لجريدة عمان:
2025-06-23@23:17:57 GMT

جورج دبليو ترامب

تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT

بدأت الدعوات الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق بزعم امتلاك هذا البلد أسلحة دمار شامل، وأسلحة نووية على وجه الخصوص، ما استُخدم حينها مبررًا للقيام بعمل عسكري لمنع العراق من امتلاك تلك الأسلحة. وعلى أساس هذه الحجة، جرى التحشيد الإعلامي والشعبي بشكل مكثف لتبرير الغزو. واليوم، تتكرر ذات السيناريوهات تقريبًا، حيث يُعاد التحشيد ضد إيران بالمنطق ذاته، أي الادعاء بامتلاكها برنامجًا للأسلحة النووية.

وعلى الرغم من نفي مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية، تولسي جابارد، امتلاك إيران لأي أسلحة نووية، في تقرير منشور على موقع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بتاريخ 25 مارس 2025، والذي جاء فيه (والنص مترجم):

«لا يزال مجتمع الاستخبارات يقيّم أن إيران لا تصنع سلاحًا نوويًّا، وأن المرشد الإيراني علي خامنئي لم يصرّح ببرنامج الأسلحة النووية الذي علّقه في عام 2003»،

إلا أن الرئيس السابق دونالد ترامب سارع إلى تكذيب هذا التصريح علنًا أمام وسائل الإعلام، قائلًا: «إنها مخطئة».

بهذه التصريحات، يحاول دونالد ترامب أن يسلك المسار ذاته الذي سار عليه جورج بوش الابن عام 2003، عندما قرر غزو العراق دون وجود أدلة موثوقة على امتلاكه لأسلحة دمار شامل، متجاهلًا بذلك الشرعية الدولية، والقوانين الأممية، والتحالفات السياسية، ومُعيدًا إنتاج ذات المنطق الذي استخدم لتبرير حرب ثبت لاحقًا أنها افتقرت إلى المصداقية.

لقد بدا ترامب في هذه المواقف كنسخة مكررة من جورج بوش، وكأن الأخير يحكم بعنجهية الأول، في مشهد سياسي يتماهى فيه الرجلان إلى درجة بات من الممكن القول: إننا اليوم أمام «جورج دبليو ترامب».

تستخدم أمريكا دائمًا فكرة (الخطر الخارجي) الذي يمثل خطورة بالغة على مصالحها، فتنتقل من خطر لآخر، فيتنام فأفغانستان فالعراق فإيران، وبينها جميعا دائما ما تكون الصين وروسيا حاضرة في التحشيد الإعلامي، وفي الدول الثلاث الأولى -على الأقل- توجهت أمريكا لخيار الحرب، وخرجت من أغلبها خاسرة، لكنها واليوم تحشد لمساندة حليفها في الشرق الأوسط، فإنها تستعمل منطق العمليات أكثر من منطق الحرب، لذا تجد بأنها قصفت المواقع النووية الإيرانية بعملية خاطفة وسريعة، دون إعلان الحرب، لأنها استطاعت أن تعي بعد عنجهيات كثيرة أن الحرب مكلفة وخاسرة، لكن هذا لا ينفي وجود خيار انطلاق الحرب على إيران في حال معرفتها أن الأخيرة قد نقلت فعلا مفاعلاتها النووية من المناطق المقصوفة، أو هذه العملية لم تؤثر فيها بشكل كبير واستمرت الضربات على إسرائيل، ويُمكن النظر إلى هذا أيضا على أنه هرب من المشاكل والأزمات الداخلية التي تواجه الإدارة الأمريكية، لا سيما بعد احتجاجات لوس أنجلوس ونشر ترامب لقوات الحرس الوطني والمارينز دون دعوة حاكم الولاية، مما يعني تجاوزًا لصلاحياته الفيدرالية.

تصنع الحكومة الأمريكية التحشيد الإعلامي عن طريق إيجاد البعبع المهدد لمصالحها، ثم إعادة تأطير السردية على أنها قضية عادلة يجب على أمريكا أن تقوم بها، من خلال استدعاء الرموز الأخلاقية مثل السلام، الحرية، الديمقراطية، الكرامة..إلخ وقد استُخدم هذا في الغزو العراقي، ويستخدم الآن، وبمنطق جديد بالنسبة لترامب، منطق السلام بالقوة، الذي لم يكن حاضرًا حتى في حملته الانتخابية، فما كان يروّج له تحديدا هو إنهاء الحروب، أما الآن فهو ينفذ عمليات ضد إيران، لإيجاد السلام، لكنه ليس سلام مفاوضات أو تفاهمات، وإنما سلام خضوع!

في هذا التشابه الفج بين 2003 و2025، يحضر في الأذهان سؤال مهم: ما الذي تغير فعلاً؟ الذي تغيّر هو الداخل الأمريكي، فإن الرأي العام الحالي يعارض أي تدخل أمريكي في إيران، ويرى بأنه مجرد استنزاف للموارد الأمريكية دون أي جدوى، فضلا عن الجانب الأخلاقي الذي يقتضي أن دخول أمريكا في الحرب يعني إزهاق أرواح الإيرانيين، فبحسب استطلاع مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) أجري خلال الأشهر الماضية، ينظر أغلب الأمريكيين بنسبة 53% لإسرائيل بشكلٍ سلبي، كذلك فإن شخصيات مؤثرة مثل ستيف بانون، وتاكر كارلسون، ومارجوري تايلور جرين، قد عارضوا التدخل الأمريكي في الحرب، على اعتبار أن ذلك يتنافى مع وعود ترامب في عدم خوض أي «حروب أبدية»، علما أن هذه الأسماء تعتبر من داخل معسكر (أمريكا أولا)، وقد نشر الناشط الجمهوري تشارلي كريك في منصة إكس استطلاعا يسأل فيه ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة التدخل في ضربة ضد إيران فأجاب 90% من مناصريه بالرفض.

فضلا عن المنشورات والحلقات المرئية والمسموعة التي تعارض التدخل الأمريكي في الحرب. ومما تغيّر كذلك، أن إعلام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح هو الأكثر شهرة وتأثيرًا في تشكيل الرأي العام من الإعلام التقليدي الذي كان سابقًا يعمل على خلق حالة التوهم بضرورة التدخل العسكري، أو أن الرأي العام موافق لقرار الدخول في الحرب، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي استطاع الأمريكيون التعبير عن رفضهم لهذا التدخل العسكري، وعدم جدواه، بل وتناقضه من وعود ترامب في حملته الانتخابية.

ومن الأشياء التي تغيرت كذلك، أن الهيمنة الأمريكية في المنطقة لم تكن ذاتها التي كانت في بداية الألفية، إذ إنها تغيرت وقلّت، لم تنته على الإطلاق، لكنها تراجعت أمام الحضور الصيني، ولذلك فإن هذا من الأسباب التي تجعل الإدارة الأمريكية راغبة في الدخول للحرب، إذ الهدف ليس دعم إسرائيل فقط، وإنما للتضييق على الصين والإضرار بمصالحها، وكذلك فإن في حالة سقوط النظام الإيراني تكون الولايات المتحدة قادرة على زيادة الحرب التجارية وحرب الجمارك على الصين، فضلا عن إضعاف حليفٍ روسي مهم في المنطقة، والتضييق على منظمة بريكس.

إن دور شعوب المنطقة لا يقتصر على المراقبة فقط كما يحدث الآن في الضربات الجوية الإيرانية - الإسرائيلية، وإنما يتعدى الواجب الأخلاقي والسياسي ذلك إلى مشاركة الرأي الداخلي الأمريكي في معارضته لتدخل الولايات المتحدة في هذه الحرب؛ لأن عمليتها التي قامت بها السبت الماضي، أو تدخلها في الحرب بشكل مباشر، يُمكن أن يؤجج الصراع ويدفع بالمنطقة لحرب أكبر مما يضر بمصالح الجميع، وأولها شعوب المنطقة ذاتها.

إن الأدوات المتاحة في الوقت الحالي، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، تتيح لشعوب المنطقة أن تشارك في ضغطها على الإدارة الأمريكية بعدم تدخلها بأي شكل من الأشكال، سواء إعلان الحرب أو مجرد عمليات في إيران، وتشكيل الضغط هذا يتولد بعدة أشكال، منها الضغط الشعبي الإعلامي الذي لا شك تقرؤه الولايات المتحدة وإن كانت تظهر عدم اهتمامها به باستعلائها المعهود، ومنها كذلك الطلب من الحكومات في المنطقة رفض استخدام أراضيها أو مجالها الجوي لتنفيذ ضربات ضد إيران، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا على الإدارة الأمريكية في قرارها لتنفيذ العمليات العسكرية، لأنها تراعي مصالحها في المنطقة بشكل كبير جدا، وزيادة النظرة السلبية تجاهها، الذي يُمكن أن يؤدي لأن تكون دولة غير مرحب بها سياسيا وشعبيا (في الحالة المثالية للنظرة السلبية)، يجعلها تستشعر الخطر لا سيما بعد زيادة الاستثمارات والشراكات التجارية مع الصين.

كما يجب أن يتم تجاوز الخطابات العاطفية التي تنطلق ارتجالاً من اللحظة، لبناء سردية عقلانية مساندة للداخل الشعبي الأمريكي، لتشكيل الضغط الكافي لتوقف الولايات المتحدة تدخلها في الحرب. فإن لم يحدث هذا ولم تبنِ شعوب المنطقة الضغط الملائم، لا يُستبعد تكرار سيناريو 2003، مما يضر بالجميع، بمن فيهم الأفراد، وبعدها لا يكون للطم الخدود على الخسارات المتتابعة أي فائدة أو جدوى.

في الختام أقول: إن التاريخ لا يكرر نفسه بنسبة متطابقة، لكنه عقابٌ لمن لا يقرؤونه ويفهمونه، فإن لم ندرك خساراتنا الكبرى في الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وزيادة نفوذ الولايات المتحدة بعدها، وبقينا في حالة المتفرج السلبي، عدنا مرة أخرى للخسارات الكبرى، وأدركنا بعد عقود سوء ما فعلناه اليوم.

إن الصوت الشعبي العربي، بل وكل صوت شعبي في المنطقة، مهم ومؤثر، إذ العالم لم يعد ذاك الذي تتحكم فيه أمريكا لوحدها، ولم يعد لوسائل الإعلام التقليدية قدرتها على التحكم الكامل في الخبر وتشويش الحقيقة، بل أصبح لكل فرد القدرة على أن يكون ذا رأي ومنطلق، وإن لم ننطلق من مصلحتنا ونفكر فيها، لم يفكر فيها أحد عنا، ولذا فإن الفهم السياسي لديناميكيات القرار الأمريكي والقدرة على التأثير فيه ليس ترفًا خارجًا عن المهام اليومية الضرورية، فإن الأحداث الأخيرة تدعونا جميعا لبناء معرفتنا وقدرتنا وإدراك أهميتنا لنكون في أمان سواء من جر المنطقة لحرب شاملة لا جدوى منها، أو من التضرر بالإشعاعات النووية التي يُمكن أن تطلق أمريكا سراحها في حال تدخلها. ومن يدري، ربما قد أطلقتها بالفعل في عمليتها الأخيرة!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة فی المنطقة ضد إیران فی الحرب

إقرأ أيضاً:

ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجر الأحد، أن الجيش الأمريكي نفذ "هجوماً ناجحاً للغاية" على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض.

وأفادت تقارير بأن قاذفات أمريكية من طراز "بي 2" قادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات، كانت في طريقها إلى خارج الولايات المتحدة.

القدرة على ضرب المنشآت النووية

أرسل الجيش الأمريكي قاذفات شبح أمريكية من طراز بي-2 إلى جزيرة غوام الأمريكية في المحيط الهادئ، قبل إعلان ترامب، عن الضربة الأمريكية لثلاثة مواقع نووية إيرانية، لينضم بذلك رسمياً إلى إسرائيل في شن غارات جوية هجومية على المواقع النووية الإيرانية.

تُعتبر هذه الطائرات الكبيرة هي الوحيدة القادرة على حمل أسلحة يمكنها ضرب أكثر منشآت إيران النووية أمناً، منشأة "فوردو"، والمدفونة في أعماق الأرض أسفل جبل.

والطائرات الشبحية هي طائرات تستخدم تقنية التخفي، لتجنب اكتشافها من قبل رادارات الدفاع الجوي. ولم يُعلق المسؤولون الأمريكيون على أسباب نشر هذه الطائرات.

اختراق المخابئ الإيرانية

هذه الطائرات الضخمة، التي يزيد طول جناحيها عن 50 متراً، هي الوحيدة القادرة على حمل قنبلة GBU-57 الخارقة للذخائر الضخمة، وهي قنبلة تزن 30 ألف رطل (13608 كيلوغرام) قادرة على اختراق المخابئ، ويقول الخبراء إنها ضرورية لتدمير منشأة "فوردو" النووية الإيرانية العميقة.

ويُعتقد أن هذه المنشأة مدفونة على عمق نحو 100 متر تحت سطح الأرض، ومحمية بالخرسانة المسلحة.

خصائص الطائرة بي-2

يمكن للطائرة بلوغ أي نقطة في العالم والطيران حوله في رحلة واحدة بعد إعادة التزود بالوقود في الجو.

لا تعكسها موجات الرادار بسبب انسيابية جسمها الذي يشبه مثلثا ذا قاعدة مسننة.

يمكنها حمل وزن يصل إلى 20 طنا.

يبلغ مداها دون الحاجة للتزود بالوقود حوالي 9 آلاف و600 كيلومت

الطول: 20.9 مترا.

الارتفاع:5.1 أمتار.

الوزن: 72 ألفا و575 كيلوغراما.

عرض جناحيها: 52.4 مترا.

أقصى وزن للإقلاع: 152 ألف و634 كيلوغراما.

سعة الوقود: 75 ألفا و750 كيلوغراما.

القاذفات الشبحيةالقاذفات بي 2قد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • تصاعد خطر الحرب بعد قصف إيران للقاعدة الأمريكية بقطر
  • القيادة العسكرية الإيرانية: دخول أمريكا في الصراع يوسّع نطاق أهدافنا
  • زاخاروفا: “إسرائيل” التي تمتلك أسلحة نووية تقصف مع أمريكا إيران التي لا تمتلكها
  • أمريكا والحرب الضارية…!
  • إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهدافها؟
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • من الرجل الذي يؤخر دخول الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران؟
  • دبلوماسي سابق: أمريكا لن تتورط بحرب مباشرة ضد إيران وترمب متردد بقراراته  
  • رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: أمريكا ستغرق إذا ضربت إيران