يونيو 23, 2025آخر تحديث: يونيو 23, 2025

ريم حسن خليل

في حلقة جديدة من مسلسل العربدة الأميركية والإجرام الصهيوني المنسّق، نفذت الولايات المتحدة عدواناً جوياً سافراً استهدف منشأة فوردو النووية الإيرانية، مستخدمةً قنابل “GBU-57” الخارقة للتحصينات، والتي تعدّ من أضخم القنابل التقليدية في ترسانة الشر العالمية.

هذا الاعتداء الجبان، الذي يحمل بصمات واشنطن وتل أبيب معاً، لا يُخفي جوهره الحقيقي: حرب استباقية ضد كل ما هو سيادي، مستقل، ومقاوم لمنظومة الهيمنة الغربية. فالعدو الأميركي، الذي اعتاد اللعب بالنار في أرض غير أرضه، لا يحتمل أن تُراكم دولة إسلامية قدراتها العلمية والتكنولوجية والتصنيعية خارج بيت الطاعة. من هنا، جاءت هذه الضربة محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بقنابل تُسقط على العقول والمواقع، لا على الجيوش. لكنّ هذا الهجوم لن يمرّ. فالرسالة وصلت، وردّها قادم. والعيون اليوم تتجه إلى الخليج، حيث يتحول مضيق هرمز من مجرّد ممر بحري إلى ساحة اختبار حقيقي لقدرة المحور على قلب الموازين. فأي عبث بالأمن الإيراني والسيادة الإيرانية، سيقابَل بخنق استراتيجي لوريد الطاقة العالمي.

إنّ إغلاق مضيق هرمز لم يعد ورقة تهديد، بل خياراً قيد التفعيل في حال استمر مسلسل العدوان. وعلى العدو أن يقدّر جيّدا تبعات إشعال النار قرب منابع النفط… فاللهيب لا يعترف بالحدود عندما يشتعل.

وبالعودة للاعتداء الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، فإن ما يسمى بـ “GBU-57” التي تم استخدامها في الهجوم، هي قنبلة تزن أكثر من 13 طنًا، مُعدّةٌ خصيصاً لاختراق الجبال والمخابئ المحصنة وتصل إلى ما يقارب الـ 100 متر تحت الأرض وقد أسقطتها الطائرات الشبحية “B-2” على منشأة فوردو المحصّنة تحت الجبل، في محاولة يائسة لكسر إرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن الضربة -رغم ضخامتها- لم تؤتِ مفعولها السياسي. فلم يتم تسجيل أي أضرار إشعاعية بحسب بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت: “لم يتم رصد أي زيادة في مستويات الإشعاع في محيط المواقع النووية الإيرانية التي تعرضت للقصف الأميركي”. وهذا بحد ذاته ينسف كلّ مزاعم أميركا بـ “منع الخطر النووي” ويكشف أن الهدف الحقيقي سياسي – نفسي – إعلامي، وليس تقني أو أمني.

وهذا الاعتداء ليس إلا تعبيراً عن فشل الإدارة الأميركية وحلفائها في انتزاع أي تنازل سياسي أو استراتيجي من طهران، لذلك لجأوا إلى منطق القوة. لكنه منطق لا يصنع انتصاراً، بل يستولد مقاومات جديدة، ويعزز نهج الردّ الحتمي الآتي والذي سيستهدف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط والتي بدورها بدأت بتعزيز تأهبها في كل قواعدها داخل العراق والخليج وآسيا بشكل عام بانتظار الرد الإيراني الذي أعلن أنه “سوف ينهي ما بدأ”.

فقد رأينا حالة التخبط داخل الكونغرس الأميركي، حيث اعتبر العديد من الديمقراطيين أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية هو “خرق للدستور الأميركي” و”إمكانية للدخول في حرب مدمرة دون تفويض من الكونغرس”، كما وصفت النائبة الأميركية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز الضربة بأنها “انتهاك للدستور وأرضية لعزل ترامب”، بينما أشاد أغلبية قيادة الحزب الجمهوري بالعملية واعتبروها “قراراً صحيحاً” ومبرراً لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. فالمشهد السياسي الأميركي يعكس بوضوح الانقسام الأيديولوجي بين من يراها خطوة ردع قوية ومن ينتقدها كونها خرق واضح للدستور ومفتاح لصراع قد يجر إلى مستنقع جديد. لذلك ترامب المهووس بجائزة أوسكار للسلام بدأ بخطِّ نهايته بيديه منذ اللحظة التي هددّ فيها باستهداف السيد علي الخامنئي ليس لكونه المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط، بل أيضاً لمكانته الكبيرة في أوساط الشيعة على امتداد العالم الإسلامي، فتهديده لا يقل أهمية عن تهديد استهداف مواقع المنشآت النووية.

فرغم الهجوم، لم تُعلن إيران وقف برنامجها النووي، فالبرنامج مازال مستمر، والمواقع ستُعاد بناؤها، والردّ آتٍ. فالضربة الأميركية لم ينتج عنها أضرار جسيمة وإنما تضرر جزئي فقط، فكما جاء في تصريح من مصدر إيراني رفيع المستوى لوكالة “رويترز”: “معظم اليورانيوم المخصب في منشأة فوردو تم نقله إلى مكان آمن سري قبل الهجوم الأميركي”.

العدوان الأميركي – الصهيوني المشترك على فوردو هو دليل آخر على أن الغرب لا يريد دولة حرّة في هذه المنطقة، بل يطمح لإخضاع كل من يملك قراره وسيادته. لكن كما أفشلت المقاومة مشاريع التقسيم والاحتلال والهزيمة، ستفشل هذه الحرب الجديدة، ولو ارتدت قناع التكنولوجيا المتطورة.

وفيما يخُص مضيق هرم، فإنّ أيّ حماقة أميركية إضافية لن تمرّ من دون ارتدادات استراتيجية. فالجمهورية الإسلامية، التي صمدت في وجه الحصار والحرب والتآمر، تملك اليوم أوراق قوة لا تقلّ عن قدراتها العسكرية والعلمية، وأبرزها ورقة مضيق هرمز، الذي يُعدّ الشريان الحيوي لنقل نحو 20% من النفط العالمي.

ففي حال قررت طهران تهديد الملاحة في المضيق أو إغلاقه جزئيًا، فإنّ أسعار النفط ستقفز إلى مستويات جنونية تتجاوز 150 دولاراً للبرميل، وربما أكثر، ما سيُحدث هزة اقتصادية تضرب الأسواق الأميركية والأوروبية قبل الخليجية نفسها.

أما بالنسبة للخليج الذي يعتمد وجوده الاقتصادي والسياسي على استقرار تصدير النفط، سيجد نفسه في قلب الزلزال. والولايات المتحدة، التي ظنّت أن بإمكانها قصف منشأة نووية في طهران دون أن تدفع الثمن، فستكتشف أن الاقتصاد لا ينفصل عن الجغرافيا، وأن ألسنة اللهب في المضيق ستمتد إلى وول ستريت نفسها.

فردُّ إيران على العدوان قد لا يأتي بصواريخ فقط، بل بصمّام إقفال جغرافي – اقتصادي يشلّ الأسواق العالمية، ويذكّر الجميع أن زمن التحكم الأميركي بخطوط الطاقة قد انتهى، وأن اليد التي تمتد إلى فوردو قد تُحرق في هرمز.

الضربة الأميركية كشفت هشاشة هيبة الردع الجوي، وانكشاف الجبهة الداخلية لواشنطن أمام ردّ إيراني يُطبخ بهدوء ودقّة. الداخل الأميركي منقسم، والاقتصاد العالمي على شفير أزمة نفطية خانقة في حال هُدّد مضيق هرمز أو أُغلق. الخليج في مهبّ الارتدادات، و”وول ستريت” لم تعد آمنة من لهيب الجغرافيا.

أما إيران، فهي لم تُهزم، بل خرجت من تحت الردم أكثر صلابة، محتفظةً ببرنامجها، ومستعدّة لردّها. مشروع الهيمنة يتآكل، ومشروع المقاومة يتمدد، فما لم تقدر عليه القاذفات، ستحسمه الشعوب. من فوردو إلى غزة، ومن صنعاء إلى الضاحية، المعادلة واحدة: مهما قصفوا… الشعوب تنتصر!

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: النوویة الإیرانیة منشأة فوردو مضیق هرمز

إقرأ أيضاً:

صور منشأة فوردو النووية الإيرانية قبل وبعد الضربة الأمريكية.. تحليل لـ”سي إن إن” يكشف التفاصيل (صور)

#سواليف

كشفت شبكة “سي إن إن” في تحليلها لصور الأقمار الصناعية عن تأثير #الغارات_الأمريكية على #منشأة_فوردو_النووية الإيرانية.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية من قبل شركة Planet Labs PBC موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني تحت الأرض في فوردو في 19 مارس 2025. / AP

وحسب تحليل “سي سي إن”، فإنه من المرجح أن تكون الضربات الجوية الأمريكية على منشأة فوردو قد خلفت ما لا يقل عن 6 حفر كبيرة، مما يشير إلى استخدام قنابل ضخمة خارقة للتحصينات.

تُظهر هذه الصورة الفضائية التي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز الأضرار التي لحقت بمنشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران بعد الضربات الأمريكية، الأحد 22 يونيو 2025. / AP

ووفقا لـ”سي إن إن”، فقد أبانت الصور التي التقطتها شركة “ماكسار” 6 حفر ارتطام منفصلة واضحة في موقعين قريبين في فوردو، مع إمكانية رؤية الحفر على طول سلسلة التلال الممتدة فوق المجمع تحت الأرض.

مقالات ذات صلة غارات على مطارات إيران: مقتل 10 من الحرس الثوري وتدمير 15 طائرة 2025/06/23 تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، منظرًا عن قرب للثقوب والحفر على سلسلة من التلال في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران بعد الضربات الأمريكية، يوم الأحد 22 يونيو2025. / AP

وتمت الإِشارة، في نفس التحليل، إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهرت تغييرات كبيرة في لون سفح الجبل حيث يوجد الموقع، مما يشير إلى أن مساحة شاسعة كانت مغطاة بطبقة من #الغبار_الرمادي اللون بعد #الضربات.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، رؤية أقرب للحفر والرماد على سلسلة من التلال في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران بعد الضربات الأمريكية، يوم الأحد 22 يونيو 2025. / AP

ولم يتضح، حتى الآن، مستوى الضرر الذي لحق بالمنشأة الموجودة تحت الأرض.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية من Planet Labs PBC موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني تحت الأرض في فوردو بعد الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت المنشأة، يوم الأحد 22 يونيو 2025. / AP

في حين جاء في تحليل “سي إن إن” للصور التي تم جمعها قبل الضربات الأمريكية، أن إيران اتخذت خطوات لتعزيز مداخل الأنفاق التي يُعتقد أنها تؤدي إلى المنشأة تحت الأرض، وذلك على الأرجح تحسبا للضربة المرتقبة.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، المركبات في منشأة تخصيب فوردو في إيران يوم الجمعة 20 يونيو 2025. / AP تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، منشأة تخصيب فوردو في إيران قبل الضربات الأمريكية، يوم الجمعة 20 يونيو 2025. / AP تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، منظرا أقرب لسلسلة من التلال في منشأة تخصيب فوردو في إيران قبل الضربات الأمريكية، يوم الجمعة 20 يونيو 2025. / AP

وبينت تلك الصور تراكم الأتربة أمام مدخلين على الأقل من المداخل الستة، كما ظهر في صورة التقطت في 19 يونيو، رتل يتكون من 16 شاحنة قلابة بالقرب من المداخل، إلى جانب معدات للحفر، بينما أظهرت صورة التقطت في اليوم التالي معدات نقل الأتربة في مكان قريب وهي تقوم بجرف التربة.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز، مركبات في منشأة فوردو للتخصيب في إيران يوم الخميس 19 يونيو2025. / AP

وكان مسؤول أمريكي قد أكد للشبكة نفسها في وقت سابق من اليوم، أن الجيش الأمريكي استخدم 6 طائرات قاذفة من طراز B-2 لإسقاط 10 قنابل خارقة للتحصينات على منشأة فوردو. ويمكن لهذه القنابل اختراق أعماق الأرض قبل أن تنفجر، وتعتبر ضرورية لاستهداف المنشأة، التي يقع جزء كبير منها تحت الأرض.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية من قبل شركة Planet Labs PBC موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني تحت الأرض في فوردو في 19 مارس 2025. / AP

وكان الرئيس الأمريكي دونالد# ترامب قد أعلن أن القوات الأمريكية قد “دمرت” المواقع النووية الرئيسية في #إيران باستخدام قنابل ضخمة خارقة للتحصينات، وذلك خلال الساعات الأولى من صباح الأحد بالتوقيت المحلي. ووجه تحذيرا لطهران بأنها ستواجه “المزيد من الهجمات المدمرة إذا لم تقبل بالسلام”.

في حين أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران “تحتفظ بكل الخيارات للدفاع عن سيادتها ومصالحها وشعبها”، مشيرا إلى بقاء باب الدبلوماسية مفتوحا، على أن ترد بلاده على الهجمات التي تعرضت لها من باب الدفاع عن نفسها، وستفعل ذلك”.

كما دان الحرس الثوري الإيراني الهجوم الأمريكي على المواقع النووية معتبرا إياه جريمة فادحة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، متوعدا بردود مؤلمة على هذا الهجوم.

مقالات مشابهة

  • ما سبب ظهور ثقوب بجوار منشأة فوردو النووية بعد الضربة الأميركية؟
  • هل استطاعت قنابل أمريكا اختراق تحصينات المنشآت النووية الإيرانية؟
  • صور منشأة فوردو النووية الإيرانية قبل وبعد الضربة الأمريكية.. تحليل لـ”سي إن إن” يكشف التفاصيل (صور)
  • غروسي يعلّق على وضع مواقع إيران النووية بعد القصف الأميركي
  • قبل وبعد الضربة الأمريكية.. ماذا يظهر تحليل CNN لصور منشأة فوردو النووية الإيرانية؟
  • مسؤول أمريكي: الهجوم لم يدمر منشأة فوردو النووية الإيرانية لكن هناك أضرار
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • تقارير استخبارية: أمريكا قصف منشأة فوردو النووية الإيرانية بـ30 طنًا من المتفجرات
  • إسرائيل تبحث خيارات تدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية وسط تردد واشنطن