكواليس، كان يقف الملياردير بيتر ثيل (أحد مؤسسي PayPal)، الذي موّل سرًا القضية بدافع الانتقام: إذ كشف الموقع عن مثليته سنة 2007 دون موافقته.
النتيجة: إعلان إفلاس Gawker، طرد الصحافيين، وإغلاق الموقع نهائيًا.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
«رؤية وبصمة ونجوم الملاعب».. 3 مشروعات تخرج مميزة لشعبة الصحافة بآداب كفر الشيخ
شهدت كلية الآداب بجامعة كفر الشيخ تنظيم فعالية مناقشة مشروعات تخرج طلاب شعبة الصحافة بقسم الإعلام، وذلك تحت رعاية الدكتور عبد الرازق دسوقي رئيس الجامعة، والدكتور وليد البحيري عميد الكلية، والدكتور عبد الحميد الصباغ وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، وبحضور الدكتور محمد الحفناوي رئيس قسم الإعلام، والدكتورة سميرة موسى مدرس الصحافة والمشرفة الأكاديمية على مشروعات التخرج، إلى جانب عدد من أعضاء هيئة التدريس ولفيف من الطلاب والمهتمين بالشأن الإعلامي، حيث جاءت هذه المناقشات كحصاد أكاديمي متكامل لجهود الطلاب طوال سنوات دراستهم، وامتدادًا لسياسة الكلية في الدمج بين الجانب النظري والتطبيقي في إعداد كوادر إعلامية شابة قادرة على المنافسة في سوق العمل.
وقد عبّر الطلاب عن طاقاتهم الإبداعية من خلال 3 مشروعات صحفية متميزة حملت عناوين: "رؤية"، "بصمة"، و"نجوم الملاعب"، حيث أظهر كل مشروع رؤية إعلامية خاصة، واشتمل على موضوعات وقوالب تحريرية متنوعة، عكست قدرة الطلاب على رصد الظواهر وتحليلها بلغة مهنية ومعالجة صحفية جادة تراعي متغيرات العصر. وجاء مشروع "رؤية" ليقدم تغطية صحفية موسعة لمجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية المتنوعة، مسلطًا الضوء على التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة والعالم، بأسلوب تحليلي يوازن بين المعلومات والآراء، ويعكس فهمًا معمقًا لدور الصحافة في تشكيل الوعي العام تجاه القضايا الكبرى. أما مشروع "بصمة"، فقد تميّز بطابع حداثي واضح، إذ اختار فريقه تسليط الضوء على أبرز الاتجاهات الحديثة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب موضوعات ثرية في قطاعات السياحة والدراما، مقدّمين محتوى معاصرًا يخاطب الجمهور بلغته واهتماماته ويعكس وعيًا إعلاميًا بالتحولات التي يشهدها العالم من حولنا. بينما جاء مشروع "نجوم الملاعب" ليُبرز الحراك الرياضي داخل الجامعة وخارجها، مقدمًا تغطية شاملة للأحداث الرياضية الجامعية والإقليمية، مع تسليط الضوء على نماذج رياضية ناجحة، ومناقشة التحديات التي تواجه المنظومة الرياضية من منظور إعلامي متخصص.
وأكد الدكتور وليد البحيري، عميد كلية الآداب، أن مشروعات التخرج تمثل مرحلة مهمة في حياة الطالب الجامعي، فهي ثمرة جهد سنوات طويلة من الدراسة والتدريب، وتعكس إلى حد بعيد ما تلقاه الطالب من علوم ومعارف وخبرات.
وأوضح أن الكلية تحرص بشكل مستمر على دعم العملية التعليمية من خلال تطوير البرامج الأكاديمية وتهيئة بيئة محفزة على الإبداع، وهو ما يظهر جليًا في مشروعات هذا العام التي تميزت بالتنوع والجدة والالتزام بالمعايير المهنية.
وأضاف أن الطلاب استطاعوا من خلال هذه المشروعات أن يقدموا نموذجًا مشرفًا للصحافة الجامعية التي ترتبط بقضايا المجتمع وتواكب التطورات الراهنة، مؤكدًا أن إدارة الكلية لن تدخر جهدًا في دعمهم وتأهيلهم لسوق العمل.
من جانبه، أشار الدكتور عبد الحميد الصباغ، وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، إلى أن مشروعات التخرج تمثل تطبيقًا عمليًا لما تم تدريسه على مدار سنوات الدراسة، وهي فرصة حقيقية لقياس مدى جاهزية الطلاب للعمل في المؤسسات الإعلامية المختلفة.
ولفت إلى أن شعبة الصحافة شهدت هذا العام تميزًا ملحوظًا في مستوى المشاريع من حيث المحتوى، والشكل، والتقنيات المستخدمة، الأمر الذي يعكس مدى تطور أدوات التدريس والتدريب داخل الكلية، ويؤكد نجاح المنظومة التعليمية في إعداد طلاب قادرين على التعامل مع الواقع الإعلامي المعقّد بمرونة ومهارة.
أما الدكتور محمد الحفناوي، رئيس قسم الإعلام، فقد عبّر عن فخره بالمستوى الذي ظهر به طلاب شعبة الصحافة، مشيرًا إلى أن القسم يسعى دائمًا إلى تقديم تعليم إعلامي متكامل، يجمع بين التكوين النظري والتدريب العملي، مع الحرص على تنمية روح المبادرة والإبداع لدى الطلاب.
وأكد أن المشروعات المقدّمة هذا العام عكست وعيًا بالقضايا المعاصرة، وقدرة الطلاب على تقديم معالجات صحفية محترفة، وهو ما يرسخ مكانة القسم كأحد الأقسام الرائدة في مجال الإعلام على مستوى الجامعات المصرية.
بدورها، أوضحت الدكتورة سميرة موسى، المشرفة الأكاديمية على مشروعات التخرج، أن ما قدمه الطلاب هذا العام يُعد نقلة نوعية في مستوى الأداء الصحفي، من حيث تنوع الموضوعات، وشمول التغطيات، ومهارات التحرير والتصميم.
وأشارت إلى أن الطلاب تعاملوا مع مشروعاتهم بمهنية عالية، واستفادوا من كافة المهارات التي اكتسبوها خلال سنوات دراستهم، مؤكدة أن الدعم الكبير الذي قدمته إدارة الجامعة والكلية كان له دور بالغ في تحفيزهم على التميز وتقديم الأفضل.
وفي ختام المناقشات، عبّر الطلاب عن سعادتهم بهذه التجربة، مشيرين إلى أنها كانت محطة مهمة في مسيرتهم الأكاديمية، ومنصة للتعبير عن قدراتهم المهنية والفكرية.
كما أعربوا عن شكرهم العميق لإدارة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس بقسم الإعلام، مؤكدين أن مشروعاتهم لم تكن فقط عملًا أكاديميًا، بل تجربة حياة متكاملة شكلت وعيهم الإعلامي ورسّخت فيهم قيم الالتزام والإبداع والمسؤولية تجاه المجتمع.