تقرير أمني ينبه أنقرة إلى دروس الحرب الإيرانية الإسرائيلية
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
أنقرة- أصدرت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات، التابعة لجهاز المخابرات التركي الجمعة الماضية، تقريرا تحليليا بعنوان: "حرب 12 يوما والدروس المستفادة لتركيا"، تناولت فيه الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران التي اندلعت في يونيو/حزيران 2025.
يسلط التقرير الضوء على الثغرات المحتملة في منظومة الاستعدادات التركية لمواجهة سيناريو مشابه، موجها سلسلة من التحذيرات الصريحة والتوصيات العاجلة إلى المؤسسات المعنية بالأمن والدفاع.
ويكتسب أهميته من كونه صادرا عن جهة أمنية رفيعة، وفي توقيت تتزايد فيه احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة، ما يجعله بمثابة إنذار مبكر يستوجب التعامل الجاد مع ما يطرحه من تحديات واستحقاقات أمنية عاجلة.
تحذيرات وتوصياتقدم التقرير قراءة أمنية مباشرة لما وصفه بـ"دروس الحرب الإيرانية الإسرائيلية"، مؤكدا أن التجربة الأخيرة تمثل جرس إنذار مبكر يستدعي إعادة النظر في جاهزية أنقرة لأي مواجهة إقليمية مفاجئة. وتضمن حزمة من التوصيات العاجلة، شملت مستويات متعددة من الدفاع المدني والعسكري، إضافة إلى التهديدات غير التقليدية المرتبطة بالأمن السيبراني والاجتماعي والاقتصادي.
وشدد على ضرورة بناء نظام دفاع جوي "متعدد الطبقات"، يوفر مظلة شاملة لحماية المجال الجوي التركي، مع تركيز خاص على الارتفاعات المنخفضة التي تعد أكثر عرضة للهجمات المباغتة. وأوضح أن الحرب الأخيرة كشفت عن تفوق جوي إسرائيلي، ما يحتم على أنقرة تسريع جهود تعزيز دفاعاتها الجوية، خاصة في محيط المنشآت الحساسة كمقار الأمن والاستخبارات والمطارات العسكرية.
كما خصص حيزا موسعا لمراجعة أداء الصواريخ الإيرانية في الحرب، لافتا إلى أن الصواريخ الفرط صوتية، التي استخدمتها طهران بكثافة، شكلت تحديا حقيقيا لأنظمة الدفاع الإسرائيلية المتطورة. ونبه لأهمية تسريع الاستثمارات التركية في تطوير وإنتاج صواريخ باليستية وفرط صوتية، ليس فقط لتعزيز الردع، بل لضمان امتلاك قدرة دفاعية فاعلة ضد هجمات من هذا النوع.
إعلانعلى الصعيد المدني، أكد التقرير أن الجبهة الداخلية لا تقل أهمية عن الخطوط الأمامية، داعيا إلى خطة وطنية عاجلة لإنشاء ملاجئ جماعية تحت الأرض في المدن الكبرى، مزودة بتجهيزات طارئة وممرات آمنة وسعة كافية للاستيعاب السكاني. كما شدد على ضرورة تجهيز المرافق الحكومية الحساسة بملاجئ مستقلة، تضمن استمرار التشغيل أثناء حالات الطوارئ.
وأوصى أيضا بتحديث أنظمة الإنذار المبكر وربطها بشبكات استشعار عالية الكفاءة، مشيرا إلى أن أحد أبرز أسباب ارتفاع الخسائر المدنية في إيران كان غياب أنظمة فعالة للإنذار، مقابل جاهزية واضحة في إسرائيل مكنتها من تقليص الخسائر رغم كثافة الهجمات.
وركزت الأكاديمية الاستخبارية في تقريرها على مسألة "الثغرات الداخلية"، واصفة إياها بأنها مكامن ضعف محتملة قد تُستغل من جهات خارجية. ولفتت إلى أن نجاح إسرائيل في توجيه ضربات دقيقة داخل إيران لم يكن فقط نتيجة تفوق تكنولوجي، بل بسبب وجود شبكات من العملاء المحليين ساعدوا على تحديد الأهداف وتسهيل الاختراقات.
مجتمع متينودعا التقرير الدولة إلى تعزيز مناعة المجتمع التركي بمبادرات إستراتيجية، من أبرزها مشروع "تركيا بلا إرهاب"، الذي يستهدف اجتثاث البنى التحتية للتطرف وتكريس مفهوم التعايش والتضامن بين مكونات المجتمع. كما أوصى بوضع خطط اقتصادية تحصينية تخفف من وطأة الأزمات المعيشية التي قد تضعف تماسك المجتمع وتفتح المجال للحملات النفسية المعادية.
من جانبه، يرى مراد أصلان، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات التركية، أن الدولة خاضت على مدار أكثر من أربعة عقود صراعا طويلا ضد الإرهاب، لا سيما المرتبط بادعاءات عن حقوق الأكراد، والذي غالبا ما اتخذ طابعا عرقيا أو مذهبيا بتأثير من قوى خارجية.
ويقول للجزيرة نت، إن هذه القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، برز دورها بوضوح بعد عام 2016، حين كان يُنظر في تركيا إلى التحريض الغربي كأداة دافعة لتغذية الانقسامات الداخلية. ويستحضر تجربة السبعينيات، حين لعب الاتحاد السوفياتي دورا في تأجيج الصراعات الأيديولوجية داخل تركيا، مما انعكس حينها على شكل مواجهات دامية في الشوارع.
ورغم ذلك، يشدد أصلان على أن أنقرة لم تنزلق قط إلى هاوية الانقسام الداخلي أو انهيار النظام السياسي، بل نجحت في تجاوز فترات التوتر دون أن تتعرض لانكسار حقيقي في بنية الدولة أو النظام. ويذكر بمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، التي كانت أول تهديد مباشر للدستور والنظام الجمهوري من جماعة دينية، مؤكدا أن الدولة نجحت حينها في احتواء التهديد والدفاع عن مؤسساتها.
ويخلص إلى أن مثل هذه "الهشاشة" موجودة نظريا في كل المجتمعات، لكن النسيج التركي ومتانة مؤسساته تمنع استغلالها أو تحولها إلى نقطة ضعف. ويؤكد أن الولاء للجمهورية التركية يبقى حاضرا في مواجهة كل محاولات التقسيم أو التفتيت، مهما اختلفت أشكالها أو الجهات التي تقف خلفها.
إعلانيرى التقرير أن ما يميز حرب 12 يوما، أنها تمثل نموذجا واضحا لصراعات الجيل الجديد، حيث لم تعد الحرب تقتصر على الاشتباك العسكري، بل باتت معركة شاملة توظف أدوات القوة الحديثة، من التفوق الجوي إلى الهجمات السيبرانية، مرورا باختراق الجبهات الداخلية.
طابع استشرافيففي الميدان، برزت إسرائيل بتفوقها الجوي باستخدام مقاتلات "إف-35" والمسيّرات، لكن إيران فاجأتها بصواريخ فرط صوتية كشفت عن ثغرات خطِرة في أنظمتها الدفاعية. وتوازيا، دارت حرب إلكترونية استهدفت البنى التحتية الحساسة، ترافقت مع حملات تضليل رقمي هدفت إلى التأثير على الرأي العام، وهو ما قابلته طهران بتقييد تطبيقات التواصل.
كما لعبت الاستخبارات دورا محوريا، إذ اعتمدت إسرائيل على شبكة عملاء داخل إيران لتحديد الأهداف بدقة، ما سلط الضوء على خطورة الاختراق البشري والتقني. ويحذر التقرير من أن التهديدات المستقبلية قد لا تأتي من الجبهات، بل من الداخل، مستغلة هشاشة اجتماعية أو اقتصادية.
في السياق، يرى المحلل السياسي علي أسمر أن التقرير يحمل طابعا بحثيا واستشرافيا أكثر من كونه وثيقة أمنية عملياتية، لافتا إلى أن توقيت نشره بعد تولي إبراهيم قالن رئاسة جهاز الاستخبارات يمنحه دلالة سياسية وأمنية لافتة.
وأوضح للجزيرة نت، أن التقرير المؤلف من 58 صفحة يتجاوز توصيف الحرب بين إيران وإسرائيل ليطرح رؤية إستراتيجية تركية متقدمة، وأنه يجسد عمليا مقولة الرئيس رجب طيب أردوغان: "إن أردت السلام، فاستعد للحرب".
كما يلفت إلى أن الحديث المفصل عن قدرات إسرائيل العسكرية يحمل رسالة ضمنية مفادها أن تركيا تتابع بدقة، وتستعد لكل السيناريوهات المحتملة. ورغم استبعاده لأي صدام مباشر بين أنقرة وتل أبيب، يرى أسمر أن التقرير يوجه تحذيرا غير معلن لإسرائيل بضرورة احترام التوازن الإقليمي.
ولا تقتصر الرسائل على الخارج، وفقا له، بل تمتد للداخل التركي أيضا، لتؤكد أن الجاهزية العسكرية لا تقل أهمية عن الاستقرار الاقتصادي، مشددا على أن دعم الصناعات الدفاعية ضرورة وطنية في ظل بيئة دولية تتسم بالتقلب ووجود قواعد أجنبية داخل البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات إلى أن
إقرأ أيضاً:
الخارجية الإيرانية: لن نجري مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة
عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا يفيد بأن الخارجية الإيرانية، قالت إن مسئول من الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيزور طهران خلال 10 أيام، وأن الترويكا الأوروبية ليس لديها أي حق قانوني في إعادة فرض العقوبات ونحذر من التداعيات إذا قررت ذلك.
وأضافت الخارجية الإيرانية: لن نجري مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وسنتخذ إجراءات الرد المناسبة في حال تفعيل آلية الزناد.
وفي وقت سابق ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الحكومة في طهران قررت إنشاء مجلس جديد للأمن القومي، في أعقاب حرب الـ12 يوما مع إسرائيل.
ووفقا لوسائل الإعلام شكلت هذه الحرب التحدي العسكري الأخطر الذي تواجهه البلاد منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين.
سيكلف المجلس الجديد بدراسة الخطط الأمنية الإيرانية وتحسين قدراتها العسكرية.
وسيرأس المجلس الجديد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ويضم مسئولين كبار من حكومته، وممثلين رفيعي المستوى من المؤسسة الدفاعية والجيش.