الجزيرة:
2025-10-13@18:34:42 GMT

عاصم منير.. الجنرال الباكستاني الذي تخشاه الهند

تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT

عاصم منير.. الجنرال الباكستاني الذي تخشاه الهند

في الأول من مايو/أيار الماضي، وقف قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (رُقي إلى رتبة فيلد مارشال "مشير" بعد ذلك بأيام) فوق دبابة أثناء مناورة عسكرية، مُوجِّها خطابا تحذيريا للهند بعدما تصاعدت حدة التوترات بين البلدين، حيث أعلنت نيودلهي عن نيتها شن هجومٍّ على مواقع عسكرية باكستانية. خطب قائد الجيش في قواته حينها قائلا: "أي مغامرة عسكرية غير محسوبة من جانب الهند ستقابلها باكستان برد سريع وحازم وصاعق".

اعتُبرَت كلمات منير الظهور الإعلامي الأشهر والأكثر حدة له، رغم ما عُرِف عنه من تفضيله العمل بعيدا عن عدسات الإعلام، واقتصار ظهوره على المناسبات العسكرية الرسمية منذ توليه المنصب الأعلى في الجيش الباكستاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف واجه العثمانيون وحشية دراكولا الحقيقي؟list 2 of 2مشروع "الهيئة": أن تعرف ما تريد خلال الطريقend of list

حظي خطاب منير باهتمام واسع النطاق، لا سيما بعدما تعهد بالوقوف إلى جانب الكشميريين الذين يخوضون "نضالا بطوليا" ضد "الاحتلال" الهندي حسب وصفه، وهو ما دفع بعض المحللين إلى اعتبار كلماته تحوُّلا في الموقف الباكستاني الذي بات يتخذ طابعا أكثر تحديا وميلا إلى المواجهة المباشرة مع الهند. وفي 6 مايو/أيار، منح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف تفويضا كاملا من الحكومة للجيش الباكستاني كي يرد ردا مناسبا على الهجوم الهندي، ومن ثم صار عاصم منير مهندس الهجوم المضاد الذي شنته باكستان على عدة مواقع عسكرية في الهند.

إعلان

خلال الحرب التي استمرت زهاء 4 أيام فقط، وقبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، صرَّح المتحدث باسم الجيش الباكستاني عن تحليق مُسيَّرات بلاده فوق العاصمة الهندية نيودلهي، وإسقاط 5 مقاتلات هندية بينها 3 من طراز "رافال" الفرنسية. وفي يوم 10 مايو/أيار، خرج رئيس الوزراء شهباز شريف مُعلنا انتصار بلاده في صدِّ العدوان الهندي، ومُوجِّها الشكر لقائد الجيش عاصم منير (إضافة إلى قائدي القوات البحرية والجوية) قائلا إنه "لولا عزيمته القوية وذكاؤه الحاد وقيادته البطولية لما تمكنت البلاد من تحقيق هذا الانتصار التاريخي على الهند".

وفي أعقاب ذلك خرج سكان المدن الكبرى إلى الشوارع مُعبِّرين عن فرحتهم وواصفين منير بأنه "بطل الأمة الباكستانية"، وقد زَينت صوره شوارع العاصمة الباكستانية إسلام آباد مع العلم الأخضر ولافتات النصر.

باكستانيون أمام ملصق يحمل صورة رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير، على طول طريق في لاهور في 16 مايو/أيار 2025 (الفرنسية) "الملا منير"

في عام 2023، وفي قاعة فندق مكتظة بالوزراء والدبلوماسيين والجنرالات بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد، وصف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فرحات جاويد مقابلته الأولى مع الجنرال عاصم منير قائلا: "كان يتحرك بين الجمع بهدوء وثقة، ويرتدي ملابس مدنية، وقد بدا عليه أنه شخص قليل الكلام ومهذب".

لكن بمجرد أن صعد منير إلى المنصة لإلقاء كلمته، تحوَّلت نظرته الهادئة إلى مزيج من الصرامة والحزم، وافتتح خطبته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، والتي أصبحت عادة مُميِّزة له بوصفه "حافظ القرآن" الأول الذي يصل إلى منصب رئيس الأركان. كان منير قد أكمل حفظ القرآن كاملا أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية وهو ابن 38 عاما، حيث شارك في برنامج التعاون الدفاعي بين الرياض وإسلام آباد.

إعلان

ولد سيد عاصم منير أحمد شاه في مدينة راوَلبندي بإقليم البنجاب في يونيو/حزيران 1966، وهو ينحدر من عائلة متدينة مرموقة تعود أصولها إلى مدينة جالَندَر في الهند، لكنها هاجرت إلى باكستان في أعقاب استقلال باكستان عن الهند عام 1947.

لم تخلُ نشأة منير من تربية دينية، فقد كان أشقاؤه من حفظة القرآن الكريم، أما والده سيد منير فكان معلما وإماما، وعمل مديرا لمدرسة "إف جي" الفنية بمدينة طارق آباد، وهي المدرسة التي تلقى فيها منير تعليمه الأساسي قبل أن يلتحق بمدرسة "دار التجويد" المركزية حيث درس القرآن والتجويد. ولهذا السبب تطلق عليه وسائل الإعلام الهندية لقب "الجنرال الملا" أو "الملا منير"، وهو اللقب الذي اشتهر به بين نقاده، إذ أبدى البعض تحفظه على مرجعيته الدينية واستشهاده المتكرر بالقرآن الكريم في خطاباته، معتبرين أن ذلك دلالة على التوجه الديني المحافظ للجنرال الباكستاني.

بدأ منير حياته العسكرية عام 1986 عندما التحق بمدرسة تدريب الضباط في مانغلا، ثم انضم إلى "أكاديمية كاكول العسكرية" شمال غربي البلاد حيث أصبح متدربا في كتيبة من حرس الحدود. وقد واصل منير تعليمه في العديد من المؤسسات والمعاهد العسكرية حول العالم، كان منها مدرسة فوجي في اليابان، وكلية القوات المسلحة الماليزية، وكلية القيادة والأركان في كويتا الباكستانية. وعلاوة على ذلك، نال منير درجة الماجستير في السياسات العامة وإدارة الأمن الإستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد.

تقلد منير العديد من المناصب، إذ خدم تحت قيادة الجنرال قمر جاويد باجوا الذي كان آنذاك قائدا للفرقة العاشرة، وتدرج في المناصب حتى أصبح قائد الفيلق الأول في مانغلا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 رُقي إلى رتبة لواء عندما تولى قيادة قوات الجيش الباكستاني في المنطقة الشمالية، وهو منصب ظل فيه حتى عام 2017، عندما نال رتبة فريق بعد تعيينه مديرا عاما للاستخبارات العسكرية، وهي الوحدة المكلفة بالشؤون الداخلية للجيش.

إعلان

وبعد عام واحد، تولى منير منصب مدير المخابرات العامة الباكستانية، ليصبح بذلك أول قائد للجيش يتولى رئاسة أهم جهازين استخباريَّيْن، الأمر الذي منحه خبرة كبيرة في فهم ديناميات الجيش الداخلية، إلى جانب ملفات الأمن القومي.

لم يستمر الجنرال عاصم منير في هذا المنصب إلا ثمانية أشهر فقط، إذ أقاله رئيس الوزراء السابق عمران خان دون أن يعلن عن سبب إقالته، لكن مصادر إعلامية تكهنت بوجود خلافات بين الرجلين. وفي أثناء الفترة التي فصلت بين تعيينه مديرا للمخابرات العامة وتوليه رئاسة الأركان، تقلَّد منير منصبين هامين هما منصب قائد الفيلق 30 في مدينة كوجرانوالا بإقليم البنجاب عام 2019، ومنصب المدير العام للإمداد والتموين في القيادة العامة للقوات المسلحة الباكستانية عام 2021.

حين خرج عمران خان من السلطة في أبريل/نيسان 2022، لم يثنِه ذلك عن معارضة ترقية عاصم منير إلى منصب قائد الجيش، واتهم خانُ المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال جاويد باجوا بأنها هي من أطاحت به، ومن ثم تفجرت أزمة سياسية كبيرة سرعان ما أفضت إلى محاكمة عمران خان وسجنه مدة عامين. ونتج عن ذلك اضطرابات سياسية حيث خرج مؤيدو خان في احتجاجات خلال مايو/أيار 2023 انتهت بأعمال شغب أضرموا خلالها النيران في بعض المباني الرسمية والمنشآت العسكرية.

وفي خضم هذه الأزمة السياسية الكبيرة، تولى عاصم منير رئاسة الأركان يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أقر البرلمان الباكستاني تعديلا على قانون الجيش يقضي بتمديد فترة ولاية قادة القوات المسلحة من ثلاث إلى خمس سنوات، وهو تعديل رسَّخ وجود منير على رأس القيادة العسكرية حتى عام 2027.

رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف (في المقدمة، يمين) برفقة رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال سيد عاصم منير (في المقدمة، يسار)، وهما يصلان لزيارة معسكر باسرور في سيالكوت، إقليم البنجاب في 14/مايو أيار 2025. (الفرنسية)

وبالنظر إلى الدور الموسع للجيش الباكستاني، والذي يعتقد محللون وخبراء أنه يمتد إلى الشؤون السياسية والاقتصادية للبلاد، وصفت صحيفة نيويورك تايمز منير بأنه بات "الرجل الأقوى في باكستان"، في إشارة إلى أن الجيش الذي حكم البلاد مباشرة قرابة 4 عقود، لا يزال السلطة الأثقل فيها.

إعلان

في المقابل، واجه عاصم منير ضغوطا سياسية تتعلق بإثبات جدارته واستعادة ثقة الشعب بالجيش مرة أخرى، إلى جانب التوترات الإقليمية والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعقبت جائحة كورونا، وتفاقُم الوضع الاقتصادي بعدما اجتاحت البلاد موجة فيضانات كارثية. ووفقا للخبراء فإن هذه التحديات الكبيرة أثقلت كاهله وجعلت الإستراتيجيات الطويلة الأمد والمعقدة التي اتبعها سلفه في احتواء الأزمات الإقليمية غير ممكنة، ولهذا كان على منير تبني إستراتيجية جديدة أكثر حزما تعتمد على الاستجابة السريعة للأزمات.

كشمير.. شريان الحياة

لطالما عُرف عن الجنرال عاصم منير حرصه على صورته العامة، فالرجل عادة ما يتجنب التصريحات العفوية والأضواء، لكن خطاباته في الأشهر الأخيرة اتسمت بالقوة والحزم، وتردَّد صداها إلى خارج باكستان، وأثارت حفيظة العديد من عواصم العالم وعلى رأسها نيودلهي.

ففي 17 أبريل/نيسان 2025، ألقى منير كلمة أثناء مؤتمر للمغتربين الباكستانيين في إسلام آباد، وصف فيه إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند بأنه "شريان الحياة" لباكستان، قائلا: "لن نتخلى عن إخواننا الكشميريين وهم يخوضون نضالهم البطولي ضد الاحتلال الهندي". وفي الخطاب نفسه، استشهد منير "بنظرية الأمتين" التي تأسست على أثرها جمهورية باكستان عام 1947، إذ أشار إلى أن المسلمين والهندوس شعبان منفصلان، مما يستوجب أوطانا منفصلة لكل منهما.

جاء الخطاب قبل أيام من الهجوم الذي وقع في الجزء الهندي من كشمير يوم 22 أبريل/نيسان، وأسفر عن مقتل 26 شخصا، وزعمت الهند دون تقديم أي دليل رسمي أن باكستان تقف وراءه، واستغلت في ادعاءاتها خطاب منير الأخير الذي اعتبرته الخارجية الهندية "تحريضيا". رفض المسؤولون الباكستانيون ربط تصريحات منير بالهجوم في كشمير، ورد المندوب الباكستاني لدى الأمم المتحدة قائلا إن الادعاءات الهندية لا أساس لها، كما طالبت إسلام آباد رسميا بإجراء تحقيق دولي مستقل.

إعلان

لكن نيودلهي تمادت في اتهاماتها، وأكثر من ذلك علَّقت معاهدة تقاسم مياه نهر السند، وأغلقت الجارتان النوويتان مجالهما الجوي في وجه شركات الطيران التابعة للدولة الأخرى، في حين صرح وزراء باكستانيون بأن أي محاولة من الهند لتحويل مسار المياه المتدفقة إلى باكستان ستندرج ضمن نطاق التصعيد العسكري.

وأشار محللون إلى أن خطاب منير لا يختلف عن خطابات القادة العسكريين الباكستانيين على مر السنين، ويرى المحلل السياسي أمير ضياء أن كشمير تُعَد قضية أمن قومي بالنسبة لباكستان وجزءا من الهوية الوطنية، ومن ثم لا يمكن لأي قائد سياسي أو عسكري أن يُظهر ضعفا تجاهها. كما أرجع أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز جوشوا وايت، الجدل الدائر حول خطاب منير الأخير إلى مسألة التوقيت، مشيرا إلى أن تعليقاته تتماشى في جوهرها مع الخطاب القومي الباكستاني.

ورغم تماشي تصريحات منير في جوهرها مع مواقف أسلافه، يَعتقد مراقبون أنها باتت أكثر جرأة وحِدة، وهو ما يظهر على أنه ردة فعل باكستانية على تبني رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي -بشكل متزايد- سياسة هندوسية متطرفة مناهضة للمسلمين.

وكان حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي فاز في الانتخابات الهندية بأغلبية ساحقة في الأعوام 2014 و2019 و2024، ونجح في تشكيل الحكومة برئاسة مودي والتي ألغت وضع الحكم شبه الذاتي في منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة. وفي غضون ذلك، روجت الحركة القومية الهندوسية طوال العقود الفائتة لاضطهاد مسلمي البلاد ومسيحييها بوصفهم خطرا على الهوية الثقافية والدينية الهندوسية.

وفي الآونة الأخيرة، تعرض مودي لضغط سياسي من أنصار حزبه الذين نادوا برد حازم وقاطع على الهجوم المسلح في كشمير. وذكرت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية أن الانتهاكات الهندية الممنهجة لحقوق الإنسان أحد العوامل التي أججت العنف في المنطقة، بينما أعرب مستشار الأمن القومي الباكستاني السابق معيد يوسف، عن قلقه من الدعوات العلنية للحرب الشاملة التي يروجها القوميون الهندوس، وهو قلق شاركه فيه الكاتب والصحفي الهندي أديتيا سينها الذي قال لصحيفة "الشرق الأوسط" إن ضربة عابرة للحدود على مواقع عسكرية باكستانية لن ترضي عطش الدم لدى مؤيدي اليمين الهندوسي.

إعلان

لفهم سياق النزاع الإقليمي بين الهند وباكستان على إقليم كشمير، علينا أن نعود إلى تاريخ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني عام 1947، حيث انقسم الإقليم حينذاك إلى عدة مناطق خاضعة لسيطرة ثلاث دول نووية، منطقة اتحاد جامو وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، ومنطقة آزاد كشمير تحت السيادة الباكستانية، والمناطق الخاضعة للسيطرة الصينية المعروفة بأكساي تشين، وكل منطقة منها تمتعت بحكم ذاتي.

وتقطن إقليم كشمير أغلبية مسلمة مقابل أقلية هندوسية، وكان الأساس الذي اعتمد عليه تقسيم الهند إلى منطقتين هو الأساس الديني، وعليه تنازعت باكستان مع الهند على المنطقة على اعتبار أنها منطقة تحوي أغلبية مسلمة.

ويُشكِّل الإقليم أهمية إستراتيجية للهند، إذ يُعَد حدودا طبيعية تحميها من أي تهديدات صينية أو باكستانية محتملة، في حين تعتبر باكستان كشمير امتدادا طبيعيا لحدودها الجغرافية والدينية والبشرية، لا سيما وأن الإقليم يضم الأنهار الحيوية الثلاثة التي تمد البلاد بالموارد المائية، وهي السند وجيلُم وتشِناب، مما يمنح الهند القدرة على تشكيل تهديد مباشر للموارد المائية الباكستانية.

خريطة تبين تقاسم السيطرة على إقليم كشمير بين باكستان والهند والصين (الجزيرة) مستقبل باكستان بين يدي الجنرال

في 6 مايو/أيار، شنَّت الهند غارات جوية على 9 مواقع عسكرية في باكستان. ولم يتأخر الرد الباكستاني كثيرا؛ إذ تصاعدت الاشتباكات بين الجارتين وقصفت إسلام آباد عدة مواقع عسكرية في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند، وأعلنت عن إسقاط مقاتلات هندية وطائرات مسيرة، وقتل في هذا الهجوم 31 شخصا في باكستان وأصيب 57، في حين سقط 12 قتيلا هنديا و48 جريحا، وذلك وفقا للإحصاءات الرسمية.

وقبل أيام من الهجوم، كانت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية تناولت سياق الصراع الأخير قائلة إنه لا يشبه أيا من المواجهات العسكرية السابقة بين البلدين، وأرجعت ذلك إلى عدة أسباب، أهمها شخصية عاصم منير التي تختلف كليا عن سلفه باجوا الذي قاد الرد الباكستاني على الغارات الجوية الهندية عام 2019.

وكتب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو عن تلك المواجهة في مذكراته، قائلا إنه أمضى ساعات في اتصالات هاتفية بين وزير هندي والجنرال قمر جاويد باجوا لإقناع كل طرف بأن الآخر لا يُعِد لشن حرب نووية.

إعلان

وعن ذلك أشارت المجلة البريطانية إلى أنه بينما كان باجوا يُعد للرد على الهجوم الهندي، فتح قنوات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، وعندما أسقطت القوات الباكستانية طائرة هندية وأسرت طيَّارها تعامل باجوا مع الأزمة بهدوء حذر، وأعاد الطيار الهندي إلى بلاده بعد عدة أيام لتجنُّب تصعيد الصراع بين البلدين إلى حرب شاملة.

وعلى العكس تماما يقف عاصم منير، الذي وصفته "ذي إيكونوميست" بأنه أقوى من سلفه وأكثر تشدُّدا تجاه الهند، مما جعله مستعدا للرد على الهجوم الهندي بقوة وحزم ودون أي قيود. وتشير تقارير إلى أن هذا الصراع وكيفية تعامل منير معه لم يُحدِّد شخصيته كقائد عسكري ولاعب سياسي مؤثر فحسب، بل وحدّد الدور الإقليمي الذي تسعى باكستان إلى لعبه في المستقبل.

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة "غارديان" أن الجيش الهندي عانى في السنوات الأخيرة من عدة تحديات، فمع أن عدد جنود الجيش البالغ 1.2 مليون جندي أكبرُ من عدد أفراد الجيش الباكستاني البالغ 650 ألف جندي، تسبَّب نشر الهند لأعداد هائلة من الجنود والمعدات العسكرية على الحدود الجبلية مع الصين عام 2020 في إحداث نوع من التوازن بين الجيشين الهندي والباكستاني، وذلك بحسب تصريحات المحاضر بجامعة "ييل" سوشانت سينغ، الذي أضاف أن نيودلهي عانت في السنوات الأخيرة من صعوبات في تحديث قواتها المسلحة، كما واجهت مشكلات في التجنيد أدت إلى نقص أعداد الجنود، الأمر الذي حرمها من أسباب التفوُّق النظري على باكستان أو القدرة على تحقيق نصر سريع في مواجهة تقليدية.

أما السبب الآخر الذي يجعل المواجهة الأخيرة مختلفة عن المواجهات العسكرية الأخرى، فهو التحولات التي شهدها المشهد الجيوسياسي منذ عام 2019، حيث تغيرت البيئة الدولية، لا سيَّما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، وهو ما أثر بدوره في نفوذ واهتمام واشنطن بباكستان، وفقا للباحثة في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز، تانفي مادان. ومع تراجع النفوذ الروسي في المنطقة، أصبحت العلاقات الأميركية الهندية أكثر تقاربا.

إعلان

وفي خضم الحرب التجارية التي يشنها ترامب على الصين، بدأت واشنطن ترى في نيودلهي فائدة إستراتيجية أكبر وبديلا اقتصاديا محتملا لبكين، وأخذت إسلام آباد هذا التحول الجيوسياسي في الحسبان، وعملت على توطيد علاقاتها مع الصين، الأمر الذي ظهر جليا في الأسلحة التي استخدمها الطرفان في المواجهة الأخيرة.

في الوقت الذي عملت فيه الهند على تحديث ترسانتها من الأسلحة الروسية واستبدلت بها ذخائر غربية مثل طائرات "رافال" الفرنسية المتعددة المهام، وطائرات "إف 16" الأميركية، اعتمدت باكستان في 80% من ترسانتها العسكرية على الأسلحة الصينية، بعدما أصبحت بكين أكبر مورد أسلحة لإسلام آباد.

وبحسب ما ورد في صحيفة "غارديان"، صرح الجيش الباكستاني في مايو/أيار أنه استخدم صواريخ "بي إل 15" الصينية الأكثر تطورا في إسقاط الطائرات الهندية، وهو صاروخ جو/جو يصل مداه إلى 200 كلم، وتبلغ سرعته 5 أضعاف سرعة الصوت. وجرى اختبار تلك الذخائر عمليا لأول مرة في ساحة المعركة خلال الرد الباكستاني على الهجوم الهندي، وهو ما علّق عليه خبراء عسكريون قائلين إن الصين لم تساعد باكستان في حربها الأخيرة فحسب، بل استخدمتها حقل تجارب لأسلحتها.

ثم جاءت الطائرات المسيرة التي استُخدِمَت على نطاق واسع في الصراع الأخير، وعملت على تغيير طبيعة الاشتباكات بين البلدين، حيث عملت فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة على تزويد الهند بالتكنولوجيا العسكرية التي تحتاج إليها، بينما اعتمدت باكستان على الطائرات المسيرة القادمة من تركيا، وهو ما جعل أنقرة شريكا مهما لإسلام آباد.

ورغم توقعات البعض بتصاعد حدة الصراع بين البلدين إلى حدِ التهديد النووي، أتى الإعلان المفاجئ لإدارة ترامب عن وقف إطلاق النار وأربك نيودلهي، وجاءت الوساطة التي عرضتها الإدارة الأميركية لإخماد نيران الحرب بطريقة ساوَت بين الهند وباكستان، ولعلها لم تلق استحسان نيودلهي، بحسب ما أشارت إليه الباحثة تانفي مادان.

إعلان

ووفقا لتصريحات المفوض السامي الهندي السابق لدى باكستان أجاي بيساريا، فإن الهند قد تسعى للرد من خلال استغلال تقاربها مع الولايات المتحدة لدفع الإدارة الأميركية نحو عقاب باكستان بفرض عقوبات على ضباط باكستانيين، أو تعطيل خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي لإسلام آباد والتي تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار.

ولكنْ أيا كان ما سيحدث في المستقبل، فإن المواجهة الأخيرة ربما وضعت قواعد جديدة للصراع الهندي الباكستاني، خطها ببراعة جنرال يمتلك الجرأة لتحدي القواعد القائمة والقفز على الحذر العسكري الذي ميّز ردود أفعال الجيش الباكستاني خلال السنوات الماضية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد على الهجوم الهندی الجیش الباکستانی رئیس الوزراء مواقع عسکریة إقلیم کشمیر بین البلدین إسلام آباد قائد الجیش مایو أیار ت الهند وهو ما إلى أن د منیر

إقرأ أيضاً:

كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟

طهران- يشهد ميناء باسني الواقع في جنوب إقليم بلوشستان الباكستاني تطورا جديدا بعد عرض قائد الأركان الباكستاني الجنرال عاصم منير على الولايات المتحدة الاستثمار فيه بمبلغ يقدّر بـ1.2 مليار دولار.

وتعد هذه الخطوة تحولا مهما في المشهد الإقليمي، إذ يفتح المشروع الباب أمام حضور أميركي محتمل في منطقة ذات موقع إستراتيجي على مدخل المحيط الهندي وبالقرب من ميناء جوادر الذي يشكل محور التعاون الاقتصادي بين الصين وإسلام آباد.

يثير التحرك الباكستاني اهتماما واسعا ومخاوف متزايدة لدى إيران التي تتابع ما قد يترتب على الوجود الأميركي من تأثيرات على مصالحها بالمنطقة، خصوصا في ظل سعيها إلى تعزيز دور ميناء تشابهار كمركز تجاري يربط الهند بآسيا الوسطى.

طرحت #باكستان على #الولايات_المتحدة مشروعًا طموحًا لإنشاء ميناء جديد في مدينة #باسني الساحلية المطلة على بحر العرب، في خطوة تهدف إلى استقطاب الاستثمارات الأمريكية ومنح #واشنطن منفذًا استراتيجيًا في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.#رؤية pic.twitter.com/hmnWK2et5b

— Roayah Media Network (@Roayahnofficial) October 5, 2025

قلق إستراتيجي

يُنظر إلى مشروع باسني كعامل جديد يمكن أن يعيد رسم خرائط النفوذ البحري والتجاري في جنوب آسيا، ويضيف بعدا جديدا إلى التنافس القائم بين واشنطن وبكين ونيودلهي وطهران.

في هذا السياق، أوضح أستاذ العلوم السياسية مصطفى نجفي أن ميناء باسني يقع في منتصف ساحل مكران، وهو من أقرب النقاط القابلة للتطوير إلى الحدود الإيرانية، ما يمنحه حساسية جيوسياسية عالية من وجهة نظر طهران.

وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الموقع الجغرافي للميناء، الذي لا يبعد سوى نحو 160 كيلومترا عن الحدود الإيرانية وقرابة 280 كيلومترا عن ميناء تشابهار، يجعله ضمن نطاق المراقبة العملياتية لطهران، وبالتالي فإن أي وجود أميركي محتمل فيه سواء على شكل استثمار أو إدارة لوجستية، سيُعد مصدر قلق إستراتيجي بالنسبة لها.

إعلان

وبيّن نجفي أن هذه التطورات تأتي بعد إلغاء الولايات المتحدة الإعفاءات الخاصة بميناء تشابهار في سبتمبر/أيلول 2025، وهو ما قد يدفعها إلى البحث عن بدائل في السواحل الباكستانية لتعزيز نفوذها في جوار إيران والصين، وللضغط على المشروع الإيراني- الهندي في تشابهار.

ومع ذلك، يرى أن الموقف الإيراني ما زال يتسم بالحذر والترقب، فالمشروع لم يتبلور بعد بشكل نهائي، والتهديد لا يُعد فعليا بعد، بل محتملا.

انعكاسات محتملة

وحسب نجفي، فإن إلغاء الإعفاء الأميركي جعل المستثمرين الدوليين أكثر حذرا في التعامل مع مشروع تشابهار، في حين سيؤدي أي حضور لواشنطن في باسني إلى زيادة المنافسة في ممرات النقل شمال- جنوب. لكنه أكد أن تشابهار يمتلك مزايا بنيوية كونه المنفذ الوحيد الذي يربط إيران مباشرة بشبكة السكك الحديدية الداخلية ثم إلى آسيا الوسطى وروسيا.

ووفقا له، فإن تسريع مشروع خط تشابهار- زاهدان وتوفير ضمانات استثمارية للشركاء الآسيويين يمكن أن يحافظ على موقع إيران الإستراتيجي.

أما على صعيد العلاقات الإيرانية-الباكستانية، فرأى أن هذا المشروع يحمل انعكاسات محتملة على الثقة المتبادلة بين البلدين، نظرا لطبيعة العلاقات المعقدة ومتعددة الأوجه بينهما، فطهران تدرك أن إسلام آباد تسعى إلى الموازنة بين محاور كبرى تشمل الصين، والولايات المتحدة، ودول الخليج.

ويؤكد نجفي أنه في حال تحوّل باسني إلى منصة ذات حضور عسكري أو استخباراتي أميركي، فإن ذلك سيلقي بظلال سلبية على هذه العلاقات الثنائية.

وما يهم طهران -باعتقاده- هو عدم عسكرة سواحل مكران، إذ تعتبر أن هذه المنطقة يجب أن تبقى فضاء للتعاون الاقتصادي لا ساحة للتنافس العسكري بين القوى الكبرى. وفي المقابل، إذا اقتصر المشروع على الطابع الاقتصادي واللوجستي، فلن تثيره بحساسية كبيرة.

???? بزشكيان : ايران تقدر دعم باكستان لها ضد عدوان الكيان الصهيوني

قال الرئيس الايراني إن مواقف الحكومة والبرلمان والشعب الباكستاني العزيز في الدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية ودعمها خلال العدوان الإرهابي الذي استمر 12 يومًا من قِبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مُشجعة للغاية. pic.twitter.com/btB5lFCqMb

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) August 3, 2025

تفهم متبادل

وسيتخذ الرد الإيراني المحتمل على أي حضور أميركي في باسني -وفق نجفي- 3 ركائز رئيسية:

تعزيز مشروع تشابهار عبر الإسراع في ربطه بالسكك الحديدية واستقطاب شركاء آسيويين غير غربيين. إجراء حوار إستراتيجي مع باكستان لضمان عدم تحويل باسني إلى قاعدة ذات طابع عسكري. تنويع الشراكات التجارية للحد من أثر العقوبات الأميركية وتخفيف الضغوط الاقتصادية.

واعتبر أن إيران لا تسعى إلى المواجهة المباشرة، بل تهدف إلى إدارة المخاطر والحفاظ على ميزتها الجيو- اقتصادية في سواحل مكران، وأن مشروع باسني يمثل إنذارا مبكرا يستوجب التعامل معه بأدوات دبلوماسية واقتصادية وبنيوية.

كما أشار إلى أن هذا المشروع لا يمس طهران وحدها، بل مصالح بكين مباشرة، وقد يؤدي إلى تصاعد التنافس الأميركي- الصيني داخل باكستان، ما يجعل إسلام آباد منطقة تماس بين القوتين الكبيرتين. وخلص إلى أن هذه التطورات قد تدفع في المقابل إلى تعزيز التعاون الإيراني- الصيني في المجالات الاقتصادية والأمنية والممرات الإقليمية.

إعلان

من جهته، اعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق بوزارة الخارجية المتخصص في الشؤون الباكستانية محسن روحي صفت أن أي استثمار أجنبي -بما في ذلك الأميركي- يصب في مصلحة إسلام آباد من حيث تطوير البنى التحتية وتوسيع شبكة المواصلات، خصوصا في إقليم بلوشستان الذي يشكل نحو نصف مساحة البلاد، لكنه ما زال يعاني ضعفا في التنمية رغم غناه بالموارد الطبيعية والمعادن التي لم تستثمر بعد.

وأوضح للجزيرة نت أن أبرز عوائق التنمية في الإقليم تتمثل في نقص التمويل وضعف البنية التحتية للنقل من طرق وسكك حديدية وموانئ. وفي رأيه، فإن تنميته، سواء من الجانب الباكستاني أو الإيراني، تصب في مصلحة أمن طهران، إذ إن تعزيز النشاط الاقتصادي في المنطقة يسهم في الحد من التحركات المسلحة والنزعات الانفصالية، وهو ما يخدم استقرار البلدين.

وختم روحي صفت بالقول إن العلاقات بين طهران وإسلام آباد، رغم ما تشهده من تنافس إقليمي، تقوم على تفهم أمني متبادل، إذ يدرك الطرفان أنه لا توجد نية أو مصلحة في اتخاذ خطوات عدائية على المستوى الإستراتيجي، مما يجعل مشروع باسني بعيدا عن أن يشكل مصدر قلق كبير لإيران في الوقت الراهن.

مقالات مشابهة

  • عاصم مادبو نجم منتخبنا: مونديال 2026 حلم.. وسنقاتل لتحقيقه
  • رئيس الوزراء الباكستاني يتوجه إلى مصر لحضور قمة شرم الشيخ للسلام
  • الجيش الباكستاني: مقتل 200 من الجانب الأفغاني في الاشتباكات الحدودية
  • ما الذي حدث بين باكستان وأفغانستان؟ وما علاقة الهند؟
  • كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟
  • «حققت حلم الأحلام لما عملت أغنية معاك».. ويجز يُوجّه رسالة لـ محمد منير في عيد ميلاده
  • قتلى وجرحى باشتباكات حدودية بين طالبان والجيش الباكستاني (فيديو)
  • «مصر كلها بتعشقك».. ويجز يهنئ محمد منير بعيد ميلاده
  • منير البرش: نستعد لاستقبال نحو 1900 أسير سيفرج عنهم الاحتلال
  • بشأن الصاروخ الذي لم ينفجر في غارة المصيلح... هذا ما أعلنه الجيش