حكومة المساومات،،، كامل إدريس بين سطوة المليشيات وفوضي الكيزان
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
حكومة المساومات،،، كامل إدريس بين سطوة المليشيات وفوضي الكيزان
حسب الرسول العوض إبراهيم
لم يكن كامل إدريس، رئيس الوزراء المعين مؤخرًا من قِبل الإسلاميين، يدرك على ما يبدو حجم الفخ الذي أُلقي به فيه، عندما قبِل بمنصبٍ يدرك كل السودانيين أنه مفخخ، إلا هو. ظنّ الرجل أن الأمور ستسير كما يشتهي، وأنه سيكون مطلق اليد في اختيار فريقه الوزاري، ومحاسبة أعضائه، ووضع خطة إنقاذ لحكومة على وشك الغرق.
تأخّر إعلان الحكومة ليس سرًا، ولا أسبابه خافية على أحد. فالصراع بين الكتل والمليشيات التي تتقاسم النفوذ في بورتسودان هو السبب الحقيقي خلف هذا التعطيل. والحديث عن “التفاهمات السياسية” ليس إلا غطاءً دبلوماسيًا لاقتسام “الكيكة” بين أمراء الحرب والطامحين في السلطة.
في مقال سابق، أشرنا إلى اللقاء الذي جمع إدريس بجِبريل إبراهيم، وزير المالية السابق وزعيم حركة العدل والمساواة، والذي خرج منه غاضبًا بعد أن تسرّبت إليه معلومات بأن وزارة المالية قد لا تكون من نصيبه هذه المرة. لم ينتظر جبريل طويلًا، فصرّح بأن “التشكيل الوزاري يحتاج لمزيد من الوقت”، والحقيقة أنه كان يقصد “مزيدًا من المساومات والمقايضات”. وتشير التسريبات إلى أن جبريل ربما يُعوض بوزارة المعادن، مما سيقوده إلى صدام جديد مع مني أركو مناوي، الذي يطالب بنفس الحقيبة.
وتقول التسريبات أيضًا إن الحركات المسلحة نالت سبع وزارات. لكن هذه الحصص لم تكن كافية لتقنع الجميع، ما دفع إدريس لاقتراح توسيع تشكيل الحكومة عبر زيادة عدد الوزارات، في محاولة لإرضاء جميع الكتل والمليشيات المتنافسة على الغنيمة.
هذا كله يؤكد ما ذهبنا إليه سابقًا: كامل إدريس اليوم يقف أمام خيارين لا ثالث لهما- إما القبول بواقع عبثي محبط، يرفضه الشارع السوداني المطحون في حرب أهلكته، أو تقديم استقالته والنجاة بنفسه من هذا المستنقع. لكن هل سيستقيل رجل ظل يلهث خلف المنصب لسنوات طويلة؟ الشك يطغى على الإجابة.
الغريب أن إدريس، رغم تحضيره الطويل للمنصب، لم يجهز نفسه لمواجهة هذا الواقع المرير الذي شكّلته سلطات انقلاب 25 أكتوبر. هذا الانقلاب الذي فشل حتى الآن في تشكيل حكومة فاعلة، بسبب عدة أسباب، على رأسها حرص البرهان على عدم التنازل عن أي جزء من السلطة، خوفًا من خسارتها بالكامل، إلى جانب دور التنظيم الكيزاني الذي يرى في حالة الفوضى الحالية فرصة ذهبية لإعادة فرض نفوذه.
وقد سعى هذا التنظيم لإشعال الحرب، على أمل أن تُعيد إليه السلطة على طبق من نار، لكن حساباتهم فشلت حتى اللحظة، ما يجعلهم أكثر إصرارًا على استمرار الحرب لحين تحقيق تلك الأهداف المستحيلة.
في النهاية، يبدو أن كامل إدريس- رغم نواياه وخططه- وجد نفسه مجرد ترس في ماكينة لا يتحكم في دورانها، ومحاطًا بمنظومة لا تعرف سوى منطق المحاصصة والصراع. فهل يستفيق الرجل ويعلن انسحابه؟ أم يستمر في اللهاث خلف وهم قيادة لا يملك أدواتها؟
الوسومالإسلاميين السودان الكيزان المليشيات انقلاب 25 اكتوبر 2021 جبريل إبراهيم حسب الرسول العوض ابراهيم حكومة بورتسودان رئيس الوزراء كامل إدريس مني أركو مناويالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإسلاميين السودان الكيزان المليشيات انقلاب 25 اكتوبر 2021 جبريل إبراهيم حكومة بورتسودان رئيس الوزراء كامل إدريس مني أركو مناوي کامل إدریس
إقرأ أيضاً:
إلى أين يتجه الصراع بين إسرائيل وغزة؟ محررون بواشنطن بوست يجيبون
في حوار سياسي وفكري معمّق، ناقش 3 من كتّاب صحيفة واشنطن بوست البارزين، وهم دامير ماروشيك، وماكس بوت، وشادي حميد، مآلات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وأسباب تعثر وقف إطلاق النار، وخيارات الخروج المتاحة من صراع بات يحمل طابع العبث والمأساة الطويلة.
واستهلت الصحيفة الأميركية تقريرها الذي تناول تفاصيل ما دار في الحوار بين الكُتّاب بالقول إن الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تُظهر أي مؤشرات على قرب نهايتها، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية حدوث مجاعة على نطاق واسع في القطاع المحاصر.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ليبراسيون: هذه حكاية محتال انتحل صفة وزير دفاع دولة نووية وسرق الملايينlist 2 of 2كاتب إيطالي: لماذا محادثات روسيا وأوكرانيا ليست مفاوضات حقيقية؟end of listوأضافت أن تلك التقارير دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إصدار أمر بوقف القتال مؤقتا في بعض المناطق لإفساح المجال لوصول المساعدات.
لكن المتحاورين الثلاثة يرون أن هذا التراجع من قبل نتنياهو لا ينطوي على نية إسرائيلية حقيقة لإنهاء الحرب، بل يعكس محاولة للتهدئة أمام ضغط دولي متصاعد.
انهيار المسار السياسي وتفاقم الكارثة الإنسانية
ويؤكد شادي حميد -الذي يعمل أيضا أستاذا باحثا في الدراسات الإسلامية في كلية فولر اللاهوتية بولاية كاليفورنيا- أن دوافع استمرار الحرب لم تعد عسكرية، بل سياسية بحتة، حيث يقاتل نتنياهو من أجل بقائه في السلطة وحتى لا يفقد دعم حلفائه في اليمين المتطرف.
وينتقد حميد الدور الأميركي، معتبرا أن واشنطن -رغم امتلاكها النفوذ الأكبر على إسرائيل- ترفض استخدامه بفعالية. ويرى أن تعليق الرئيس دونالد ترامب على صور الأطفال الجائعين كان لافتا، لكن التعويل على تقلبات مزاجه غير المتوقع ليس إستراتيجية جادة.
لكن ماكس بوت -وهو زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي- يقول إنه لا يشعر بالتفاؤل إزاء الصراع لأن ديناميكياته الجوهرية لم تتغير، ذلك أن نتنياهو يعتمد على وزراء متشددين للبقاء في السلطة، وهؤلاء يطالبون باستمرار الحرب في غزة دون رحمة، بغض النظر عن التكلفة البشرية.
إعلانوأضاف أن معظم الإسرائيليين باتوا مستعدين لإبرام صفقة تنهي الحرب مقابل استعادة الرهائن المتبقين. لكن نتنياهو يرفض ذلك، سعيا وراء "هدف خيالي" يتمثل في القضاء التام على حركة حماس، دون تقديم أي خطة واقعية لما بعد الحرب.
ويُشبّه بوت هذا المسار بسياسات ترامب وأنصاره الجمهوريين في الولايات المتحدة، الذين يتبنون قرارات غير شعبية لترضية قواعدهم الانتخابية. كذلك يفعل نتنياهو، الذي يستمد بقاءه السياسي من دعم قاعدته اليمينية، رغم أن سياساته باتت محل رفض متزايد داخل المجتمع الإسرائيلي.
ويُعقِّب حميد على هذا الحديث بأن المشكلة لم تعد محصورة في الحكومة وحدها، مشيرا إلى نتائج استطلاعات حديثة تُظهر أن غالبية الإسرائيليين اليهود يؤيدون الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، مما يعكس تحوّلا أكثر تشددا في الرأي العام.
يتساءل دامير ماروشيك، المحرر المسؤول عن تكليف الصحفيين بتغطيات إخبارية في قسم الآراء بواشنطن بوست، عما إذا كان هناك سيناريو يستطيع نتنياهو من خلاله إنهاء الحرب والبقاء بالسلطة في الوقت ذاته، معربا عن اعتقاده بأن ذلك هو أكثر الطرق ترجيحا لوضع حد للصراع في غزة.
ويرى أن السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الحرب هو أن يجد نتنياهو طريقة تُمكّنه من الحفاظ على موقعه السياسي دون الاعتماد على اليمين المتطرف.
بوت: الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت حكومة أقلية بعد انسحاب حزبين دينيين منها، مما قد يفتح الباب أمام تحالف جديد مع الوسط ينهي الحرب دون المساس ببقاء نتنياهو في السلطة
ويلتقط بوت خيط الحوار مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت حكومة أقلية بعد انسحاب حزبين دينيين منها، مما قد يفتح الباب أمام تحالف جديد مع الوسط ينهي الحرب دون المساس ببقاء نتنياهو في السلطة.
لا استسلام من حماس.. ولا بديل جاهزويتفق المشاركون على أن الرهان على استسلام حماس أمر غير واقعي. فالحركة، كما يقول بوت، ذات طبيعة عقائدية لا تقبل الهزيمة، لكنها أيضا تستمد مشروعيتها من غياب البدائل السياسية، ومن تصاعد مشاعر الظلم والاضطهاد لدى الفلسطينيين.
ويعرض بوت تصورا لحل انتقالي يتمثل في نشر قوة حفظ سلام عربية، وتأسيس صندوق دولي لإعادة الإعمار، ومنح السلطة الفلسطينية دورا محدودا في إدارة قطاع غزة رغم ما تعانيه من ضعف وفساد. وهو حل لا يعد مثاليا، لكنه أفضل من استمرار الفوضى الحالية، من وجهة نظره.
دامير: حماس تبدو وكأنها نابعة من نسيج الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تفعله إسرائيل لا يزيدها إلا شرعية بين الفلسطينيين
ومن جانبه، يقول دامير إن حماس تبدو وكأنها نابعة من نسيج الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تفعله إسرائيل لا يزيدها إلا شرعية بين الفلسطينيين. ويصفها بوت بأنها قوة كبيرة في غزة، وأن من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعالم العربي، أن يعملوا على استحداث بديل لها، خصوصا بعد أن بدأت تفقد الدعم العربي، على حد زعمه.
إبادة جماعية وصمة أخلاقية دائمةوفي أكثر فقرات الحوار إثارة للجدل، يصف شادي حميد النهج الإسرائيلي تجاه غزة بأنه يقترب من تعريف الإبادة الجماعية، قائلا إن القضاء على حماس كما يُصوَّر إسرائيليا يتطلب قتل كل من له أدنى صلة بالحركة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون حرب مفتوحة بلا نهاية.
ويأمل حميد أن يدرك مؤيدو إسرائيل في الغرب أن ما يجري يُلحق وصمة أخلاقية دائمة بمشروع الدولة الإسرائيلية، ويطالبهم بإعادة النظر في مواقفهم قبل فوات الأوان.
إعلانواتفق ماكس بوت مع حميد في هذا الرأي، إلا أنه -وهو المعروف بتأييده لإسرائيل- يعبّر عن "اشمئزازه" من أفعال دولة الاحتلال في غزة حاليا، معتبرا أنها تجاوزت حدود الأخلاق والقانون الدولي.
ويختم ماروشيك الحوار بنبرة واقعية، قائلا: "أكره أن أُنهي الحديث بهذا الشكل، لكنه يبدو مناسبا، فلا جدوى من اصطناع أمل أكبر مما تسمح به الوقائع "المأساوية" القائمة، فالمسار للخروج واضح منذ زمن، ولنأمل في أن يُسلك قريبا".