تدشين الاستراتيجية الوطنية للمعايير المهنية: خطوة نحو سوق عمل أكثر كفاءة
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
د. منصور القاسمي **
شهدنا مؤخرًا حفل تدشين الاستراتيجية الوطنية للمعايير المهنية، الذي نظمته مشكورةً وزارة العمل في إطار جهودها الحثيثة لبناء نظام وطني موحد للكفاءات، بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى في سلطنة عُمان. ويُعد هذا الحدث انطلاقة حقيقية نحو التميز، ودفعة مهمة لتعزيز سوق العمل بكفاءات ومهارات مهنية تخصصية تتماشى مع متطلبات رؤية عُمان 2040.
ومن المهم أن نُدرك أن المعيار الوطني المهني هو وثيقة مرجعية تُحدد المعارف والمهارات والسلوكيات المطلوبة لأداء وظيفة أو مهنة معينة ضمن سوق العمل. وبالتالي، فإن بناء معايير مهنية وطنية متكاملة لا يُعد ترفًا تنظيميًا، بل هو ضرورة استراتيجية واقتصادية تساهم في توحيد التوصيف الوظيفي، تسهيل فهم مؤهلات الكوادر لدى الشركات والمؤسسات، تمكين مؤسسات التعليم والتدريب من تطوير برامج تتماشى مع متطلبات السوق، رفع جودة الأداء المهني من خلال تحديد الحد الأدنى المقبول من الكفاءة، زيادة الإنتاجية وتقليل الأخطاء التشغيلية،
فعلى سبيل المثال، في القطاع اللوجستي بدولة مثل سنغافورة، أسهم تطبيق نظام المعايير المهنية في رفع نسبة التوظيف المحلي بأكثر من 25% خلال خمس سنوات، إلى جانب تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة في الوظائف التشغيلية.
ويُعد القطاع اللوجستي في السلطنة من أكثر القطاعات نموًا وأهمية، وينبغي أن يُشكّل نموذجًا يُحتذى به في التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات المهنية. ولا شك أن مشاركة كل من المركز المعني باللوجستيات التابع لوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والجمعية العُمانية للخدمات اللوجستية، في حفل التدشين، تعكس مدى أهمية هذا القطاع الذي نعوّل عليه كثيرًا ليكون ثاني أكبر مصدر للناتج المحلي بعد قطاعي النفط والغاز.
ويبقى السؤال: ما الخطوة التالية بعد تدشين الاستراتيجية؟
هل سنكتفي بما تحقق ونركن إلى الظروف والتحديات؟ أم أننا سنشهد تحركًا واسعًا لتسريع توظيف الباحثين عن عمل في جميع القطاعات؟
بعيدًا عن التعقيد والبيروقراطية، يمكننا تطبيق حلول عملية وسريعة من خلال إطلاق برامج تدريبية قصيرة مقرونة بالتشغيل، تمتد من 3 إلى 9 أشهر، مبنية على المعايير المهنية، وتركز على القطاعات التي ترى وزارة العمل إمكانية سريعة في تعمين وظائفها. فعلى سبيل المثال في القطاع اللوجستي، تتوفر فرص متعددة في تخصصات مثل، إدارة المخازن، إدارة أسطول النقل، تحليل البيانات اللوجستية، تشغيل أنظمة التتبع، والإدارة الجمركية وغيرها الكثير. كما يمكن تبسيط إجراءات الاعتراف بالخبرات السابقة للعاملين في هذا القطاع الذين لم يحصلوا على شهادات مهنية رسمية، عبر مسار "الاعتراف بالمهارات المكتسبة من الخبرة". والأهم من ذلك، يجب على الحكومة دعم الشركات العُمانية المملوكة بنسبة 100% للمواطنين، سواء فنيًا أو ماليًا، بشرط التزامها بتشغيل الكوادر الوطنية بالكامل في مواقعها التشغيلية.
ووفقًا للمعطيات الحالية، يُقدّر أن القطاع اللوجستي في السلطنة قد يوفر أكثر من 15,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال العامين المقبلين، لاسيما مع توسع الموانئ، والمناطق الحرة، والنشاط السياحي والعمراني المتزايد.
ومع ذلك، لا تزال نسبة التعمين في بعض الأنشطة اللوجستية أقل من 30%، وهو ما يكشف عن وجود فجوة حقيقية في التأهيل والتدريب والتشغيل.
إن الاستراتيجية الوطنية للمعايير المهنية تُعد فرصة ذهبية لإعادة ترتيب المشهد المهني في السلطنة، وتوحيد الجهود لبناء منظومة مهنية متماسكة تستند إلى أسس علمية متينة وتخدم مستهدفات رؤية "عُمان 2040". لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تنسيقًا فعالًا بين جميع الجهات المعنية، إلى جانب تفعيل أدوات الحوكمة، والرقابة، والتعمين، وتوفير الدعم المستمر. ونأمل أن يكون هذا الحدث نقطة انطلاق نحو مزيد من التكامل بين وزارة العمل وكافة الجهات في القطاعين العام والخاص، لضمان أن تكون هذه الاستراتيجية شاملة ومتكاملة، تعكس الواقع المهني للقطاعات المختلفة، وتُلبّي طموحات الكوادر الوطنية في وطننا العزيز.
** أكاديمي في علم اللوجستيات وسلاسل التوريد
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قرار حكومي جديد لتنظيم الواردات وتمويلها.. خطوة لتعزيز استقرار الصرف وتوحيد الرقابة (تقرير)
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / متابعات:
في خطوة تحمل دلالات اقتصادية عميقة وتُجسد التحول نحو الحوكمة الرشيدة، اتخذت الحكومة اليمنية خطوة محورية تمثلت بإصدار قرار يقضي بتشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، في إطار مساعٍ حثيثة لإعادة ضبط المسار الاقتصادي، وتحقيق الاستقرار النقدي، ومواجهة التحديات المتفاقمة في سوق الصرف وتمويل التجارة الخارجية.
ويأتي هذا القرار، الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك، بتاريخ 22 يونيو 2025م، في إطار الدعم المباشر الذي يقدمه مجلس القيادة الرئاسي للحكومة، بهدف تمكينها من المضي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة تُعالج جذور الاختلالات البنيوية، وتُرسي دعائم قوية للنمو المستدام، في ظل تحديات معقدة تشهدها البلاد نتيجة الظروف الاستثنائية، والانقسام المؤسسي، والتداعيات الأمنية المستمرة.
وبحسب مصادر حكومية رفيعة، فإن تشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، يمثل إحدى أدوات التدخل الفاعلة للحد من المضاربات العشوائية في سوق الصرف، وتقليص الاعتماد على السوق السوداء كمصدر لتمويل الواردات، بما ينعكس إيجابًا على استقرار سعر العملة الوطنية، ويعزز ثقة القطاع المصرفي والتجاري بالإجراءات الحكومية.
وسيتولى فريق اللجنة، بالتنسيق مع البنك المركزي، إدارة موارد النقد الأجنبي بكفاءة، وتحديد أولويات التمويل للسلع الأساسية والأدوية والمواد الخام، بما يضمن توفير احتياجات السوق المحلية دون إرباك في المعروض، مع مراقبة مصادر التمويل والتحقق من التزام الجهات المستوردة بالمعايير المعتمدة.
كما ستضطلع اللجنة بدور رقابي وفني في مراجعة طلبات الاستيراد، ومنع اللجوء إلى مصادر تمويل خارج الإطار الرسمي، إلى جانب حماية القطاع المصرفي من تداعيات تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية دولية، من خلال ضبط حركة الأموال ومنع أي اختراقات قد تعرّض الاقتصاد الوطني للمخاطر.
وفي إطار مهامها، ستقوم اللجنة برفع تقارير دورية كل شهرين إلى رئيس الوزراء، تتضمن مستوى تنفيذ المهام والتحديات والمقترحات التطويرية، فيما تم إلزام كافة الجهات الحكومية والمؤسسات المالية وشركات الصرافة بتقديم البيانات والتقارير المطلوبة لتسهيل عمل اللجنة وضمان كفاءتها.
ويُعوّل على اللجنة تقديم مقترحات للسياسات التجارية والنقدية الداعمة للاستقرار، ودعم الإنتاج المحلي كبديل لبعض الواردات، بما يعزز الأمن الغذائي والدوائي ويقلل من فاتورة الاستيراد، كما ستُشكّل وحدة فنية متخصصة لدعم أعمال اللجنة، بقرار لاحق يصدر عن رئيس الوزراء.
القرار الذي دخل حيّز التنفيذ منذ لحظة صدوره، قوبل بترحيب من قبل القطاع الخاص، الذي اعتبره خطوة نوعية تعزز الشفافية وتمنح المستوردين آلية واضحة وعادلة للحصول على التمويل اللازم عبر القنوات الرسمية، بعيدًا عن الفوضى التي كانت تحكم سوق الواردات سابقًا.
مويرى مراقبون أن تشكيل هذه اللجنة يشكّل نقلة نوعية في مسار الإصلاح الاقتصادي، ويؤكد جدية الحكومة في استعادة أدواتها السيادية في إدارة النقد والتجارة، وهو ما يتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والقطاع المصرفي والتجاري والمجتمع المدني لضمان نجاح التجربة واستمراريتها.
ويُتوقع أن تُسهم هذه الخطوة في ترسيخ الانضباط المالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وخلق بيئة أكثر شفافية وثقة للاستثمار، بما ينعكس بشكل مباشر على تحسين معيشة المواطنين، وخفض أسعار السلع الأساسية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية في المدى القريب والمتوسط.