محارب، ذكي وواقعي.. ماذا يعني اقتراب المسلم زهران ممداني من رئاسة بلدية نيويورك؟
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
يمثّل فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك لحظةً فارقة في السياسة الأميركية. فقد أكد هذا الفوز، الذي حققه عضو الجمعية التشريعية في الولاية من أصول أوغندية وهندية، ما كان يتشكّل بهدوء منذ سنوات: نشوء سياسة جديدة يقودها المهاجرون من الطبقة العاملة، قائمة على التنظيم والتضامن ونقد حاد لعدم المساواة.
لقد ركزت حملة ممداني على تجميد الإيجارات، ورعاية الأطفال الشاملة، والنقل العام، والبنية التحتية الخضراء، واستطاعت أن تحشد ائتلافات متعددة الأعراق من الطبقة العاملة في أنحاء المدينة كافة.
كان انتصاره رفضًا ساطعًا لنفوذ الشركات والفساد المحلي، وتجسيدًا قويًا لسياسة تنبع من مهاجرين مرتبطين بصراعات عالمية من أجل العدالة.
وهذا التيار لا يقتصر على نيويورك. ففي الكونغرس، لعبت إلهان عمر – اللاجئة السابقة، وحارسة الأمن، وابنة المهاجرين الصوماليين – دورًا محوريًا في رسم ملامح هذا اليسار الجديد. وانضمت إليها رشيدة طليب، أول امرأة أميركية من أصل فلسطيني تدخل الكونغرس.
تمثّل طليب وعمر وممداني تيارًا سياسيًا تشكّل بفعل تجاربهم الشخصية أو تجارب أسلافهم في عدم الاستقرار، والتقشف، والقمع في الجنوب العالمي، وليس فقط بسبب عدم المساواة في أميركا. لقد برزوا كوجوه عامة لهذا الاتجاه الأوسع. فهم سياسيون من خلفيات مهاجرة يشكّلون العمود الفقري ليسار ديمقراطي صاعد ومتمرد.
وهذا، بالطبع، ليس الشكل الذي كان دونالد ترامب يتخيّله للهجرة.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تحدث الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، في تجمّع انتخابي بمدينة مينيابوليس – التي تضم جالية صومالية كبيرة وتمثلها إلهان عمر- مستعينًا بخطاب اليمين التقليدي، حذّر ترامب من أن المهاجرين واللاجئين يغيّرون الولايات المتحدة نحو الأسوأ.
إعلانوكان المعنى واضحًا: نداء ضمني لناخبي "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا"، خصوصًا من الطبقة العاملة والوسطى البيضاء، الذين يُحمّلون الهجرة مسؤولية تراجع البلاد.
وقد كان هذا مقدّمة لِما أصبح شائعًا الآن من ترحيلات جماعية، غير قانونية وغالبًا عنيفة، لآلاف الأشخاص من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. ووفقًا لرواية ترامب، فإن الهجرة من "دول قذرة" مسؤولة عن الجريمة والركود الاقتصادي وسوء استخدام الموارد العامة. لكنه لم يذكر أن كثيرًا من الصوماليين في مينيابوليس فرّوا من عنف ساهمت فيه السياسة الخارجية الأميركية أو زادته سوءًا.
لكن، بقدرٍ ما، كان ترامب مُحقًّا: المهاجرون وأبناؤهم يُغيّرون الحياة السياسية الأميركية، لكن ليس بالطريقة التي كان يخشاها. فبعد عام فقط من خطاب ترامب، اندلع أول الإضرابات العمالية ضد ممارسات أمازون الاستغلالية في ضواحي مينيابوليس، بقيادة مهاجرين صوماليين.
وكان لهذه الاحتجاجات دور في إحياء حركة عمالية وطنية جديدة، امتدّت من مستودع واحد إلى مصانع وشركات أخرى في مختلف القطاعات.
ولهذا، فإن فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية لمنصب العمدة يحمل أهمية بالغة. فإلى جانب شخصيات مثل عمر، يُجسّد نوعًا جديدًا من القيادة: قيادة متجذّرة في التجربة المعاشة، مدفوعة بالتنظيم الشعبي، وقادرة على تحويل السياسات المعقدة إلى مطالب مباشرة وواضحة للعدالة.
ركزت حملته على الكرامة الاقتصادية، وحقوق المستأجرين، ورعاية الأطفال، والتكيّف مع المناخ، وفرض الضرائب على الأثرياء. وكلها مطالب تنبع من الواقع الحقيقي لحياة الطبقة العاملة.
ولنأخذ المهاجرين الأفارقة كمثال، وهو المجتمع الذي ينتمي إليه كلٌّ من ممداني وعمر: هناك الآن ما يقرب من 2.1 مليون مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء في الولايات المتحدة، يمثلون نحو 5٪ من مجموع السكان المولودين في الخارج. وغالبًا ما يُركّز الحديث عن نجاحهم الأكاديمي والمهني؛ وهي رواية تُروّج لها النخب في الجاليات. لكنها تخفي واقعًا مختلفًا: دخولًا منخفضة، وظائف هشة، ومعدلات فقر أعلى من بقية المهاجرين.
ومع ذلك، فإن من هذه القاعدة العمالية بالذات، تولد سياسة جديدة: سياسة قادرة على إعادة تشكيل الحزب الديمقراطي من جذوره.
وبصفتي مؤسس موقع "أفريقيا بلد"، قضيت قرابة خمسة عشر عامًا في تتبّع كيف يُعيد الأفارقة ابتكار الديمقراطية رغم ضغوط النيوليبرالية، والاستبداد، والعسكرة. من "أنهوا سارس" في نيجيريا، و"امشِ إلى العمل" في أوغندا، إلى الربيع العربي و"أسقِطوا الرسوم" في جنوب أفريقيا، قدم الناشطون الأفارقة رؤى نقدية جريئة للظلم. وقد أثّرت هذه الحركات في النضالات العالمية، كما يتجلى بوضوح في تقاطعها مع حركة "حياة السود مهمة".
ويستلهم العديد من المهاجرين الأفارقة في أميركا من هذه التقاليد. فقد انتظم ممداني مع سائقي سيارات الأجرة في نيويورك لمواجهة أعباء الديون. أما عمر، فقد نظّفت المكاتب وعملت في خطوط التجميع. وكلاهما بنى مسيرته السياسية بالإنصات إلى المجتمعات المهمّشة وتنظيمها.
إعلانوفي بلد ما يزال يعاني من إرث الكراهية للأجانب في عهد ترامب، ومن عدم المساواة، يقدم هؤلاء القادة الجدد بديلًا مشرقًا. فهم يبنون جسور التضامن عبر الانقسامات- بين المهاجرين وأبناء البلد، بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأميركيين من أصل أفريقي والوافدين الجدد من أفريقيا، وبين أبناء المهاجرين من بلدان أخرى- لا على أساس الذوبان الثقافي، بل على أساس النضال المشترك.
وكما لاحظ المنظّر السياسي كوري روبن مؤخرًا، فإن ممداني هو "محارب سعيد" على غرار فرانكلين روزفلت: ذكي، واقعي، ولا يخشى النقاش الحقيقي. وإن كونه مسلمًا ومن أصول جنوب آسيوية يزيد من رمزيته في مدينة وأمة أعادت الهجرة العالمية تشكيل ملامحهما. إنه يُجسّد مستقبلًا ديمقراطيًّا جذريًّا: مستقبلًا لا يستطيع المحافظون احتواءه ولا فهمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الطبقة العاملة
إقرأ أيضاً:
إيتو يستبعد نجم الكاميرون من قائمة أمم أفريقيا لسبب غريب.. ماذا حدث؟
في خطوة غير متوقعة، أفادت تقارير صحفية بأن صامويل إيتو، أسطورة الكرة الكاميرونية ورئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، قد تدخل لاستبعاد مهاجم المنتخب فينسنت أبو بكر من قائمة منتخب الأسود التي ستشارك في بطولة كأس أمم أفريقيا 2025.
السبب الغريب وراء هذا القرار هو الخشية من أن يقترب أبو بكر من تحطيم رقم إيتو القياسي كأفضل هداف في تاريخ منتخب الكاميرون.
يمتلك صامويل إيتو سجلاً حافلاً، حيث سجل 56 هدفًا في 118 مباراة دولية مع منتخب الكاميرون، بينما يحتاج أبو بكر، الذي يلعب حالياً لنادي نيفتشي باكو الأذربيجاني، إلى 11 هدفًا فقط لمعادلة الرقم القياسي لإيتو، حيث لديه 45 هدفًا من 117 مباراة.
كما يعد أبو بكر واحدًا من أبرز اللاعبين في جيله، ما يجعل استبعاده من القائمة فجأة يبدو كقرار مثير للجدل.
تداعيات أزمة منتخب الكاميرونهذا القرار يأتي في وقت حساس بالنسبة للمنتخب الكاميروني، الذي يسعى للتحضير بشكل جيد لكأس أمم أفريقيا التي ستقام في المغرب.
وبحسب التقارير الصحفية، فقد دفعت الاضطرابات خارج الملعب، منتخب الكاميرون إلى أزمة خطيرة، فالمدرب السابق للمنتخب، مارك بريس، الذي تمت إقالته مؤخراً من قبل الاتحاد، يؤكد أنه لا يزال المسؤول عن الفريق.
وقدم بريس قائمته الخاصة للبطولة، والتي تضمنت أبو بكر، في تناقض مباشر مع القائمة التي أعلنها الاتحاد.
وعلى الرغم من الإقالة، فإن بريس لم يتلقَّ قرارًا رسميًا بإعفائه من منصبه من وزارة الرياضة، مما يؤكد الاضطراب داخل القلعة الكاميرونية.
كأس أمم أفريقيا 2025من المقرر إقامة بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 في المغرب، خلال الفترة من 21 ديسمبر 2025 إلى 18 يناير 2026، وسيشارك 24 منتخبا في البطولة، مقسمة إلى 6 مجموعات.
جدير بالذكر أن المنتخب الكاميروني يقع في المجموعة السادسة، إلى جانب كوت ديفوار والجابون وموزمبيق.
وحقق منتخب مصر لقب بطولة كأس أمم إفريقيا، 7 مرات خلال تاريخ مشاركاته في البطولة، كأكثر المنتخبات تحقيقًا للقب.