بعد أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، أصبحت حقيقة قاسية تتضح: عدد الجنود الروس الذين قتلوا في الحرب يتزايد أسرع مما تستطيع الدولة دفنهم جميعًا. مؤخرًا، تجاوز عدد خسائر روسيا حاجز المليون جندي.

ما وصفه الكرملين ذات يوم بأنه “عملية عسكرية خاصة” سريعة ومحدودة انهار ليصبح حرب استنزاف.

ومع مرور كل شهر، يصبح من الواضح أكثر أن موسكو مستعدة للتضحية بشعبها بدلًا من قبول حقيقة الفشل.

في المدن البعيدة عبر روسيا، أُرسل شبان – كثير منهم فقراء، عاطلون عن العمل، أو غارقون في الديون – إلى الخطوط الأمامية مع وعود بنقود سريعة، أو أجهزة إلكترونية، أو فرصة لمستقبل أفضل. قيل لهم إنهم يقاتلون من أجل وطنهم. لكن بدلًا من ذلك، عاد الكثير منهم في أكياس جثث سوداء – أو لم يعودوا على الإطلاق. آخرون يرقدون في قبور بلا أسماء، دُفنوا بهدوء، بعيدًا عن عناوين الأخبار.

لم تعد هذه الحرب تتعلق بالأرض أو الناتو أو التاريخ. لقد أصبحت شيئًا أكثر إزعاجًا: حرب تُخاض ليس فقط ضد أوكرانيا، بل ضد شعب روسيا نفسه. إنها تُخاض من أجل قوة رجل واحد، وكبريائه، ورؤيته للإمبراطورية – والثمن يُقاس بالدم الروسي.

خلف الخطب الوطنية والعروض العسكرية توجد صورة أكثر قتامة بكثير. هذه ليست حربًا من أجل الدفاع الوطني. إنها كارثة بطيئة الحركة، حيث يُنسى القتلى، ويُسكت الثكالى، وتُستنزف البلاد – ببطء وبشكل متعمد – من أجل بقاء نظام لا يستطيع الاعتراف بالضعف.

حرب شخصية بتكلفة وطنية

بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، هذه ليست مجرد صراع – إنها مهمة شخصية. حرب لاستعادة نسخة من روسيا لم توجد أبدًا حقًا. لقد “استخدمت” هذه المهمة بالفعل أكثر من مليون جندي روسي، كثير منهم مجندون بتدريب ضئيل ولا فهم لديهم لما أُرسلوا من أجله.

هؤلاء الرجال ليسوا شهداء. إنهم ليسوا أبطالًا قوميين. إنهم ضحايا نظام يراهم أدوات يمكن التخلص منها للدعاية ورموزًا للولاء.

تشير استخبارات غربية إلى أنه مقابل كل جندي أوكراني يُقتل، يموت خمسة إلى سبعة جنود روس. وكعلامة على اليأس، يرسل المسؤولون الآن أي شخص يمكنهم إيجاده للقتال: سجناء، مسنون، مرضى، وأولئك الذين لا يستطيعون قول “لا”. بعضهم أُجبر على القتال؛ آخرون عوقبوا أو حتى أُعدموا لمحاولتهم الهرب. تظهر أدلة موثقة أن الهاربين يُطلق عليهم الرصاص، والجرحى يُتركون خلفهم، وبعضهم يُقتل على أيدي ضباطهم للحفاظ على الانضباط.

هذه ليست حملة عسكرية – إنها آلة تطحن شعبها.

 لا مجد، لا قضية

بالنسبة لمعظم الجنود الروس، لا يوجد هدف واضح في هذه الحرب. إنهم لا يدافعون عن منازل أو مبادئ. إنهم يُلقون في القتال بدون تجهيز كافٍ، أو استعداد، وغالبًا بدون رغبة. لا مجد هناك. لا مقاومة. فقط البقاء على قيد الحياة – إن كانوا محظوظين.

ومع ذلك، في روسيا، قلة فقط تجرؤ على الكلام. الخوف من انتقاد الحرب أكبر من الخوف من فقدان ابن آخر.

أمة تعلمت أن تظل صامتة

عبر البلاد، تُقام الجنازات في صمت. لا حداد عامًا. لا تغطية إعلامية. تُحذر العائلات من طرح الكثير من الأسئلة. يُفرض الرقابة على الصحفيين. ويُسجن النشطاء.

ما يحدث في روسيا اليوم ليس مجرد فشل عسكري. إنه انهيار أمة، حيث الحقيقة يخشى منها، والصمت وسيلة للبقاء.

لقد رحل مليون روسي بالفعل.

ليس من أجل الوطن.

ليس من أجل العدالة.

بل من أجل حماية نظام يخشى الحقيقة أكثر مما يخشى الحرب.

ولكن كم من المزيد يجب أن يموتوا قبل أن ينتهي هذا الصمت؟

لأن الصمت لا يحمي الأبرياء.

إنه فقط يدفنهم أعمق.

Tags: الحرب الروسية الأوكرانيةبوتين

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: الحرب الروسية الأوكرانية بوتين من أجل

إقرأ أيضاً:

الناتو يحذر من حرب كبرى مع روسيا ويدعو أوروبا للاستعداد الفوري

في أحدث تحذير قوي من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتي خلال كلمة ألقاها في برلين اليوم قال إن روسيا قد تكون “الهدف التالي” للناتو مما يضع أوروبا بأكملها أمام تهديد مباشر إذا لم تُسرّع جهودها الدفاعية بشكل عاجل وصرّح روتي بأن هناك شعوراً بعدم الإلحاح لدى العديدمن أعضاء الحلف تجاه التهديد الروسي، وأنهم يعتقدون خطأً أن الوقت في صالحهم بينما الواقع يقول غير ذلك وأشار إلى أن روسيا أعادت الحرب إلى أوروبا وعلى الحلف أن يكون مستعدًا بشكل كامل لدرء أي عدوان محتمل بدلًا من الانتظار والمراهنة على أن الأزمة ستزول وحدها وحذر روتي بوضوح من أن الصراع قد يصل إلى حجم الحرب التي عايشها أجدادنا وأجداد أجدادنا إذا لم تُتخذ خطوات سريعة لتعزيز القدرات العسكرية في أوروبا وجعلها أكثر جاهزية للردع


 

روتي كرر في خطابه أن الحلفاء لا يشعرون بحدة الخطر الذي تمثّله موسكو وأن الوقت للعمل هو الآن مشددًا على ضرورة زيادة الإنفاق العسكري وتسريع الإنتاج الدفاعي وعدم الاقتصار على الإجراءات الحالية، مؤكداً أن روسيا قد تكون في وضع يسمح لها باستخدام القوة العسكرية ضد دول الناتو خلال السنوات الخمس المقبلة ما لم يتم تعزيز الردع بشكل فعّال وأضاف أن الناتو يجب أن يكون واضحاً ومتكاملاً في رص صفوفه وأن التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا لا يمكن أن يكون قويًا ما لم تكن أوروبا نفسها قوية ومنظمة في دفاعها


 

التحذير يأتي وسط تزايد التوترات بين الغرب وروسيا خاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا والدعم الغربي لها، وقد أشار روتي إلى أن أوروبا تواجه خطراً واضحاً ينبع ليس فقط من الصراع في أوكرانيا بل من قدرة روسيا على توسيع نطاق عدوانها إذا شعرت بضعف في موقف الناتو وأضاف أن هناك تهديدات غير عسكرية أيضًا مثل التخريب والهجمات السيبرانية التي تحاول زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية مما يزيد من ضرورة اليقظة والتعاون بين دول الحلف


 

أهمية الخطاب تكمن في أنه ليس مجرد بيان سياسي عادي بل نداء للاستيقاظ الجماعي بين أعضاء الناتو، حيث يرى روتي أن التراخي أو الاكتفاء بالحلول الجزئية قد يترك أوروبا عرضة لصراعات كبرى يمكن أن تكون مدمّرة على غرار ما حدث في القرن العشرين تحت ذريعة تهديدات استراتيجية وهذا ما يجعله واحدًا من أكثر التحذيرات وضوحاً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ويطرح تساؤلات حول مدى استعداد الدول الأوروبية لتحمّل تكلفة الدفاع وأثر ذلك على أمن القارة المستقبلية

طباعة شارك الناتو روسيا اوكرانيا حرب خطة

مقالات مشابهة

  • أردوغان يقترح على بوتين هدنة محدودة بين أوكرانيا وروسيا.. ماذا تشمل؟
  • بوتين: التجارة بين روسيا وإيران تسجل نموا مستمرا
  • بوتين: التجارة بين روسيا وإيران تسجل نموا
  • بوتين: العلاقات بين روسيا وإيران تتطور بشكل إيجابي
  • الناتو يحذر من حرب كبرى مع روسيا ويدعو أوروبا للاستعداد الفوري
  • بوتين يحدد هدفا جديدا: خفض معدل الفقر في روسيا إلى أقل من 5% بحلول 2036
  • السوداني:شهداء الحرب ضد داعش لهم منزلة عظيمة عند الله
  • روسيا تدمر أكثر من 250 مسيّرة أوكرانية فوق مناطق عدة
  • بوتين: علاقات روسيا وإندونيسيا تتطور بشكل جيد
  • بوتين: روسيا مستعدة للمساهمة في برنامج إندونيسيا النووي