رأي.. إردام أوزان يكتب: سوريا بين المبادرة والتغيير الحقيقي.. وفرصة لن تنتظر
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان *، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
إذا اختارت سوريا الشجاعة على الأداء، والرؤية على الارتجال، والشعب على السياسة، فإنها لا تزال قادرة على طي الصفحة. ولكن هذه الصفحة لن تطوي نفسها.تجد سوريا نفسها في منعطف حرج، تواجه فيه تناقضات تُشكّل حاضرها ومستقبلها.
فمن جهة، ثمة بصيص أمل بغدٍ أكثر إشراقًا مع سقوط بشار الأسد وتخفيف العقوبات مؤخرًا؛ ومن جهة أخرى، يواجه المواطنون تضاؤلًا في فرص العمل وتزايدًا في التشكيك في الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع.
ينشط المشهد السياسي من جديد، لكن هذه الحركة لا تُحركها الضغوط فحسب، بل تضافر الفرص النادرة. فبعد جهود ضغط فعّالة من السعودية وتركيا ودول أخرى، عرضت الولايات المتحدة مؤخرًا إعفاءً من العقوبات. ويتزامن هذا التطور مع زيارات الشرع إلى الرياض وأنقرة، مما يُشير إلى أن سوريا ربما تكون قد دخلت نافذةً حساسةً يُمكن فيها لقراراتٍ ذكية وسريعة ومدروسة أن تُعيد رسم مسارها بعد الحرب. ومع ذلك، فإن هذه النافذة ليست مفتوحةً إلى أجلٍ غير مسمى أو خاليةً من المخاطر.
لا تزال عناوين الأخبار السياسية تُسلّط الضوء على العنف ضد الأقليات، وعدم اليقين بشأن اندماج القوات الكردية، واستمرار عدم الاستقرار في الجنوب، ومزاعم اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل مثل إغلاق الحانات وتطبيق حظر الكحول. تُشير هذه الإجراءات، إلى جانب المبادرات الدبلوماسية تجاه إسرائيل، مثل إعادة رفات إيلي كوهين، إلى تحول جيوسياسي كبير.
لفترة طويلة، اعتمدت السياسة السورية على مظاهر خارجية، مثل مبادرات الإصلاح، والشعارات المُعاد تدويرها، والانخراط الانتقائي. ومع ذلك، لا يزال الجمهور ساكنًا. تُثير الأفعال والتصريحات الرمزية عناوين الصحف، لكنها لا تُثير الأمل، مما يُقلل من شأن تلبية المطالب الأعمق لبلد لا يزال يواجه نزوحًا مستمرًا، وانهيارًا اقتصاديًا، وتفتتًا في السيادة.
ما تحتاجه سوريا الآن ليس مزيدًا من الإشارات، بل استراتيجية متماسكة تجمع إعادة الإعمار والعدالة والدبلوماسية في مشروع وطني واحد تطلعي. يجب تمهيد الطريق بعناية. تخفيف العقوبات، مهما كان محدودًا، لا يوفر فقط متنفسًا اقتصاديًا، بل رأس مال سياسي أيضًا. إذا استُخدم بحكمة، يُمكنه فتح آفاق المشاركة الإقليمية والدولية، وجذب تدفقات إعادة الإعمار، وتحسين تقديم الخدمات. أما إذا أُسيء استخدامه، فقد يُصبح فرصة ضائعة أخرى.
مع ذلك، فإن تخفيف العقوبات وحده لن يُقنع السوريين أو حلفائهم بأن التغيير الحقيقي جارٍ. فمصداقية العملية تعتمد على إحراز تقدم موازٍ في العدالة. فالعدالة الانتقالية في سوريا ميدان مشحون سياسيًا ومحفوف بالمشاعر. لا يزال عشرات الآلاف في عداد المفقودين، وتجارب التعذيب والحصار والهجمات الكيميائية والتهجير القسري ليست مجرد اتهامات قانونية؛ بل هي جزء من الذاكرة الجماعية. هذه الصدمات تطال كل المجتمعات، وتُغذي انعدام الثقة المستمر في هياكل الدولة.
يُعدّ إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مؤخرًا خطوة مبدئية في الاتجاه الصحيح. ويجب ألا يقتصر الأمر على مجرد مبادرات استعراضية للاستهلاك الخارجي. يجب اعتبار العدالة الانتقالية أساسًا سياسيًا وأخلاقيًا للمصالحة الوطنية والشرعية. إذا ما تم التعامل معها بصدق، يُمكن أن تُصبح إطارًا موحدًا، يسمح لمختلف المجتمعات السورية بالبدء في إعادة بناء الثقة مع الدولة ومع بعضها البعض. يتطلب الأمر شفافية ومشاركة شعبية وسردًا يُؤكد بوضوح أن هذه العملية ملك للشعب، لا للنخب فحسب.
بينما يتزايد الزخم الدبلوماسي في دوائر النخبة، لا يزال الخطاب العام بعيدًا عن مساره. ينشغل جزء كبير من الحوار الداخلي بمواضيع رمزية وثانوية. تهيمن القيود الاجتماعية والمظالم الطائفية والمناوشات المحلية على المنصات العامة، حتى في ظل تجاهل قضايا هيكلية مثل مستقبل القوات الكردية وخطر عودة داعش. هذه الفجوة بين ما هو مهم وما يهيمن على النقاش العام خطيرة؛ فهي تسمح للحكومة بالعمل دون مساءلة، مما يُعرّضها لخطر إهدار فرص نادرة بفشلها في بناء زخم مجتمعي حولها.
يُجسّد ملف إعادة الإعمار هذه المسألة. فغالبًا ما يُنظر إليه كمسألة تقنية أو يُختزل إلى سياسات المانحين، إلا أنه ذو طابع سياسي عميق. تتعلق إعادة الإعمار بالملكية، أي بمن يتحكم في السردية، ومن يُكلّف بإعادة الإعمار، ولصالح من. وإذا تُرك دون استراتيجية واضحة، فإنه يُخاطر بترسيخ هياكل السلطة القديمة. ومع ذلك، إذا ارتبط برؤية قائمة على العدالة والشفافية والشمول، يُمكن أن يُصبح محركًا للتجديد الوطني.
لهذا السبب، يُعدّ تشكيل الخطاب العام أمرًا مُلِحًّا. يجب تشجيع السوريين على تحويل تركيزهم من الرمزي إلى الهيكلي. يجب على المنصات المدنية والنقابات المهنية ووسائل الإعلام ومنظمات الشتات إعادة توجيه اهتمامها نحو محوري تخفيف العقوبات والعدالة. هنا يُحدَّد مستقبل سوريا.
بالنسبة للشرع ومن حوله، لا يكمن التحدي الآن في الرؤية فحسب، بل في سرعة التحرك. فالسياق الإقليمي يشهد تحولات. السعودية تُرسّخ مكانتها بشكل متزايد كعامل استقرار إقليمي. وتركيا، التي تواجه إعادة تقييم اقتصادي وسياسي، منفتحة على المشاركة في التعاملات التجارية. وتسعى الولايات المتحدة إلى تقليص دورها مع الحفاظ على نفوذها. في هذه المرحلة من التقلب النسبي، لدى سوريا مساحة للمناورة، لكن ليس لديها وقت لتضييعه.
تتطلب القيادة الفعّالة اليوم فهمًا دقيقًا للوضع الراهن. من الضروري إدراك أن سوريا لا تواجه إعادة ضبط شاملة، بل فرصة محدودة وسط مجموعة معقدة من المصالح. وسيتوقف استعادة سيادتها أو استمرار تبعيتها على إجراءاتها الاستراتيجية والسريعة.
الرمزية لن تُحقق إعادة الإعمار، والخطابات لن تُعيد المفقودين، والدبلوماسية دون متابعة لن تُحقق استقرار البلاد. المطلوب هو خطة وطنية متكاملة، ترتكز على العدالة، وتدعمها رسائل واضحة، وترتبط بإغاثة ملموسة للمواطنين.
لا تزال هناك فرصة لاستعادة مسار سوريا، لكن هذه الفرصة لن تنتظر.
* نبذة عن الكاتب:
إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية. وقد شغل العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصبه الأخير كسفير لدى الأردن، بالإضافة إلى مناصب في الإمارات العربية المتحدة والنمسا وفرنسا ونيجيريا.
ولد في إزمير عام 1975، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة. واكتسب معرفة واسعة بالمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، حيث قام بتحليل تعقيدات الصراعين السوري والفلسطيني، بما في ذلك جوانبهما الإنسانية وتداعياتهما الجيوسياسية.
كما شارك في العمليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وتخصص في مجال حقوق الإنسان والتطورات السياسية الإقليمية. وتشمل مساهماته توصيات لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. ويواصل حاليا دراساته عن الشرق الأوسط بينما يعمل مستشارا.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: إعادة الإعمار لا یزال مع ذلک
إقرأ أيضاً:
مخاوف من إعادة توصيف الفلسطينيين في سوريا كـأجانب.. وتطمينات بأنه خطأ تقني
ظهرت صفة "فلسطيني مقيم أجنبي" في سوريا ضمن عملية التسجيل الرسمي للفلسطينيين المقيمين في سوريا، بعدما كانت الصفة المعتمدة سابقًا هي "فلسطيني سوري" مع اعتماد المحافظة التي يقيم فيها.
وجرى تداول أوراق رسمية صادرة حديثًا عن السجل المدني في سوريا، وظهرت فيها هذه التعديلات الجديدة، حيث تم شطب صفة "فلسطيني سوري" التي كانت تُعتمد منذ عقود، واستبدالها بعبارة "فلسطيني مقيم".
متداول- وثائق النفوس الجديدة تشطب "فلسطيني سوري" وتستبدله بـ"فلسطيني مقيم" والمحافظة "أجنبي" pic.twitter.com/RbmGAyHAZf — Ahmad_27 (@AhmadSY0309) July 10, 2025
وشمل التعديل أيضًا خانة المحافظة، التي كانت تشير إلى أماكن مثل دمشق أو حلب أو درعا، فتم استبدالها بكلمة "أجانب"، ما يعني شطب الانتماء الجغرافي بالكامل من قيود المواليد.
وتداول العديد من مستخدمي منصات التواصل، سواء من داخل سوريا أو خارجها، هذه الوثائق الجديدة، وفيها تعديل الجنسية إلى "فلسطيني مقيم"، مع صفة "أجنبي" بدل اسم المحافظة، وسط مخاوف من أن الإجراء سيُطبق بأثر رجعي، وقد يشمل ملايين الفلسطينيين المقيمين في سوريا منذ عقود.
الفلسطيني السوري هو مواطن سوري بكامل الحقوق والواجبات ومثل هذا الخطأ الغبي من موظف نفوس ان يغير حقيقة ان سوريا الكبرى للسوري وللفلسطيني وللاردني والعراقي واللبناني
قطيع الوطنج السوري الكريه والغبي هم شرذمة وذباب ليس إلا
الواقع في سوريا مختلف جدا عن قباحتهم pic.twitter.com/HxsAiwmecM — سامر العلي (@samrall46189962) July 10, 2025
بدوره، أكد المحامي والناشط الحقوقي غياث دبور أن كل الأمر مجرد خطأ تقني ولا يترتب عليه أي أبعاد تقنية أو اجتماعية أو سياسية، قائلًا: "كانت تجربة تصنيف الفلسطينيين في محافظة إدلب السورية قد طُبقت خلال الفترة التي خرجت فيها المحافظة عن سيطرة النظام، حيث سُجل الفلسطينيون في السجلات المدنية تحت عنوان "محافظة إدلب"، وبوصفهم "مهاجرين" وليسوا لاجئين، مع تمييزهم إلى فلسطيني مقيم وفلسطيني غير مقيم".
وأضاف في مقابلة مع "تلفزيون سوريا" أنه "مع حدوث عمليات التحرير وتوحيد الشبكات بين إدلب والمنظومة الكاملة للسجل المدني السوري، انتقلت هذه التجربة تلقائيًا إلى الفلسطينيين المقيمين ضمن المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام، ونتيجة لذلك، ظهر تصنيف الفلسطينيين بنفس التوصيف المرتبط بمحافظة إدلب، أي فلسطيني مقيم أو غير مقيم، وهو ما أثار بعض التساؤلات".
وكشف أنه "جرى التأكيد من قبل المعنيين أن هذا الموضوع تقني بحت ولا ينطوي على أي أبعاد سياسية أو اجتماعية أو أي دلالات أخرى، وأوضحوا أن المشكلة تتعلق بمسألة فنية وإجرائية يجري العمل على معالجتها".
وأوضح أن "الموضوع كله تجربة وليدة تجربة ما صار لها كم يوم، ومن الجانب الطبيعي، ووزير الاتصالات منذ فترة تحدث عن موضوع الترهل وموضوع الفساد وموضوع المنظومة التي كانت مترهلة بشكل عام".
مجرد خطأ تقني تم تصحيحه ولا يوجد أي تغيير بوضع الفلسطينيين السوريين..
توضيح حول ما أشيع عن وثائق النفوس التي تحدثت عن شطب "فلسطيني سوري" واستبداله بـ"فلسطيني مقيم"
نتمنى أن يتم مستقبلا فتح باب التجنيس لمن يرغب من الفلسطينيين السوريين ليأخذوا حقهم الذي حرمهم منه النظام البائد pic.twitter.com/bDOQaBGKSp — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) July 11, 2025
وذكر أن الحكومة كشفت أنه سيعاد تسجيل الفلسطينيين السوريين كما كان سابقا.
بدورها، أعلنت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيّي سوريا" أنها رصدت إدخال تعديلات أوسع على بيانات اللاجئين الفلسطينيين المسجّلة في السجلّات المدنية الرسمية، في إطار تطبيق تجريبي لبرنامج حكومي جديد يحمل اسم "أمانة سوريا الواحدة"، ويهدف إلى توحيد قواعد البيانات وربط سجلّات اللاجئين الفلسطينيين بالسجلّ المدني السوري العام.
وذكر مصادر حقوقية في "مجموعة العمل"، فإن البرنامج الجديد أدّى إلى تغييرات جوهرية في بعض السجلّات، من بينها حذف خانة "تاريخ اللجوء"، واستبدال خانة "الموطن الأصلي" في فلسطين بعبارة "فلسطيني مقيم"، مع تحديد المحافظة السورية كمكان إقامة دائم. كما تمّ تسجيل حالات صُنّف أصحابها على أنهم "أجانب"، وهو ما أثار مخاوف قانونية لدى منظّمات المجتمع المدني، بحسب ما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية.
ونقلت المجموعة المُشار إليها عن مراقبين، أن إلغاء "تاريخ اللجوء" قد يترك آثاراً قانونية على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولا سيما أن هذا التاريخ يرتبط بتطبيق المرسوم التشريعي الرقم 260 لعام 1956، الذي يكفل مجموعة من الحقوق للاجئين الفلسطينيين المقيمين في البلاد، مثل المعاملة القانونية المماثلة للمواطنين السوريين في عدد من المجالات,
وأضافت "كان اللاجئون الفلسطينيون في سوريا يسجّلون واقعاتهم المدنية سابقاً عبر "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، ضمن سجلّات مستقلة عن السجلّ المدني السوري، قبل أن تقوم السلطات الجديدة ببدء تطبيق برنامجها الجديد، والذي يسعى لدمج هذه السجلّات في قاعدة بيانات واحدة، الأمر الذي يعني فعلياً إنهاء دور "الهيئة" المُشار إليها في هذا المجال، علماً أنها تأسّست عام 1949، لإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا".