كاتبة في الغارديان: لهذا فاز زهران ممداني.. ورد خصومه كان شرسا
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
قالت المعلقة نسرين مالك في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" إن فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ترشيحات عمدة مدنية نيويورك، كشف عن بشاعة الإسلاموفوبيا لدى الآخرين، معتبرة أنه فاز لأنه استطاع أن يظهر نفسه.
وأضافت مالك أن "الرد الشرير على فوز ممداني يخبرنا بشيء واحد، وهو أن المؤسسة لن تتسامح مع الناخبين من التيار السائد، الذين يجدون قضية مشتركة مع المسلمين"، مشيرة إلى أن فوزه بالانتخابات التمهيدية كان بمثابة قصة مدينيتن وأمريكيتين مختلفتين.
في الأولى، واجه شاب ذو توجه سياسي تقدمي متفائل آلهة المؤسسة المتهالكة، بتمويلها الهائل وشبكاتها وتأييدها من أبناء الحزب الديمقراطي، وفاز. وفي الثانية، في نوبة مروعة من العنصرية وكراهية الإسلام، استولى مسلم معاد للسامية على أهم مدينة في الولايات المتحدة، بهدف فرض نظام اشتراكي/إسلامي.
وبعد فوز ممداني، انتشرت كراهية الإسلام مثل النفايات السائلة والكريهة والمشوهة، وبدون أي رادع أو تحد. وفي الحقيقة يتطلب الكثير هذه الأيام لإثارة الصدمة في أمريكا، لكن ممداني نجح في إثارة، أو الكشف عن درجة فاحشة من التحيز السائد.
هلوسة جماعية
فقد تجمع الساسة والشخصيات العامة وأفراد إدارة دونالد ترامب وحفر "الوسخ" على مواقع التواصل الاجتماعي لإنتاج ما يمكن وصفه بهلوسة جماعية تم تصنيعها ذاتيا، صورة لبرقع مغطى بتمثال الحرية ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، يقول بأن فوز ممداني هو ما يحدث عندما تفشل دولة ما في ضبط الهجرة. وقرر عضو الكونغرس الجمهوري آندي أوغلز وصف ممداني بـ"محمد الصغير" وطالب بسحب جنسيته وترحيله. ووصف بأنه "متعاطف مع حماس الإرهابية" و"إرهابي جهادي".
وعليه، يبدو وصف ترامب ممداني بـ"الشيوعي المجنون" متحفظا بالمقارنة مع هذه الهلوسات. وتقول مالك إن بعض ردود الفعل هستيرية، بدرجة أنها لا تستطيع التفريق بين ما هو حقيقي أو محاكاة.
ففكرة أن ممداني، الذي يتميز أسلوبه، قبل كل شيء، بالجدية والابتسامة العريضة، كان عميلا إسلاميا خفيا، هي ببساطة نكتة. لكنها في الواقع ليست مزحة.
ولكن اللامبالاة تجاه الهجمات على ممداني تنبع من كونه خارجا أو دخيلا ولأسباب أكثر أهمية، ليس فقط من حيث خلفيته الدينية، فجريمته ليست جرأته على أن يكون مسلما وسياسيا، فربما "نجح" لو كان عضوا تقليديا في الحزب الديمقراطي، أو عبر عن أراء راسخة في الاقتصاد والسياسة تميزه كشخص تحدى للمعتقدات السائدة عن الرأسمالية وإسرائيل.
وبحسب الكاتبة، لأن ممداني لديه مواقف يسارية تتعلق بالضريبة وتحديد الإيجارات ورفضه لذبح الفلسطينيين باستخدام المال الأمريكي، فقد كانت هناك ردة فعل قوية ومتوقعة ضده. لكنه بذل جهدا كبيرا لمواجهتها. فقد قدم تفسيرات شاملة لكرهه معاداة السامية وتعهده بمكافحة جميع جرائم الكراهية وحقيقة أن أجندته الاقتصادية تقوم على جعل المدينة، من طعامها إلى رعاية أطفالها، أقل كلفة ومتاحا.
لكن جريمته هي رفضه التخلي عن مبادئه وعدم اتباعه للخط الداعم لإسرائيل وتجنب تقديم تصريحات محرجة، مثل تلك التي أطلقها من ترشحوا ضده وأن إسرائيل ستكون أول رحلة خارجية لهم لو فازوا. ولم ينزل نفسه عندما طلب منه تقديم إدانات متتالية لعبارات وضعت بشكل تعسفي كاختبارات حاسمة لمدى قبول المسلم في المجال العام.
عولمة الانتفاضة
فقد استخدم رفض ممداني عبارة "عولمة الانتفاضة" والذي يعبر عن الرغبة الملحة للمساواة والحقوق المتساوية والوقوف مع حقوق الفلسطينيين الإنسانية، على أنه نوع من دعمه لجهاد عنف، وهي قراءة تتجاهل دعمه لحق إسرائيل في الوجود وشجبه للعنف ضد اليهود.
ولا يمكن لممداني أن يصبح مسلما مقبولا وهو متمسك بهذه الآراء، مع أنها عالمية بما يكفي ليحظى بدعم قوي من سكان نيويورك، بمن فيهم اليهود الذين صوتوا له، والمرشح اليهودي براد لاندر الذي أيده. ولا يمكنه أن يكون علمانيا بما يكفي أو أمريكيا بما يكفي أو نخبويا بما يكفي، كابن مخرجة سينمائية وأستاذ جامعي، ليمارس سياسة لا يمكن اختزالها في هويته المريبة بطبيعتها.
حتى في سلوكه، تحدث عن اضطراره الدائم إلى ضبط نبرته، خشية أن يشوه سمعته ويوصف بأنه "وحش". وفي هذا، يجسد واقعا أوسع وأكثر إثارة للغضب، واقع يدان فيه المسلمون والمؤيدون للفلسطينيين باعتبارهم تهديدا، بينما يواجهون هجوما كبيرا على حقوقهم وسلامتهم في جميع أنحاء العالم، لمجرد معارضتهم لجريمة لا جدال فيها ترتكب في غزة. من إجراءات الاعتقال والترحيل ضد ناشطين مثل محمود خليل في الولايات المتحدة، إلى التشهير وإضفاء طابع أمني على الخطاب والنشاط المؤيد للفلسطينيين في بريطانيا وأوروبا، في وضع يتم فيه إطلاق النار على المرسال، ثم تصويره على أنه المعتدي.
وتقول مالك إن "كل التشويه والاستقراءات الصارخة لن تغير الوقائع على الأرض، وهي أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتجوع وتقتل الفلسطينيين في غزة، وتتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، كل ذلك برعاية الولايات المتحدة ودعم الأنظمة الغربية".
وبهذا المعنى، يمثل فوز ممداني تهديدا، لأنه يكشف كيف أن جميع محاولات الحفاظ على وضع لا يطاق ولا يبرر، قد فقد تأثيرها على العدد المتزايد من الناس الذين يفهمون ويفكرون بأنفسهم. لم يصل ممداني إلى منصب عمدة المدينة بعد، ومن المرجح أن يواجه حملة متصاعدة تستخدم فيها هويته كوسيلة لتشويه معتقداته الاقتصادية والسياسية. وهنا يأتي رد الفعل على فوزه مقلقا، وربما محفزا مثل المؤشرات المتراكمة عن الإصابة بالحمى.
ومن هنا فما كشف فوزه الأخير هو كراهية مكشوفة وصريحة ضد المسلمين ودون قصد. وكشف عن قبح وضعف ليس فقط خصومه، بل المؤسسة السياسية الأوسع، بالإضافة إلى دوافعهم المعادية للديمقراطية. ومن خلال استخلاصه لهذه الحقائق، أظهر ممداني أن التحيز نادرا ما يكون موجها نحو الأفراد، بل نحو الخوف من أن تصبح آراء الأقلية المهمشة آراء الأغلبية الساحقة.
وفي هذا السباق على رئاسة البلدية، من فلسطين إلى الشرطة المحلية، لا تعتبر كراهية المسلمين مجرد ظاهرة منفرة تقتصر على ممداني، بل هي حاجز أمام رغبات الناخبين، وبمجرد أن يبدأ الناس في ربط هذه العلاقة، فقد انتهى الأمر، وفق ما ذكرته الكاتبة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية زهران ممداني عمدة نيويورك المسلمين امريكا نيويورك عمدة مسلم زهران ممداني صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فوز ممدانی بما یکفی
إقرأ أيضاً:
عمدة نيويورك القادم المؤيد لفلسطين
كأنني أرى المشهد أمامي رأي العين: نتنياهو فـي مقر إقامته فـي نيويورك، يراجع كلمته الملأى بالأكاذيب قبل إلقائها على منصة الأمم المتحدة فـي المساء. فجأةً؛ تقتحم شرطة نيويورك المقر وتعتقله. يندهش رئيس الوزراء الإسرائيلي ويدور فـي ذهنه أن فـي الأمر خطأ ما؛ فقد تلقى قبل قليل مكالمة ترحيبية من الرئيس الأمريكي ودعوة إلى البيت الأبيض. يغضب ترامب حين يشاهد الخبر العاجل فـي «فوكس نيوز»، يطلب من مساعديه الاتصال بعمدة نيويورك ليسأله:
- لماذا تعتقل صديقي بيبي؟
- لأنه مجرم حرب، ومطلوب فـي محكمة الجنايات الدولية.
- هل تعرف أن الولايات المتحدة غير موقعة على معاهدة تسليم المطلوبين لهذه المحكمة؟
- أعرف. لكني أعرف أيضًا أن نيويورك مدينة تتماشى قيمها مع القانون الدولي.
- لا تنس أن لديه حصانة دبلوماسية، وعليك أن تحترم القانون، لأن سلطتك كعمدة لا تخولّك ارتكاب هذه الحماقة.
- وها قد ارتكبتُها. لقد آن الأوان لتتطابق أقوالُنا عن احترام القانون الدولي مع أفعالنا.
- أنا رئيس الولايات المتحدة وآمرك بإطلاق سراحه فورا.
- وأنا عمدة نيويورك، ولن أمتثل.
لا أستبعد أن يتحقق هذا السيناريو بحذافـيره، إن سولت لنتنياهو نفسه الذهاب إلى نيويورك فـي عهد عمدتها القادم زهران ممداني؛ الذي نجح يوم الثلاثاء الماضي فـي الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للعمودية، ولم يتبق له إلا أشهر قليلة لتسلُّم المنصب رسميًّا حال فوزه المتوقع فـي انتخابات نوفمبر المقبل. ما فعله هذا الشاب المسلم، ذو الأصول الهندية، الذي لم يُمنَح الجنسية الأمريكية إلا عام 2018، ولم يتجاوز عمره بعدُ الرابعةَ والثلاثين، يُعدّ إنجازًا سياسيًّا استثنائيًّا، فقد كانت نيويورك قبل صعوده إحدى أبرز الولايات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل وسياساتها العنصرية، وتحتضن أكبر تجمع يهودي فـي العالم بعد إسرائيل، فأنْ ينجح فـيها بفارق مريح عن أقرب منافسيه، شابٌّ مسلم، ومؤيد صريح للحق الفلسطيني قولًا وفعلًا، ومهاجم شرس لسياسات إسرائيل، هو أمر كان إلى وقت قريب أقرب إلى الخيال.
ولكن كيف استطاع زهران أن يخوض غمار السياسة دون أن يضطر، كما كثيرين، إلى تغيير مبادئه وتبديل قناعاته؟ الإجابة تكمن فـي العائلة. فهو نجل الأكاديمي الهندي محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية فـي جامعة كولومبيا، الذي يُعدّ من أبرز النقاد لما بعد الاستعمار، كما يُعدّ ناشطًا بارزًا فـي الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. من مواقفه البارزة: دعمه لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها التي تُعرف اختصارًا بحركة «BDS»، ومقارنته الصريحة بين نظام الأبارتهايد فـي جنوب إفريقيا – التي عاش فـيها مع أسرته فترة من الزمن - ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وهو مؤلف كتاب «المسلم الجيد، المسلم السيئ» الذي يخلص فـيه إلى أن هذه الثنائية ليس لها أي جذور ثقافـية، بل هي تصنيفات سياسية أمريكية نشأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن ما وُصِفَ بـ«الإرهاب الإسلامي» ليس نتاجًا للدين أو الحضارة، بل رد فعل على سياسات أمريكا الاستعمارية ودعمها للقلاقل والاضطرابات فـي العالم الإسلامي.
أما أم زهران فهي المخرجة السينمائية الهندية الشهيرة ميرا ناير، خريجة جامعة هارفارد، وصاحبة أفلام عالمية، مثل «ميسيسيبي ماسالا» (من بطولة دينزل واشنطن)، و«زفاف فـي موسم الأمطار» الحائز على جائزة الأسد الذهبي فـي مهرجان فـينيسيا. وقد زارت سلطنة عُمان عام 2018 مُشارِكةً فـي مهرجان مسقط السينمائي حيث عُرِضَ فـيلمها «ملكة كاتوي» فـي سينما «فوكس الشاطئ». عُرِفتْ هي الأخرى بمواقفها المؤيدة لفلسطين، ورفضت دعوة لحضور مهرجان حيفا السينمائي عام 2013 قائلة: «سأذهب إلى إسرائيل عندما ينتهي الاحتلال. حين ينتهي نظام الفصل العنصري».
من هذه الأسرة المناضلة ورث زهران نضاله الأخلاقي والسياسي، الذي بدأه منذ سنواته الجامعية، وتبلور تدريجيًّا فـي مواقف واضحة، لا لبس فـيها، ولا مساومة. كانت البداية أثناء دراسته فـي كلية بودوين، حين شارك فـي تأسيس فرع منظمة «طلاب من أجل العدالة فـي فلسطين»، ودعم - كما والده - حركة (BDS)، ورفع شعار «عولمة الانتفاضة»؛ أي تحويل الانتفاضة الفلسطينية إلى رمز عالمي للنضال والمقاومة ضد الظلم والاحتلال فـي أي بقعة من العالم. وبعد انتخابه عضوًا فـي الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عام 2020، كان زهران أحد أبرز الأصوات المؤيدة لفلسطين فـي هذه الجمعية، وسعى إلى سنّ تشريعات تمنع استخدام أموال الضرائب الأمريكية فـي دعم الشركات المتورطة فـي الأنشطة الاستيطانية فـي فلسطين، وقد وصف حرب إسرائيل على غزة بــ«الإبادة الجماعية»، ورفض فـي مايو الماضي التوقيع على بيان فاقع صادر عن جمعية نيويورك التشريعية يؤيد إسرائيل ويصفها بأنها «تواصل السعي لتحقيق السلام مع الأمن والكرامة لنفسها وجيرانها والعالم، لتُحقق نبوءة أن تكون نورًا للأمم»! وفـي عام 2023، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، شارك فـي مظاهرات تطالب بوقف الاعتداءات على أهل القطاع، واعتُقِل خلال وقفة احتجاجية أمام منزل السيناتور تشاك شومر، مؤكدًا حينها أن أحداث السابع من أكتوبر لا يمكن أن تكون ذريعة لقتل المدنيين الفلسطينيين بدم بارد. وقد شارك فـي ديسمبر من العام نفسه فـي إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض لمدة خمسة أيام للمطالبة بوقف دعم أمريكا العسكري لإسرائيل. وقبل ذلك بسنتين، أي فـي أعقاب حرب إسرائيل على قطاع غزة عام 2021 دعا إلى «وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين» الفلسطينيين، وقال: إن «العدالة لا يمكن أن تتحقق فـي نيويورك فـي وقت نغض فـيه الطرف عن الظلم فـي فلسطين». أما السيناريو الذي افتتحتُ به هذا المقال عن اعتقال نتنياهو فـي نيويورك، فهو لم يكن من بنات خيالي، وإنما مبني على تصريح لممداني فـي مقابلة تلفزيونية أجراها معه الصحفـي والمعلق السياسي الأمريكي مهدي حسن فـي ديسمبر 2024.
ومهما يكن مصير زهران ممداني فـي انتخابات بلدية نيويورك فـي نوفمبر المقبل، وسواءً انتُخِب عمدة كما هو متوقع، أم صارت مفاجآت أخرى، فإن مجرد صعوده السياسي يمثّل اختراقًا فـي جدار الصمت الأمريكي حول قضية فلسطين، ورسالةً بأن العالم يتغير، ولم يعد هو نفسه ذلك العالم المطبِّل لإسرائيل وجرائمها وانتهاكاتها.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني