شبكة اخبار العراق:
2025-08-14@12:51:48 GMT

التناص سرديات ما قبل السرد

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

التناص سرديات ما قبل السرد

آخر تحديث: 14 غشت 2025 - 11:20 ص وارد بدر السالم التناص: هل هو سرقة أم تأثر أم اختطاف نص أو جزء منه، أم وقع الحافر على الحافر، أم استفادة شكلية وموضوعية من نص غيره، أم تداخل نص مع نصوص أخرى بالفكرة ذاتها، أم تفاعل نصي مع موروث شفهي قديم، أسطوري مثلا، أم هو تعالق نصوصي، أم انتحال، أم تخاطر مضموني، أم سطو غير مسلح على ما كتبه الآخرون، أم أخذ قائل من قائل بالتعبير الأكثر فصاحة، أم علاقة شرعية لتغذية نصوص أخرى، أم تقاطع نصوص في موضوعةٍ واحدة، أم هجنة نصية ذهبت إلى النصوص المكتوبة قبلها و”اقتبست” منها أفكاراً وطورتها، أم هو “تداخل نصي” بتعبير الناقد عبدالله الغذامي.

(1) هذه أسئلة سُئلت كثيراً إزاء “حوادث” كثيرة من هذا النوع واجهت النقاد والكتّاب معاً، وشكّكت بالكتابة المؤاخية لغيرها. وأمثلة التناص وفيرة لمن يبحث عنها؛ قديماً وحديثاً، غير أن النقد الحساس عدّها “سرقة” وأطلق عليها تسمية “تلاص” حتى تدخلت المحاكم بدعاوى من هذا النوع الفضائحي أو شبيهه، كما حدث مع الروائية التركية مينا جوكتشا كيريك، عندما أقامت دعوى ضد الروائية أليف شافاق وادّعت فيها بأن الأخيرة “سرقت” من كتابها “قصر الطيران” روايتها “قصر القمل”. ويبدو أن توارد الخواطر إزاء قضية تاريخية يقع فيها مَن لا يستوعب تاريخية الأفكار الكثيرة التي يمكن مواجهتها أثناء القراءة. والتوارد جزء من اللاوعي البشري الذي يكتنز الكثير من المعلومات الثقافية، حتى يذوّبها الإلهام في كتابة تالية قد تشبه غيرها، فكرةً ومحاكاةً، من دون أن ينتبه المؤلف إلى هذا التداخل النصوصي. وهذه من مهمات المتصيّدين في النقد الأدبي. (2) مصطلح “التناص” الذي أوجدته “جوليا كريستيفا” كان يشير إلى “علاقات متبادلة بين النصوص”، وحلّلت فكرة التناص بأنه لا يعني “تأثير نص في آخر”، بل يعني تفاعل أنظمة أسلوبية. وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية، والتحويل، والمحاكاة. وكريستيفا لم تلوّح بالعصا ضد المقتبسين والمضمّنين لنصوص سابقة، بل برّرت ذلك بتفاعل الأنظمة الأسلوبية، ومحاكاة بعضها بطريقة ليست فيها إشكالية نقدية، ويعزّز رأيها الناقد تودوروف بقوله: “إنه من الوهم أن نعتقد بأن العمل الأدبي له وجود مستقل، إنه يظهر مندمجاً داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة..” وهذا يعني أنه لا يوجد نص أدبي مستقل، بل إن سلسلة نصوصية مرتبطة ببعضها معرفياً وذهنياً، بصورة لا واعية، فالعالم مهما اتسع هو كتلة نصية مدوّرة بين الشعوب التي مرّت بالبدائية الحياتية مثلما وصلت إلى التحضّر عبر إجراءات وثورات متباعدة، زراعية وصناعية وإلكترونية؛ حتى انغلقت على بعضها عبر تراث اجتماعي ليس موحّداً بهذا المعنى، إنما صهرته معطيات التقاليد والطقوس والأديان، فتقاربت ثيماتها وتقاليدها ومعطيات وجودها الشعبي والاجتماعي. وبالتالي تقاربت الكثير من أفكارها، ولو باعدتها الجغرافيا، وامتثلت لظروف ليست مماثلة بهذا الوصف، لكنها متشابهة على كل حال في المعطى الجمالي والفكري؛ لنفهم أن النص الأدبي ليس معزولاً عن تاريخية العالم ولا بُناه الثقافية العامة. التناص الأدبي بهذه الصورة يأتي إمّا “متطابقاً” أو “انفصالياً” كما أفرزه النقد الأدبي المعاصر. فالتطابق يقتضي وجوب إعلان “موت النص الأول”، أما الثاني فهو “إعلان لموت النص الأول في النص الثاني”. وهذا الفرز سمح لنا أن نقول بأن الحالة الموضوعية تستوجب الإشارة إلى سرقة تحت توصيف هذين المفهومين، لكنها سرقة مقنّنة في بابها الثاني “الانفصالي”، وغير مشروعة في بابها الأول “التطابقي”. وهذا النوع من الفرز يدين النص ولا يعبُره بوصفه تماثلاً مع نص آخر، الثيمة ذاتها، والأسلوب ذاته، والمعالجة ذاتها، حتى أوجد النقاد ذريعة لملاحقة النص الآخر – اللاحق – بوصفه حافراً اقترن وجوده بحافر آخر وسار على نهجه ومنهجه، ومطابقة سرقاتية صريحة. غير أن هذا لم يحدث كثيراً سابقاً، بل يحدث عند مراهقي الكتابة في مواقع السوشيال ميديا، لا سيما الشعر الرومانسي الذي يجد حاضنته بينهم. (3) تحدث السرقات في الرسائل الجامعية أكثر من حدوثها بين النصوص الإبداعية، فالنص الإبداعي يفترق عن الرسائل الجامعية المقنّنة على منهجية أكاديمية لا يمكن تخطيها بأي حال من الأحوال، لذلك لا تُبرَّر السرقة ولا يمكن غضّ النظر عنها. والتناص بهذه المباشرة هو تلاص قصدي، لا بالطريقة الجاحظية بوقوع الحافر على الحافر، بل هو أكثر من هذا، فلا حافر يقع على حافر في البحوث العلمية المنهجية؛ بينما النص السردي – رواية وقصة – ينأى عن مثل ذلك التداخل والتعالق المباشر مع نصوص أخرى، سوى أن التشابهات الفعلية يتوقف النقد عندها، لا بقصد إدانتها حسب، بل لقراءة مصدرياتها التاريخية بين النصوص المتفاعلة والمتعالقة مع بعضها. حتى “التطابق” الموصوف نقدياً هو تطابق في “الأفكار”، لا تطابق في الأساليب، فخاصية الكتابة الإبداعية قد لا تتشابه، لكن قد يحدث – وحدث مثل هذا – فلا مفر من الإقرار بأن “سرقة” تدل على سارقها مع الوقت، ونظن أن النقد يتعقّب هذا ويحدّده. بل إن المحاكم المختصة بالنظر في مثل هذه الشكاوى تنظر إلى أصل الموضوعة وأسبقيتها، ولا تنظر إلى تاريخية الفكرة، وبقليل من التساهل فإن تودوروف، الذي لا يعفي نصاً مستقلاً عن غيره من المؤثرات الفرعية والجانبية، يشير إلى هذا ويسميه “الوهم”، منطلقاً بأن الكتابة سلسلة إجرائية تُكمل ما سبق، وكريستيفا ترى بأن التناص هو إعادة ترتيب الأفكار ضمن رؤى جديدة، والجاحظ في زمنه، بقراءاته الشغوفة لمتطلبات عصره القديم، يسهّل اللصوصية الأدبية على أنها “وقع الحافر على الحافر”، وهذا الوقوع تبرير مهذّب، بل تبرير نقدي عالي المستوى إزاء قضايا التضمينات والاقتباسات واللصوصية الفكرية التي ترافق الأجيال الأدبية حتى اليوم. (4) من كل هذا فإن التناص – مفهوم نقدي – يسبق السرديات، لكنها قد تقع في دائرته المحظورة، ليكون في دائرة ما بعد السرد نقدياً، فالاحتكام إلى وضوح الرؤية النقدية عند كبارها هو وضوح مُجترَح من قراءات معمّقة لثقافات الشعوب وخرافاتها وأساطيرها وفنونها وآدابها، وكل معطياتها الباطنية والخارجية.وقد نعتقد في السطر الأخير من هذه الملاحظات بأن مفهوم التناص هو مفهوم ضبطي أكثر من كونه مفهوماً إجرائياً ونقدياً يحاصر النص بأسئلة كثيرة، لا مفر من أن تُسأل دائماً، حتى من دون مناسبات أدبية.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

تفاصيل إحالة لص الهواتف المحمولة بالقاهرة للمحاكمة

أحالت النيابة العامة في القاهرة عاطل للمحاكمة الجنائية، لاتهامه بمزاولته نشاطا إجراميا تخصص في سرقة الهواتف المحمولة من المواطنين فى منطقة عين شمس بالقاهرة.

واعترف المتهم بسرقة الهواتف المحمولة بأسلوب المغافلة، وبمواجهته أقر بارتكابه 4 وقائع سرقة بذات الأسلوب، وتم بإرشاده ضبط كافة الهواتف المحمولة المستولى عليها لدى عميله سيئ النية مقيم بدائرة القسم وتم ضبطه.

وقررت النيابة فى وقت سابق حبس المتهم وعميله سى السمعة 4 أيام على ذمة التحقيقات، وطالبت الأجهزة الأمنية بسرعة التحريات خوّلهما للوقوف على نشاطهما لاستكمال التحقيقات، ووجهت لهما تهمة السرقة.

 



مقالات مشابهة

  • صنع الله إبراهيم .. أيقونة السرد العربي وأحد أبرز رواده
  • خلافات تعصف بمشروع معاهدة البلاستيك العالمية
  • تفاصيل إحالة لص الهواتف المحمولة بالقاهرة للمحاكمة
  • رئيس الوزراء ناعيا صنع الله إبراهيم: إرثه الأدبي سيجعل منه أيقونة خالدة بمسيرة الإبداع
  • أحد أعمدة السرد العربي المعاصر.. وزير الثقافة ينعي صنع الله إبراهيم
  • الحذر عند السفر مطلب مهم
  • الداخلية تكشف حقيقة سرقة شخص بالإكراه: الفيديو خارج مصر
  • لص يتحرش بفتاة أثناء محاولته سرقة شقتها في مصر
  • تأمّلات في الخطاب الأدبي العربي المعاصر.. إصدارٌ يتناول الظاهرة الأدبية المعاصرة في الوطن العربي