في عمق الصحراء الغربية الشمالية للسودان، حيث تلتقي الحدود مع مصر وليبيا، اندلع صراع جديد في منطقة نائية تُعرف بـ"مثلث جبل العوينات"، هذه البقعة القاحلة، التي طالما بدت منسية، تحولت فجأة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، مع اشتداد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي انفجرت في أبريل 2023. اعلان

في الأسابيع الأخيرة، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على هذا "المثلث الاستراتيجي"، ونشرت مقاطع مصورة توثّق انتشار مقاتليها في المنطقة الحدودية، ووصفت في بيان رسمي هذا التقدم بأنه "نصر نوعي"، يمهّد لفتح جبهات جديدة في قلب الصحراء، التي ظلت حتى وقت قريب خارج نطاق المعارك.

الجيش السوداني من جهته لم يتأخر في الرد، إذ أوضح أن انسحابه من الموقع جاء في إطار "ترتيبات دفاعية" لصدّ الهجمات، مشيراً إلى أن هذا التراجع لا يعني نهاية الوجود العسكري في المنطقة. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل اتهم صراحةً قوات خليفة حفتر، قائد "الجيش الوطني الليبي"، بدعم خصومه، في أول إشارة مباشرة لتورط قوى إقليمية براً في النزاع.

Relatedالسودان: الدعم السريع تقصف مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان ومليون طفل معرض للكوليراالعنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحربإشتباكات متصاعدة وكوليرا منتشرة.. الأزمات تخنق السودانيين منطقة منسية تعود إلى الواجهة

مثلث جبل العوينات، الواقع عند تقاطع الحدود بين السودان ومصر وليبيا، لطالما اعتُبر من أكثر المناطق عزلة في قلب الصحراء الكبرى. وقد بدأ اسمه يظهر في السجلات الجغرافية بعد زيارة الرحالة المصري أحمد حسنين باشا مطلع القرن العشرين، عندما وثّق نقوشاً صخرية تعود لما قبل التاريخ.

ورغم ما تنطوي عليه من تاريخ وجيولوجيا مثيرة، ظلّت المنطقة مهمَلة لسنوات طويلة، نتيجة التضاريس الوعرة وغياب التجمعات السكانية. بل إن تبعيتها الجغرافية ظلت موضع غموض، خصوصاً بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسودان عام 1925، التي لم تفصل بشكل نهائي في مصير هذا المثلث الصحراوي.

غير أن عقود الإهمال لم تحجب أعين الطامعين، فمع مرور الزمن، تكشفت مؤشرات على وجود ذهب ومعادن ثمينة، كما تحوّل الموقع إلى معبر رئيسي لتهريب البشر والسلاح والوقود، في مسارات تمتد من القرن الإفريقي إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا.

ثقل جيوسياسي جديد في قلب الرمال

يرى عبدالله آدم خاطر، الخبير في شؤون دارفور، أن مثلث العوينات يحمل رمزية تاريخية لا تقل عن قيمته الجيوسياسية، ويقول لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "المنطقة كانت ذات يوم تنبض بالحياة، وتضم موارد مائية وامتداداً قبلياً مشتركاً بين السودان وليبيا". ويضيف: "ما نشهده اليوم هو تحول تدريجي لهذه البقعة إلى ساحة صراع إقليمي بسبب غناها بالثروات".

حتى وقت قريب، كانت العوينات تحت سيطرة جزئية للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، مع وجود محدود للجيش نفسه. كما أنها تضم عشرات الآلاف من المُعدنين الأهليين، ما يعكس حجم النشاط غير الرسمي المرتبط بالذهب في المنطقة.

لكن التصعيد الأخير أخرج النزاع من إطاره المحلي. فوزارة الخارجية السودانية أصدرت بياناً شديد اللهجة، اتهمت فيه "كتيبة سلفية" تابعة لقوات حفتر بالمشاركة في المعارك، كما وجهت أصابع الاتهام إلى دولة الإمارات، معتبرة أنها تقدم دعماً لوجستياً وعسكرياً لقوات الدعم السريع، في "تعدٍ مباشر على سيادة السودان"، على حد تعبير البيان.

الإمارات، من جانبها، تنفي بشكل متكرر أي تدخل في النزاع السوداني.

قلق إقليمي متصاعد

في الشمال، تتابع القاهرة تطورات المثلث الحدودي عن كثب، إذ لا يخفى أن تحوّل المنطقة إلى معقل للتهريب قد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فخطر انتقال الأسلحة والمهاجرين غير النظاميين من السودان عبر ليبيا إلى الأراضي المصرية أو إلى الضفة الشمالية من المتوسط، أصبح احتمالاً حقيقياً، يضع المنطقة كلها على حافة اضطراب واسع.

يقول الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، إن للمثلث أهمية أمنية واقتصادية بالغة. ويشرح: "إلى جانب وجود مناجم ذهب نشطة، تُعد المنطقة ممراً حيوياً لتجارة غير رسمية تشمل الوقود والذهب، تمد ولايات مثل كردفان ودارفور بالإمدادات الأساسية".

ويضيف أن "الموقع الجغرافي للمنطقة، وتضاريسها الوعرة، يجعلان منها ممر تهريب رئيسي لعصابات البشر والسلاح، خاصة باتجاه الجماعات المسلحة في عمق الصحراء الكبرى".

نقطة تحوّل... أم بداية حرب جديدة؟

المخاوف لا تتعلق فقط بما يجري اليوم، بل بما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً. فالمثلث الحدودي لم يعد مجرد موقع جغرافي متنازع عليه، بل أصبح رمزاً لصراع يتجاوز الداخل السوداني، ليطاول أمن واستقرار شمال إفريقيا بأكمله.

المراقبون يحذرون من أن استمرار الانفجار في هذه البقعة قد يُحدث تغييرات في موازين القوى، ويخلط أوراق التحالفات الإقليمية، وربما يُنتج أزمة جديدة تضاف إلى سجل الأزمات التي تشهدها القارة منذ سنوات.

ومع كل شريط فيديو يُنشر من رمال العوينات، ومع كل تصريح جديد من أطراف النزاع، يزداد الإحساس بأن هذه الرمال، التي كانت ساكنة لعقود، بدأت تتحرك، ليس فقط تحت أقدام المقاتلين، بل أيضاً في خرائط السياسة والجغرافيا والاستراتيجيات.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب غزة سوريا إيران الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل دونالد ترامب غزة سوريا إيران الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مصر سياسة قوات الدعم السريع السودان ليبيا حدود صحراء إسرائيل دونالد ترامب غزة سوريا إيران الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحمد الشرع سياحة البرنامج الايراني النووي الحرس الثوري الإيراني تحطم طائرة مدارس مدرسة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يبدأ ترتيبات دفاعية لاستعادة “المثلث”

البلاد ـ الخرطوم
أعلن الجيش السوداني، أمس (الأربعاء)، إخلاءه لمنطقة المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة وصفها بـ”الترتيبات الدفاعية لصد العدوان”، بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المنطقة، ووصفت تحركها بأنه “تحوّل استراتيجي” في تأمين الحدود الشمالية.
واتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بالهجوم على نقاطه الحدودية في المنطقة، بمساندة قوات من الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، معتبراً ذلك “تعدياً على سيادة البلاد”.
وأكد أنه سيتصدى لأي اختراقات تمس الأرض أو الشعب، غير أن الجيش الليبي سارع إلى نفي مشاركته في أي عمليات داخل السودان، واعتبر الاتهامات “مزاعم باطلة”، محذراً من الزج باسمه في “صراعات داخلية” قد تؤجج التوترات الإقليمية. وشدد على التزامه بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وتحولت المنطقة الحدودية بين السودان وليبيا ومصر، ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، إلى ميدان جديد في الحرب المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي دخلت عامها الثالث منذ اندلاعها في أبريل 2023. ويخشى مراقبون من أن يفتح هذا التصعيد فصلاً جديداً في الحرب، قد يشعل توترات إقليمية في المنطقة الصحراوية الواسعة.
وسط التصعيد العسكري، تستمر الأزمة الإنسانية في السودان بالتفاقم، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى تهجير أكثر من 13 مليون شخص، وسقوط عشرات آلاف القتلى، في ظل نقصٍ حاد في الغذاء وانهيار الخدمات الصحية. كما حذرت تقارير دولية حديثة من احتمال دخول ملايين السودانيين في مجاعة شاملة خلال الأشهر المقبلة، ما لم يتم وقف القتال وفتح ممرات إنسانية عاجلة.
ويرى محللون أن اتهام الجيش السوداني لقوات حفتر يعكس مخاوف من تدويل الصراع وتحويل المناطق الحدودية إلى منصات نفوذ عابرة للدول. كما يعبّر عن قلق متزايد من فقدان السيطرة على أطراف السودان الجغرافية لصالح جماعات مسلحة تسعى لتثبيت واقع عسكري على الأرض، في غياب أي تسوية سياسية حقيقية.
في حين تؤكد قوات الدعم السريع أنها “تؤمّن البلاد وتحمي المدنيين”، إلا أن معطيات الميدان تُظهر استمرار المواجهات الدامية، وتزايد الانقسامات الجغرافية والعسكرية، وسط شلل تام في العملية السياسية وغياب مسار موحد للحل.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني والدعم السريع يتنازعان السيطرة على منطقة المثلث الاستراتيجية
  • ما تداعيات سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي بمساعدة حفتر؟
  • التجمع الاتحادي: سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي «تطور خطير»
  • الجيش السوداني يبدأ ترتيبات دفاعية لاستعادة “المثلث”
  • الدعم السريع يعلن السيطرة على المثلث الحدودي مع مصر وليبيا بعد انسحاب الجيش السوداني
  • «الدعم السريع» تعلن السيطرة على مثلث الحدود مع مصر وليبيا والجيش يقر بـ«الإخلاء»
  • الجيش السوداني ينسحب من منطقة العوينات الحدودية مع ليبيا ومصر
  • الجيش السوداني يتهم قوات حفتر بدعم هجوم للدعم السريع على موقع حدودي
  • الجيش السوداني يتهم حفتر بمساندة مباشرة للدعم السريع