ضربات روسية مميتة على خاركيف .. وكييف تستعيد جثامين 1212 جنديا
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
عواصم "وكالات": قتل ثلاثة أشخاص وأصيب أكثر من 60 في ضربات روسية استهدفت ليل الثلاثاء-الأربعاء مدينة خاركيف، ثاني كبرى مدن أوكرانيا، فيما وصلت محادثات السلام إلى طريق مسدود.
جاء ذلك فيما أعلنت أوكرانيا الأربعاء استعادة جثامين 1212 من جنودها الذين قتلوا خلال الحرب مع روسيا، في واحدة من أكبر العمليات من نوعها منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات.
إلى ذلك أعلنت روسيا الأربعاء أنها ستتبادل وأوكرانيا اليوم أسرى حرب "يعانون من إصابات خطرة" في عملية تندرج في إطار اتفاق أبرمته موسكو وكييف خلال مفاوضات جمعتهما أخيرا في اسطنبول.
وقال كبير المفاوضين الروس فلاديمير ميدينسكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم سنبدأ عمليات +التبادل الصحي - العاجلة لأسرى إصاباتهم خطرة" مشيرا إلى أن روسيا استعادت جثث 27 من جنودها قتلوا في الحرب مع أوكرانيا.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدول الغربية إلى "عدم الخوف" من "التحرك" بعد الضربات الجديدة. وقال إن هذا من شأنه ارغام موسكو على "الانخراط في دبلوماسية حقيقية" لإنهاء الحرب.
وأضاف على مواقع التواصل الاجتماعي "أن الأمر يعتمد بشكل رئيسي على الولايات المتحدة".
لكنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نأى بنفسه عن الصراع في الأسابيع الأخيرة.
وأطلقت روسيا عددا قياسيا من الطائرات المسيرة والصواريخ على مناطق مدنية في أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما طرحت مطالب صعبة لإنهاء القتال، وهو ما رفضته كييف.
وأسفر الهجوم الجديد على خاركيف عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة نحو ستين آخرين، بينهم تسعة أطفال، بحسب السلطات المحلية.
وقال رئيس بلدية المدينة إيغور تيريخوف إنّ "17 ضربة بطائرات مسيّرة طالت منطقتين" في هذه المدينة.
"خوف لم اشعر به في حياتي"
وشاهد مراسلو وكالة فرانس برس في المكان مباني متضررة وسيارات محترقة.
وقالت امرأة مسنة لوكالة فرانس برس "انتابني خوف لم أشعر به في حياتي"، بينما كان رجل يشتم الروس أثناء ازالة الأنقاض.
وقالت أولينا خوروغيفا، وهي من سكان المنطقة، إنها هرعت مع طفليها إلى الرواق بعيدا عن النوافذ، لدى سماعها الطائرات المسيرة تقترب في منتصف الليل.
وقالت الصيدلانية (41 عاما) لفرانس برس "كان أصغرهم مستلقيا على الأرض ويحمي راسه بيديه".
أضافت أولينا التي قُتل جارها "سمعناهم يقتربون. ساد الصمت، ثم ارتطمنا بالحائط ... وسمعنا دوي عدد من الانفجارات، ثم الناس يصرخون: النجدة! النجدة!".
وتشهد خاركيف التي تقع على بُعد أقلّ من 50 كيلومترا من الحدود الروسية، منذ أسبوع هجمات ليلية واسعة النطاق.
وليل الجمعة-السبت، شهدت المدينة "أعنف هجوم تتعرّض له منذ بداية الحرب" إذ استهدفتها حوالى 50 طائرة مسيّرة روسية.
وفي هذا السياق، يزور الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أوكرانيا وهي أول زيارة لرئيس الدولة التي حافظت على علاقات ودية مع موسكو منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
واوضحت الرئاسة في بيان مقتضب "سيزور رئيس جمهورية صربيا أوكرانيا ليوم واحد الأربعاء في 11 يونيو، حيث سيشارك في قمة أوكرانيا وجنوب شرق أوروبا".
طريق مسدود
في المقابل، تُكثّف أوكرانيا هجماتها بالطائرات المسيّرة على روسيا، لكنها تقول إنها تستهدف في المقام الأول منشآت استراتيجية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها اعترضت 32 طائرة مسيّرة أوكرانية فوق روسيا ليل الثلاثاء إلى الأربعاء.
وفي المقابل، تواجه أوكرانيا صعوبات في الميدان. واليوم، أعلن الجيش الروسي أنه أرسل المزيد من القوات إلى منطقة دنيبروبيتروفسك الأوكرانية قال الأحد إنه هاجمها.
تقع هذه المنطقة عند حدود دونيتسك، مركز القتال، لكن الجنود الروس لم يتمكنوا من الدخول اليها منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات.
بموازاة ذلك، أنجزت روسيا وأوكرانيا الثلاثاء مرحلة جديدة من عملية تبادل واسعة لأسرى حرب من الجانبين والتي تم الاتفاق عليها أيضا في إسطنبول مطلع يونيو.
ولم يحدد الجانبان بعد عدد الجنود الذين شملتهم عملية التبادل هذه، التي جرت مرحلتها الأولى الاثنين.
حزمة عقوبات جديدة
اقترحت المفوضية الأوروبية الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات ضد روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، والتي تستهدف إيرادات الطاقة والصناعة العسكرية الروسية،وفقًا لما قالته أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية اليوم. وتتضمن الحزمة الجديدة المقترحة: حظر المعاملات مع شركة خطوط أنابيب الغاز الروسية (نورد ستريم) وكذلك البنوك الضالعة في التحايل على العقوبات. كما تتضمن خفض السقف السعري الذي فرضته مجموعة السبع على النفط الخام الروسي إلى 45 دولارًا للبرميل من 60 دولارًا للبرميل. ويُدرج الاقتراح المزيد من السفن التي تشكل أسطول الظل الروسي وشركات تجارة النفط الروسية في قائمة العقوبات. وستبدأ دول الاتحاد الأوروبي في مناقشة الاقتراح هذا الأسبوع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يتراجع مسار السلام بين روسيا وأوكرانيا تحت ضربات التصعيد؟
باتت الحرب الروسية الأوكرانية على موعد مع مرحلة جديدة بعد التصعيد العسكري المتبادل مؤخرا، وتعثر المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب المتواصلة منذ 3 أعوام ونيف، وسط تناقض مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالحرب.
يأتي ذلك في حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 6 يونيو/حزيران 2025 توجيه ضربة صاروخية مكثفة استهدفت مكاتب التصميم ومؤسسات الصناعة العسكرية ومراكز التدريب الأوكرانية وغيرها من مواقع الطاقة والنقاط الحيوية، ردًًّا على هجمات كييف الأخيرة التي استهدفت 4 مطارات عسكرية روسية وعشرات الطائرات الرابضة فيها.
ويرى محللون أن التصعيد المتبادل قاد إلى توترات انعكست على سير المفاوضات التي عقدت في تركيا، مما يهدد مسار الحوار وخطة وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنـة، حيث يضع هذا التصعيد تحديات كبيرة أمام الجهود والوساطات الدولية الرامية لإيجاد حل سلمي من شأنه إنهاء الصراع.
ويبدو أن الأجواء المشحونة بين روسيا وأوكرانيا فعلت فعلها حتى على مستوى الصفقات الجزئية، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا تماطل في تنفيذ صفقة لتبادل جثث جنود يبلغ عددهم نحو 6 آلاف، ليصبح مصيرهم معلقا إلى أجل غير مسمى.
واعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن "حجج كييف" في عدم المضي في الصفقة "من غير المرجح أن تكون معقولة"، بينما رأى ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي أن "كييف لا تتسلم جثث جنودها لأنها تخشى الاعتراف بأن هناك 6 آلاف جثة ولا تريد دفع تعويضات لأرامل الجنود".
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن هذه القضية تحتاج إلى دراسة متأنية للغاية والتحقق من كل شيء، مضيفا أنه "من بين 6 آلاف جثة تم تحديد 15% فقط من هويات الجنود"، وفقا لما نقلته صحيفة "أوكراينسكايا برافدا".
إعلانوفي وقت لاحق، أعلنت الهيئة الحكومية الأوكرانية المسؤولة عن الملف، الأربعاء، استعادة جثامين نحو 1212 من جنودها الذين قتلوا في روسيا في واحدة من أكبر العمليات من نوعها منذ بدء الهجوم الروسي قبل أكثر من 3 سنوات.
هل تواطأ الغرب مع الهجوم الأوكراني؟
من وجهة نظر روسيا، فإن أوكرانيا بادرت إلى تنفيذ هجماتها بالمسيرات في عمق الأراضي الروسية قبل يوم من المفاوضات بهدف إفشالها وبدفع من جهات داخل الولايات المتحدة وأوروبا تريد للحرب أن تستمر.
وفي تأكيد من موسكو لوجهة نظرها بوجود تواطؤ غربي مع أوكرانيا غير معلن لإفشال المفاوضات، قال رئيس وفد المفاوضات الروسي فلاديمير ميدينسكي إن الوفد الأوكراني في مفاوضات عام 2022 بدا أكثر استقلالية وحرية مما كان عليه هذا العام، لافتا إلى أنه كان من الممكن توقيع معاهدة السلام في 28 فبراير/شباط 2022 لو أرادت أوكرانيا ذلك واتخذت القرارات بنفسها وفقا لما نقلته قناة "آر تي".
لكن مسؤولا حكوميا أوكرانيا قال لرويترز غداة الهجوم إن أوكرانيا لم تخطر الولايات المتحدة مسبقًا بالهجمات، وهو ما أكدته مصادر بإدارة الرئيس دونالد ترامب، بقولها لشبكة "سي بي إس" الأميركية إن البيت الأبيض لم يكن على علم بالهجوم.
ويرى مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث الإستراتيجية والخبير بالشأن الروسي آصف ملحم أن مفتعل الهجوم الأوكراني غير المسبوق يريد إعاقة المفاوضات وتفجيرها، مضيفا أن الجانب الروسي "فهم الرسالة فورا وأرسل وفده إلى تركيا، لأن روسيا تريد الوصول إلى سلام عادل وشامل وطويل الأمد".
من جهته، يرى الباحث محمود علوش أن الظروف التي يمكن أن تنقل مستوى المسار السياسي من مستوى النقاش والدبلوماسية المكثفة إلى مستوى الإنتاج الفعلي للحلول لا تزال بعيدة أو لم تنضج بعد"، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أنه "ربما في الفترة المقبلة ستبقى هناك حالة من عدم الوضوح في سباق بين المسار السياسي والعسكري، وأن هذه الحرب لن تنتهي إلا بتسوية سياسية".
إعلانورغم التعاطي الروسي البارد مع الهجوم الأوكراني الذي وصف بالجريء وغير المسبوق، فإن المراقبين أجمعوا على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يدعه يمر من دون رد قاس، وهو ما حدث في 6 يونيو/حزيران الجاري مع توجيه موسكو أكبر هجوم لها بالمسيرات على أوكرانيا منذ بدء الحرب، الأمر الذي خلّف قتلى وجرحى واستهدف منشآت عسكرية وسككا حديدية.
وفي تعليقه، خلص الخبير ملحم في حديثه للجزيرة نت إلى استبعاد إمكانية عقد لقاء -في ظل أجواء التصعيد المتبادل- بين الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني.
مصالح أوروبية بين الحرب والسلام
وبينما تدعم الدول الأوروبية مسار السلام بين موسكو وكييف، تخشى من أن يؤدي إنهاء الحرب بطريقة تسمح لروسيا بإعلان انتصارها إلى أضرار على أمنها الإستراتيجي والحاجة إلى ترميم منظومتها للردع المنهارة، لا سيما في ظل تراجع المظلة العسكرية الأميركية في أوروبا.
ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية الروسية، قدمت الدول الأوروبية دعما ماديا وعسكريا بلغ نحو 138 مليار يورو مساعدات مادية، أي بأكثر من 23 مليار يورو مما قدمته الولايات المتحدة الأميركية ونحو 64 مليار يور مساعدات عسكرية، وذلك وفقا لتقديرات موقع متتبع للدعم الأوكراني الرسمي.
كذلك أعلنت دول أوروبية عدة من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، وفق مقترح فرنسي وألماني، انخراطها في محادثات لتشكيل تحالف عسكري يهدف إلى حماية أوكرانيا وإرسال قوات إليها في حال التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وأبدت دول في غرب أوروبا دعمها للفكرة أو استعدادها لنقاشها.
فما الذي ستجنيه الدول الأوروبية من ضخ كل هذه المساعدات رغم أنها تعيش أزمة اقتصادية خانقة في السنوات الأخيرة؟
تشير هذه المعطيات إلى تمسك أوروبي بدور مهم في مسار الحرب في أوكرانيا وأيضا في طريقة إنهائها، وذلك بما يتفق مع المصالح الأوروبية على المستويات الأمنية والعسكرية والجيوسياسية.
إعلانيرى الدكتور محمود علوش أن "الدول الأوروبية لديها مصلحة في أن يكون هناك سلام بين روسيا وأوكرانيا، ولكن هذا السلام لا يعني انتصارا لروسيا، لذلك هم يواجهون مشكلة كبيرة الآن، ويعتقدون أن الدفع الأميركي باتجاه أي سلام مع روسيا يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية على مصالحهم".
ويعتقد علوش أن الانخراط الأوروبي في دعم عملية السلام هو أمر حيوي ومهم وسيكون ضرورة لإنجاح فرص هذه العملية، ولكنّ لديهم هاجسا كبيرا من هذا المسار من جهة، ومن السياسة الأميركية التي ينتهجها ترامب في ما يتعلق بالحرب وعلاقته مع روسيا من جهة أخرى.
ويمكن القول إن أوروبا تستطيع عرقلة أي سلام لا يحقق مصالحها وترى أنه يحقق النصر لروسيا ولا يضمن سلاما عادلا بين موسكو وكييف، بحسب الباحث والمحلل السياسي.
تصعيد روسي متواصل ولكنه محسوب
يتوقع خبراء ومحللون أن الرد الروسي لن يقف عند حدود هجمات 6 يونيو/حزيران 2025، بل سيكون بداية لتصعيدات عسكرية في مناطق أوكرانية متعددة، إذ كشفت السلطات الأوكرانية في 9 يونيو/حزيران 2025 أن روسيا هاجمت البلاد بنحو 479 مسيرة في ليلة واحدة، وقد اعتبرته أكبر رقم قياسي لهجمات الطائرات المسيرة منذ بداية الصراع.
وعن طريقة الرد الروسي الأخير على الهجمات الأوكرانية الأخيرة وإمكانية استمراريته، قال الخبير السياسي آصف ملحم "إن الجانب الأوكراني أراد استفزاز روسيا للقيام برد نووي ما، لأن استهداف أوكرانيا بقنبلة نووية تكتيكية سيؤدي إلى هروب جميع الأموال والخبرات والصناعات والمهارات من أوروبا إلى أميركا، وهذا الشيء أدركته روسيا فورا، لذلك هي غير معنية بأي رد نووي على أوكرانيا، مع العلم أن ما قامت به كييف يستدعي هذا الرد".
من جانبه، أكد الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن "هذا التصعيد من الممكن أن يقوّض الفرص الجديدة الناشئة من أجل دفع مسار عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، ولكن هذا المسار لا يزال قويا على الرغم من التصعيد لمجموعة من الاعتبارات".
إعلانفبرأي علوش، فإن روسيا وأوكرانيا بحاجة لحل سياسي ينهي هذه الحرب، وأيضا انسجاما مع التحول في الموقف الأميركي بعد تولي ترامب السلطة وتركيزه على مسار السلام والذي أصبح أقرب إلى الواقعية مما كان عليه في السنوات السابقة، بالإضافة إلى الدبلوماسية التي تقوم بها تركيا والتي تشكل عاملا مساعدا لتعزيز فرص السلام بين البلدين.
ويرى أن روسيا تحاول تحييد المسألة الأوكرانية من العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ تحاول تسوية مشاكلها مع أميركا وترك الأزمة الأوكرانية كأنها أزمة أوروبية لا علاقة لأميركا بها.