شاهد.. كيف ينظر اليمنيون للأغنية اليمنية في يومها السنوي؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
كيف ينظر اليمنيون للأغنية اليمنية في يومها السنوي؟
.ثورة للنساء في تعز ومطالب متعددة وغضب شعبي يرتفع ويتوسع سألنا الناس عن تصرفاتهم إذا تولوا رئاسة الحكومة في #اليمن والإجابات عكست الواقع
اختيار المحرر الإثنين, 30 يونيو, 2025 طارق صالح يثير التوتر في مجلس القيادة ويتحول لخنجر في جسد الشرعية (تقرير)
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2025 إتصل بنا الأرشيف من نحن إتفاقية وسياسة الإستخدام Privacy Policy المنصة برس
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
لغة الوحي في رحاب الأناضول ورسالةُ معلمٍ في يومها العالمي..
في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، يقف العالم إجلالا لإحدى أعظم المعجزات البيانيّة المستمرة في تاريخ البشرية، "اللغة العربية". إنّه ليس مجرد تاريخ في أجندة الأمم المتحدة، ولا مناسبة عابرة للاحتفال بالفصاحة والبلاغة فحسب، بل هو وقفة سنويّة لتجديد العهد مع "لسان الوحي"، ومع الهوية التي صاغت وجدان الأمّة وحفظت تراثها. وفي هذا اليوم، تختلط في صدري مشاعر الفخر بالانتماء لهذه اللغة، مع مشاعر المسؤولية العظيمة التي حملتها على عاتقي كمدرس وخبير في ميادين تعليمها للناطقين بغيرها في الديار التركية.
الاصطفاء الإلهي لهذه اللغة..
قبل أن تكون العربية لغة أدب أو علم، هي لغة اصطفاها الله سبحانه وتعالى من بين لغات العالمين لتكون وعاء لكلامه الأزلي. ويكفي العربية شرفا وخلودا قوله تعالى في محكم التنزيل: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف: 2)، وقوله عزّ وجلّ واصفا اللسان الذي نزل به الروح الأمين: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء: 195). هذا "البيان" الذي خصّ الله به العربيّة جعلها مفتاحا للتفقّه في الدين، وسببا لرجاحة العقل، مصداقا لما رُوي عن سيدنا عمر بن الخطاب tحين قال ناصحا وموجها: "تعلَّموا العربية، فإنّها من دينكم". وقال: "تفقّهوا العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي"، وفي رواية أخرى: "تعلَّموا العربية فإنّها تزيد في المروءة، وتثبت العقل".
من هذا المنطلق الإيماني، لم يكن عملي في تعليم العربية مجرد وظيفة أكاديميّة، بل عبادة وقربة، وسعيا لربط الطالب بكتاب ربّه وسنّة نبيه ﷺ.
نور العربية في صدور الحفاظ وشغف الطلاب
لقد أتاح لي عملي مدرّسا للغة العربية في الجامعات التركية، وفي معاهد شرعيّة خاصّة تضُم نخبة من حُفّاظ كتاب الله عز وجل، أن أرى العربية بعيونٍ جديدة. فالتعامل مع طلابٍ قد ملأوا صدورهم بالقرآن تجربةٌ ذات طابعٍ نورانيّ فريد، إذ تأتي العربيّة لتكون المفتاح الذي يفتح لهم مغالق ما حفظوه، فتستقيم ألسنتهم التي هذّبها القرآن، وتشرق معاني الآيات في عقولهم بعد أن استقرت في قلوبهم.
وهذا الشغف لمستُه في عموم طلابي الأتراك في الجامعات والثانويات، الذين يُقبلون على تعلّم لغة الضاد بشغف المحبِّ لا بواجب المكرَه، فهم لا يَرون في العربية مجرد "فاعل ومفعول ومضاف"، بل يبنون من خلالها جسرا روحيّا يربطهم بتاريخهم الإسلامي العريق.
في تلك القاعات، كنت ألمس اللحظة الساحرة عندما يفكّ الطالبُ شيفرة جملة عربية فصيحة، فتشع عيناه فرحا كأنّه عثر على كنز. إنّ تعليم العربية هنا يتجاوز القواعد الجافّة، إنّه تعليم للتذوق وللجمال وللقيم. وكثيرا ما كنتُ أستشهد لهم بحديث النبي ﷺ: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرا"، ليروا بأنفسهم كيف يسحرُ هذا البيانُ القلوبَ، وكيف تستطيع الكلمة العربية الواحدة أن تحمل من المعاني ما تعجز عنه سطور في لغات أخرى. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِنا جَعَلَ الجَمالَ وَسِرَّهُ في الضادِ
يدا بيد لخدمة لغة الضاد
ولأنّ بناء الأجيال يبدأ ببناء المعلّم، فقد كان لي شرف العمل كخبير ومُدرّس أول للإشراف على زملائي أساتذة اللغة العربية في "ثانوية الأئمة والخطباء" (الإمام والخطيب) في ولاية بولو. كانت هذه التجربة من أعمق المحطّات في مسيرتي المهنيّة، إذ لم تكن المهمّة تقتصر على التوجيه الفني، بل كانت ورشة عمل مستمرة لتبادل الخبرات، وتطوير المناهج، والبحث عن أنجع الوسائل لتقريب العربية إلى أذهان الطلاب الأتراك.
كنا نعمل سويا، بروح الفريق الواحد، مستشعرين عظم الأمانة، ومدركين أنّ قوة اللغة العربية في تركيا تعتمد أساسا على كفاءة معلميها وقدرتهم على الإلهام. لقد رأيت في زملائي المعلمين الأتراك تفانيا يُثلج الصدر، وحرصا على أنّ تظلّ العربيّة حية غضّة في أروقة المدارس، تصدح بها الحناجر في الطوابير الصباحيّة وفي قاعات الدرس.
الحصاد في مسابقات تحيي الأمل
ولا تكتمل لوحة الشرف هذه إلا باستحضار "روح المنافسة" التي عشتها مُشرفا ومحكّما في مسابقات اللغة العربية المتنوعة في ولاية بولو، تلك اللحظات التي يقف فيها طالبٌ تركي، لم يرضع العربيّة من ثدي أمه، ليخطب بلسانٍ عربي مبين، أو ينشد شعرا يهزّ المشاعر، هي لحظات تختزل كلّ معاني النجاح.
في تلك المسابقات، رأيت ثمرة الغراس، وأيقنت أنّ العربيّة محفوظة بحفظ الله لها، وأنّها قادرة على احتواء الألسنة جميعا. كانت تلك الفعاليات بمثابة عيدٍ للغة، تلتقي فيه المواهب، وتتبارى فيه القرائح، ليثبت هؤلاء الشباب أنّ العربية ليست حكرا على عرق أو جنس، بل هي لغة الحضارة ولغة الإسلام الجامعة.
في الختام، ونحن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية، أكتب هذه الكلمات من واقع الميدان، ومن قلب قاعات الدرس في بولو، لأقول: إنّ العربية بخير ما دام هناك معلّم مخلص، وطالب شغوف، ومنهج قويم. إنّ خدمتنا لهذه اللغة شرف لا يدانيه شرف، فهي لغة أهل الجنة، ولغة الكتاب الخالد.
فلنجدد العهد في يوم عيدها، أن نظل أوفياء لها، تعليما ونشرا ومحبّة، سائلين الله أن يستعملنا في خدمة لغة كتابه، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
وكل عام ولغتنا العربية، ومعلموها، وطلابها، بألف خير.