أسطورة يهودية تتحوّل إلى سلاح نفسي.. وحكومة نتنياهو تتاجر بـ«الشرعية اليهودية»

- تفسير الصورة الرسمية التي روجها جيش الاحتلال مع بدء العمليات العسكرية ضد طهران

- عقيدة لاهوتية يتبناها أكثر من 60 مليون أمريكي ينتظرون المعركة الكبرى قبل مجيء المسيّا

في العمليات العسكرية عمومًا، لا يتم اختيار الأسماء عشوائيًا، كونها تؤدي أدوارًا استراتيجية، على صعيد التنظيم لتسهيل التنسيق الميداني، والدعاية لبث الرسائل، والتضليل، لإرباك العدو، وفي الحالة الإسرائيلية، يظهر العنصر الرابع: الرمز المقدس، الذي يجرى استثماره لتبرير العنف، وتحويله من ممارسة سياسية إلى فعل إيماني!

اختارت إسرائيل لعمليتها العسكرية ضد إيران اسمًا رمزيًا «الأسد الصاعد»، ورغم الطابع الفني أو التعبوي، إلا أن جذوره تمتد في العمق الديني والثقافي اليهودي، حيث يحمل دلالات توراتية تعود لما يُعرف بـ«أسد يهوذا»، الذي يعبر عن «قوة وسيادة قبيلة يهوذا»، إحدى قبائل بني إسرائيل التاريخية.

يُشير «الأسد الصاعد»، إلى أن الاختيار ليس مجرد اسم بلاغي لعملية عسكرية، بل خطاب متكامل يستند إلى رواية دينية تُضفي على العمل العسكري هالة من «القداسة»، وفي سفر التكوين (أحد أسفار العهد القديم)، يبارك يعقوب ابنه يهوذا بوصفه «جرو أسد»، ويعده بالسيادة والقيادة.

الإشارة التوراتية تحولت، لاحقًا، إلى رمز سياسي في الوجدان الصهيوني، ويتعزز هذا الرمز في الأدبيات اليهودية باعتباره تعبيرًا عن «قوة دفاعية مقدسة»، وتمجيدًا للتفوق والسيطرة، وهو ما تسعى إسرائيل لتصديره في عمليتها، الحالية، ضد إيران.

ويتماهى التوظيف الرمزي لـ«أسد يهوذا»، مع رواية إسرائيل لنفسها كقوة تواجه «تهديدات وجودية»، في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، رغم أنها، وبحسب معظم التقديرات الدولية، تملك ترسانة نووية غير معلنة، تهدد عموم منطقة الشرق الأوسط!

تتعدى دلالة «الأسد الصاعد» الميدان العسكري لتتحول إلى أداة لتوجيه الرأي العام والتأثير النفسي فيه، بهدف صناعة حالة اصطفاف داخلي للعملية، وتقديمها خارجيًا في صورة «الرد الشرعي»، وهذه الاستراتيجية تعد أسلوبا متكررًا في التسميات العسكرية الإسرائيلية.

إسرائيل سبق أن استخدمت أسماء دينية وتاريخية في عملياتها كـ«عامود السحاب» و«السور الواقي»، ما يكشف عن أن اختياراتها تحاول إعطاء الشرعية الأخلاقية والسياسية عبر المصطلحات التوراتية، غير أن ما يميز «الأسد الصاعد» هو مركزية البعد الديني فيه، بحيث لا تُفهم العملية إلا من خلال ربطها بالرمز.

وتمزج إسرائيل بين الرموز الدينية والمفردات الإعلامية، ما يعطي العمل العسكري بُعدًا روحيًا، وفي ظل قيادة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، يزداد حضور هذه الرمزية في الخطاب السياسي الإسرائيلي، الذي لم يعد يكتفي بتبرير «الحرب» بل يسعى لمنحها «قدسية».

نتنياهو و«المسيّا»

في خطابه المتكرر، لا يكلّ نتنياهو عن استدعاء صورة «المسيّا» أي المخلّص التوراتي المنتظر، ليرسم ملامح دوره في المخيلة اليهودية المعاصرة، وكأنه رجل القدر الذي كُتب له أن يقود «شعب إسرائيل» في لحظة مفصلية من تاريخهم، علما بأن التفسير الشعبي للمسيّا في العقيدة اليهودية يختلف عن المفهوم المسيحي.

غير أن هذا التوظيف الديني ليس جديدًا على السياق الصهيوني، بل هو امتداد مباشر لتراث طويل من القراءة التوراتية للأحداث السياسية، والتي غالبًا ما توظف رموزًا من كتب الأنبياء وأسفار التكوين لإضفاء طابع قدسي على قرارات السلطة.

منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، صعّد نتنياهو من نبرة «الرسالة الإلهية» في خطابه السياسي. تحدّث مرارًا عن «الضوء في نهاية النفق»، وعن «معركة بين النور والظلام»، وهي استعارات مأخوذة حرفيًا من أدبيات يهودية توراتية وأخرى تعود إلى جماعات مهدت في العهد القديم لمفاهيم الصراع بين الخير والشر.

وفي لحظات الهزيمة أو الارتباك الداخلي، يلجأ نتنياهو إلى هذه اللغة لمنح قراراته العسكرية والسياسية غطاءً غيبيًا، وكأنها تنفيذ لوعد إلهي لا مجرد حسابات ميدانية أو تفاوضية. واليهود لا يؤمنون بأن المسيح قد جاء بعد، بل ينتظرون قائدًا أرضيًا (ملكًا من نسل داود) يعيد بناء الهيكل المزعوم ويجمع شتات اليهود.

يعتقدون أيضا أنه سيقودهم إلى نصر نهائي على «أعداء الرب»، وهذا التصور تم استثماره سياسياً في الفكر الصهيوني العلماني منذ مؤسس الدولة دافيد بن جوريون، لكنه بلغ ذروته الخطابية على يد نتنياهو، الذي لم يخف إعجابه بالنبوءات التوراتية واستخدامه لها كجزء من تبرير الحرب والسيطرة.

في الأوساط اليمينية والدينية داخل إسرائيل، يلقى هذا الخطاب صدىً كبيرًا. فأنصار الصهيونية الدينية يرون في الحرب الجارية تنفيذًا لتكليف إلهي، وقد أطلق بعض الحاخامات فتاوى تدعو لتوسيع المعركة نحو لبنان والضفة الغربية، بل والدفع باتجاه «تطهير» غزة كاملة من أهلها.

يعتبرون أن هذا جزء من المعركة الكبرى التي ستسبق مجيء المسيّا، وهذه الأفكار تجد دعمًا ضمنيًا من قوى ضغط قوية في الولايات المتحدة، الذين يرون في تقوية إسرائيل وتسليحها تمهيدًا لـ«المجيء الثاني للمسيح»، وهي عقيدة لاهوتية يتبناها أكثر من 60 مليون أمريكي.

في هذا الإطار، يروج نتنياهو أنه أكثر من مجرد رئيس وزراء، وأنه «أداة» في يد العناية الإلهية كما يصوّره جمهوره، رجل «قدر» يقود إسرائيل نحو مرحلة «الخلاص»، حتى وإن كانت سياساته على الأرض تُفضي إلى كوارث إنسانية ودمار شامل في غزة والضفة.

من هنا نفهم لماذا، رغم فشله في تحقيق أهداف الحرب ميدانيًا، لا تزال قاعدته الشعبية متماسكة في أوساط المستوطنين والمتدينين، وعلى المستوى الجيوسياسي، فإن هذا التوظيف لفكرة المسيّا يبرر تصعيدًا بلا سقف، لأنه يفترض معركة «وجودية» لا سياسية.

وحين يُقدَّم الصراع على غزة أو مع إيران كصراع بين «الحق الإلهي» و«قوى الظلام»، فإن أي محاولة للتهدئة أو التفاوض تصبح خيانة للرؤية اللاهوتية، وقد انعكس هذا بوضوح في تصعيد الحملات المشبوهة ضد مصر، كونها تسعى لتهدئة الجبهة وتخفيف المعاناة الإنسانية على الشعب الفلسطيني.

رسائل مباشرة

سياسيًا، يحمل اسم «الأسد الصاعد» رسائل مباشرة إلى الداخل الإسرائيلي، مفادها أن المعركة ضد إيران ليست مجرد عملية دفاعية، بل امتداد لمعركة «الهوية»، وأن إسرائيل تمثل «وريثة مملكة داود» التي واجهت «أعداء الرب» في الماضي.

هذه الرسائل لا تقتصر على الداخل، بل تتعداها إلى الإقليم والعالم، حيث تسعى إسرائيل لإضفاء شرعية دينية - تاريخية على تدخلاتها في الشأن الإيراني، مستندة إلى استراتيجية إسرائيلية مزعومة، تعتمد في الوقت نفسه على حكاية توراتية ترسّخ صورة القوة العادلة لا المعتدية.

يمكن الوقوف على ذلك من خلال الصورة الترويجية الرسمية التي نشرها الجيش الإسرائيلي (أسد شامخ أمام شمس مشعة في خلفية ذهبية، وإلى جواره مقاتلة حربية من طراز F-35 مطلية بتمويه إسرائيلي) هذا التصميم لا يُقصد به التجميل، بل هو إنتاج رمزي مدروس.

يحاول جيش الاحتلال من خلال الصورة الترويجية الإيحاء بأنه يجمع بين القوة العضلية المجازية (الأسد) والتفوق التكنولوجي الحقيقي المقاتلة الـF-35) )، لتقديم صورة مزدوجة، مفادها أن «إسرائيل الحديثة القوية»، مجرد امتداد لـ«إسرائيل القديمة المقدسة»!

تسمية «الأسد الصاعد» في هذا السياق، جزء من مستوى الحرب النفسية الإسرائيلية، فحين يُطلق على العملية اسم مستمد من أسطورة دينية، فإن الرسالة الموجهة إلى الخصم (إيران) هي أنكم تواجهون «شعبًا مختارًا»، يشن حربًا باسم وعد إلهي قديم، لا باسم مصالحة جيوسياسية.

عملية الخداع الإعلامي والسياسي التي سبقت العملية لعبت دورًا حاسمًا في نجاحها، إذ روّجت إسرائيل لروايات متضاربة عن نواياها، ما أربك منظومة الإنذار المبكر الإيرانية، وهنا، يتحقق أحد أهداف الرمزية: جعل العدو غير قادر على التنبؤ.

وعندما تكون صورة العملية مرتبطة بأسد توراتي، فإن أي رد فعل إيراني سيُقرأ ضمن رواية إسرائيلية رمزية لا عسكرية فقط، ما يزيد من تعقيد المعركة ويحوّلها إلى صراع هوية، حتى عندما جاء ردّ إيران على العملية عبر هجمات صاروخية انتقاميّة محدودةـ فالرمزية لم تختفِ.

في الثقافات اليهودية، «أسد يهوذا» لا يُمثل فقط القوة، بل هو رمز القيادة المسيانية، أي أن المسيح المنتظر، بحسب العقيدة اليهودية، سيأتي من نسل قبيلة يهوذا، ويُشبّه بالأسد الذي لا يُهزم، خاصة أن تيارات يهودية متشددة، تتعامل مع الصراع الحالي مع إيران كمقدمة «لخلاص إسرائيل النهائي».

«أسد يهوذا» يستخدم أيضًا في الثقافة الشعبية العالمية، لكنه غالبًا يُفصل عن جذوره الدينية، ففي حركة «الراستافاري» (حركة دينية وضعية نشأت في جامايكا وتقدّس الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي)، يُستخدم الرمز نفسه كدلالة على النضال والتحرر.

وتنتشر «أسد يهوذا» على الملابس والمجوهرات واللافتات، لكنها تفتقر إلى الحمولة التوراتية التي يحملها في السياق الإسرائيلي الحالي، ويُستعمل الرمز تجاريًا وفنيًا في شعارات أندية رياضية كـ«تشيلسي» أو «منتخب إنجلترا»، أو حتى في شركات عالمية مثل «Peugeot» و«MGM Studios».

لكن هذه الاستخدامات لا علاقة لها بالرؤية الدينية، بل تعتمد على جاذبية الأسد كرمز للقوة العامة. إسرائيل، على العكس، تستدعي الأسد من نصّه المقدّس، وتُعيد إنتاجه في صورة عسكرية، حتى في العملات التذكارية داخل إسرائيل، يظهر «أسد يهوذا» محفورًا في القطع المعدنية.

يُعرض «أسد يهوذا» في المتاحف ومحال الهدايا، كأنه شاهد على استمرارية السلالة والسيادة. هذا التوظيف الثقافي يعكس تحويل الرمز من كائن أسطوري إلى جزء من الهوية اليهودية السياسية المعاصرة، لكنّ هذا الاستخدام لا يخلو من تداعيات.

تداعيات إقليمية

ربط العمل العسكري بالرموز الدينية قد يؤدي إلى تأجيج صراع حضاري، لا صراع سياسي فقط، وهو ما يزيد من حساسية القضية بالنسبة لدول الجوار، وهناك من يرى في التسمية محاولة إسرائيلية لفرض رواية لاهوتية على واقع جيوسياسي متشابك، ما يُعيد للأذهان خطاب «الحروب الصليبية» بصيغة يهودية حديثة.

وفكرة «المسيّا»، كما يُروج لها نتنياهو ليست مجرد استعارة دينية، بل أداة تعبئة سياسية لها تأثير عميق على مسار الحرب وصياغة السياسات، وتجاهل هذا البعد يؤدي إلى قراءة قاصرة للمشهد، فليس الصراع في فلسطين اليوم مجرد مواجهة عسكرية، لكنه في نظر أطراف تجسيد لنبوءة توراتية، حتى لو كان الثمن خرابًا إقليميًا يمتد لعقود.

القوى المحركة خلف هذا الخطاب ليست فقط داخلية. فهناك تحالف وثيق بين نتنياهو والتيار التوراتي - القومي الذي يتقاطع مع مصالح شركات السلاح الكبرى، وجماعات الضغط الصهيوني في واشنطن، وبعض دوائر النفط والأمن السيبراني التي تستفيد من استدامة التوتر في الشرق الأوسط.

هذا التحالف يرى في الحرب وسيلة لـ«تسييل» النبوءات، أي تحويل النصوص التوراتية إلى وقائع جيوسياسية تخدم مشاريع السيطرة، لكن لهذا المسار كلفة باهظة. فاستمرار الخطاب التوراتي يؤدي إلى تآكل ما تبقى من الشرعية الدولية لإسرائيل.

هكذا يتحول «الأسد الصاعد» من اسم عملية إلى مشروع أيديولوجي، تتداخل فيه عناصر التاريخ والدين والدعاية والاستراتيجية. وكلما طال أمد الصراع بين إسرائيل وإيران، فإن هذه الرموز ستزداد تغوّلًا، وستُستعمل لا فقط كسلاح نفسي، بل كأساس لشرعنة صراع طويل، لا تُقاس نتائجه بالميدان فحسب، بل بالهوية.

اقرأ أيضاًإيران: إذا هوجمت المباني السكنية لن يكون هناك نقطة أمان واحدة في إسرائيل

هل يهيمن المحافظون على حساب الإصلاحيين؟.. مصير النظام الإيراني بعد ضربة «منتصف الليل»

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: واشنطن الأمن السيبراني الصراع في فلسطين صياغة السياسات الأسد الصاعد المسيح المنتظر الشرعية الدولية لإسرائيل مسار الحرب الأسد الصاعد المسی ا

إقرأ أيضاً:

محللون: تهديدات الضم تكشف مأزق نتنياهو في الحرب على غزة

القدس المحتلة- وسط تصاعد العزلة السياسية التي تواجهها إسرائيل وتعالي الأصوات الدولية المطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل برز مجددا على لسان مسؤولين في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة تهديد بضم أجزاء من القطاع، وربطه بمصير مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وتطرح هذه التهديدات المتكررة علامات استفهام واسعة بشأن أهدافها الحقيقية، ومدى نجاعتها في تغيير مواقف حماس أو التأثير على مسار الحرب.

وبحسب قراءات محللين سياسيين، لا تمثل هذه التهديدات سوى محاولة أخرى لصرف الانتباه عن الفشل السياسي والعسكري الإسرائيلي المستمر في غزة، بعد نحو 22 شهرا من الحرب دون تحقيق أهداف إستراتيجية واضحة.

قوات لواء كفير تواصل عملياتها في خان يونس وسط مفاوضات متعثرة (المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي)حيلة إعلامية

ويصف بعضهم التهديد بأنه "حيلة إعلامية مثيرة للشفقة" لا تتجاوز كونها وسيلة لطمأنة الشارع اليميني الإسرائيلي، وتهدئة وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذين عبّرا عن غضبهما من استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

ويُجمع محللون على أن هذا التهديد لن يدفع حماس إلى تقديم تنازلات، لا في ملف الأسرى أو الحرب، بل قد يعزز قناعتها بأن الحكومة الإسرائيلية غارقة في مأزق داخلي يزداد عمقا مع الوقت.

ويرى بعضهم أن طرح مثل هذا الخيار في هذا التوقيت في ظل المتغيرات الدولية وضغوط المجتمع الدولي إنما يهدف إلى تحويل الأنظار عن إخفاقات الحكومة في إدارة الحرب، وطرح "السيادة" كإنجاز وهمي لجمهور يميني فقد الثقة في قيادته.

قوات لواء 401 تواصل القتال في جباليا وسط غياب إستراتيجية واضحة (المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي)

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تخوض إسرائيل حربا في غزة دون إستراتيجية واضحة أو تصور لليوم التالي كما يقول اللواء احتياط غيورا آيلاند الرئيس السابق لقسم العمليات وقسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.

إعلان

وفي تقدير موقف نُشر على موقع "والا" تحت عنوان "أي نصر هذا؟ وأي نصر مطلق؟ من المستحيل خوض حرب دون إستراتيجية شاملة"، أوضح آيلاند أن إسرائيل تخوض حربا في غزة دون أي نقاش جدي بشأن كيفية تحقيق هدفها المعلن، وهو "إسقاط حماس".

وأشار آيلاند إلى أن العمليات العسكرية السابقة أثبتت فشلها، وأن الجيش يجد نفسه اليوم منخرطا في قتال داخل بيئة مدنية شديدة التعقيد، مما يجعل الحسم العسكري السريع أمرا مستحيلا.

واعتبر أن غياب التخطيط الإستراتيجي والتفكير في "اليوم التالي" يعكس أزمة عميقة في قيادة الحرب، ويزيد تكلفة استمرارها دون أفق واضح.

مراقبون اتهموا نتنياهو بتغليب مصالحه السياسية على مصلحة الدولة (المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي)فشل عميق

في المقابل، يتهرب المستوى السياسي -خاصة نتنياهو- من حسم قضية "اليوم التالي" خوفا من تفكك الائتلاف الحاكم.

ويقول آيلاند إن هذا التهرب أدى إلى تجاهل فرص سياسية حقيقية، مثل صفقة شاملة للأسرى ومبادرات عربية ودولية لإعادة إعمار غزة، بسبب حسابات حزبية وسياسية ضيقة.

ولفت إلى أن تجزئة صفقات المحتجزين جعلت حماس تتشدد، في حين تستنزف إسرائيل أرواح الجنود دون تقدم ملموس، والنتيجة "لا نصر عسكري، ولا أفق سياسي، ولا نقاش إستراتيجي".

وأضاف "حين تقدم المصلحة الشخصية على العامة تخسر الدولة في النهاية، لقد حان الوقت لوضع حد لحرب تدار بالشعارات والتكتيكات لا بالإستراتيجية والعقلانية".

من جانبه، كتب المحلل الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية بصحيفة يديعوت أحرونوت مقالا تحت عنوان "استعراض الحمق لا ينتهي"، وجّه فيه انتقادا لاذعا إلى تصريحات حكومة نتنياهو بشأن ضم أجزاء من قطاع غزة.

واعتبر يسخاروف أن هذا التلويح بالضم لن يُحدث أي تغيير في مواقف حركة حماس، بل يعكس عمق الفشل السياسي والعسكري للحكومة في إدارتها للحرب.

وأوضح أن الهدف الحقيقي من هذه التصريحات هو تهدئة القاعدة اليمينية المتطرفة، وخدمة مصالح نتنياهو الائتلافية، وليس تحقيق مكاسب إستراتيجية.

وبرأي يسخاروف، فإن إسرائيل في ظل هذه السياسات تغرق في عزلة دولية متزايدة، وتلوّح بأوهام السيادة كوسيلة لصرف الانتباه عن إخفاقاتها، في حين لا تزال الحرب في غزة تراوح مكانها دون تحقيق أهدافها، ولا سيما استعادة المحتجزين أو إضعاف حماس فعليا.

واعتبر أن مواصلة الحكومة الإسرائيلية التلويح بضم أجزاء من القطاع مجرد حيلة إعلامية لا تؤثر على مواقف حماس، بل تهدف إلى تهدئة اليمين المتطرف في الداخل بعد استئناف إدخال المساعدات لغزة.

أهداف نتنياهو

ولفت يسخاروف إلى أن الواقع على الأرض وبعد 22 شهرا من الحرب يكشف فشلا سياسيا وعسكريا متواصلا "لا انهيار للحركة، ولا عودة للأسرى، والحلول البديلة التي طرحتها الحكومة كمحور موراغ وعربات جدعون لم تحقق شيئا"، وفي المقابل تزداد المجاعة في غزة وتعزز حماس شروطها التفاوضية.

أما دوليا فيقول إن صورة إسرائيل تدهورت إلى حد تجاوز كوريا الشمالية وإيران في بعض الأوساط، مع تصاعد دعوات المقاطعة والاعتراف المتزايد بدولة فلسطينية.

والقراءة ذاتها استعرضها المحلل السياسي حاييم ليفينسون الذي نشر مقالة تحليلية في صحيفة هآرتس لما وصفها بـ"خطة نتنياهو الحقيقية" إطالة أمد الحرب على غزة، ليس لهزيمة حماس، بل لطمس ذكرى فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول من الذاكرة الجماعية للإسرائيليين وتجاوز المطالب السياسية الداخلية بالمساءلة.

إعلان

وأوضح أنه رغم فشل خطة منع المساعدات الإنسانية وانهيار مقترحات المناطق العازلة فإن نتنياهو يصر على المضي في الحرب كوسيلة للبقاء السياسي، وسط تدهور عسكري واضح ونفاد الجنود وخيارات الضغط، فالتصعيد المتكرر لم يحقق أيا من أهدافه "لم يعد المحتجزون، ولا حماس انهارت".

ويتابع ليفينسون أنه بينما يروج نتنياهو لخطط مثل "الهجرة الطوعية" و"ضم أجزاء من غزة" يدرك الجميع داخل الحكومة أنها محاولات لشراء الوقت وتهدئة اليمين المتطرف مثل سموتريتش وبن غفير، وليست خططا قابلة للتنفيذ "جميع الأطراف تكذب على بعضها البعض، لكن لا أحد مستعد لدفع ثمن انهيار الحكومة".

في الأثناء، تراوح المفاوضات بشأن صفقة الأسرى مكانها وفقا لليفينسون، في حين يستعد البيت الأبيض لاحتمال التحول إلى مفاوضات شاملة بدلا من الصفقات المرحلية.

لكن الشروط التي تطرحها إسرائيل بنزع سلاح حماس وطرد قادتها وتطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعد شروطا لتفجير أي تسوية، وليست أرضية للحل.

وخلص ليفينسون إلى أن الحرب استنفدت خياراتها العسكرية والسياسية، ولم يتبق لنتنياهو سوى الخطاب والمراوغة، وبينما يطالب شركاؤه بالمزيد من "التطرف" تواصل إسرائيل الغرق في عزلة دولية، في حين يدفع المحتجزون وعائلات الجنود الثمن.

مقالات مشابهة

  • مواقف جديدة لإيران بشأن التخصيب النووي: استئناف القتال مع إسرائيل وارد
  • ضربة تقضي على النووي .. مخاوف من عودة الحرب بين إيران و إسرائيل
  • محللون: تهديدات الضم تكشف مأزق نتنياهو في الحرب على غزة
  • "رايتس ووتش": استهداف إسرائيل للجائعين جريمة حرب
  • قيادي حوثي يهدد السعودية وأبو ظبي.. لا حصانة لمن يخدم نتنياهو
  • الحوثي يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة ضد إسرائيل ويصف المساعدات الجوية لغزة بـالخدعة
  • ويتكوف يصل إسرائيل للقاء نتنياهو وزيارة غزة
  • دول الخليج تستعد لثلاثة سيناريوهات لمواجهة الصفحة الثانية من حرب إيران- إسرائيل
  • إيران تطالب أمريكا بتعويضات عن خسائرها خلال الحرب مع جيش الإحتلال
  • إيران تطالب الولايات المتحدة بالتعويض قبل الدخول في محادثات نووية