الحرب والهُدن من غزة إلى إسلام آباد
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
"الحرب والسلام" رواية للأديب الروسي ليو تولستوي، وثقت الحرب الروسية النابليونية في القرن التاسع عشر، الرواية بدأت بلغة روسية مطعمة بكلمات فرنسية، على نحو ما هو دارج لدى بعض المثقفين في المنطقة العربية من الدمج بين العربية والإنكليزية أو الفرنسية، لتنتهي بلغة روسية صرفة تعكس التعافي الروسي من الغزو الفرنسي، وهنا يُطرح السؤال: هل تتعافى المنطقة بالهدن الأمريكية وحدها وما هي دلالاتها في المنطقة؟
فالحرب والهدن اتجاه عام رسم ملامح الإقليم، واللافت ان أمريكا حاضرة فيها جميعا، من إسلام آباد التي خاضت مواجهة خطرة مع جارتها الهند المحكومة بأجندة وأيديولوجيا "الهندوتوفا" الهندوسية المتطرفة، إلى طهران التي توصلت إلى هدنة "شفوية" لوقف الحرب بعد مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الإسرائيلي، إلى الهدن القريبة في لبنان واليمن، حيث حضرت أمريكا في جملتها الأولى والأخيرة أسوة بجمل تولستوي المتفرنسة.
الهدن الأمريكية لن تكون بديلا للسلام الأمريكي، ولن تخفي نيران الحرب ورمادها المستعر في الإقليم، فهي مجرد محطات للاستراحة استعدادا لمواجهات أقوى وأشرس تعكس فقدان السلام الأمريكي معناه في تحقيق الاستقرار للمنطقة الممتدة من غرب آسيا إلى غرب أفريقيا
الهدن الأمريكية لن تكون بديلا للسلام الأمريكي، ولن تخفي نيران الحرب ورمادها المستعر في الإقليم، فهي مجرد محطات للاستراحة استعدادا لمواجهات أقوى وأشرس تعكس فقدان السلام الأمريكي معناه في تحقيق الاستقرار للمنطقة الممتدة من غرب آسيا إلى غرب أفريقيا.
تكشف فلتات لسان دونالد ترامب وتقلباته خلال قمة دول حلف الناتو في هولندا وما بعدها؛ سيادة منطق الهدن ما بين الحروب بتأكيده إمكانية استهداف إيران مجددا من قبل الكيان الإسرائيلي، في مقابل تصريحات المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية علي خامنئي يوم أمس الخميس؛ أكد فيها فشل الهجمات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية واحتفاظ إيران بقدراتها، ورفضها الاستسلام للشروط الأمريكية والإسرائيلية، واستعداها المتواصل للرد على الهجمات الإسرائيلية.
الحرب لن توقفها الهدن المؤقتة، فالمعركة لم تُحسم وميزان القوى الإقليمي والدولي لم تستقر وجهته بعد، وفي أحسن الأحوال فإن الهدن ستمتد خمس سنوات من الزمن حال التوصل إلى اتفاق ينهي القتال في قطاع غزة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من حسم معاركة في الإقليم، وتعرض إلى خسارة ونزيف استراتيجي في الساحة الدولية بلغت ذروتها الثلاثاء بفوز المرشح "زهران ممداني" المناهض للاحتلال الإسرائيلي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، وهي خسارة وتراجع لن تعوضها الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيعية مهما بلغت سقوفها واتسع نطاقها.
الحرب يراد أمريكيا استبدالها بهدن مؤقتة تعكس التفوق التقني والاستخباري للكيان الإسرائيلي المعزز بالتحالف الاستخباري لدول العيون الخمس (Five Eyes)، والمعروفة اختصارا بـ"FVEY"، وتضم أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزلندا، وهي تعزز بضغوط اقتصادية ودبلوماسية وعمليات عسكرية يستهدف فيها الكيان الإسرائيلي إيران، فالحرب الإسرائيلية الإيرانية انتهت ولكن لم تُحل، بحسب الدكتور راز زيمت (Raz Zimmt)، مدير برنامج أبحاث إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) الذي دعا في مقالته التي حملت نفس العنوان على موقع المعهد؛ للإعداد لحرب طويلة مع إيران،المنطقة أبعد ما تكون عن الاستقرار والسلام الأمريكي الذي استُبدل بالهدن الأمريكية، هدن تشرف عليها أمريكا اليوم وفي الغد تنضم إليها جمل دبلوماسية واستخبارية من الصين وروسيا تتخللها ضربات متبادلة على شكل مواجهات محدودة وعمليات استخبارية غير منقطعة، تفضي لانهيار النظام وتغيره، وتمزيق الدولة الإيرانية، على نحو أكده اللقاء الذي جمع معارضين لطهران وسفير الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن يحيئيل ليتر يوم الأربعاء.
أدركت إيران حقيقة الحملة العسكرية والسياسية منذ الضربة الأولى، لتسارع إلى تجميد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معلنة بذلك الغموض النووي، كما استغلت مشاركة وزير الدفاع الإيراني الجنرال ناصر زاده في اجتماع وزراء الدفاع لدول مجموعة شنغهاي للتعاون في بكين أمس الخميس، لمناقشة إمكانية شراء منظومات دفاع جوي وطائرات صينية أسوة بجارتها الباكستان.
ختاما.. المنطقة تعد لجولات جديدة من المواجهات التي تحمل عنوان الهدن المؤقتة، فالمنطقة أبعد ما تكون عن الاستقرار والسلام الأمريكي الذي استُبدل بالهدن الأمريكية، هدن تشرف عليها أمريكا اليوم وفي الغد تنضم إليها جمل دبلوماسية واستخبارية من الصين وروسيا على نحو يذكّر برواية تولستوي، علما أن التوقعات المتفائلة تشير إلى مرور عقدين أو ثلاثة قبل أن تصاغ بلغة عربية وفارسية وتركية وأوردية صرفة.
x.com/hma36
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحرب هدنة الإسرائيلي غزة إيران إيران إسرائيل غزة حرب هدن قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
العراق يرفض الضغوط الأميركية ويدافع عن اتفاقه الأمني مع إيران
بغداد- رفضت الحكومة العراقية انتقادات الولايات المتحدة لاتفاقية أمنية أبرمتها مؤخرا مع إيران، مؤكدة على سيادتها الكاملة وحقها في عقد الاتفاقيات التي تخدم مصالحها الوطنية.
وكانت بغداد وطهران قد وقعتا، الاثنين الماضي، مذكرة تفاهم للتعاون الأمني وتنسيق الحدود المشتركة، وعبّرت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس عن رفض بلادها لأي تشريع قد يتعارض مع أهدافها أو جهودها في تعزيز المؤسسات الأمنية العراقية، محذرة من أن مثل هذه الاتفاقيات قد تحوّل العراق إلى "دولة تابعة لإيران".
وفي بيان توضيحي صدر عن السفارة العراقية في واشنطن، أكدت بغداد أن قرارها نابع من إرادتها الوطنية ولا يخضع لأي تبعية خارجية، مشددة على أن العراق دولة ذات سيادة كاملة.
بيان توضيحي
تعقيباً على ما ورد في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية خلال مؤتمرها الصحافي الأخير، تؤكد @IraqinUSA أن #العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفقاً لأحكام دستوره وقوانينه الوطنية، وبما ينسجم مع مصالحه العليا. pic.twitter.com/hKSFUCl6ou
— سفارة العراق – واشنطن| Iraqi Embassy in Washington (@IraqinUSA) August 12, 2025
توضيح رسميفي هذا السياق، أكد فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء، أن العراق "يستمع بتقدير إلى ملاحظات شركائه الدوليين ويتعامل معها بما يخدم المصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، حيث يقدّر عاليا علاقته الإستراتيجية معها ويسعى لزيادة فرص هذه الشراكة".
وقال الشمري للجزيرة نت إن العراق دولة ذات سيادة تتمتع بعلاقات مميزة وجيدة مع محيطها الإقليمي والدولي، مشيرا إلى أن الحكومة تتبنى نهجا قائما على التوازن وعدم الانحياز، مع الحرص على تعميق علاقاتها الدولية وفق أسس قانونية لتعزيز المصالح الوطنية ومصالح شعبه.
إعلانوأوضح أن التوقيع الأخير امتداد لمذكرة سابقة مع إيران تتعلق بالتنسيق الأمني على الحدود المشتركة التي يبلغ طولها أكثر من 1300 كيلومتر، تهدف إلى تعزيز الاستقرار ومنع التهديدات الإرهابية أو الجنائية، والتعامل مع ملفات مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر التي تمس أمن البلدين.
وأكد الشمري أن نهج الحكومة العراقية يقوم على الحوار والشفافية مع جميع الشركاء والحلفاء، معتبرا أن أي موقف هو فرصة لتبادل وجهات النظر، بما يخدم الاستقرار والنمو في المنطقة ويحقق مصالح الشعب العراقي وشعوب المنطقة.
رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يرعى مراسم توقيع على مذكرة تفاهم، في إطار مبادئ التعاون مع شركة (جي إي فيرنوفا /GE VERNOVA)، تشتمل مشاريع لمحطات إنتاج الطاقة الغازية المركبة بحدود 24 ألف ميكا واط، في خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق، مع إمكانية تأمين توفير التمويل… pic.twitter.com/KBNfzCTfCk
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ???????? (@IraqiPMO) April 9, 2025
عواقبمن جانبه، حذر الخبير بالشأن السياسي مجاشع التميمي من أن العراق قد يواجه عقوبات أميركية قاسية، وربما انهيارا في قطاعاته الحيوية، إذا استمر في سياسة التقارب مع إيران بما يتعارض مع رغبات واشنطن.
وقال التميمي للجزيرة نت إن العراق يمر بظرف صعب للغاية كحليف للولايات المتحدة بموجب الاتفاقية الإستراتيجية بينهما، مشددا على أن هذا التحالف يفرض على بغداد الكثير من الالتزامات المالية والاقتصادية وفق الرؤية الأميركية. وأضاف أن واشنطن تتحدث هذه المرة "بقوة" وأنه إذا لم تكن هناك استجابة لمطالبها وشروطها، فإنها قد تنسحب من العراق، مما يجعله عرضة "لصدمات كثيرة وربما حتى الانهيار".
وفي تحليله للمشهد الإقليمي والدولي بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكد التميمي أن موضوع التوازن انتهى، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها، بما في ذلك إسرائيل وبعض الدول العربية "ماضون في مشروع دولي جديد يختلف تماما عما كان قبل تلك الأحداث".
وعلى الرغم من إقراره بوجود "انتهاك" في موقف واشنطن تجاه العراق، لكنه لفت إلى أن "الولايات المتحدة دولة لديها تسلط ودكتاتورية في فرض شروطها، وهي من تدير النظام الدولي الجديد والكل يخضع لها". ويعتقد أن الحكومة العراقية والإطار التنسيقي "يدركان خطورة المشهد" ولذلك لا يتوقع أن يذهبا في مسار يعارضها.
وحذر التميمي بقوله "إذا لم يعجبك هذا الموضوع، فستكون خارج الحماية والدعم الأميركيين، وسنعود إلى ما كنا عليه قبل عام 2003، وسيكون هناك عقوبات وربما حتى تقسيم للعراق" مشيرا إلى أن الجانبين الكردي والسني "قد لا يلتزمان بقرارات حكومة معادية لواشنطن".
علاقة هشةمن جهته، أكد الباحث في الشأن الأمني عمر الناصر أن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة لا تزال هشة، على الرغم من وجود الاتفاقية الإطارية الإستراتيجية، مشيرا إلى وجود توتر دائم فيها، مما يتطلب بداية مرحلة جديدة من التفاهم والتعاون والشراكة.
وقال الناصر للجزيرة نت إن بناء هذه المرحلة الجديدة يتطلب "جهودا أكثر من استثنائية" لإبعاد العراق عن التجاذبات الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بعلاقته مع إيران وشراكاته مع دول المنطقة. واعتبر أن مفهوم السيادة العراقية هو أحد أخطر الملفات، داعيا إلى إخراج كل المسائل المتعلقة بتهديد السيادة من جميع الأطراف.
إعلانوبرأي الناصر، لا يتحمل العراق تبعات المشاكل المتجذرة بين طهران وواشنطن، لأن ذلك يؤدي في نهاية الأمر إلى إعطاء خارطة طريق حقيقية لإعادة التوازن في المنطقة.
وشدد على أن العراق يجب أن يلعب دورا محوريا في تمكين سيادته، وأن يكون بمثابة "إسفنجة" تمتص الأزمات الإقليمية والدولية بطريقة احترافية وذكية، لكي يتمكن من تذويب التحديات الخارجية والداخلية.