علاقات تاريخية تجمع مصر والسودان، وتبرز أهمية هذه العلاقات في أوقات المحن، وفي ظل ما يمر به السودان الشقيق من أحداث عنف، كانت مصر منذ اللحظة الأولى حريصة على حفظ أمن واستقرار السودان، وحماية أبناء الشعب السوداني من ويلات الحرب، حيث استقبلت عشرات الآلاف من الإخوة السودانيين بالترحاب، واحتضنهم الشعب المصري في بلدهم الثانية.

ولبحث الحفاظ على أمن واستقرار السودان، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس، بمدينة العلمين الجديدة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، حيث أكد  الرئيس خلال اللقاء اعتزاز مصر الكبير بما يربطها بالسودان على المستويين الرسمي والشعبي من أواصر تاريخية وعلاقات ثنائية عميقة، مؤكدًا موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، أخذًا في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، وفقا لتصريحات المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير أحمد فهمي. 

من جانبه؛ أعرب الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عن تقديره البالغ للعلاقات الأخوية المتينة بين البلدين الشقيقين، مشيدًا بالمساندة المصرية الصادقة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خاصةً من خلال حُسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر، ومعربًا في هذا الإطار عن تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الأفريقية.

وأضاف المتحدث الرسمي، أن اللقاء شهد استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة حفاظًا على سلامة وأمن السودان الشقيق، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل. وتناول اللقاء كذلك تطورات مسار دول جوار السودان، حيث رحب رئيس مجلس السيادة السوداني بهذا المسار الذي انعقدت قمته الأولى مؤخرًا في مصر. كما تطرقت المباحثات إلى مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني الشقيق، لاسيما عن طريق المساعدات الإنسانية والإغاثة، حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة بسلام.

وفي هذا الشأن، أكد الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان لمصر في هذا التوقيت ترجع إلى وضع مصر الخاص في الأزمة القائمة في السودان، وطبيعة دور مصر الحيوي الساعي لإيجاد حل سريع للأزمة منذ البداية.

وأضاف "فرحات" في تصريحات تليفزيونية، أن عبدالفتاح البرهان يمارس دوره باعتباره رئيس السلطة القائمة في السودان، ما يضع عليه مسؤولية التواصل مع الأطراف المعنية بالأزمة وفي مقدمتها مصر.

ولفت إلى أن الأزمة في السودان معقدة وتحتاج إلى تواصل كثيف وتبادل رؤى من الجانب السوداني مع كل القوى المعنية، وعلى رأسها مصر، مشيرا إلى أن هناك قيودًا على الجيش السوداني أهمها الحفاظ على المدنيين، ما تسبب في إطالة أمد الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي لا تحكمها نظامية الجيوش. 

قال العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إننا أمام يوم مهم وزيارة أهم، فضلًا عن أنها الزيارة الأولى للفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى مصر، والتي تعتبر المحطة الأولى منذ اندلاع الأزمة السودانية، ليس فقط تعبيرًا للدور المصري والعلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين، ولكنها أيضًا الحقيقة تأتي تتويجا لتكامل الجهود المصرية خلال الأزمة.

وأضاف عكاشة، في تصريحات تليفزيونية، أن الدولة المصرية كان لها جهود حثيثة تجاه الأبعاد السياسية وأبعاد إنسانية، إضافة إلى الجهود الإقليمية الحثيثة التي بذلت من جانب القيادة المصرية ومؤسساتها، وأبرزها استضافة قمة دول جوار السودان.

وأوضح مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن قمة دول جوار السودان يعتبر أول مؤتمر يتلامس مع أعماق المشكلة السودانية بأبعادها المختلفة سواء التعثر الأمني أو العسكري، أو البعد السياسي، ولم يقف عند البعد الإنساني الذي كان له نصيب كبير في جولات مؤتمر دول الجوار، والآلية التي تم استحداثها.

وأشار إلى أن مصر تسعى بقوة لإنهاء الأزمة السودانية، بقدر إيمانها أن ما يجري في السودان لن يقف عند حدود السودان الجغرافية، منوهًا بأن مصر لديها هواجس كثيرة في أن ينتقل الاضطراب إلى المحيط الإقليمي، وهذا الأمر تحرص مصر إلى عدم حدوثه.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مصر السودان السيسي البرهان عبد الفتاح السيسي عبدالفتاح البرهان فی السودان

إقرأ أيضاً:

المثلث السوداني المصري الليبي.. هل يصبح مسرحا جديدا للصراع الإقليمي؟

على نحو مفاجئ، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة المثلث الحدودية بين السودان ومصر وليبيا بالتزامن مع بيان من القوات المسلحة السودانية تؤكد فيه انسحابها من الموقع تمهيدا لإعادة السيطرة عليه، متهمة قوات تابعة لحكومة شرق ليبيا بالهجوم على المنطقة والتوغل داخل الحدود السودانيةـ في تجاوز صريح للقانون الدولي، فما هي أهمية المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر؟

تبلغ مساحة جبل عوينات حوالي 490 كلم مربع، وهو جبل صغير منفصل داخل السودان في الناحية الجنوبية، ولكن المنطقة فيها سلسلة من الجبال تسمي العوينات؟ والاسم الجغرافي المسجل رسميا هو هضبة حسنين، على اسم الضابط المصري محمد بك حسنين الذي قام في 1923م برحلة استكشافية من الكفرة إلى دارفور.

وتتوزع المساحة بنسبة 10 في المئة في مصر، 50 في المئة في ليبيا، وبقية المساحة داخل السودان. وتتصل هذه الجبال بعدد من المراكز الحدودية. ففي مصر مركز الثعلب الحدودي شرق خط العرض 22 درجة، وفي ليبيا مركز شرطة عين زوية في الجانب الجنوبي الغربي من الجبل. أما في السودان فتسمى قرية المثلث في الجانب الجنوبي الشرقي، ولكنها بعيدة نسبيا من خط 22 الحدودي مع مصر.

النزاع الحديث في منطقة المثلث جزء من الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة، وهو صراع مباشر بين حلفاء الدعم السريع وأصدقاء السودان، وصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما وروسيا والصين؛ وسط مخاوف غربية من سيطرة روسيا على شواطئ بورتسودان والمناطق الغنية بالنفط والذهب في شمال وشرق السودان
وتعتبر قرية المثلث مركزا تجاريا للتعدين الأهلي المزدهر في المنطقة، تتوافر فيها استراحات ومطاعم وخدمات الإنترنت الفضائي ومحطات الخدمة العامة وصيانة السيارات والمتاجر البسيطة، ويمارس التجار فيها التجارة الحدودية والتواصل مع مناطق الشريط النيلي في شمال السودان؛ من وادي حلفا ودنقلا والدبة. ومع تطور التعدين الأهلي أصبحت منطقة اقتصادية جاذبة غنية بالذهب، وهدفا لقوات الدعم السريع التي كانت تتمركز في قاعدة "الشفرليت" قبل أن يسيطر عليها الجيش السوداني في الأسابيع الأولى لحرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل، كما أنها ليست بعيدة عن الفاشر؛ حيث تفرض قوات الدعم السريع حصارا على المدينة وفشلت في إسقاطها بفضل الصمود الأسطوري للقوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية.

وظل قائد الدعم السريع حميدتي يتهم الجيش المصري بمساندة الجيش السوداني منذ هجومه في الثالث عشر من نيسان/ أبريل 2023 على مطار مروى شمال السودان بحجة وجود طيران مصري يستعد لمهاجمة قواته في الخرطوم، وبالفعل أسرت قوات الدعم السريع ضباطا مصريين كانوا ينفذون بروتكولا تدريبيا مع الجيش السوداني، ونقلتهم إلى الخرطوم قبل أن يتم إطلاق سراحهم لاحقا بواسطة الصليب الأحمر الدولي، وما زال قوات الدعم السريع تجدد اتهاماتها لمصر، حيث أشار حميدتي إلى ذلك في خطابه الأخير عدة مرات.

والواقع أن مصر لم تخف وقوفها مع مؤسسات الدولة السودانية وفي مقدمتها القوات المسلحة، الضامن الوحيد لسلامة أمن السودان وحدود مصر الجنوبية التي أصبحت مهددة بهجمات تحالف "حميدتي- حفتر"؛ التي وصفها مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير حسام عيسى بأنها محاولة لجر مصر لحرب السودان، وفتح جبهة جديدة على حدودها الجنوبية بالتزامن مع الحرب المدمرة في حدودها مع غزة.

من ناحيتها، أدانت حكومة الدبيبة المعترف بها دوليا في طرابلس تورط جماعات ليبية مسلحة في حرب السودان إلى جانب الدعم السريع، فيما نفت حكومة شرق ليبيا علاقتها بالهجمات رغم الاعترافات الموثقة لجنود ليبيين يتبعون للكتيبة السلفية تم أسرهم بواسطة الجيش السوداني في المعارك الأخيرة، كما أن الجيش السوداني أكد مشاركة "الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر في الاعتداء على قواته في المثلث، متوعدا بالرد عليها في أقرب وقت.

وتبحث قوات الدعم السريع المتمردة عن جبهات جديدة للقتال وتهيئة مسارح جديدة للحرب لمنع متحركات الجيش السوداني المتأهبة من داخل إقليم كردفان للتقدم نحو الفاشر وفك الحصار عن المدينة التي تشهد أوضاعا مأساوية بالغة التعقيد بسبب الحصار والقصف المستمر من جانب الدعم السريع للمرافق الخدمية ومعسكرات النازحين والمستشفيات والاعتداءات المتكررة على القوافل الإنسانية التي تسيرها المنظمات الدولية لإغاثة سكان المدينة.

النزاع الحديث في منطقة المثلث جزء من الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة، وهو صراع مباشر بين حلفاء الدعم السريع وأصدقاء السودان، وصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما وروسيا والصين؛ وسط مخاوف غربية من سيطرة روسيا على شواطئ بورتسودان والمناطق الغنية بالنفط والذهب في شمال وشرق السودان.

وبنظرة سريعة على مواقف جوار السودان من الحرب المستمرة في عامها الثالث نجدها متباينة بين الحياد والانحياز لصالح الدعم السريع، بل إن بعضها أنشأ مواقع عسكرية له على الحدود السودانية تحت غطاء إنساني، بينما جاهرت مصر وإرتريا فقط بمواقفهما الداعمة للجيش والحكومة السودانية منذ انطلاق الحرب الحالية، في حين تتهم الحكومة السودانية تشاد صراحة بفتح أراضيها لقوات الدعم السريع لاستخدامها كقاعدة عسكرية ومستشفى لعلاج منسوبيها، وتشهد علاقة البلدين تدهَورا غير مسبوق في السنوات الأخيرة.

وليس بعيدا من تشاد فإن جمهورية النيجر كانت في صف الداعمين للدعم السريع نظرا للعلاقة الشخصية بين حميدتي والرئيس السابق محمد بازوم الذي حصل على دعم كبير من حميدتي لحملته الانتخابية، قبل أن تطيح به قيادة الجيش وتضعه قيد الإقامة الجبرية، ولم تفلح الضغوط الدولية والإقليمية بقيادة فرنسا والاتحاد الأفريقي ودول الجوار في إعادته للسلطة. وتتأرجح مواقف إثيوبيا التي كانت أول المستقبلين للمبعوث الشخصي لقائد الدعم السريع ثم استضافتها لحميدتي شخصيا وحلفائه في تحالف "صمود"، فضلا عن اجتماعات ومؤتمرات تغيبت عنها الحكومة السودانية لمساواتها بين الحكومة الشرعية والمتمردين.

وبنظرة سريعة على ردود الفعل في الدول الثلاث، ليبيا ومصر والسودان، فقد التأم مجلس الدفاع السوداني للوقوف على الأوضاع الأمنية في البلاد، وهو اجتماعه الأول بعد قطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وغالبا ما تكون اجتماعاته مرتبطة بتطورات خارجية في مسار الحرب. ولم يصدر من الجانب الرسمي في مصر أي تعليق على الأحداث، وعلقت وزارة خارجية شرق ليبيا بالنفي على اتهامات الجيش السوداني بالانتشار داخل أراضيه، بينما يعتبر بعض مناصري حفتر أن ما يجري في الحدود السودانية الليبية محاولة لتشتيت جهود قوات حفتر التي تحاول دون جدوى الوصول إلى طرابلس منذ سنوات.

توغل قوات حفتر داخل الأراضي السودانية، يعرض المنطقة لحرب إقليمية بين دول المثلث وربما أكثر في القريب العاجل
وبالعودة إلى المواقف الإقليمية قبل اندلاع الحرب في السودان، تعد مصر حليفا استراتيجيا لخليفة حفتر في مشروعه الرامي للسيطرة على طرابلس وكامل التراب الليبي ضمن الصراع الإقليمي المستمر في المنطقة، لذا فإن التدخل العسكري المصري في منطقة المثلث مستبعد حاليا؛ كون الجيش السوداني قادر على استعادة السيطرة عليه، نظرا لأهميته الاقتصادية إلى جانب أنه المنفذ الرئيس لعمليات الهجرة غير الشرعية من مناطق القرن الأفريقي تجاه القارة الأوروبية، مما دفع الدول المستقبلية للمهاجرين لتوقيع اتفاق عُرف بعملية الخرطوم (Khartoum poroses) للحد من تدفق المهاجرين عبر السودان.

ويعبر كثير من السودانيين عن قلقهم من مشاركة قوات خليفة حفتر إلى جانب الدعم السريع في حرب السودان، ويعتبرونها محاولة لإعادة الروح لقوات الدعم السريع بعد الهزائم المتكررة التي منيت بها، حتى أصبحت تقاتل على الحدود السودانية الليبية بعد أن كانت قواتها تتمركز في القصر الجمهوري وسط الخرطوم قبل نحو شهرين، كما تواجه الحملة التي يقودها نائب حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو لإعادة بناء قواته؛ صعوبات تتمثل في رفض الإدارات الأهلية وزعماء العشائر في دارفور الزج بأبنائهم في العام الثالث من الحرب بعد المصير المجهول للمئات من قوات الدعم السريع الذين قتلوا في معارك العامين الماضيين؛ إلى جانب الآلاف من المصابين الذين يعانون الإهمال والوعود الكاذبة بالعلاج خارج السودان.

عموما، فإن توغل قوات حفتر داخل الأراضي السودانية، يعرض المنطقة لحرب إقليمية بين دول المثلث وربما أكثر في القريب العاجل.

مقالات مشابهة

  • كيف تفكك سياسات السيسي مراكز الثقل الاستراتيجية بمصر في ظل حروب الجيل الخامس؟
  • بين تهنئة محمد كاكا ودعم حفتر … ماذا يحدث في خاصرة السودان الغربية؟
  • كيكل: قواتنا تتقدم في كردفان وإلى دارفور وحتى آخر الحدود السودانية
  • الفوج الثاني من العودة الطوعية يغادر الأقصر إلى السودان برعاية شيخ الأزهر وبدعم القنصلية السودانية
  • السوداني يزور مركز امتحاني في بغداد
  • مشاورات مصرية ألمانية بشأن تداعيات الأحداث في الشرق الأوسط ودعم العلاقات الثنائية
  • الجيش السوداني والدعم السريع يتنازعان السيطرة على منطقة المثلث الاستراتيجية
  • الحويج: لسنا طرفًا في نزاع السودان.. وحدودنا خط أحمر
  • المثلث السوداني المصري الليبي.. هل يصبح مسرحا جديدا للصراع الإقليمي؟
  • السيد القائد يدعو إلى خروج مليوني غداً دعماً لغزة.. موقفنا ثابت ومسؤوليتنا الإيمانية مستمرة