لو كنت من جيل أغاني التسعينيات، فبالتأكيد تعرف أن لا معنى للصيف، بدون حفلة عمرو دياب في العجمي، لن يمكنك نسيان مشاهد غنائه على رمال شاطئ بيانكي، في صيف الإسكندرية، مع عشرات الآلاف من الاسكندرانية والمصيفين، ممن كانوا يأتون سنوياً، لحضور حفلات «الهضبة»، ومتابعة أحدث صيحات الموضة في ملابسه التي يقلدها الشباب في اتفاق ضمني دون سؤال عن السبب، وسرعان ما يرتدونها من ثاني يوم الحفل، مثلما يتوافدون على رمال الشاطئ للاستمتاع بأغاني «ميال»، «متخافيش»، «عودوني»، «نور العين»، «راجعين»، «تمللي معاك»، ويدندنون معه «يا عمرنا»، ليمر شريط العمر بأكمله في لحظات استثنائية يكون بطلها صوت عمرو دياب.

ومن «رملة العجمي»، إلى «شاشات مهرجان العلمين»، وقف الهضبة، لم يتغير، لم ينل الزمن من صوته، لم يضعف شغفه، لم تقل شعبيته، لم تبهت ملامحه، لم تصمت أغانيه، وإنما تجددت في ثياب التقنيات الحديثة، لتواكب أجيالاً جديدة ربما لم تزُر بيانكي، ولا تعرف مكان «العجمي» على خريطة مصر.

انطلقت أغاني عمرو دياب بنفس القوة والحماسة والشغف، كالتي تردد صداها بين «شاليهات» الذكريات، ولكنها هذه المرة من مسرح «يو آرينا»، مدينة المستقبل الذكية، العلمين الجديدة، المقر الجديد للدهشة.

ومن عجائب الأقدار، أن شهر أغسطس الذي كنا نعرفه قاسياً في حرارته، شديداً في وهج شمسه، جاء هذه المرة حنوناً، وافتتح أول أيامه بـ«طراوة» من نوع خاص، وكأنما أعاد المناخ «ضبط المصنع»، خصيصاً من أجل عيون الهضبة، وكأنما يحاول استعادة زمن كان كل شيء فيه معتدلاً، حتى درجات الحرارة، زمن لم يعرف ظواهر «الاحتباس الحراري»، وكأنما قرر مناخ الساحل أن يليق بـ«طقس الهضبة الزمني» حين يحكي بصوته تاريخ البحر والغناء على مدار 4 عقود.

لا مجال للمقارنة بين زمن مكبرات الصوت على رمال الشواطئ، وهندسة الصوت على الـLED، ولا حديث هنا عن تحولات طريقة حجز التذاكر من الشبابيك إلى التطبيقات الذكية، أو استحداث نظم «الفاير» والإبهار الاستعراضي على خشبة المسرح، كجزء مكمل لفقرات الغناء حالياً، نحن هنا، فقط، في حضرة التجربة المثيرة الملهمة لعمرو دياب، حين تكون السماء أقرب، ويكون صوت عمرو سيرة مفتوحة بين القلوب، ترسم ملامح الحلم وتشكل ذاكرة الوجدان، فيما يشبه «أرشيف المشاعر»، وتحولاتها داخل الصدور بين فرحة وأمل ويأس وقلق وترقب وحزن وحتى «بين بين».

كان حفل أول جمعة من أغسطس بمهرجان العلمين، بقيادة الهضبة، بمثابة تجديد عهد بين نجم لا يشيخ، وجمهور رافض التنازل عن شبابه، فلم يكن عمرو هو من صعد على خشبة المسرح، وإنما كان الزمن ذاته من فعل، في فصل جديد للتواصل مع الذات، بصورة متماسكة للجمال، تتغير دون أن تهتز، وتتماهى مع العصر دون أن تفقد جوهرها، في توقيت أشبه بـ«اللحظة السائلة» التي لا تنتمي لزمن محدد، خليط من النوستالجيا والتجريب، من الإيقاعات المحفوظة إلى النبض الحداثي ببصمة «ديايبية» مميزة لا تخطئها أذن، مع حضور طاغٍ لأنماط موسيقية إلكترونية متطورة، وتفاعل لافت لسلسلة أجيال منها من يتراقص في عنفوان المرح، ومنها من يبتسم في حالة تأمل للذكريات الغائرة، يدوّي صوت الهضبة في لحظة جامعة للكل، مانعة للوحدة، ماتعة للقلوب.

عمرو يعترف أنه لا يجيد الكلام على المسرح، ولكنه حين يعتليه يقول الكثير بأغانيه وموسيقاه ليعلم الشباب كيف يكون الحب مشبعاً بالإيقاع، وكيف يمكن للحزن أن يرقص، لا يقدم خطابات عاطفية، بل أرشيفاً سمعياً للوجدان المصري والعربي، يصلح لأن يكون خلفية في كل الأوقات، لإشباع كل حالاتنا الشعورية، حين نفرح ونبكي، وحين نبدأ من جديد، وحدة قياس مشاعر متناقضة متأرجحة في دوامات الحياة، يسبق الجميع، ويقدم قوالب موسيقية متطورة، وضعته علي قمة قوائم التشغيل المفضلة لتشكيل ملامح الصيف، وكل صيف.

امتزج الإيقاع الغربي بالعبارة المصرية البسيطة القصيرة، واختلطت الموسيقى الشرقية بالبوب بالتكنو باللاتيني، خليط مدهش رسم خلاله عمرو رومانسيات غريبة الشكل لكنها قريبة الملمس، كخريطة شوق طويلة مرسومة بالموسيقى والنغم، سبقته، لأول مرة، دي جي لبنانية ومنسقة موسيقى عالمية تدعى «كلوي كتيلي»، قبل أن يشرق بإطلالة شبابية باللون الأسود الذي يليق به، بعد إطلالته في الصيف الماضي بقميص أبيض، وما بين اللونين الأساسيين، الأبيض والأسود، تظل إطلالات الهضبة ماركة مسجلة.

حينما تمايل جمهور العلمين، يوم الجمعة الماضي، على نغمات الهضبة، لم يكن مجرد تناغم مع موسيقى متجددة، وإنما امتداد خيوط الأمل في حاضر صاخب، ومستقبل غيبي لا نعلم عنه شيئاً، سوى أن صوت عمرو سيكون فيه، وفي لحظة امتزج فيها صوت البحر بصوته، بدا وكأن مسرح «يو آرينا»، مرآة ممتدة من العجمي للعلمين، من الماضي إلى الحاضر، من الحلم إلى ما هو أبعد، ووسط أضواء الليزر المبهرة، والألوان الذهبية والفضية للاستعراضات، وقف عمرو دياب كأنه يقول لنا: «لسه الحكاية ما خلصتش.. ولسه الأغنية اللي جوّانا بتدوّر على نغمتها».

اقرأ أيضاً200 مليون استماع.. عمرو دياب يحطم الأرقام القياسية بألبوم «ابتدينا»

عمرو دياب يلهب حماس الجمهور في حفل غنائي ضخم بـ العلمين الجديدة

مصطفى حدوته: عمرو دياب المعنى الحقيقي للنجاح وأيقونة لن تتكرر.. فيديو

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: العلمين الموسيقى الشرقية الهضبة حفل العلمين عمرو دياب كلوي كتيلي عمرو دیاب صوت عمرو

إقرأ أيضاً:

مايا دياب ترد على أصالة: بلا وفاء.. وما عندي وقت أحكي عنها

ردّت الفنانة اللبنانية مايا دياب على تصريحات الفنانة السورية أصالة، التي أثارت جدلاً واسعاً مؤخراً، بعد تجاهلها ذكر ألبوم مايا الجديد خلال أحد المؤتمرات الصحفية، حيث علّقت أصالة عند سؤالها عن رأيها بالألبوم قائلة:
"مين؟ نزلت ألبوم؟ ألف مبروك، من سوء حظي ما سمعتو. خلّوا المؤتمر فني وخلّينا مبسوطين مع بعض."

اسكتي .. خلاف حاد بين مايا دياب وأصالة لسبب مثيرأصالة تفجر مفاجأة بقرار حاسم لها.. ما القصة ؟


وفي مقابلة مع برنامج "ET بالعربي"، ردّت مايا دياب قائلة:
"أصالة إنسانة بلا بقوى وفاء، وإن شاء الله ما يكون عندي وقت مؤتمر غير فني وأحكي فيه عن أصالة."

تصريح مايا جاء كرد غير مباشر على ما وصفه متابعون بـ"تجاهل متعمد" من أصالة، خاصةً أن الأخيرة لم تذكر أي من الفنانات المشاركات في الساحة الغنائية عند الحديث عن إصدارات جديدة، ما فتح باباً واسعاً للتأويلات والجدل عبر مواقع التواصل.

طباعة شارك مايا دياب أصالة ازمة صالة ومايا دياب

مقالات مشابهة

  • مايا دياب ترد على أصالة: بلا وفاء.. وما عندي وقت أحكي عنها
  • علي جمعة يدلي بصوته في انتخابات الشيوخ 2025
  • عمرو دياب يواصل صدارة يوتيوب وحمزة نمرة في صعود
  • مايا دياب لـ أصالة: أنتِ بلا بقوى.. فيديو
  • 200 مليون استماع.. عمرو دياب يحطم الأرقام القياسية بألبوم «ابتدينا»
  • جوري بكر تستعيد ذكريات جعفر العمدة وتشكر عمرو دياب
  • مفاجآت كتير.. تصرف غريب من عمرو دياب في مهرجان العلمين
  • صعد إلى المسرح.. محمد لطفي يتصدر التريند بعد ظهوره في حفل عمرو دياب
  • عمرو دياب يلهب حماس الجمهور في حفل غنائي ضخم بـ العلمين الجديدة