واشنطن ترفض الاتفاقية بين بغداد وطهران.. ستحول العراق لدولة تابعة إلى إيران
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
في أول حراك دبلوماسي خارجية له، اختار علي لاريجاني بغداد لتكون محطته باتجاه دول تعتبرها إيران حليفة لها , رغم خسارتها لنفوذها في سوريا وتراجعه نسبيا في لبنان.
لاريجاني الذي عينه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يوم الـ5 من آب / أغسطس 2025 ، جاء وفق مرسوم رئاسي خلفا لعلي أكبر أحمديان , في إطار تغييرات تشهدها أعلى هيئة أمنية في البلاد بعد أن قضى نحو 50 قيادياً رفيعاً في القوات المسلحة خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل ، والذي وكان من بينهم أبرز أعضاء "الأمن القومي" قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري، وقائد غرفة العمليات المشتركة غلام علي رشيد، وخليفته الجنرال علي شادماني.
إيران وفي محاولة منها على ما يبدوا لإعادة تنظيم أذرعها بحسب مراقبين , قالوا إنها تسعى لإبراز أوراق ضغطها التي قد تحتاجها حال استئناف الغرب للمفاوضات معها بشأن برنامجيها النووي والصاروخي , أوفدت طهران لاريجاني إلى كل من العراق ولبنان ضمن جولة تحمل كثيراً من الرسائل الإقليمية.
العراق وإيران نحو مزيد من الاتفاقيات الأمنية
حيث أعلن لاريجاني توقيع مذكرة تفاهم في بغداد أشرف عليها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتركزت على التنسيق الأمني للحدود المشتركة بين البلدين , ومنع أي خرق أمني يستهدف التجاوز أو الاعتداء على أي من دول الجوار، ورفض استخدام أراضي العراق أو أجوائه أو مياهه للإضرار بأمن واستقرار المنطقة بحسب ما أكده مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي الذي مثل الطرف العراقي.
بحثنا، خلال استقبالنا أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، السيد @alilarijani_ir، سبل تنفيذ الاتفاق الأمني الموقع بين البلدين، وتبادلنا وجهات النظر بشأن تطورات الأوضاع في المنطقة، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر من جرائم تجويع وانتهاكات جسيمة.
وجددنا التأكيد… pic.twitter.com/EQysRyAcs0 — قاسم الاعرجي (@qassimalaraji) August 11, 2025
أمريكا ترفض الاتفاقية.. "تشريع يتعارض مع أهدافنا"
وفي أول موقف أمريكي من مذكرة التفاهم الأمنية التي وقعها العراق مع إيران , أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن رفضها لأي تشريع يتقاطع مع أهداف الولايات المتحدة، ويتناقض مع جهود تعزيز المؤسسات الأمنية القائمة في العراق.
وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، خلال مؤتمر صحفي : "نحن ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي من شأنها تحويل العراق إلى دولة تابعة لإيران".
وتابعت أن "الولايات المتحدة كانت واضحة في هذه الحالة تحديداً، وفي غيرها، بأن مستقبل الدول يجب أن يكون بيد شعوبها، ومؤكدين التزامنا هنا كما أوضحنا، بأن هذا المسار بالتحديد يتعارض مع ما نصبو إليه".
العراق لا يرغب باستفزاز أمريكا
السفارة العراقية في واشنطن سارعت لإصدار بيان الأربعاء 13 آب /أغسطس , ردا على تصريحات الخارجية الأمريكية , قائلة:" إن العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفقاً لأحكام دستوره وقوانينه الوطنية ، وبما ينسجم مع مصالحه العليا".
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية العراقية , أنّ العراق لا يسعى لاستفزاز واشنطن من خلال مذكرته الأمنية مع طهران، مضيفاً أن "إيران تضغط باتجاه تعزيز التعاون الأمني , ولا ترغب بغداد أن تخسر أياً من الطرفين".
السفارة الإيرانية في بغداد هي الأخرى عدت الموقف الأمريكي بأنه "تدخّلًا غير مقبول في العلاقات بين دولتين مستقلتين جارتين".
بيان توضيحي
تعقيباً على ما ورد في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية خلال مؤتمرها الصحافي الأخير، تؤكد @IraqinUSA أن #العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفقاً لأحكام دستوره وقوانينه الوطنية، وبما ينسجم مع مصالحه العليا. pic.twitter.com/hKSFUCl6ou — سفارة العراق – واشنطن| Iraqi Embassy in Washington (@IraqinUSA) August 12, 2025
أما صاحب قانون "تحرير العراق من النفوذ الإيراني" السيناتور الجمهوري وعضو مجلس النواب الأمريكي، جو ويلسون فقد وصف الاتفاقية بأنها "خدعة" لا يجب للرئيس ترامب والكونجرس الأمريكي الموافقة على استمرارها , متهما الحكومة في العراق بالتنسيق مع إيران بشأن قانون الحشد الشعبي الذي سيسمح للميليشيات الإيرانية بالسيطرة الكاملة على البلاد رسميًا مقابل مليارات الدولارات التي تمنح للعراق من دافعي الضرائب الأمريكيين.
Iraq’s National Security Adviser meets his boss the Iranian National Security Adviser as the Iraqi government works to pass a law officially giving Iranian militias total control of the country. The same militias which the @StateDept noted just yesterday have attacked Americans.… pic.twitter.com/yXxWknhFAa — Joe Wilson (@RepJoeWilson) August 11, 2025
العراق أطفأ راداراته خلال حرب الـ12 يومًا
وتأتي الاتفاقية الأمنية الجديدة بين بغداد وطهران بعد كانت أجواء العراق ممرًا مفتوحا للطائرات الإسرائيلية والمسيرات والصواريخ الإيرانية طوال حرب الـ12 يوما , حيث اكتفت حكومة محمد السوداني آنذاك بإصدار بيانات إدانة واستنكار بشأن انتهاك سيادة العراق وسماءه , ملمحة إلى أنها لن تكون طرفا في النزاع الحاصل , وهو موقف لم يرق لإيران كثيرًا خاصة وأن جماعة الحوثي في اليمن "أنصار الله" فتحو جبهة خلال الفترة نفسها وقصفوا إسرائيل بالصواريخ البالستية.
وفي معلومة خاصة وردت لموقع "عربي21" , فأن أوامر عليا كانت تصدر لقيادة الدفاع الجوي في العراق تدعو لإطفاء منظومات الرادارات خلال الغارات التي تشنها الطائرات الإسرائيلية على إيران , وهو ما يكشف عن ضغوط مارستها الولايات المتحدة ضد حكومة محمد شياع السوداني وإلزامه باتخاذ موقف الحياد.
ولعل هذا ما يُفسر الهجوم بطائرة مسيرة الذي استهدف رادارات متطورة ثلاثية الأبعاد بعيدة المدى (470 كيلومتر) تابع للجيش العراقي في قاعدتي التاجي شمالي بغداد , والإمام علي الجوية في الناصرية , يوم الـ24 من حزيران / يونيو الماضي , وهو هجوم نُفذ خلال الساعات الأخيرة قبيل إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل.
وأظهر تحقيق للجنة شكلتها الحكومة في تموز / يوليو , بأن الطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجمات تحمل رؤوسا حربية بأوزان مختلفة ومُصنّعة خارج العراق , إلا أنها انطلقت من مواقع محددة داخل الأراضي العراقية دون أن تسمها أو الجهات المسؤولة عنها.
فيديو متداول للحظة استهداف رادار دفاع جوي في قاعد التاجي العسكرية في #العراق pic.twitter.com/MWWOaWFqnE — Dr.Omar Hamed Shukur (@omarhamedshukur) June 23, 2025
الهجوم على قطعات الجيش العراقي خلق أجواء من التوتر بين أطراف داخل الحكومة تسعى لإعطاء انطباع للعالم بأن العراق دولة مؤسسات لا تعاني من فوضى القرار وانتشار السلاح , فيما تتهم جهات أخرى الحكومة بالتواطؤ والخضوع لأمريكا , وهو ما ظهر جليا عبر تغريدة على منصة "أكس" للمحلل السياسي المقرب من الحشد الشعبي، عباس العرداوي عقب إحراق الرادار قبل أن يحذفها بسبب دعوة أقيمت ضده ، قال فيها:" لم يحدث شيء يُذكر , الرادار الفرنسي في قاعدة التاجي كان يخدم الهجمات الإسرائيلية، وقد تم تحويله إلى خردة".
لارجاني يسعى لتهدئة التوتر بين الحشد والحكومة
السفير الإيراني السابق في النرويج والمجر عبد الرضا فرجي راد ، قال إن زيارة علي لاريجاني إلى بغداد , خطوة ذات أهمية استراتيجية حيث سيسعى إلى تهدئة التوتر بين الحشد الشعبي والحكومة العراقية لتفادي أي صدام داخلي محتمل في ظل موقف الحكومة القاضي بضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
ولتتضح الصورة أكثر بشأن طبيعة عمل الوفد الإيراني في بغداد , فقد أطلق مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي تصريحات بساعات قبيل وصول لاريجاني إلى العراق بالقول:" إن الحشد الشعبي في العراق يؤدي نفس دور "حزب الله" في لبنان" ، مضيفا أن :"إيران والعراق سيرفضان نزع سلاح حزب الله والحشد الشعبي " , وهي تصريحات رفضتها بيروت وعدتها تدخلًا سافرًا.
مخاوف من صراع "شيعي – شيعي"
ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي حذر من اندلاع صراع "شيعي شيعي" كما سماه , معاتبًا الحكومة لتسرعها وإعلانها رسميًا وأمام الملأ عن تورط "كتائب حزب الله" بالهجوم على دائرة الزراعة جنوبي بغداد الشهر الماضي والاشتباك مع قوات الشرطة والذي اسفر عن قتلى وجرحى.
جريحان جراء تبادل اطلاق نار بين عناصر بالحشد الشعبي اثر خلاف على منصب مدير دائرة زراعة بغداد.
فصائل مقاومة و تتصارع على المصالح والمناصب!
مقاومة عصرية pic.twitter.com/12ZQwVhi3u — شاهو القرةداغي (@shahokurdy) July 27, 2025
هجوم عده معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بأنه مثال على تحوّل التنافس بين الميليشيات في العراق إلى مواجهة عنيفة ، حيث نشطت "كتائب حزب الله" بشكل كبير في استغلال المسؤولين الحكوميين لضمان الوصول إلى الأراضي الزراعية الخصبة والاستيلاء عليها جنوب بغداد مقابل توفير الحماية لمسؤولين رفيعي المستوى في الدولة.
وفي 27 تموز / يوليو الماضي ، قُتل شخصان بينهم شرطي في اشتباكات بين قوات الأمن وكتائب حزب الله , التي حاولت اقتحام دائرة الزراعة بمنطقة الدورة ، رفضا لقرار إقالة إياد كاظم علي ، من منصبه كمدير للزراعة في منطقة الكرخ ببغداد , والذي اتضح بحسب بيان للناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة , تورّطه في التنسيق المسبق لاستقدام هذه القوّة فضلا عن ارتكابه تزوير في عدد من الوثائق الرسمية والشهادات، والاشتراك في تزوير العقود، ما أدى إلى سلب أراضٍ زراعية من أصحابها الشرعيين , وهو ما يؤكد وجود عمليات تغيير ديمغرافي بدوافع طائفية أقر حزب الله بتنفيذها ضمنيًا تحت عنوان "تطير منابع الإرهاب" وفق مشروع "طوق بغداد".
تنفيذاً لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، أكملت اللجنة المختصة بالإجراءات التحقيقية في حادثة الاعتداء الآثم على دائرة زراعة الكرخ في 27- تموز -2025، وما أسفر عنها من ضحايا أبرياء، نتيجة تواجد قوّة مسلحة خلافاً للقانون في دائرة حكومية… pic.twitter.com/kEu5moCLg4 — المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ???????? (@IraqiPMO) August 9, 2025
كتائب حزب الله وصفت بيان اللجنة التحقيقية الحكومية بأنه تنفذ لـ"مخططات الأعداء" , وما ورد من اتهامات كان استجابة لـ "الضغوط الغربية" , فيما يصر نواب ممثلون لحزب الله على ضرورة "الحجر" على قرارات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لحين انتهاء ولايته في 11 تشرين الثاني / نوفمبر القادم , لأنها "فقدت الاتزان وعارضت المواقف الأساسية" وفق بيان على صفحتها
آخرون ذكروا رئيس الوزراء محمد السوداني بالحصار الذي نفذته كتائب حزب الله حول المنطقة الخضراء التي تضم مقار الحكومة يوم 26 حزيران / يونيو 2020 ردا على اعتقال رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي الذي أمر باعتقال عدد من عناصر هذا الفصيل وفق معلومات استخباراتية لحيازتهم صواريخ داخل مقر بالعاصمة , قبل أن يسارع لإطلاق سراحهم خشية التصعيد مع تقديم اعتذار بنفسه لقيادة الحشد الشعبي عن عملية المداهمة بحسب صفحات موالية للحشد , وهو ما يؤكد حجم النفوذ سياسيا وعسكريا الذي تمتلكه كتائب حزب الله والتي تتبع أيديولوجيًا لنظام ولاية الفقيه في إيران وتدعو بالاحتكام إليه..
ما جرى في #بغداد الليلة الماضية من اقتحام المليشيات للمنطقة الخضراء ومحاصرة مقار أمنية ثم انتشار المليشيات مستعرضةً بسلاحها الخفيف والمتوسط ينسف كذبة تبعية "مليشيات الحشد" للدولة وخضوعها لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، كذبةٌ سعت حكومات الخضراء لتمريرها داخليا وخارجيا. pic.twitter.com/FHgvXyUDSe — ℍadidℍ حامد حديد (@HamidHadeed) June 26, 2020
انتفاء الحاجة للحشد "يجب حله أو دمجه"
ومع تغير المزاج الدولي بشأن ما يجري في العراق وفق التطورات الجيوسياسية , أكد سفير بريطانيا في العراق عرفان صديق، أن الحاجة إلى الحشد الشعبي انتفت بعد هزيمة الإرهاب , وإن ما ينطبق على التحالف الدولي ينطبق على الحشد أيضًا , وهو رد على دعوات خروج قوات التحالف من العراق.
أما وزير الخارجية الأسبق، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هوشيار زيباري فقد أشار إلى أن هناك قراءات تذهب نحو "انفجار مواجهات" في أيلول المقبل، وهو ما سيؤثر على الانتخابات المزمع إجراءها في 11 أيلول / سبتمبر 2025.
في المحصلة , فأن إيران تسعى للحفاظ على مصالحها وارتباطاتها الوثيقة مع العراق ، الذي يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد ثلاثة أشهر فقط ، فيما تتصاعد حدة التنافس ما بين القوى والأحزاب العراقية التقليدية تلك الحليفة لطهران وأخرى لواشنطن فضلا عن ولاءات إقليمية متباينة قد تكون نتيجتها خسارة محمد السوداني فرصة التجديد لولاية ثانية وفق توافقات اعتاد النظام السياسي في العراق العمل عليه منذ عام 2003.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية لاريجاني إيران العراق الحشد الشعبي العراق إيران امريكا لاريجاني الإتفاقية الأمنية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخارجیة الأمریکیة محمد شیاع السودانی کتائب حزب الله رئیس الوزراء الحشد الشعبی فی العراق pic twitter com وهو ما
إقرأ أيضاً:
العراق.. تصريحات السوداني بشأن "حصر السلاح" تثير الجدل
في وقت يشهد فيه العراق هدوءا نسبيا على الصعيد الأمني مقارنة بما عاشه في العقدين الماضيين، جاءت تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن حصر السلاح بيد الدولة لتشعل جدلا واسعا في الداخل، وترسل رسائل مشفرة للخارج.
ومن منبر عشائري، شدد السوداني على أن "لا مبرر لوجود أي سلاح خارج المؤسسات الحكومية"، رابطا بين استقرار الداخل وانفتاح البلاد على محيطها الدولي، ومعلنا التزام حكومته بإنهاء وجود التحالف الدولي لمحاربة داعش بعد انتفاء الحاجة إليه.
وجاءت هذه الرسائل، التي تبدو في ظاهرها تذكيرا بموقف مبدئي في سياق سياسي وأمني أكثر حساسية مما يوحي به ظاهر التصريح، إذ تزامنت مع احتدام النقاش البرلماني حول مشروع قانون تنظيم الحشد الشعبي، وهو مشروع ما زال يثير انقساما داخليا، خاصة بعد انسحاب كتل سنية وكردية احتجاجا على إدراجه في جدول الأعمال دون توافق سياسي مسبق.
ملف الحشد الشعبي: برلمان منقسم وضغوط أميركية
ويواجه مشروع القانون الذي استكمل البرلمان قراءته الثانية في يوليو الماضي، اعتراضات من أطراف ترى فيه محاولة لتعزيز استقلالية بعض الفصائل المسلحة وزيادة نفوذها، ما قد يخلق ازدواجية في القرار الأمني.
وأعربت اشنطن، التي تتابع المشهد عن كثب، عن تحفظات غير معلنة على المشروع، خشية أن يمنح الغطاء القانوني لفصائل موالية لإيران تعمل خارج نطاق التنسيق مع التحالف الدولي.
وبالنسبة للفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، فإن النقاش البرلماني يتقاطع مباشرة مع التصريحات الحكومية، ويقرأ على أنه جزء من ضغوط أوسع لتقييد نشاطها الميداني، أو على الأقل ضبطه تحت سقف الدولة.
إنذار مبكر من طهران
وفي السياق، كشف مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي عن اتصال هاتفي أجراه مع رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، تناول ما وصفه بـ"المخاوف من انتقال حملة نزع السلاح من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي في العراق".
وشدد المالكي وهو أحد أعمدة "الإطار التنسيقي" وحليف استراتيجي لطهران، بحسب ولايتي، على أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستنتقلان بعد لبنان إلى استهداف الحشد الشعبي، مؤكدا اتفاقه مع القيادة الإيرانية على رفض أي تحرك لنزع سلاح الحزب أو الحشد.
ويعكس هذا الاتصال، في توقيته ومضمونه، شعور قوى عراقية نافذة بوجود تحولات في الخطاب الرسمي قد تمهد لسياسات جديدة، وربما لتفاهمات إقليمية تراعي ضغوط الغرب وبعض دول الجوار.
إقالات أمنية: خطوة غير مسبوقة
والتطور الأبرز جاء مع إعلان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة إقالة قائدي اللواءين 45 و46 في الحشد الشعبي، وإحالة جميع المتورطين في أحداث دائرة الزراعة في الكرخ إلى القضاء، بعد ثبوت قيام كتائب حزب الله العراقية بتحرك مسلح دون موافقات رسمية، واعتدائها على عناصر أمنية.
وهذه الخطوة، غير المسبوقة في التعامل مع فصائل محسوبة على الحرس الثوري الإيراني، فسرها مراقبون بأنها إشارة واضحة إلى أن السوداني مستعد لترجمة خطابه بشأن حصر السلاح بيد الدولة إلى إجراءات عملية، حتى لو تطلب الأمر مواجهة سياسية وأمنية مع قوى نافذة.
الحشد الشعبي: بين الشرعية المؤسسية والولاءات الخارجية
وتشكل الحشد الشعبي عام 2014 بفتوى المرجع علي السيستاني لصد خطر تنظيم داعش، ومع مرور السنوات، أصبح قوة عسكرية وسياسية ضخمة تضم نحو 238 ألف عنصر موزعين على 68 فصيلا، من أبرزها منظمة بدر، عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله.
وفي 2016، تم دمج الحشد كهيئة رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، وتمول عبر وزارة المالية، حيث بلغت ميزانيته لعام 2024 نحو 2.7 مليار دولار.
لكن تقارير دولية وأميركية أكدت أن بعض فصائله ما زالت تتلقى دعما مباشرا من الحرس الثوري الإيراني، بما يشمل التمويل والتسليح والتدريب، ما يثير جدلا حول ازدواجية الولاء والقرار.
ثبات في الموقف وتكتيك في التطبيق
وفي حديثه لبرنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، أوضح مستشار رئيس الوزراء، حسن علاوي، أن ما يقوله السوداني ليس جديدا، بل يمثل جوهر موقفه منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، بل ومنذ كان وزيرا وسياسيا فاعلا في البرلمان.
وأكد العلوي أن "حصرية السلاح بيد الدولة" ليست مجرد شعار، بل جزء من البرنامج الحكومي الذي أقر في أكتوبر 2022، مشيرا إلى أن السوداني ماض في تطبيق هذا البند بخطوات مدروسة، تحافظ على الاستقرار ولا تدفع البلاد إلى مواجهة داخلية مفتوحة.
وأشار المستشار إلى أن الحكومة تعاملت مع حادثة دائرة الزراعة "في وقت قياسي"، وأن التحقيقات والإقالات والإحالات إلى القضاء جاءت لتؤكد أن سلطة القانون تشمل جميع التشكيلات، دون استثناء، وأن لا خطوط حمراء أمام قرارات الدولة إذا تعلق الأمر بفرض النظام.
الفارق مع لبنان… وتجربة الاستقرار
وأحد المحاور التي توسع فيها العلوي كان التمييز بين الحالة العراقية واللبنانية، معتبرا أن العراق بعد هزيمة داعش عام 2017 شهد تحولا جذريا نحو الاستقرار، وأن البيئة السياسية والاجتماعية فيه تسمح بإجراءات إصلاحية أكبر مما هو متاح في لبنان، حيث الانقسام الطائفي أعمق والاصطفافات السياسية أكثر حدة.
كما شدد العلوي على أن المرجعية الدينية في النجف دعمت مسار بناء الدولة، وأن هناك إجماعا وطنيا واسعا على ضرورة تجنب الانجرار إلى صراعات إقليمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تتطلب بيئة آمنة لجذب الاستثمارات وتنفيذ مشاريع التنمية.
إدارة الأزمات… ورصيد سياسي متنام
وربط العلوي بين قدرة حكومة السوداني على احتواء الأزمات، مثل تداعيات حرب غزة في 2023، وبين قدرتها على إدارة ملف السلاح.
وأوضح أن السوداني قاد حوارا سياسيا مكثفا مع أطراف "الإطار التنسيقي" ومع قوى برلمانية أخرى لتجنيب العراق الانخراط العسكري المباشر في أزمات المنطقة، مع الحفاظ على توازن العلاقات مع طهران وواشنطن في آن واحد.
كما أشار إلى أن العراق نجح، بعد 7 أكتوبر، في تفادي أي توترات أمنية داخلية، واستثمر علاقاته الإقليمية لقيادة القمة العربية بدورتها الـ34، إضافة إلى الدعوة لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب أثناء الحرب، في خطوة أبرزت موقع بغداد كلاعب دبلوماسي نشط.
بين ضغط واشنطن وحسابات طهران
وفي المشهد الإقليمي، يجد العراق نفسه أمام معادلة معقدة: واشنطن تدفع باتجاه ضبط نفوذ الفصائل الموالية لإيران، فيما ترى طهران أن هذه الفصائل جزء من منظومة "محور المقاومة" التي لا يمكن المساس بها.
ويدرك السوداني، بحسب العلوي، حساسية هذه المعادلة، ويحاول أن يوازن بين تثبيت سلطة الدولة والحفاظ على شبكة تحالفاته السياسية الداخلية والخارجية.
انتخابات تلوح في الأفق… وصراع على شكل الدولة
ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، تتحول معركة السلاح في العراق إلى قضية انتخابية بامتياز.
والسوداني على أن فرض القانون سيعزز رصيده الشعبي، بينما تراهن فصائل مسلحة على أن قوتها الميدانية ستبقى ورقة ضغط في أي تفاوض سياسي مستقبلي.
وفي ظل هذا التداخل بين الأمن والسياسة، تبدو المرحلة المقبلة اختبارا حاسما لقدرة الحكومة على إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والحشد الشعبي، وعلى حسم ما إذا كانت هذه القوة العسكرية ستظل ذراعا رسمية للدولة أو كيانا ذا ولاءات متداخلة.
العراق على مفترق طرق
وتكشف التصريحات الأخيرة للسوداني، والقرارات الأمنية المصاحبة، أن العراق يقف على أعتاب مرحلة جديدة في إدارة ملف السلاح، مرحلة تحاول أن تجمع بين الواقعية السياسية وحسم الموقف الميداني.
لكن نجاح هذا المسار يتوقف على عدة عوامل وتتمثل في مدى استعداد القوى السياسية والفصائل المسلحة للتنازل عن مساحات نفوذها وقدرة الحكومة على الحفاظ على الاستقرار الأمني وإمكانية توظيف هذا الاستقرار في تحقيق قفزة اقتصادية تبرر أمام الشارع العراقي جدوى التضحيات السياسية والأمنية.