حكومة المساومات،،، كامل إدريس بين سطوة المليشيات وفوضي الكيزان

حسب الرسول العوض إبراهيم

لم يكن كامل إدريس، رئيس الوزراء المعين مؤخرًا من قِبل الإسلاميين، يدرك على ما يبدو حجم الفخ الذي أُلقي به فيه، عندما قبِل بمنصبٍ يدرك كل السودانيين أنه مفخخ، إلا هو. ظنّ الرجل أن الأمور ستسير كما يشتهي، وأنه سيكون مطلق اليد في اختيار فريقه الوزاري، ومحاسبة أعضائه، ووضع خطة إنقاذ لحكومة على وشك الغرق.

غير أن الواقع السوداني المليئ بالتعقيدات، والتجاذبات، والمحاصصات، عاجله قبل أن يكمل حتى أول خطوة نحو التشكيل الحكومي.

تأخّر إعلان الحكومة ليس سرًا، ولا أسبابه خافية على أحد. فالصراع بين الكتل والمليشيات التي تتقاسم النفوذ في بورتسودان هو السبب الحقيقي خلف هذا التعطيل. والحديث عن “التفاهمات السياسية” ليس إلا غطاءً دبلوماسيًا لاقتسام “الكيكة” بين أمراء الحرب والطامحين في السلطة.

في مقال سابق، أشرنا إلى اللقاء الذي جمع إدريس بجِبريل إبراهيم، وزير المالية السابق وزعيم حركة العدل والمساواة، والذي خرج منه غاضبًا بعد أن تسرّبت إليه معلومات بأن وزارة المالية قد لا تكون من نصيبه هذه المرة. لم ينتظر جبريل طويلًا، فصرّح بأن “التشكيل الوزاري يحتاج لمزيد من الوقت”، والحقيقة أنه كان يقصد “مزيدًا من المساومات والمقايضات”. وتشير التسريبات إلى أن جبريل ربما يُعوض بوزارة المعادن، مما سيقوده إلى صدام جديد مع مني أركو مناوي، الذي يطالب بنفس الحقيبة.

وتقول التسريبات أيضًا إن الحركات المسلحة نالت سبع وزارات. لكن هذه الحصص لم تكن كافية لتقنع الجميع، ما دفع إدريس لاقتراح توسيع تشكيل الحكومة عبر زيادة عدد الوزارات، في محاولة لإرضاء جميع الكتل والمليشيات المتنافسة على الغنيمة.

هذا كله يؤكد ما ذهبنا إليه سابقًا: كامل إدريس اليوم يقف أمام خيارين لا ثالث لهما- إما القبول بواقع عبثي محبط، يرفضه الشارع السوداني المطحون في حرب أهلكته، أو تقديم استقالته والنجاة بنفسه من هذا المستنقع. لكن هل سيستقيل رجل ظل يلهث خلف المنصب لسنوات طويلة؟ الشك يطغى على الإجابة.

الغريب أن إدريس، رغم تحضيره الطويل للمنصب، لم يجهز نفسه لمواجهة هذا الواقع المرير الذي شكّلته سلطات انقلاب 25 أكتوبر. هذا الانقلاب الذي فشل حتى الآن في تشكيل حكومة فاعلة، بسبب عدة أسباب، على رأسها حرص البرهان على عدم التنازل عن أي جزء من السلطة، خوفًا من خسارتها بالكامل، إلى جانب دور التنظيم الكيزاني الذي يرى في حالة الفوضى الحالية فرصة ذهبية لإعادة فرض نفوذه.

وقد سعى هذا التنظيم لإشعال الحرب، على أمل أن تُعيد إليه السلطة على طبق من نار، لكن حساباتهم فشلت حتى اللحظة، ما يجعلهم أكثر إصرارًا على استمرار الحرب لحين تحقيق تلك الأهداف المستحيلة.

في النهاية، يبدو أن كامل إدريس- رغم نواياه وخططه- وجد نفسه مجرد ترس في ماكينة لا يتحكم في دورانها، ومحاطًا بمنظومة لا تعرف سوى منطق المحاصصة والصراع. فهل يستفيق الرجل ويعلن انسحابه؟ أم يستمر في اللهاث خلف وهم قيادة لا يملك أدواتها؟

الوسومالإسلاميين السودان الكيزان المليشيات انقلاب 25 اكتوبر 2021 جبريل إبراهيم حسب الرسول العوض ابراهيم حكومة بورتسودان رئيس الوزراء كامل إدريس مني أركو مناوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإسلاميين السودان الكيزان المليشيات انقلاب 25 اكتوبر 2021 جبريل إبراهيم حكومة بورتسودان رئيس الوزراء كامل إدريس مني أركو مناوي کامل إدریس

إقرأ أيضاً:

أزمة تجنيد الحريديم تعصف بالحياة السياسية في إسرائيل.. هل تسقط حكومة نتنياهو؟

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديًا جديدًا مع اقتراب تصويت حاسم في الكنيست الأربعاء قد يؤدي إلى حل البرلمان، وذلك على خلفية أزمة حادة مع شركائه من الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتشددة (الحريديم)، الذين يلوّحون بإسقاط الحكومة في حال عدم تمرير قانون يُعفي مجتمعهم من الخدمة العسكرية. اعلان

ورغم تصاعد التوتر، يستبعد المراقبون أن تكون هذه نهاية الطريق لنتنياهو – أطول رؤساء الوزراء خدمة في تاريخ إسرائيل – أو لحكومته اليمينية المتطرفة، التي لا تزال تمسك بزمام السلطة رغم الفشل الأمني المدوي خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

قانون التجنيد: القشة التي قد تقسم ظهر الائتلاف

يأتي التصويت بدعوة من المعارضة، لكنه لن يمرّ إلا إذا قررت الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة الانشقاق عن الائتلاف الحاكم، وقد يكون هذا الانقسام وشيكًا في حال لم يتم تمرير قانون يُجدّد الإعفاء من الخدمة العسكرية لشباب الحريديم، وهي قضية شائكة تُثير انقسامًا واسعًا في الداخل الإسرائيلي، خصوصًا مع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة.

ورغم أن بعض المحللين يرون تهديدات الحريديم مجرد مناورة سياسية، فإن هذا التصويت يُعدّ التحدي الأخطر لحكومة نتنياهو منذ اندلاع الحرب، وقد يؤدي انهيار التحالف إلى هزة سياسية لها تداعيات كبيرة على مسار الحرب وأزمة الرهائن.

خلفية الأزمة: الحريديم والخدمة العسكرية

منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، حظي طلاب المعاهد الدينية الأرثوذكسية بإعفاءات من الخدمة العسكرية، كنوع من التعويض التاريخي عن خسائر التعليم الديني خلال المحرقة، آنذاك، كان عدد المُعفيين محدودًا، لكن بمرور الوقت وبدعم من الأحزاب الدينية، ارتفعت أعدادهم إلى عشرات الآلاف.

اليوم، تُعد هذه الإعفاءات إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل، فمع أن جميع الرجال اليهود يُجبرون على الخدمة لمدة 3 سنوات، والنساء لمدة سنتين، يستفيد طلاب الحريديم من الإعفاء التام، فضلًا عن تلقيهم مخصصات مالية من الحكومة حتى سن 26. وقد أثار هذا الوضع غضبًا شعبيًا متزايدًا، خصوصًا بعد التعبئة العسكرية غير المسبوقة في أعقاب هجوم حماس، والتي شملت 360 ألف جندي احتياطي.

في المقابل، يرفض كثير من الحريديم الانخراط في الجيش، معتبرين أن الالتحاق بالخدمة يُشكّل تهديدًا على نمط حياتهم الديني، يقول الحاخام إفرايم لفت من مدينة بني براك: "الخدمة العسكرية تخلط بين أشخاص من خلفيات وأفكار متباينة، وبعضهم يحمل قيَمًا لا أخلاقية، نحن نحمي الدولة من خلال التزامنا بالوصايا، وهذا لا يقل أهمية عن حماية الجيش."

شركاء نتنياهو يُلوّحون بالانسحاب

تُعد أحزاب "شاس" و"ديغيل هتوراه" من الركائز الأساسية في ائتلاف نتنياهو، وقد أعلن متحدث باسم "شاس" أن الحزب سيصوّت لصالح حل الكنيست إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال الأيام المقبلة، بينما تُهدد "ديغيل هتوراه" بالانسحاب منذ أسبوع.

يرى الباحث شوقي فريدمان، نائب رئيس معهد سياسة الشعب اليهودي في القدس، أن موقف هذه الأحزاب ينبع من "تركيزها المطلق على مصلحة مجتمعها"، مشيرًا إلى أن "القضية ليست الحرب أو الاقتصاد، بل الإعفاء من التجنيد."

ويضيف فريدمان أن استمرار الإعفاءات بهذا الشكل بات غير قابل للاستمرار، خصوصًا مع النمو السريع في عدد السكان الحريديم، الذين يُقدّر عدد من يبلغون سن التجنيد منهم سنويًا بـ13 ألفًا، لكن أقل من 10% منهم فقط يلتحقون بالخدمة.

هل ستمرّ خطوة حلّ البرلمان؟

رغم الضجيج السياسي، يستبعد كثير من المحللين تمرير التصويت، إذ أوضحت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية، غاييل تلشير، أن التصويت يحتاج لحضور الأحزاب الأرثوذكسية بكاملها، وأن غياب أحدها يُسقط المقترح ويمنع إعادة طرحه لمدة 6 أشهر.

لكن تلشير تحذّر من سيناريو آخر أكثر خطورة: "إذا شعر الحاخامات الذين يقودون تلك الأحزاب أن الحكومة استنفدت مهلة الانتظار، فقد يُصدرون فتوى تدعو للانسحاب، خاصة مع ازدياد الضغط الشعبي داخل المجتمع الحريدي."

ويُشار إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ بإرسال آلاف أوامر الاستدعاء لشباب الحريديم، وأوقف بعضهم عند محاولتهم مغادرة البلاد أو بسبب مخالفات مرورية، وهو ما أثار موجة من القلق داخل هذا المجتمع المغلق.

ما علاقة ذلك بالحرب في غزة؟

يرى نتنياهو في الحرب المستمرة ذريعة لبقاء حكومته موحّدة، لكن في المقابل، تتمنى الأحزاب الأرثوذكسية نهاية سريعة للقتال.. تقول تلشير: "يعتقد الحريديم أنه بعد انتهاء الحرب، ستتراجع الضغوط السياسية، وستكون لديهم فرصة أفضل لتمرير قانون الإعفاء."

لكن حتى ذلك الحين، تبقى إسرائيل عالقة بين جبهتين: جبهة مشتعلة في غزة، وجبهة سياسية لا تقل اضطرابًا داخل الكنيست، حيث تزداد التساؤلات: هل يستطيع نتنياهو البقاء في الحكم دون تقديم تنازلات؟ وهل ستكفي أدواته المعتادة لتجاوز هذا المنعطف الحرج؟.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ما الذي حدث في إيران ؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
  • “مياه النيل قضية وجودية” .. د. كامل إدريس يؤكد متانة العلاقات السودانية المصرية
  • (كامل إدريس .. زعيم ومفكر ولا خازوق جديد)
  • مؤرخ في جحيم غزة.. خبير فرنسي يكتب عن القطاع الذي اختفى
  • جارف الثلوج الذي دَوَّخ فرنسا وأميركا.. من يكون هو شي منه؟
  • هل تسقط حكومة نتنياهو؟.. المعارضة الإسرائيلية تصوت على حل الكنيست
  • أزمة تجنيد الحريديم تعصف بالحياة السياسية في إسرائيل.. هل تسقط حكومة نتنياهو؟
  • بعد لقاء مجلس الصحوة.. كامل إدريس يؤكد ضرورة وقوف ودعم كل المكونات المجتمعية للقوات المسلحة في حرب الكرامة
  • خطاب كامل إدريس وخيبة جديدة في مشهد مضطرب