عربي21:
2025-10-16@09:00:21 GMT

قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود

تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT

عندما يتسلح الفرد بالعقل فإنه يسعى للحقيقة سعيا ولو أرهقته، ويتجشم عناء اتباع الحق ولو كان عسيرا مريرا وطريقه موحشة. أما الجموع فلا طاقة لها في أغلب الأحوال بأي من ذلك. إذ قلّما تحتكم الجماهير إلى العقل، بل هي غالبا ما تكون أشبه بالفتى الغِرّ المتقلب في مهب الأهواء والأباطيل واللذائذ الناجزة.

قُصارَاها «خبز وسيرك» وخرافات مسلّية وأوهام مُرضية.

لهذا فإن من الحقائق التاريخية التي يقررها القرآن الكريم أن التكذيب بالكتب والرسالات والآيات البيّنات قد كان هو الموقف الغالب على معظم الأمم. كان سادة القوم يكذّبون نبيهم أو يزدرونه أو يتهمونه بأنه ساحر أو كاهن أو مجنون.

وكان منهم من يتبرمون من النبي أو الرسول ويضيقون به وبالأقلية من أتباعه ذرعا فيقولون له ما قاله قوم نوح «لقد جادلتنا فأكثرت جدالنا»، أو ما قالته ثمود «يا صالح قد كنت فينا مَرجُوّا قبل هذا».

وكان منهم من يستهزئ بالنبي، مثلما فعل أهل مدين «قالوا يا شعيب أصلاتُك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد»، أو مثلما فعل قوم نوح «فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلُنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين».
أمة الإثم الاستثنائي هذه والجرم الخارق للعرف الإنساني على مر الدهور إنما هي أمة بني إسرائيل
ومن حقائق التاريخ أيضا أن معظم الأقوام هددوا أنبياءهم وتوعدوهم إن هم لم يقلعوا عن نشر رسالة التوحيد، مثلما فعل أصحاب القرية مع الرسل «قالوا إنا تَطَيّرْنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنّكم وليمسّنّكم منا عذاب أليم» أو مثلما فعل أهل مدين «قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز». ولكن إذا كانت معظم الأمم هددت أنبياءها فإنه لا يُعلَم أن أيا منها مضت إلى حد تنفيذ التهديد، ولا يُعلم أن أيا منها بطشت بنبيّها… إلا أمة واحدة.

وأمة الإثم الاستثنائي هذه والجرم الخارق للعرف الإنساني على مر الدهور إنما هي أمة بني إسرائيل. على أن التفصيل المهم هو أن القرآن الكريم لا يذكر أن بني إسرائيل هددوا أنبياءهم أو توعدوهم، ولكنه يُخْبر مرارا أنهم قتلوهم: «قل فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين». وهذا يوحي بأنهم أقدموا على البطش بأنبياء الله بدون المرور ربما بأطوار المجادلة والإنذار النهائي، وإنما هو الفعل الإجرامي الأقصى مجردا من حيثيات التمهيد والتردد.

والجلي أن موقف يهود بني إسرائيل من أنبيائهم كان يتراوح بين الاكتفاء بالتكذيب وبين المضي في التكذيب والمكابرة إلى حد القتل. ومن الآيات الكثيرة في هذا الباب: «لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون»؛ «أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذّبتم وفريقا تقتلون».

والتعبير عن القتل بالفعل المضارع (رغم أن التعبير عن التكذيب كان بالفعل الماضي) هو، في تفسير الزمخشري، أن المضارع يدل على استحضار الجريمة البشعة التي ارتكبوها (فكأن الجريمة لا تزال مستمرة أو هي واقعة الآن) كما أن المضارع يشير إلى ما همّوا به من قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويتقاطع المعنى القرآني «كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم» بعض التقاطع مع المعنى السيكولوجي المعروف المذكور، مثلا، في مسرحية أنتيغونا لسوفوكليس «لا أحد يحب الرسول الذي يأتي بسيئ الأنباء»، والمعنى الأخلاقي والسياسي المتمم والمصحح له في مسرحيته أوديب ملكا: «لا تقتل الرسول»!

وقد شاعت هذه المقولة في الثقافة الغربية الحديثة بصيغة «شوتينع ذي مسنجر»: قتل الرسول. أما أحد أبرز التعيُّنات المعاصرة لقتل الرسول فيتمثل في الإِنْحاء باللائمة على الإعلام وتحميله مسؤولية الأخبار السيئة بشأن البلد (إسرائيل) أو القضية (الكولونيالية الصهيونية) أو حرب التجويع والتهجير والإبادة. لكأن الشر ليس في الوقائع بل في ناقلها وليس في الفظائع بل في الشهود عليها من أمثال الشهداء الأبرار أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهم الصحافيين الذين قاربوا المائتين عددا، تقبلهم الله جميعا في فراديس جنانه.

جرائم وآثام عظام تصل بأكثر من سبب بين قتل بني إسرائيل للأنبياء المبعوثين بنور الرسالة الربانية وبين قتلهم للمراسلين الميدانيين المُسْتمسِكين بصدق الشهادة الإعلامية.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال انس الشريف مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بنی إسرائیل مثلما فعل

إقرأ أيضاً:

رغم وقف إطلاق النار.. إسرائيل تقصف سيارة جنوب لبنان

استهدفت مسيّرة إسرائيلية، اليوم الأربعاء، سيارة "رابيد" بصاروخين على طريق صديقين - كفرا في محلة العاصي جنوب لبنان.

إيران: السجن لأكثر من 30 عاما لزوجين فرنسيين مدانين بالتجسس لمصلحة إسرائيلارتقاء 14 شهيدا في قطاع غزة منذ فجر اليوم الأربعاء

و وفقا للوكالة الوطنية للإعلام، أسفرت الضربة عن وقوع إصابات.

و ذكر أنه رغم سريان وقف معلن لإطلاق النار منذ 27 نوفمبر 2024 بين إسرائيل وحزب الله، تشن القوات الإسرائيلية غارات متكررة على مناطق مختلفة في الجنوب اللبناني، والبقاع، مؤكدة أنها "تستهدف حزب الله".

كما أن إسرائيل أبقت على وجود قواتها في أكثر من 5 تلال لبنانية استراتيجية تشرف على جانبي الحدود.

طباعة شارك مسيّرة إسرائيلية لبنان إصابات

مقالات مشابهة

  • السفير البريطاني يدعو حكومة السوداني الى محاسبة قتلة(صفاء المشهداني)
  • رغم وقف إطلاق النار.. إسرائيل تقصف سيارة جنوب لبنان
  • بريطانيا تدعو لمحاسبة قتلة صفاء المشهداني على وجه السرعة
  • علي جمعة: ذكر النبي ﷺ أن العفو كان خلق إخوانه الأنبياء
  • محمد الكحلاوي... من الطرب إلى المديح النبوي في ورشة حكي بدار الكتب
  • كيف فضل الله تعالى النبي ﷺ بين سائر الأنبياء؟
  • مبابي: أحلم بكتابة التاريخ مع ريال مدريد مثلما فعل رونالدو
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: العلماء ورثة الأنبياء والإخلاص والتواضع ركائز طالب العلم
  • الرئيس الكولومبي: يجب تقديم قتلة أطفال غزة إلى المحاكمة قبل أن تنحدر الإنسانية إلى الهمجية
  • عون: "لا بد من التفاوض" مع إسرائيل لحلّ المشاكل العالقة