أنقرة- يوم 14 أغسطس/آب 2001، وفي مناخ سياسي محتدم عقب إغلاق حزب الفضيلة الإسلامي وسلسلة قرارات حظر استهدفت أحزابا محافظة في التسعينيات، أعلن رجب طيب أردوغان (رئيس بلدية إسطنبول السابق والممنوع حينها من العمل السياسي) -مع عبد الله غل وبولنت أرنتش- تأسيس حزب "العدالة والتنمية".

وقدّم الحزب نفسه كتيار ديمقراطي محافظ يجمع التيارات المحافظة والإصلاحية، واضعا هدف تجاوز إرث عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية الحادة لعام 2001.

وبإجماع المؤسسين، انتُخب أردوغان أول رئيس للحزب رغم منعه من الترشح، ليحقق الحزب بأول انتخابات له في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 فوزا بـ34% من الأصوات وحصد ثلثي مقاعد البرلمان، في سابقة لم تعرفها تركيا منذ أكثر من عقد.

وبعد رفع الحظر عنه مطلع 2003، تولى أردوغان رئاسة الحكومة في مارس/آذار، لتبدأ حقبة حكم متصلة جعلت من الحزب الأطول بقاء في السلطة منذ بدء التعددية الحزبية عام 1946.

إنجازات واستقرار

منذ توليه السلطة، رسَّخ العدالة والتنمية استقرارا سياسيا بتركيا، بعد عقود من الحكومات الائتلافية الهشة، متصدرا جميع الانتخابات العامة منذ 2002، ومشكلا 4 حكومات متتالية حتى 2015، قبل أن يقود التحول للنظام الرئاسي عبر استفتاء 2017 بنسبة تأييد 51.4%، مانحا أردوغان صلاحيات واسعة مع احتفاظه برئاسته الحزبية، وكان أردوغان قد فاز عام 2014 كأول رئيس يُنتخب مباشرة بنسبة 52%.

وسياسيا، عزَّز "العدالة والتنمية" نفوذ المؤسسات المدنية على حساب العسكر، عبر إصلاحات متوافقة مع معايير الاتحاد الأوروبي، ومحاكمات للانقلابيين، وأقر باستفتاء 2010 تعديلات أعادت هيكلة المجلس الأعلى للقضاء وألغت الحصانة عن منفذي انقلاب 1980.

واقتصاديا، نجح الحزب بخفض التضخم من أكثر من 70% في التسعينيات إلى خانة الآحاد بحلول 2004، وحذف 6 أصفار من العملة المحلية (الليرة) عام 2005، وحقق متوسط نمو 7.2% بين عامي 2002 و2007، فارتفع الناتج المحلي من 415 مليار دولار عام 2002 إلى أكثر من تريليون عام 2024، وتضاعف دخل الفرد، وسدد ديون صندوق النقد الدولي البالغة 23.5 مليار دولار بحلول 2013.

واجتماعيا، أطلق العدالة والتنمية برنامجا واسعا للتنمية البشرية وتحسين الخدمات أحدث تحولات جذرية بقطاعات التعليم والصحة والإسكان، فارتفع عدد الجامعات من 76 جامعة عام 2002 إلى أكثر من 200 جامعة بحلول 2020، وتضاعف عدد طلابها من 1.6 إلى 8.4 ملايين طالب.

إعلان

وفي قطاع الصحة، شمل برنامج التحول الصحي بناء مئات المستشفيات والمراكز الطبية، وتعميم التأمين الصحي شبه الشامل، وإنشاء مستشفيات "المدينة الطبية" بمعايير عالمية. كما بنت إدارة تطوير الإسكان منذ 2003 نحو 850 ألف وحدة سكنية لمحدودي الدخل، وأطلقت مشاريع تجديد حضري واسعة.

وشهدت الحريات الاجتماعية تحولا مفصليا، إذ رفع الحزب عام 2013 الحظر عن ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة والمدارس، منهيا سياسة امتدت قرابة 90 عاما، وعزَّز حقوق الأقليات الثقافية عبر السماح بالبث الإعلامي والتعليم بلغات مثل الكردية.

وتكنولوجيا، دشَّنت تركيا عام 2022 أول سيارة كهربائية محلية "توغ" وحققت نهضة غير مسبوقة في الصناعات الدفاعية، انتقلت بها من مستورد للسلاح إلى أحد أبرز المصدّرين بين الدول النامية.

وارتفع حجم مشاريع الصناعات الدفاعية من 5.5 مليارات دولار عام 2002 إلى 75 مليارا عام 2023، وشمل التصنيع الطائرات المسيّرة والمروحيات والسفن الحربية والصواريخ. وارتفعت صادرات الدفاع من 248 مليون دولار عام 2002 إلى 7.15 مليارات عام 2024، مما أكَّد استقلالية القرار العسكري ورسَّخ موقع تركيا كقوة إقليمية صاعدة.

الرئيس أردوغان ووزير الطاقة يشاركان في مراسم انطلاق المنصة العائمة (الجزيرة)تعزيز داخلي وخارجي

ومنذ توليه الحكم، انتهج "العدالة والتنمية "سياسة خارجية نشطة ومتعددة المسارات، بدأت بشعار "صفر مشاكل مع الجيران" والسعي للانضمام للاتحاد الأوروبي، مما أطلق إصلاحات عزَّزت المعايير الديمقراطية وجذبت الاستثمارات.

لكن تحولات الربيع العربي أحدثت توترا مع أنظمة عربية، خاصة مصر وسوريا. ورغم ذلك، واصلت أنقرة سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين، لتصبح أكبر مستضيف لهم في العالم بأكثر من 4 ملايين لاجئ، معظمهم من سوريا، مع تقديم مساعدات جعلتها بمقدمة الدول من حيث نسبة المساعدات إلى الناتج القومي.

ووسعَّت أنقرة نفوذها عبر افتتاح عشرات السفارات -خاصة في أفريقيا- وتعزيز حضورها الثقافي والتنموي، كما تحولت في العقد الثاني إلى سياسة أكثر استقلالية أثارت أحيانا تحفظ حلفائها في الناتو، أبرزها شراء منظومة "إس-400" عام 2019، مع موازنة التعاون مع موسكو ودعم المعارضة السورية وشن عمليات عسكرية لحماية أمنها القومي.

كما رسَّخت تركيا شراكتها مع أذربيجان خلال حرب قره باغ 2020، وقادت وساطات إنسانية مثل اتفاق ممر الحبوب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022.

ورغم فترات التوتر مع الغرب، نجح "العدالة والتنمية" خلال السنوات الأخيرة بإعادة ترميم العلاقات الإقليمية، سيما مع دول الخليج ومصر، وإسرائيل قبل أن تتوتر مجددا بسبب حربها الأخيرة على قطاع غزة– وذلك عبر تبادل الزيارات وعودة السفراء وتوسيع الشراكات الاقتصادية، مع تثبيت الحضور التركي بالمحافل الدولية.

وبذلك، صاغت حكومات "العدالة والتنمية" سياسة خارجية ديناميكية توازن بين تعدد المحاور والحفاظ على استقلال القرار، جاعلة من تركيا فاعلا إقليميا لا يمكن تجاوزه.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت تركيا أولى الدول التي سارعت لمد الجسور مع دمشق، فأعادت مباشرة افتتاح سفارتها، وأعقب ذلك لقاءات دبلوماسية ورسمية بين البلدين.

أردوغان وعقيلته يشاركان بانتخابات رئيس حزب العدالة والتنمية في فبراير/شباط الماضي (حساب الحزب على إكس)بناء التحالفات

وعلى مدى أكثر من عقدين في السلطة، أجرى "العدالة والتنمية" تحولات تنظيمية مكَّنته من التكيف مع متطلبات الحكم، مع بقاء القيادة بيد أردوغان، باستثناء الفترة 2014-2017 حين تولى أحمد داود أوغلو ثم بن علي يلدرم رئاسة الحزب، قبل أن يعود أردوغان بعد تعديل دستوري ألغى شرط حياد رئيس الجمهورية.

إعلان

ورغم الانضباط التنظيمي، شهد الحزب انشقاقات محدودة شملت شخصيات مؤسسة وقيادات بارزة، مثل عبد الله غل، وداود أوغلو، وعلي باباجان، لكنها لم تُحدث اختراقا في قاعدته الشعبية، إذ احتفظ الحزب بكتلته الناخبة الأساسية، وظل المظلة الأوسع لتيار اليمين المحافظ والقومي، خاصة بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية.

وشكلت الانتخابات البرلمانية عام 2015 نقطة تحول في بناء التحالفات، إذ دفع الاستقطاب السياسي الحزب لتأسيس "تحالف الشعب" مع الحركة القومية عام 2018، مما أتاح له الحفاظ على الأغلبية البرلمانية وترسيخ الخطاب القومي في سياساته. ولاحقا، وسَّع التحالف بضم أحزاب أصغر مثل "الوحدة الكبرى" و"الرفاه الجديد" لزيادة الحضور الانتخابي في مواجهة تكتلات المعارضة.

واعتمد "العدالة والتنمية" سياسة تجديد الكوادر، فشهد المؤتمران السابع عام 2021 والثامن عام 2024 تغييرات واسعة، وتوّج الأخير في فبراير/شباط 2025 بإعادة انتخاب أردوغان للمرة التاسعة وزيادة أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية واستحداث مناصب جديدة، مع استقطاب شخصيات لافتة مثل النجم المعتزل مسعود أوزيل لتعزيز جاذبيته لدى الشباب.

تحديات واختبارات

رغم سجل النجاحات الطويل، واجه "العدالة والتنمية" منذ 2018 تحديات كبرى شكلت اختبارات صعبة لقدراته على الصمود:

اقتصاديا، دخلت الليرة بمسار تراجعي حاد أفقدها جزءا كبيرا من قيمتها، وارتفع التضخم إلى نحو 48.6% مطلع 2022 قبل أن يتجاوز 85% في خريف العام نفسه، وهو الأعلى منذ 24 عاما، مما انعكس مباشرة على تكاليف المعيشة وأثقل كاهل المواطنين. سياسياً، تصاعد الاستقطاب منذ احتجاجات "غيزي بارك" عام 2013، وتعمّق بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016 التي أعقبها تفكيك واسع لشبكة "غولن" شمل اعتقال وفصل عشرات آلاف الموظفين والعسكريين، في خطوة بررتها الحكومة بالحفاظ على الأمن القومي وتطهير مؤسسات الدولة. خارجياً، ظل ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي مجمدا بفعل تحفظات أوروبية على سجل أنقرة الحقوقي، لكن الروابط مع الغرب لم تصل للقطيعة، إذ حافظت تركيا على تعاونها في إطار الناتو وعلاقاتها التجارية مع أوروبا، مع توسيع شراكاتها شرقا، خاصة مع روسيا والصين. انتخابيا، تعرض الحزب في السنوات الأخيرة لهزات انتخابية غير مسبوقة، فبعد سيطرته لسنوات على كبرى البلديات، خسر في انتخابات 2019 رئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة لصالح المعارضة.

وفي انتخابات مارس/آذار 2024، مُني الحزب بأسوأ نتيجة له منذ تأسيسه، إذ حل ثانيا بنسبة 35.5% من الأصوات، خلف حزب الشعب الجمهوري الذي نال 37.8%، وخسر 15 ولاية إضافية ليحتفظ برئاسة 24 ولاية فقط.

وعلى مستوى الكوارث الطبيعية، كان زلزال فبراير/شباط 2023 أحد أعقد الاختبارات، إذ أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في 11 ولاية، وأثار انتقادات حادة بشأن ضعف تطبيق معايير البناء المقاوم للزلازل، رغم تحرك الحكومة السريع وتخصيص مليارات لإعادة الإعمار، وهو ما دفع الرئيس أردوغان للتعهد بالمحاسبة وبناء مدن أكثر أمانا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات العدالة والتنمیة عام 2002 إلى أکثر من قبل أن

إقرأ أيضاً:

جامعة مصر للمعلوماتية: دعم الرياضيين يثمر إنجازات عالمية في 2025

شهد عام 2025 تألقًا لافتًا لطلاب جامعة مصر للمعلوماتية من الرياضيين، محققين إنجازات بارزة على المستويين المحلي والدولي، وهو ما يعكس فاعلية سياسة الجامعة في دعم الطلاب الموهوبين رياضيًا وتوفير بيئة تعليمية مرنة توازن بين متطلبات الدراسة والتدريب والمنافسات.

الأستاذ الدكتور أحمد حمد، القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية، أكد أن النتائج المميزة التي حققها الطلاب هذا العام جاءت نتيجة التناغم بين اللوائح الأكاديمية وتيسيرات الجامعة المخصصة للرياضيين، مشيرًا إلى أن هذه السياسة أسهمت في تمكينهم من مواصلة مسيرتهم الرياضية دون التأثير على أدائهم الأكاديمي.

ومن أبرز الإنجازات التي أحرزها طلاب الجامعة، فوز الطالبة زينة عامر، بالفرقة الثانية بكلية تكنولوجيا الأعمال، بالميدالية الذهبية في بطولة العالم للخماسي الحديث لفرق الناشئات تحت 21 عامًا. البطولة نظمها الاتحاد الدولي للخماسي الحديث وأقيمت الشهر الماضي في مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية، حيث أظهرت زينة أداءً متميزًا يعكس جهدها الشخصي والدعم المؤسسي الذي تلقته.

أشرف مهران عميدًا لهندسة مصر للمعلوماتية مصر للمعلوماتية تطلق DriveFusion.. طفرة في أنظمة القيادة الذاتية الذكية

كما أحرز الطالب يحيى حسن، بالفرقة الثانية بكلية علوم الحاسب والمعلومات، الميدالية الفضية في منافسات "الكيوروجي" للفرق المختلطة خلال دورة الألعاب الجامعية العالمية الصيفية التي استضافتها ألمانيا الشهر الماضي. يحيى، الذي مثّل فريق التايكوندو للجامعات المصرية، قدم مستوى تقنيًا عاليًا وروحًا قتالية ساهمت في تعزيز حضور البعثة المصرية.

وفي إنجاز آخر، برز الطالب يوسف سلامة، بالفرقة الثالثة بكلية علوم الحاسب والمعلومات وحارس مرمى منتخب مصر لكرة اليد، في بطولة العالم لكرة اليد تحت 21 سنة، بعد قيادته الفريق للفوز على منتخب إسبانيا، بطل أوروبا والعالم، في مواجهة وُصفت بأنها من أبرز مفاجآت البطولة.

الدكتور أحمد حمد أوضح أن الجامعة تحتضن نسبة ملحوظة من الرياضيين، إذ يشكلون أكثر من 15% من إجمالي عدد الطلاب، ويشارك نحو 120 رياضيًا ورياضية في بطولات محلية وإقليمية ودولية تحت اسم الجامعة.

 وأشار إلى أن هذه التيسيرات، التي تشمل مرونة في الجداول الدراسية والدعم الأكاديمي، ساعدت على تحسين نتائج الطلاب سواء في الدراسة أو في المنافسات الرياضية.

واختتم رئيس الجامعة تصريحه بالتأكيد على أن تجربة جامعة مصر للمعلوماتية في دعم الرياضيين تمثل نموذجًا يمكن تعميمه على المؤسسات التعليمية الأخرى، لما تحققه من توازن بين التفوق الأكاديمي والرياضي، ويعزز صورة مصر على الساحة الرياضية العالمية.

مقالات مشابهة

  • انضمامات لافتة وجدل قضائي يشعلان ذكرى تأسيس العدالة والتنمية التركي
  • اعتقال رئيس بلدية معارض بتهم فساد.. ورئيسة بلدية من حزبه تنضم لحزب أردوغان
  • صدمة للمعارضة: 9 بلديات ستنتقل إلى حزب العدالة والتنمية
  • 51 عاماً على الغزو التركي.. مبادرة قبرصية تحول مقابر الديانات المختلفة إلى رمز مصالحة
  • جامعة مصر للمعلوماتية: دعم الرياضيين يثمر إنجازات عالمية في 2025
  • وكالة «فيتش» تستعرض إنجازات مصر في صناعة الأدوية
  • أردوغان يلوّح بانشقاقات في المعارضة لصالح حزبه!
  • إصابة أكثر من 60 مدنيًا و16 شرطيًا خلال اشتباكات صربيا أمس
  • مفاجأة في الصدارة وبرشلونة وصيفاً.. تعرف على أكثر الأندية إشراكاً للشباب