في مكتبة كتارا بالدوحة.. محمود أبارو يستقرئ كتاب “عادات سودانية أصولها عربية”
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
كتب – محمود أبارو
بالأمس وبتنظيم من مجموعة لقاء الفكر والفن والأدب؛ إحدى روافد مكتبة كتارا للرواية العربية
كنا في حضرة إحدى المخطوطات التي رفدت المكتبة السودانية؛ بوثيقة هامة ونوعية؛ كتاب عادات سودانية أصولها عربية، البروفيسور إبراهيم القرشي عثمان وبحضور الكاتب ولفيف من واجهات الدوحة الثقافية؛ من السودانيين والقطريين وعدة جاليات شقيقة.
الكتاب جمع بين المعلومة الموثوقة والأسلوب السلس، في قالب لا يخلو من المرح والطرفة إذ أضفى عليها الكاتب نكهة خاصة “دقة سودانية” خالصة لك إن شئت؛ وإن كانت بشيء من الأدب وسماحة الخلق؛ وهو ليس بجديد ولا مبتدع في سيرة الدكتور القرشي؛ فهو رجل مفوه وحكّاي وصاحب مِلح. وهو خارج من بيت تقابة وقرآن؛ وكرم وإحسان. فكم شربت الحليب في حجر جدي الفقية “الفكي القرشي”؛ وكم تكرفت ثوب حبوبتي السرة وأنا أنافس أبا “الحيران” التقرب منها بقية تمرات أو بعض جنيهات تدسهن في راحتينا؛ وكم وكم..
سقى الله تلك الأيام والتي لو علم شانئي بها لجالدوني عليها بالسيوف!
لا شك أن الكتاب يُعد وثيقة لا غنى عنها لدارسي التراث والمهتمين به؛ وما يجعل منه علامة توثيقية فارقة؛ أنه جمع بين المأثرة الشفاهية والفلكلور، إلى جانب الممارسات والعادات المعاشة والحياتية. وقد جمع فيه الكاتب مواداً ضخمة تساعد المهتمين في البحث والتطوير.
فهذا جهدٌ عظيم؛ لا خِلاف في أهميته وضرورته؛ حتى لو لم تتفق مع اتجاهه وتوجهه.
دعونا نبدأ من العتبة الأولى العنوان:
وإن كنت أتمنى على الكاتب لو أن عدل فيه لا عدّل فيه؛ فوسمه بعادات سودانية عربية او العكس؛ أو عادات مشتركة بين العربية والسودانية… الخ.
أقول العنوان يشيء بمرجعية مُعظم؛ إن لم يكن جُل التقاليدِ السودانيةِ إلى العربية!
بينما نحن نراها علاقةُ تلاقحٍ وتلاحم، وندية؛ لا علاقة تبعية.
فالتاريخ وإن حدثنا عن هجراتٍ عربية إلى السودان في أوقات مبكرة، إلا أن الجداريات الموجودة على المسلات والمعابد الكوشيةِ والمروية؛ تحكي عن تلك التقاليد في زمان يسبق هذا الدخول بآلافِ السنوات!
أطروحتي هنا وحتى لا أطيل عليكم؛ هي أن ثمة فرقٍ بين عروبة السودان واسلامه! كيف ذلك:
فالحضارة الاسلامية ذات طبيعة أيدولوجية متحركة حملت معها؛ كنهر جارف؛ معظم معارف الحضارات المحيطة بها، من فرس وبابليين وآشوريين وفينيقين ويهود وكنعانيين وحتى حضارات القرطاجيين والمصرييين والكوشيين أو الأثيوبيين بطبيعة الحال؛ كل هذه الفُسيفِساء هي ما غذته بالتنوعِ والسلاسة؛ بينما الحضارة العربية كمثل بحيرة صبت فيها الحضارة الإسلامية بروافدها.
وما منعنا في السودان من أن تكون لنا حضارة مُنمازة إلى جذرِها ومتلاحمة مع الوافد؛ أنها جُوبهت بعوامل نُرقِنها كالتالي:
* أولاً تحميل اللغة غير مهامها الأساسية؛ بحيث صارت لازمةً وجوديةً بدلاً عن وظيفتها الرئيسة كأداة تواصل. نُمثل لذلك بما حدث في السلطنة السنارية والمشيخة العبدلابية؛ حيث تبنت المجموعات السودانية المحلية اللغة العربية والاسلام طواعة بعد سقوط سوبا، نكاية وقطيعة مع المسيحية ولغة كهنتها اليونانية؛ أو هذا حدثنا التاريخ.
فالقول بنهل السودانية من العربيةِ تخالفه بعض الشواهد كأخذِ اللغةِ العربية عن الهيرغلوفية مثلاً… ولك ان تراجع في ذلك تحقيق كتاب أحمد بن وحشية الموسوم “شوق المُستهام في معرفةِ رموزِ الأقلام”، وكذا بحث الدكتور عكاشة الدالي، وغيرها من كُتبِ الرحالة والمؤرخين.
* ثانيها طمسُ أي محاولةٍ لإحياءِ الإرثِ المحلي، بل وتحريمه وتجريم من يؤديه؛ واعتباره طقساً وثنياً يُخالف الدين القويم.
* ثالثها التركيز على الأصل العربي الذي يُكسب منتميه؛ حصانة وشرفاً، فتبارت الجماعات في تثبيت أصلها العربي كما حدث في واقعة السمرقندي المشهورة والمعروفة مع السلطان عمارة دنقس عندما أشار على عمارة حين جرد عامل السلطات العثماني حملة من سواكن تجاه سنار؛ فأوقفها عمارة بأن أرسل شجرة نسبهم العربية إلى قائد الحملة، فتراجع الأخير عن الحملة؛ حينما تيقن من عروبتهم وإسلامهم!
لنا بعض الوقفات مع الكتابِ نبدأها من:
1- الهمباتة:
فقد ذكر المؤلف أن سلوك الهمباتة يشابه سلوك صعاليك العرب.
ونحن نرى بغير ذلك؛ فالهمباتة أو المهاجرية في بادية السودان الشرقية أو السروجية في بادية السودان الغربية؛ يختلفون عن صعاليكِ العربِ في عدة نواح. منها:
• أخذهم الإبل دوناً عن بقية الحلال والمقتنيات. وأنهم يسلبون فقط إبل الظالم البخيل على وجه التعيين؛ ولا يأخذون من الضعيف أو الكريم؛ ليوزعوها بين المحتاجين.
يقول شاعرهم:
أهل أم قجة قاعدين في البيوت يتحكوا
إن شافونا من رقبتنا ما بتفكوا
يات من كان فراستو قديمة مقطوع شكو
نحن مسلطين من الله لل ما بزكو
* أيضاً أنهم لم يكونوا منبوذين من قومهم كصعاليك العرب؛ بل كانوا مكرمين في أهلهم؛ وكانت النساء تتغنى بشجاعتهم وفروسيتهم؛ فهم لا يأخذون لأنفسهم من سلبهم شيئاً إلا ما يكفي مجالس شربهم وإرضاء محبوباتهم:
دردرني الفقر لامن بقيت شنكيت
و ودني الغباين لا عن جبال فرتيت
إمن جبت مالاً فرح أم سوميت
وإمن فوق جبال تقلي إنجدع ما جيت
وغيرها الكثير…
2- أيضاً ذكر الكتاب الخفاض أو الختان:
ونحن نعلم أنه يُكنى بالفرعوني
فحسب المؤرخ شيخ أنتي ديوب يعود الختان إلى ٦٠٠٠ ق.م حسب الجداريات
وقال شامبليون بتاريخ أقدم من ذلك.
* هناك أيضاً طقوس العرس والزواج من جرتق وخمرة ودلكة ورقيص عروس وبواريك وأغان مصورة؛ كلها موجودة على جدر معبد الشمس في البجراوية بحسب العلامة بروفيسور عبد الله الطيب في كتابه: العادات المتغيرة في السودان النهري.
أخيراً وحتى لا أطيل عليكم الشلوخ:
وهذه كتب فيها وفي أصولها أستاذنا بروفيسور يوسف فضل وقال فيها مالم يقله مالك في الخمر. وعلى ذكر الخمر فقد ذكر إبن حوقل في كتابه الأرض المريسة عندهم في وصفه مملكة علوة، كما تفيد حفريات أجريت في جبانة بالقرب من تمبس عن وجود جرار من المريسة يعود تاريخها إلى حضارة كرمة قبل الميلاد والطريف في الأمر أنها ما زالت صالحة للشرب.
ونختم فنقول:
لستُ بناقد، إنما أنا صاحِبُ مشروعٍ في التغيير!
وأنا والنقد مثل الأيهَمينِ: السيل والجَمَلِ الصّهُول!
سلاحي الكتابة لا أملكُ سواها من حول
إلا أن الشّوْطَ بَطِين، والمنهل مَعِين، فلا الحادبَ مُستَغْنٍ به، ولا الرَاوِح مُعتدٍ به.
وقد بُلينا بالحِجاج، وما ابتغيناه، فلا منّدوحةً لنا عن تبيان خطلِ المعايرةِ بالاصطلاح عِوضًا عن الكلام الصرَاح
والسلام!
ممدوح أبارو – 15 أغسطس 2025 – الدوحة
الدوحةكتاب عادات سودانية أصولها عربيةمحمود أباروالمصدر: تاق برس
كلمات دلالية: الدوحة
إقرأ أيضاً:
خطط وأنشطة “أممية” لتعزيز حقوق الطفل في السودان
متابعات – تاق برس- استقبل رئيس مجلس الوزراء ، الدكتور كامل ادريس، اليوم بمكتبه ممثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة في السودان (اليونيسف) ، السيد شيلدون بت.
وعبر شيلدون بت عن شكر الأمم المتحدة خاصة مكتب اليونيسف للعلاقات التاريخية والتعاون الوثيق بين منظمة اليونيسف وحكومة السودان والانشطة الكبيرة التي ينفذها مكتب اليونيسف في السودان.
وقال شيلدون بت في تصريح صحفي ناقشت خلال اللقاء سبل تعزيز حقوق الطفل، والارتقاء بقطاعات الصحة والتعليم، والمياه وحماية الاطفال وتطوير البرامج، من خلال المشاريع التي تنفذها المنظمة بالتعاون مع المؤسسات السودانية ذات الصلة.
وأضاف أنه طلب دعم كل أنشطة الأطفال في كل بقاع السودان وتوصيل المساعدات لهم.
وأضاف أن السيد رئيس مجلس الوزراء أكد همية تعزيز الشراكة بين الحكومة السودانية ومنظمة اليونيسف. وامتدح الدور الحيوي الذي تضطلع به في دعم الطفولة داخل السودان.
كما شدد على ضرورة استمرار دعم البرامج اليونيسف بما يسهم في بناء مستقبل أفضل للأطفال ويعزز التنمية المستدامة.
تعزيز حقوق الطفلكامل إدريسيونيسف