تشهد الساحة اللبنانية حالة من الترقب الحذر في أعقاب القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بشأن حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وسط تحديات سياسية وأمنية داخلية، ومعارضة شديدة من "حزب الله" الذي يرفض هذا التوجه بشكل قاطع.

 الترقب يسبق قرار "حصر السلاح" بيد الجيش 

وفي هذا الصدد، قال الدكتور عبد الله نعمة، المحلل السياسي، إن الجيش اللبناني يعد مؤسسة وطنية قوية يحظى بثقة تامة من قبل كافة شرائح الشعب اللبناني، وهو يمثل أحد الركائز الأساسية في استقرار البلاد.

 

وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد":  "صرح حزب الله أمس بأن لا نية لديه للتصعيد، سواء في الشارع أو تجاه الجيش اللبناني، مؤكدا حرصه على الحفاظ على الأمن الداخلي".

وأشار نعمة، إلى أن قد عقد اجتماع ضم ممثلين عن حزب الله إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، بهدف تهدئة الأجواء ومعالجة حالة التوتر التي طرأت مؤخرا، وقد ساد اللقاء طابع التفاهم والجدية في إيجاد مخرج سلمي للموقف الراهن، معقبا: "أتوقع أن الأمور سوف تتجه نحو الأفضل، لأن الطرفين لا يسعيان إلى المواجهة أو الدخول في صدام مباشر".

واختتم: "شدد رئيس الجمهورية على أن مسألة تسليم السلاح لا رجعة فيها، مؤكدا على ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بدوره في دعم جهود التهدئة، مشيرا إلى أن لبنان يعتبر نقطة ارتكاز إقليمية في غاية الأهمية، ما يحتم على الأطراف كافة التعامل مع الوضع بحساسية ومسؤولية عالية".

دعم أمريكي مشروط وتوقعات لبنانية

من جهة أخرى، أبدت الولايات المتحدة دعما غير محدود للدولة اللبنانية في مساعيها لتنفيذ القرار، مؤكدة استعدادها لدعم خطة تسليم السلاح، غير أن تنفيذ القرار بنجاح يظل مرهونا بعدة عوامل، أبرزها توفر الإرادة السياسية الوطنية الجامعة التي تحفظ السيادة، إلى جانب التزام إسرائيل الكامل ببنود الاتفاق المطروح ضمن "الورقة الأمريكية". 

وتتوقع أوساط سياسية لبنانية أن توافق تل أبيب على هذه البنود كما فعلت الحكومة اللبنانية.

وفي السياق نفسه، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى ما أسماه "الانخراط الكامل في الدولة"، مطالبا بالتخلي عن سياسة المكاسب الخاصة. وجدد جعجع استعداد حزبه للتحاور مع "حزب الله" بشرط تسليم السلاح، موضحا أن الخلاف مع الحزب وجودي واستراتيجي، وليس طائفيا، وقال: "أكبر ضمانة للطائفة الشيعية هي الدولة اللبنانية، وليس أي كيان خارجها".

زيارات دبلوماسية حاسمة

ويتزامن هذا الحراك مع زيارة مرتقبة للموفد الأمريكي توم براك إلى بيروت، تسبقها زيارة للمبعوث السعودي يزيد بن فرحان، حيث من المقرر أن يعقد الطرفان لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين لبحث آخر المستجدات، في وقت تقترب فيه المهلة المحددة للجيش اللبناني لتقديم خطة شاملة لحصر السلاح، والمقررة في موعد أقصاه 31 أغسطس.  

"حزب الله": القرار خطر يهدد السيادة

في المقابل، جددت كتلة "الوفاء للمقاومة" على لسان النائب محمد رعد رفض "حزب الله" القاطع لقرار الحكومة، واصفا إياه بـ"الخطوة الخطيرة وغير المدروسة"، التي جاءت نتيجة ضغوط خارجية ودون توافق وطني، مما جعلها ـ حسب تعبيره ـ تفتقر إلى البعد السيادي والميثاقي.

وأكد رعد أن سلاح المقاومة كان ولا يزال عامل حماية للبنان منذ العام 1982، وحقق إنجازات على صعيد التحرير والردع، معتبرا أن أي تشكيك في جدواه هو "تزوير للواقع"، وأضاف: "تسليم السلاح يعني تسليم الشرف.. وهو انتحار لا ننوي القيام به".

كما اعتبر أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لتطبيق القرار تأتي ضمن جدول زمني ضيق لأن "الوقت لا يعمل لصالحهما"، مشيرا إلى أن الهدف من القرار هو نقل الصراع من الطابع اللبناني–الإسرائيلي إلى صراع داخلي لبناني.

وأوضح أن الدولة اللبنانية لا تمتلك بقواها الذاتية القدرة الكاملة على مواجهة التحديات الإقليمية، رغم قدرتها على فرض سلطتها داخليا، كما أشار إلى أن الوضع في غزة يعيد فتح جبهات توتر جديدة. 

وختم حديثه بالتأكيد على أن إعادة الإعمار ممكنة رغم الوضع الاقتصادي الصعب، لكن غياب السلطة القادرة على تحمّل المسؤولية يعوق ذلك المسار.

من جهتها، حذرت وزيرة البيئة تمارا الزين، إحدى الممثلين عن "الثنائي الشيعي"، من أن الاتفاقية المقترحة تمس السيادة اللبنانية، وتتطلب نقاشا أوسع وتوافقا وطنيا شاملا، نظرا لما تتضمنه من بنود ذات أثر مباشر على جميع اللبنانيين.

وأضافت الزين: "لا أحد يمكنه المزايدة علينا، فنحن لم نرفض دور الجيش إطلاقا"، موضحة أن مشاركتهم في الجلسات الوزارية هي دليل على عدم وجود نية للتعطيل، وقالت: "لست ناطقة باسم حزب الله، لكنني من موقعي أعبر عن تحفّظاتي، وأحذر من بعض البنود المثيرة للقلق في هذه الاتفاقية".

مخاوف من انفجار أمني في الشرق

في ظل هذا التوتر، تتصاعد المخاوف الأمنية، خاصة على الحدود الشرقية مع سوريا، تزامناً مع الحديث عن نزع سلاح المقاومة، ويخشى مراقبون أن تستغل إسرائيل هشاشة الوضع في سوريا للتمدد شرقا باتجاه منطقة البقاع ومحاولة عزلها عن باقي الأراضي اللبنانية، ما ينذر بتغيير استراتيجي في معادلات الردع والبيئة الحاضنة للمقاومة.

الحكومة تناقش "الورقة الأمريكية"

وكانت الحكومة اللبنانية قد عقدت جلستين متتاليتين برئاسة قائد الجيش جوزاف عون، لمناقشة تفاصيل "الورقة الأمريكية" التي سلمها الموفد الأمريكي توم براك.

في الجلسة الأولى بتاريخ 5 أغسطس، ناقش الوزراء مضمون الوثيقة، بما في ذلك الجدول الزمني وآلية إنهاء الوجود المسلح لكل الجهات غير الحكومية، وانتشار الجيش في المناطق الحدودية والنقاط الاستراتيجية، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية احتلتها في الحرب الأخيرة.

وشهدت الجلسة انقساما حادا حول توقيت التنفيذ وترتيباته، دون اتخاذ قرار نهائي، وتم تكليف الجيش بإعداد خطة شاملة تعرض في موعد أقصاه 31 أغسطس.

أما الجلسة الثانية بتاريخ 7 أغسطس، فقد اتسمت بجدل واسع وانسحاب الوزراء الشيعة، ومن بينهم ممثلو "حزب الله" و"حركة أمل"، اعتراضا على موافقة الحكومة اللبنانية على الأهداف الأمريكية دون ضمان تثبيت وقف إطلاق النار أو انسحاب إسرائيل.

إصابة عدد من الأشخاص في قصف إسرائيلي استهدف جنوب لبنانجنوب لبنان.. قنابل حارقة وغارات إسرائيلية تسفر عن قتلى وجرحى

وتضمنت الوثيقة الأمريكية 11 هدفا رئيسيا، أبرزها:

 - ضمان وقف دائم للأعمال العدائية.

 - إنهاء الوجود المسلح لكل الجهات غير الحكومية.

 - نشر الجيش اللبناني في المواقع المحددة.

 - انسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة.

ومن المنتظر أن يعرض تقرير الجيش اللبناني على مجلس الوزراء لمناقشته، تمهيدا لإقراره قبل نهاية أغسطس، على أن يبدأ التنفيذ قبل نهاية العام، في حال توفر التوافق السياسي المطلوب.

والجدير بالذكر، أنه في ظل الانقسام السياسي والمواقف المتباينة،هل يتمكن لبنان من فرض سيادته بحصر السلاح بيد الجيش، أم أن هذا القرار سيكون شرارة لصراع داخلي جديد بين الضغوط الخارجية، ومواقف الداخل، والمهلة التي تقترب من نهايتها، يظل مصير القرار معلقا على خيط رفيع من التفاهم أو الانفجار. 

 

استشهاد سوري وجرح آخرين في غارات لجيش الاحتلال علي جنوب لبنانغارات إسرائيلية عنيفة تستهدف جنوب لبنان طباعة شارك لبنان حزب الله الجيش اللبناني جنوب لبنان الشعب اللبناني حصر السلاح

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: لبنان حزب الله الجيش اللبناني جنوب لبنان الشعب اللبناني حصر السلاح الحکومة اللبنانیة الجیش اللبنانی تسلیم السلاح جنوب لبنان حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

الخارجية اللبنانية: قراراتنا سيادية ونرفض أي تدخل خارجي أو ادعاء بالوصاية

أكدت وزارة الخارجية اللبنانية تمسكها الكامل بحق لبنان في تقرير مستقبله ورسم سياساته بعيدًا عن أي تدخلات أو إملاءات خارجية، مشددة على أن القرارات الوطنية هي شأن يخص اللبنانيين وحدهم.

وفي بيان رسمي، حذرت الوزارة من أي محاولات للتحريض أو النيل من هيبة الدولة، مؤكدة أنها سترد على مثل هذه الممارسات بما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، وأنها لن تسمح لأي طرف خارجي بادعاء حق الوصاية على لبنان أو التحدث باسم شعبه.

إيران تعلن معارضتها لقرار نزع سلاح حزب الله في لبنانسقوط شهيد في غارة للاحتلال الإسرائيلي على مركبة جنوب لبنان

وأشارت الخارجية إلى أن بعض المسؤولين الإيرانيين دأبوا على إطلاق تصريحات تمس الشؤون الداخلية اللبنانية، لافتة إلى أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي تمثل تدخلاً سافرًا وغير مقبول، وليست الأولى من نوعها.

وشددت الوزارة على أن لبنان يرفض أي ضغوط أو تجاوزات تمس استقلالية قراره الوطني، مؤكدة أن الحفاظ على السيادة هو خط أحمر لا يمكن المساس به.

طباعة شارك وزارة الخارجية اللبنانية لبنان المرشد الإيراني علي خامنئي لبنان

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية ترحب بقرار لبنان حصر السلاح بيد الدولة
  • الخارجية اللبنانية: قراراتنا سيادية ونرفض أي تدخل خارجي أو ادعاء بالوصاية
  • خطة «حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية» شبه جاهزة.. احتجاجات حاشدة بعد قرار الحكومة
  • 31 آب محطة مفصلية.. براك وبن فرحان في بيروت وحزب الله: تسليم السلاح انتحار لا ننوي القيام به
  • واشنطن: على الجيش اللبناني التحرك الآن لتنفيذ قرار الحكومة بالكامل
  • أنصار حزب الله وأمل يتظاهرون رفضا لقرار الحكومة حول سلاح المقاومة (شاهد)
  • أمريكا ترحب بقرار الحكومة اللبنانية تكليف الجيش بحصر السلاح
  • الحكومة اللبنانية توافق على الورقة الأمريكية… و«حزب الله» يصف القرار بـ«الخطيئة الكبرى»
  • الحكومة اللبنانية تقر حصر السلاح.. كيف سيرد حزب الله؟