يستفيد العلم في كثير من الأحيان من فرق الباحثين متعددي التخصصات، إلا أن العديد من العلماء لا يستطيعون الوصول بسهولة إلى خبراء من مجالات متعددة لإجراء دراساتهم.

وبينما أظهرت نماذج اللغة الكبيرة مثل "شات جي بي تي" و"جيميناي" وغيرها قدرة مبهرة على مساعدة الباحثين في مختلف المجالات، اقتصرت استخداماتها إلى حد كبير على الإجابة عن أسئلة علمية محددة، بدلا من إجراء أبحاث مفتوحة، وهو ما سعى إلى تغييره فريق من علماء جامعة ستانفورد.

في هذا السياق، نجح الباحثون في تطوير "مختبر افتراضي" متكامل يتكون من "وكلاء ذكاء اصطناعي" يتعاونون كفريق بحث علمي مستقل.

هذا المختبر الافتراضي تمكن ليس فقط من توليد أفكار علمية جديدة، بل نجح في تصميم كشف علمي جديد في العالم الواقعي تماما كما يفعل العلماء. وقد نشر الفريق أحدث دراساته في دورية "نيتشر" المرموقة.

ويقول جيمس زو، من قسم علوم الحاسوب في جامعة ستانفورد، والمؤلف المراسل، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "مختبرنا الافتراضي هو فريق من وكلاء ذكاء اصطناعي يعملون معا لتنفيذ أبحاث علمية معقدة. وفي بحثنا، أثبتنا أن هذا المختبر تمكن من تصميم روابط نانوية واعدة ضد متغيرات جديدة من فيروس كورونا، وقد تم التحقق من فعاليتها تجريبيا".

العلماء الذين قاموا بإجراء الدراسة، وهم من اليسار لليمين: ويسلي وو، وناش بولاونغ، وجون باك (مركز "تشان زوكربيرغ بايوهاب" الحيوي)من الفكرة إلى الاكتشاف

المختبر الافتراضي الذي طوره الفريق هو نظام قائم على نماذج اللغة الكبيرة، حيث يؤدي كل وكيل دورا علميا متخصصا، كأنك بين فريق يحتوي على عالم مناعة، وعالم بيانات، وناقد علمي، وغيرهم.

ويُدار هذا الفريق بواسطة وكيل أيضا يعمل كـ"باحث رئيسي"، وتحدث بينهم اجتماعات كما لو كانوا بشرا يتبادلون الأفكار ويقيمونها ضمن سلسلة مراحل واضحة.

إعلان

يقول زو: "وجدنا أن استخدام إطار عمل يتضمن عدة وكلاء ذكاء اصطناعي ذوي خبرات مختلفة ينتج علما عالي الجودة مقارنة باستخدام وكيل واحد فقط. فعلى سبيل المثال، كان الوكيل الناقد يكتشف أخطاء أو ثغرات ارتكبها الوكلاء الآخرون، وكانوا يعملون معا لتصحيحها!".

واختار الفريق أن يختبر فاعلية المختبر الافتراضي من خلال تحد حقيقي يكمن في تصميم "أجسام مضادة نانوية" ترتبط بفعالية مع متغيرات حديثة من فيروس كورونا، وتحديدا متغيرين "جي إن 1″ و"كيه بي 3" باستخدام أدوات بيولوجية تقنية متقدمة ومتخصصة في هذا المجال. وقد أنتج المختبر الافتراضي 92 جسما مضادا نانويا بإجراء تعديلات على 4 أجسام مضادة معروفة سابقا.

ثم عمل الباحثون على اختبار هذه الأجسام فعليا في مختبر حقيقي بقيادة مجموعة أخرى في مركز "تشان زوكربيرغ بايوهاب" الحيوي المتخصص، وأثبتت نتائج الاختبارات أن اثنين من هذه الأجسام أظهرا "ارتباطا محسنا".

كما نجح هذان الجزيئان في عدم الارتباط بالبروتينات البشرية، وهو ما يعد إشارة جيدة من حيث الانتقائية، أي أن هذا الجسم النانوي بارع في اختيار الخلايا الفيروسية للتخلص منها، بينما يتجنب الخلايا البشرية.

يقول زو: "أجرت مجموعة جون باك اختبارات صارمة. ثم سعدنا بالمفاجأة، إذ عملت الأجسام المضادة النانوية التي صممها وكلاء الذكاء الاصطناعي فعلا عند اختبارها".

مقتطفات من اجتماع فريق المختبر الافتراضي، حيث يناقش وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين لديهم أدوار فريدة مشروع الأجسام المضادة (جيمس زو)ثورة في البحث العلمي

الميزة الكبرى لهذا النهج تكمن في أنه لا يتطلب وجود علماء بشريين من جميع التخصصات في كل مشروع. بل يمكن للباحث البشري أن يوجّه وكلاء الذكاء الاصطناعي ذوي الاختصاصات المختلفة في اجتماع افتراضي لحل مشكلات معقدة في وقت قصير نسبيا.

يضيف زو: "لقد جعلنا مختبرنا الافتراضي مفتوح المصدر، ونأمل أن يُسرّع وتيرة البحث العلمي في العديد من المجالات. ويمكن للباحثين البشريين استخدام المختبر الافتراضي لسد فجوات في خبراتهم. على سبيل المثال، يمكن لعلماء الأحياء في المختبرات الحيوية التعاون مع وكلاء علوم البيانات من خلال هذا النظام".

رغم هذا النجاح الباهر، يؤكد زو أن وكلاء الذكاء الاصطناعي ليسوا معصومين من الخطأ، ولا يمكنهم القيام بالتجارب البيولوجية بأنفسهم، وهو ما يجعل الشراكة بين الإنسان والآلة ضرورية.

ويقول زو: "يمكنهم اقتراح تقنيات وتصاميم تجريبية جديدة، لكن يبقى دور العلماء البشريين ضروريا لاختبار هذه الأفكار".

ومن أكثر النقاط إثارة في هذا المشروع هي القدرة المحتملة لوكلاء الذكاء الاصطناعي على فتح مجالات بحث جديدة بالكامل، قد لا تخطر على بال العلماء، أو قد لا يكون لديهم الوقت الكافي لاستكشافها.

ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي القادر على التفكير المتسلسل والتعاون المتعدد التخصصات، يفتح المختبر الافتراضي الباب لعصر جديد من الاكتشافات. ورغم أن الدراسة ركزت على تصميم الأجسام المضادة النانوية، فإن البنية المعمارية للمختبر قابلة للتطبيق على مجالات علمية شتى، من الفيزياء إلى علوم البيئة.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات وکلاء الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة لأبحاث الأمراض النادرة

ابتكر فريق بحثي من جامعة كارنيغي ميلون الأميركية، بالتعاون مع شركاء، أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تسهم في الكشف عن المؤشرات الوراثية للأمراض النادرة، ما يسرّع عملية التشخيص ويساعد في تطوير علاجات موجهة لحالات تصيب نسبة ضئيلة من السكان.
وتواجه الأبحاث في مجال الأمراض النادرة تحديات كبيرة، إذ تتطلب دراسة العلاقة بين الطفرات الجينية والأمراض بيانات من عشرات الآلاف من المرضى، وهو ما يصعب تحقيقه نظراً لانخفاض نسبة انتشار هذه الأمراض، التي قد لا تتجاوز 0.01% من السكان.

- اقرأ أيضاً: هل سيبقى دور الأطباء محورياً في عصر الذكاء الاصطناعي؟

ابتكار جيني
لتجاوز هذه العقبة، طوّر الفريق أسلوباً مبتكراً يُعرف باسم "KGWAS" يجمع بين الدراسات الجينية واسعة النطاق "GWAS" وكمّ هائل من بيانات الجينوم الوظيفي، ضمن ما يسمى بـ"قاعدة المعرفة".
وتضم هذه القاعدة 11 مليون رابط بين الطفرات الجينية والجينات وبرامج الجينات، ما يجعلها من الأكبر عالمياً.
ويستفيد KGWAS من تقنيات التعلم العميق لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بقوة ارتباط الطفرات بالأمراض النادرة بدقة أكبر، مع تقليل الضوضاء والنتائج الزائفة في البيانات.

- انظر أيضاً: الذكاء الاصطناعي يسلّح جهاز المناعة بـ"صواريخ" لمهاجمة الخلايا السرطانية

نتائج واعدة
بحسب موقع "ميديكال إكسبريس"، أظهرت نتائج استخدام أسلوب KGWAS أنه يضاعف الاكتشافات الجينية ذات الدلالة الإحصائية مقارنة بالأساليب التقليدية، أو يحقق نفس مستوى الدقة باستخدام عدد عينات أقل بنحو 2.7 مرة.
وتفتح هذه التقنية آفاقاً واسعة أمام تسريع تشخيص الأمراض النادرة، وتطوير أدوية مخصصة، وتحسين فهم الروابط الجينية المعقدة التي تعيق تقدم الأبحاث في هذا المجال.

أمجد الأمين (أبوظبي)

أخبار ذات صلة "Genie 3" من جوجل.. يفتح أبواباً جديدة في التعليم والألعاب والتصميم الافتراضي "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب احتيالي وتطلق أدوات حماية جديدة

مقالات مشابهة

  • كيف غيرت كانفا وجه التصميم بمساعدة الذكاء الاصطناعي؟
  • الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة لأبحاث الأمراض النادرة
  • المغرب ضمن أفضل 10 دول في مؤشر الذكاء الاصطناعي (إنفوغراف)
  • هل سيبقى دور الأطباء محورياً في عصر الذكاء الاصطناعي؟
  • الذكاء الاصطناعي وعصر الفراغ القادم
  • فريق عمل الإشراف على تحفيز استخدام السيارات الكهربائية والهجينة يجتمع مع وكلاء وموزعي السيارات
  • مسؤول في غوغل: ثورة الذكاء الاصطناعي قد تفوق الثورة الصناعية بعشرة أضعاف
  • خبراء يتوقعون انقراض البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي
  • ابتكار عطر بمساعدة الذكاء الاصطناعي