تصاعدت المخاوف العالمية من تداعيات السياسات التجارية الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة على قطاع الغذاء، في ظل بيئة اقتصادية مليئة بالتقلبات وتحديات متزايدة لسلاسل الإمداد العالمية.

الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على مجموعة واسعة من المنتجات والمواد الخام الزراعية تهدد بزيادة تكاليف الإنتاج داخل السوق الأميركية، مما سينعكس سريعاً على أسعار الغذاء للمستهلكين، ويزيد من الضغوط التضخمية التي تعاني منها الأسواق المحلية والعالمية.

وبحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن تكاليف الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة ارتفعت بشكل ملحوظ نتيجة الرسوم على مدخلات الإنتاج مثل الأسمدة والآلات الزراعية والمواد الخام.

إذ تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على استيراد الأسمدة، حيث تفرض الرسوم الجمركية الجديدة، التي تصل إلى 30% على الأسمدة القادمة من دول مثل ترينيداد وتوباغو ودول الشرق الأوسط، إضافة إلى رسوم 10% على مدخلات أخرى.

كما تؤدي الرسوم على الصلب والألمنيوم إلى زيادة تكلفة المعدات الزراعية مثل الجرارات وصناديق الحبوب، الأمر الذي يقلص أرباح المزارعين ويزيد من صعوبة استدامة الإنتاج.

ورغم أن المكسيك وكندا تستفيدان من اتفاقيات تجارية تعفي العديد من المنتجات الغذائية من هذه الرسوم، إلا أن هناك منتجات زراعية بقيمة مليارات الدولارات من دول أخرى ستتأثر سلباً، خصوصاً الفواكه الاستوائية كالمانجو والأناناس، إضافة إلى القهوة والشوكولاتة التي لا يمكن زراعتها في المناخ الأميركي بسهولة.

انعكاسات دولية وتحديات الأمن الغذائي

الأزمة لا تقتصر على الداخل الأميركي، بل تمتد لتشكل تهديداً حقيقياً للأمن الغذائي العالمي. تعتمد حوالي 80% من سكان العالم على واردات الغذاء، وأي اضطراب في سلاسل التوريد العالمية – مثل فرض رسوم جمركية أو تصاعد النزاعات التجارية- يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء وتقلبات حادة، خصوصاً في الدول الفقيرة والنامية التي تعاني أصلاً من ضعف القدرة الشرائية وأزمات تضخمية.

وتذكر مجلة “الإيكونوميست” أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بين 2018 و2020، التي ترافقت مع فرض رسوم جمركية انتقامية على الصادرات الأميركية مثل فول الصويا، أدت إلى خسائر بمليارات الدولارات ورفع أسعار الغذاء في الأسواق المستوردة، مما تسبب في أزمات اجتماعية في بعض البلدان الأفريقية والآسيوية.

ارتفاع الأسعار وتأثيرها على المستهلكين

خبراء الأسواق يشيرون إلى أن الرسوم الجمركية تمثل بمثابة “ضريبة إضافية” ترفع تكلفة المنتجات المستوردة، وتنتقل في نهاية المطاف إلى المستهلك النهائي. محمد سعيد، خبير أسواق المال، يؤكد أن هذه الزيادات لا تقتصر على السوق الأميركية فقط، بل تؤثر بشكل واسع عبر سلاسل التوريد العالمية، ما يفاقم التضخم الغذائي عالمياً.

وبالإضافة إلى زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الحبوب واللحوم والفواكه، فإن ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج الزراعي مثل الأسمدة والعلف يفاقم الأزمة، حيث يُرفع من تكاليف الإنتاج الزراعي المحلي والعالمي على حد سواء.

تغييرات هيكلية محتملة في تجارة الغذاء العالمية

تشير التحليلات إلى أن استمرار فرض الرسوم الجمركية الأمريكية قد يؤدي إلى تحولات هيكلية في أسواق الغذاء العالمية، حيث قد تستغل دول أخرى مثل البرازيل والاتحاد الأوروبي الفرصة لتعزيز حصتها السوقية على حساب الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يعيد تشكيل خرائط التجارة العالمية للمنتجات الزراعية ويزيد من تعقيد الأوضاع أمام الدول النامية.

مواجهة التحديات المستقبلية

تضاف إلى هذه الضغوط الاقتصادية مخاطر التغير المناخي التي تؤثر سلباً على إنتاج الغذاء واستقرار سلاسل التوريد، مما يرفع من حدة الأزمات الغذائية في العديد من المناطق.

ويؤكد خبراء أن الأمن الغذائي العالمي أصبح في حاجة إلى تعاون دولي موسع، وتنسيق للسياسات التجارية لتفادي تصاعد الأزمات التضخمية وضمان استقرار الأسواق الغذائية.

أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى منذ عامين

 ارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية على المستوى العالمي في يوليو 2025 إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من عامين، حسبما أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الجمعة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بشكل رئيسي بزيادة أسعار اللحوم والزيوت النباتية، وسط استمرار تقلبات الأسواق العالمية وتأثير عوامل متعددة على سلاسل الإمداد الغذائي.

سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره الفاو، والذي يتابع التغيرات الشهرية في أسعار سلة من السلع الغذائية الأساسية المتداولة عالمياً، 130.1 نقطة في يوليو، مسجلاً بذلك ارتفاعاً بنسبة 1.6% مقارنة بشهر يونيو.

وتعتبر هذه القراءة الأعلى منذ فبراير 2023، رغم أن المؤشر لا يزال أقل بنحو 18.8% من ذروته التي بلغها في مارس 2022 عقب تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الأسواق الغذائية العالمية.

وأوضحت الفاو أن ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت النباتية فاق تأثير التراجع المسجل في أسعار الحبوب ومنتجات الألبان والسكر خلال الشهر نفسه، مما يشير إلى تغيرات متباينة في مكونات سلة الغذاء العالمية.

هذا الارتفاع في أسعار اللحوم والزيوت النباتية يعكس ضغوطات مستمرة على العرض، إضافة إلى تأثيرات التكاليف المرتفعة للمدخلات الزراعية والتقلبات المناخية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: أسعار الغذاء العالمية أسعار الغذاء في العالم الاقتصاد العالمي فرض رسوم جمركية الولایات المتحدة الرسوم الجمرکیة الغذاء العالمیة أسعار الغذاء

إقرأ أيضاً:

عاجل. التعريفات الأميركية الجديدة تدخل حيّز التنفيذ.. وترامب يحتفي بـتدفّق الملايين

بدأت الولايات المتحدة عند منتصف ليل الأربعاء الخميس فرض تعريفات جمركية جديدة على السلع الواردة من عشرات الدول، بينما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن ملايين الدولارات بدأت بالتدفق نحو بلاده مع بدء العمل بهذه التعريفات. اعلان

وقال ترامب في منشور على حسابه على موقعه "تروث سوشيال": "إنه منتصف الليل، مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية تتدفق الآن إلى الولايات المتحدة الأمريكية".

ومع بدء تطبيق الأمر التنفيذي الذي وقّعه ترامب الأسبوع الماضي، ارتفعت الرسوم الجمركية الأمريكية على منتجات العديد من الشركاء التجاريين، من 10 في المئة الى ما بين بين 15% و41%.

ضرائب تفوق 10 بالمئة

وصرح البيت الأبيض بأنه ابتداءً من منتصف الليل بقليل، ستواجه البضائع القادمة من أكثر من 60 دولة والاتحاد الأوروبي معدلات تعريفة جمركية بنسبة 10% أو أكثر.

وستُفرض ضريبة بنسبة 15% على المنتجات القادمة من الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، بينما ستُفرض ضريبة بنسبة 20% على الواردات من تايوان وفيتنام وبنغلاديش.

ويتوقع ترامب أيضًا من دول مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية أن تستثمر مئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة.

وقال ترامب بعد ظهر الأربعاء: "أعتقد أن النمو سيكون غير مسبوق". وأضاف أن الولايات المتحدة "تحصل على مئات المليارات من الدولارات من الرسوم الجمركية"، لكنه لم يستطع تحديد رقم محدد للإيرادات لأننا "لا نعرف حتى الرقم النهائي" فيما يتعلق بمعدلات التعريفات.

أضرار ذاتية

على الرغم من حالة عدم اليقين، فإن البيت الأبيض في عهد ترامب واثق من أن بدء فرض تعريفاته الجمركية الشاملة سيوضح مسار أكبر اقتصاد في العالم. والآن، وبعد أن أدركت الشركات الاتجاه الذي تسلكه الولايات المتحدة، تعتقد الإدارة أنها تستطيع تكثيف الاستثمارات الجديدة وتحفيز التوظيف بطرق تُعيد التوازن للاقتصاد الأمريكي كقوة صناعية.

وبحسب وكالة "أسوشييتد برس" فإنه حتى الآن، هناك دلائل على أن أمريكا قد ألحقت بها أضرارًا ذاتية، حيث تستعد الشركات والمستهلكون على حد سواء لتأثير الضرائب الجديدة.

ما أظهرته البيانات هو أن الاقتصاد الأمريكي قد تغير في أبريل/ نيسان مع طرح ترامب الأولي للتعريفات الجمركية، وهو حدث أدى إلى دراما في السوق، وفترة تفاوض، وقرار ترامب النهائي ببدء تعريفاته الجمركية الشاملة يوم الخميس.

بعد أبريل/ نيسان، تُظهر التقارير الاقتصادية أن التوظيف بدأ في التباطؤ، وأن الضغوط التضخمية تسللت إلى الأعلى، وأن قيم المنازل في الأسواق الرئيسية بدأت في الانخفاض

حرب تجارية مع اليابان والبرازيل

وأعلن ترامب الأربعاء مضاعفة الرسوم على السلع الهندية إلى 50 في المئة، على خلفية مواصلة نيودلهي شراء النفط من روسيا على رغم العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا. لكن النسبة الإضافية من الرسوم (25%) سيبدأ تطبيقها خلال ثلاثة أسابيع.

ولوّح ترامب بفرض عقوبات على دول أخرى تستورد النفط الروسي "بشكل مباشر أو غير مباشر"، والذي تشكّل عائداته مصدر تمويل رئيسي للمجهود الحربي لموسكو في أوكرانيا. ولا تزال بعض الاعفاءات سارية المفعول، بما في ذلك للأدوية والهواتف الذكية.

كما استهدف ترامب البرازيل على خلفية محاكمة حليفه رئيسها السابق اليميني جايير بولسونارو وفرضت إدارته عقوبات على أحد القضاة.

وارتفعت الرسوم الأمريكية على مختلف السلع البرازيلية من 10 في المئة الى 50% الأربعاء، لكن ذلك يترافق مع إعفاءات واسعة النطاق تشمل عصير البرتقال وقطاع الطيران المدني. ومع ذلك، تطال التعرفات منتجات رئيسية مثل القهوة واللحوم والسكر.

Related وسط التوتر عقب قرارات ترامب.. أسعار النفط تعود للارتفاعبسبب النفط الروسي.. ترامب يفرض ضرائب إضافية بنسبة 25% على الواردات الهنديةفي اتّصال مع القادة الأوروبيين.. ترامب يكشف عن خطة للقاء بوتين وزيلينسكي الأسبوع المقبل

100 بالمئة على رقائق الكمبيوتر

أعلن ترامب الأربعاء أنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على رقائق الكمبيوتر، مما يزيد من احتمال ارتفاع أسعار الإلكترونيات والسيارات والأجهزة المنزلية وغيرها من المنتجات الأساسية التي تعتمد على المعالجات التي تُشغّل العصر الرقمي.

وقال ترامب في المكتب البيضاوي أثناء لقائه بالرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك: "سنفرض تعريفات جمركية بنسبة تقارب 100% على الرقائق وأشباه الموصلات. ولكن إذا كنت تقوم بالبناء في الولايات المتحدة الأمريكية، فلن تُفرض عليك أي رسوم".

جاء هذا الإعلان بعد أكثر من ثلاثة أشهر من إعفاء ترامب مؤقتًا لمعظم الأجهزة الإلكترونية من أشد تعريفات إدارته صرامة.

وأكد الرئيس الجمهوري أن الشركات التي تُصنّع رقائق الكمبيوتر في الولايات المتحدة ستُعفى من ضريبة الاستيراد. وخلال جائحة كوفيد-19، أدى نقص رقائق الكمبيوتر إلى زيادة أسعار السيارات وساهم في ارتفاع التضخم.

شهد الطلب على رقائق الكمبيوتر ارتفاعًا عالميًا، حيث زادت المبيعات بنسبة 19.6% في العام المنتهي في يونيو/ حزيران، وفقًا لمنظمة إحصاءات تجارة أشباه الموصلات العالمية.

تُمثّل تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية خروجًا كبيرًا عن الخطط الحالية لإنعاش إنتاج رقائق الكمبيوتر في الولايات المتحدة والتي وُضعت خلال إدارة الرئيس جو بايدن.

منذ توليه منصبه خلفًا لبايدن، دأب ترامب على فرض رسوم جمركية لتحفيز المزيد من الإنتاج المحلي. في جوهره، يراهن الرئيس على أن خطر الارتفاع الحاد في تكاليف الرقائق سيجبر معظم الشركات على فتح مصانع محلية، على الرغم من خطر أن تؤثر الرسوم الجمركية سلبًا على أرباح الشركات وترفع أسعار الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون والثلاجات.

في المقابل، وفّر قانون الرقائق والعلوم، الذي وقّعه بايدن عام 2022 والذي حظي بدعم الحزبين، أكثر من 50 مليار دولار لدعم مصانع رقائق الكمبيوتر الجديدة، وتمويل الأبحاث، وتدريب العاملين في هذه الصناعة. وكان الهدف من هذا المزيج من الدعم التمويلي والإعفاءات الضريبية والحوافز المالية الأخرى جذب الاستثمارات الخاصة، وهي استراتيجية عارضها ترامب بشدة.

تواجه العديد من تعريفات ترامب التجارية الشاملة تحديات قانونية على خلفية استخدامه صلاحيات اقتصادية طارئة، ومن المرجح أن تُحال في نهاية المطاف إلى المحكمة العليا الأمريكية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • تراجع النفط وصعود الذهب.. الأسواق العالمية تتقلب تحت ضغط الرسوم الجمركية الأميركية
  • أسعار الغذاء العالمية تقفز لأعلى مستوى منذ أكثر من عامين
  • «الفاو»: أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى منذ عامين
  • لأعلى مستوى.. ارتفاع كبير ولافت على أسعار الغذاء العالمية في تموز
  • أسعار الغذاء العالمية تصل لأعلى مستوى منذ عامين
  • ارتفاع جديد بأسعار الغذاء العالمية.. الأعلى منذ عامين
  • سويسرا تبحث عن سبل مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية
  • النفط والذهب يرتفعان بفعل الطلب الأميركي والرسوم الجمركية
  • عاجل. التعريفات الأميركية الجديدة تدخل حيّز التنفيذ.. وترامب يحتفي بـتدفّق الملايين