نجوع، ثم نُقتل.. لم يعد هناك أمل للفلسطينيين
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
كانت والدته واحدة من عشرات الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الأيام الأخيرة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات، التابعة لما يُعرف بـ «مؤسسة غزة الإنسانية»، والمدعومة من الولايات المتحدة.
في الأول من يونيو، قُتل أكثر من 30 فلسطينيًا. وفي الثاني من يونيو، قتل 3.
بات واضحًا أن الجوع في غزة لم يكن مجرد نتيجة للعدوان، بل سلاحا متعمدا يُستخدم لإضعاف السكان والسيطرة عليهم.
حين بدأت المساعدات الأمريكية تصل، ظنّ الناس أن بصيص أمل قد لاح في الأفق، وأن المجاعة القاتلة ربما تخف حدّتها. لكن هذه الآمال سرعان ما انهارت. تحولت نقاط توزيع الغذاء إلى مصائد موت.
في نقطة نتساريم تحديدا، سار الناس الضعفاء من الجوع لمسافات طويلة تجاوزت 15 كيلومترًا على الرمال الحارقة. وحين وصلوا، وجدوا حواجز تمنعهم من الدخول، فدخلوا فردا فردا. ثم حشروا في منطقة محاطة بأسلاك شائكة، وطرحت صناديق المواد الغذائية على الأرض بطريقة عشوائية، ما أدى إلى هرج ومرج؛ كأنك تلقي بلحم نيئ إلى قفص مليء بالأسود الجائعة.
لا أحد راعى الأرامل، أو المصابين، أو كبار السن. كلّ من استطاع أن يخطف شيئًا فعله، وغالبًا ما كانوا يبحثون عن الطحين؛ لأنه أصبح خارج متناول اليد من شدة الغلاء. ثم، ودون سابق إنذار، بدأت الدبابات بالاقتراب من الأسوار وفتحت نيرانها على الحشود، بلا تمييز بين طفل وشيخ.
فرّ الناس مذعورين، بعضهم يحمل القليل مما تمكن من التقاطه، وآخرون يهربون فارغي الأيدي. كانوا يرون من يسقط حولهم، لكن لا أحد يستطيع التوقف؛ لأن التوقف يعني الموت.
نجا بعضهم. سمعت جاري يعود بعد أربع ساعات من الغياب. كان ينادي أطفاله: «بابا، بابا، جبتلكم خبز! جبتلكم سكر»!
نظرت من النافذة ورأيت أولاده يحتضنونه ويصرخون فرحًا. كان يرتدي قميصًا داخليًا فقط، وقد ربط قميصه الخارجي على ظهره ليحمل فيه القليل من المساعدات التي تمكّن من جمعها.
الناس يائسون. الناس جوعى. نحن لسنا متوحشين، ولسنا عنيفين. نحن بشر نحافظ على كرامتنا، ونقدّرها أكثر من أي شيء. لكن الجوع الذي نواجهه الآن لا يوصف.
الطعام حق، لا رفاهية. ومع ذلك، نحن نعيش مجاعة حقيقية. الأسواق غالية جدا، الطرقات مليئة بالمسلحين الذين يسرقون المعونات من الأضعف، ثم يبيعها التجار بأسعار باهظة.
في المقابل، كان نظام المساعدات التابع لوكالة الأونروا أكثر تنظيمًا وإنسانية. كان والدي، وهو معلم في مدارس الأونروا، يشارك في توزيع بطاقات الطعام والمساعدات للناس. كان التوزيع يتم عبر معلمين وجيران معروفين، وتحت حماية محلية. الأهم من ذلك: كانت الكرامة محفوظة.
النظام كان يقسم العائلات بحسب الحجم، وتُوزع المساعدات شهريًا عبر كوبونات: دقيق وغاز وسكر وزيت وغيرها. لم يكن الطعام وفيرًا، لكنه كان كافيًا لسدّ الرمق.
أما اليوم، فنحن نتضور جوعا. هذه ليست مساعدات إنسانية. بل إهانة علنية، مغطاة بشعارات «الإنقاذ». كل ما تبقى لنا الآن هو الإذلال، والموت البطيء.
إسراء أبو قمر كاتبة فلسطينية مقيمة في غزة
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من یونیو
إقرأ أيضاً:
جولة ميدانية وسط الجوع... المبعوث الأمريكي يزور غزة لأول مرة منذ 2023
في تطور لافت يعكس تصاعد القلق الدولي حيال الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وصل المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، اليوم الجمعة، إلى القطاع في زيارة غير مسبوقة، لتشمل تفقد مراكز توزيع المساعدات ومقابلة ممثلين عن السكان المتضررين.
وتأتي زيارة ويتكوف غداة اجتماعه برئيس الوزراء الاحتلال إسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس، ووسط انتقادات متزايدة تطال مؤسسة "غزة الإنسانية" التي تتهم بتقاعس وإخلالات في أداء دورها الإغاثي.
جولة ويتكوف في غزة: تفقد وملاحظات تمهيدًا لخطة إنقاذزيارة ويتكوف لغزة، وهي الأولى لمسؤول أمريكي رفيع بهذا المستوى منذ بداية الحرب في أكتوبر قبل الماضي، ستكون برفقة السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي.
البيت الأبيض ينتظر إحاطة عاجلة من ويتكوفمن المقرر أن يعود ويتكوف إلى واشنطن لتقديم تقرير مفصل للرئيس دونالد ترامب حول تقييمه للوضع الإنساني في غزة، وما رآه بنفسه على الأرض.
وأعلن البيت الأبيض أن الإحاطة ستستخدم كأساس لإطلاق خطة طارئة أمريكية تهدف إلى تسريع إيصال الغذاء والدواء، بالتنسيق مع الأمم المتحدة وعدد من الدول العربية.
في المقابل، لا تزال الإدارة الأمريكية ترفض، حتى الآن، استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" أو "الجرائم ضد الإنسانية"، مفضلة توصيف الأزمة بأنها "إنسانية بالدرجة الأولى لكنها قابلة للحل عبر اتفاقات سياسية".
لقاء ويتكوف ونتنياهو: خريطة طريق أم تصعيد خفي؟وصفت مصادر دبلوماسية اللقاء بين ويتكوف ونتنياهو بأنه "مكثف وصريح"، وتركز حول خطة أمريكية إسرائيلية مشتركة تقترح تفكيك البنية العسكرية لحماس مقابل زيادة المساعدات وتسهيل وصولها عبر معابر خاضعة لإشراف دولي.
وشدد ترامب، الذي يتابع الملف بشكل شخصي، على أن "الطريقة الأسرع لإنقاذ الأرواح في غزة هي أن تستسلم حماس وتطلق سراح الأسرى"، مضيفًا أن البيت الأبيض "لن يدعم أي اتفاق لا يشمل نزع سلاح الجماعة بشكل كامل".