سلاح حزب الله العقدة الكبرى في المشهد السياسي اللبناني
تاريخ النشر: 31st, August 2025 GMT
بيروت، في بلد يقوم على شبكة شديدة التعقيد من الطوائف والتحالفات، يظل سلاح حزب الله العقدة الأعمق في المشهد السياسي اللبناني، فهو عند أنصاره ذراع مقاومة وركيزة في معادلة الردع، في حين يراه خصومه عائقا أمام قيام دولة تحتكر وحدها قرار الحرب والسلم، ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة بين الحزب وإسرائيل، عاد ملف السلاح إلى صدارة النقاش اللبناني والإقليمي، مدفوعا بضغوط دولية متزايدة، فالورقة الأميركية التي طُرحت عقب اتفاق وقف إطلاق النار لم تقتصر على تثبيت التهدئة، بل تضمنت مطلبا واضحا بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية باعتباره شرطا لأي تسوية سياسية وأمنية مقبلة.
تهدف الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي توم براك إلى ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مستندة إلى اتفاق الطائف وقرار مجلس الأمن 1701 لعام 2006، وتتضمن التزامات لبنانية بنزع سلاح حزب الله، مقابل خطوات إسرائيلية تشمل الانسحاب من 5 نقاط حدودية، ووقف الانتهاكات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني.
واقع معقدغير أن هذا الطرح يصطدم بواقع داخلي معقد، إذ يرى الحزب في ترسانته ضمانة لمعادلة الردع مع إسرائيل، في حين يعتبر خصومه أن استمرارها خارج مؤسسات الدولة يقوّض سيادتها، وفي صميم هذه المعادلة، يظل السؤال قائما، هل تملك الدولة اللبنانية القدرة على تنفيذ مشروع حصر السلاح بيدها وتجريد الحزب منه إذا ما أصر على رفض ذلك؟ مما يضع القوى اللبنانية أمام اختبار تاريخي في ظل مؤسسات منهكة وتوازنات داخلية هشة وامتدادات إقليمية معقدة.
وبين من يرى في احتكار الدولة للسلاح شرطا لازما للسيادة، ومن يحذر من مغامرة قد تفتح أبواب الفوضى وتعيد خلط الأوراق داخليا وإقليميا، يبقى الملف معلقا عند مفترق بالغ الحساسية يرسم حدود الممكن والممنوع في لبنان.
قالت أوساط في حزب الله للجزيرة نت إن موقفه واضح، حيث وصف أمينه العام نعيم قاسم قرارات الحكومة الأخيرة بأنها "خطيئة"، مشيرة إلى أن السلاح لم يُسلم، وأن التواصل والحوار عاد إلى وتيرته المعتادة والمكثفة، خصوصا بعد لقاء النائب محمد رعد، رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" بعدد من القيادات اللبنانية، وكانت الحكومة اللبنانية قد قامت بتكليف الجيش بإعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة.
إعلانوأضافت المصادر أن الكرة باتت الآن في ملعب الدولة، معتبرة أن الحكومة ارتكبت خطأ إستراتيجيا بقراراتها الأخيرة، سواء في مجلس الوزراء أو عبر الورقة الأميركية، ما دفع الأمور نحو منزلق خطير، في ظل التعنت الإسرائيلي والإصرار الأميركي على تحويل المشكلة من الصراع اللبناني-الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني.
كما لفتت إلى أن المشهد زاد تعقيدا نتيجة عدم التزام الإدارة الأميركية بما وعدت به وفق قاعدة "خطوة مقابل خطوة"، إذ لم تضغط على إسرائيل لتقديم أي تنازل مقابل الخطوات التي أقدم عليها لبنان، وهو ما ظهر بوضوح خلال زيارة الوفد الأميركي الأخير.
إنجازمن جانبه، أكد النائب البرلماني عن حزب القوات اللبنانية نزيه متى للجزيرة نت، أن الدولة والسلطة التنفيذية مطالبتان باتخاذ القرار اللازم وتنفيذه بشأن حصر سلاح حزب الله، وأوضح أن هذا لا يعني بالضرورة أن الجيش سيقتحم المراكز ويصادر الأسلحة بالقوة، مؤكدا أن مجرد اتخاذ القرار يُعد إنجازا للدولة.
وحسب متى، يمكن أن يتم جمع السلاح على مراحل، ويشمل أي شخص أو جهة تمتلكه، بما في ذلك الحزب، بحيث يمنع تداوله تماما، كما يُطبق على المواطنين العاديين، وأكد أن الدولة قادرة على إدارة هذه العملية تدريجيا لضمان جمع السلاح من كل الأطراف المعنية.
وفي تعليقه على موقف حزب الله، اعتبر أن السلاح الذي يمتلكه الحزب لم يحقق الحماية المطلوبة للبنان أمام التهديدات الإسرائيلية، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة، بما فيها جبهة الإسناد المرتبطة بغزة، كشفت عن محدودية قدرته على مواجهة العدوان.
وأوضح متى أن السلاح لم يعد أداة دفاع عن لبنان، بل تحول إلى عبء على الحزب والدولة والمجتمع، خصوصا في ظل استهداف إسرائيل لمراكزه وأفراده وقادته، ما ضاعف الضغوط على جميع الأطراف.
وأضاف أن دعوات بعض قيادات الحزب، مثل الأمين العام، للتمسك بالسلاح لم تُترجم إلى حماية فعلية للبنان، بل تساهم في تفاقم الدمار وتصاعد النزاعات في البلاد.
حلول سلميةمن جهته، يستبعد رئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية -الكاتب صلاح سلام- في حديثه للجزيرة نت، اندلاع أي مواجهة عسكرية بين الجيش اللبناني وحزب الله، مؤكدا أن جميع الأطراف تسعى إلى حلول سلمية وتوافقية.
وأوضح أن الحوار يبقى الخيار الأرجح، وهو قائم يوميا منذ فترة، غير أن بعض التفاصيل الجانبية ما تزال تعيق إحراز تقدم ملموس.
وأشار سلام إلى أن المؤشرات حتى الآن تدل على تعثر التوصل إلى تسوية واضحة، لافتا إلى أن "الدور الإيراني يشكل عاملا معطلا لأي اختراق محتمل في هذا الملف، إذ باتت هناك صلاحيات وتدخلات إيرانية مباشرة تؤثر على مسار النقاشات اللبنانية".
من ناحيته، قال عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب بلال عبد الله للجزيرة نت: إنهم جزء من الحكومة والسلطة المعنية باتخاذ القرار، مشددا على دعمهم لتطبيق إجراءاتها والقرار 1701، وفق ما وصفه بـ"الإحاطة والوحدة الوطنية الداخلية" من دون أي استفتاء أو شروط إضافية.
ووفقا لعبد الله، فإن حصر السلاح بيد الدولة يندرج ضمن مسؤولية الجيش والحكومة، وهما المعنيان بتحديد الطريقة الأنسب لتنفيذه ضمن الإطار الزمني المحدد، بما يحافظ على الوحدة الوطنية ويبعد أي تدخل من أجندات خارجية.
إعلانوأكد أن الهدف هو عدم وضع الجيش في مواجهة أي فريق لبناني أو مكون سياسي داخلي، مع التشديد على أهمية النقاش والحوار ضمن إطار الجمهورية والحكومة والبرلمان. وأضاف أن العمل مستمر بما يحفظ استقرار الحكومة والمصلحة الوطنية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات السلاح بید الدولة سلاح حزب الله للجزیرة نت إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحقيقات تكشف حملة إماراتية لاستهداف حزب فرنسي وإرباك المشهد السياسي
كشفت تحقيقات صحفية متقاطعة، استندت إلى مصادر مطلعة داخل أجهزة الاستخبارات الفرنسية، عن حملة تأثير خارجية ممنهجة مرتبطة بالإمارات تستهدف حزب “فرنسا الأبية”، أكبر كتلة يسارية في البرلمان الفرنسي، في ما وصفه مراقبون بأنه أخطر تدخل أجنبي يضرب الحياة السياسية الفرنسية في السنوات الأخيرة.
وبحسب ما نقله موقع “دارك بوكس”، فإن التصعيد السياسي الجاري في باريس بات ينظر إليه داخل الدوائر الاستخباراتية الفرنسية على أنه عملية نفوذ طويلة الأمد، تقودها شبكات إعلامية واستشارية مرتبطة بأبوظبي، وتهدف إلى تشويه صورة اليسار الفرنسي، وربطه بالإسلام السياسي، وتأجيج خطاب الخوف والكراهية داخل المجتمع.
ميلانشون: أصبحنا “هدفا للإمارات”
وتفجرت القضية علنا بعد تصريحات أطلقها جان لوك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية” والمرشح الرئاسي السابق، أكد فيها أن حزبه “أصبح هدفا للإمارات”، وذلك عقب تقديم الحزب شكوى رسمية إلى النيابة العامة بشأن ما وصفه بـ“عملية تأثير أجنبية”.
وقال ميلانشون، في تدوينة نشرها على مدونته، إن الاستهداف جاء عبر استطلاع رأي مثير للجدل حول المسلمين في فرنسا، اعتبره الحزب جزءا من حملة منظمة تهدف إلى ربط الإسلام السياسي باليسار، ونشر الذعر داخل الرأي العام الفرنسي.
وكان الاستطلاع قد تحدث عن “ظاهرة إعادة أسلمة” في فرنسا، مصحوبة بـ“زيادة مقلقة في الالتزام بالأيديولوجية الإسلامية”، ما دفع منظمات إسلامية فرنسية إلى تقديم شكاوى قانونية متعددة، متهمة القائمين عليه باستخدام أسئلة منحازة تهدف إلى “نشر سم الكراهية في المجال العام”.
وأكد حزب “فرنسا الأبية” في شكواه أن الاستطلاع “شكل منصة لخطاب يحرض على التمييز والكراهية وربما العنف”، مشيرا إلى أنه عقب نشره سجلت أعمال معادية للإسلام.
وقد أنجز الاستطلاع من قبل المعهد الفرنسي للرأي العام (Ifop)، بتكليف من مجلة “إكران دو فاي” (Écran de Veille)، التي ربطتها تحقيقات صحفية بشبكات إعلامية واستشارية مرتبطة بالإمارات.
شبكة إعلامية مرتبطة بأبوظبي
وكشفت تقارير إعلامية، من بينها تحقيقات لصحيفتي لوموند وميديابارت، عن صلات بين أبوظبي ومسؤولين في مجلة “إكران دو فاي”، المملوكة لشركة Global Watch Analysis" (GWA)"، المعروفة بعدائها الشديد للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، وبتبنيها خطابا معاديا لقطر، بما ينسجم مع توجهات السياسة الخارجية الإماراتية.
وبحسب “لوموند”، فإن مؤسس ورئيس تحرير منصتي "Écran de Veille" و"GWA"، أتمان تازغارت، كان على تواصل عبر البريد الإلكتروني مع عميل إماراتي سابق، لعب دورا محوريا في عمليات تأثير نفذتها شركة الاستخبارات السويسرية "Alp Services" لصالح أبوظبي.
وفي تموز/يوليو 2023، كشفت “ميديابارت” أن شركة Alp Services جمعت بيانات عن أكثر من ألف شخص ومئات المنظمات في 18 دولة أوروبية، وصنفتهم زورا على أنهم مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، قبل تمرير هذه الملفات إلى أجهزة الاستخبارات الإماراتية لاستخدامها في حملات تشويه وتحريض إعلامي.
ووفق التحقيق، كان حزب “فرنسا الأبية” من بين نحو 200 شخصية و120 منظمة استهدفت في فرنسا ضمن هذه العمليات.
تحذير من اختراق المؤسسات
وحذر الحزب، في شكواه، من أن “شبكة نفوذ إماراتية قد تكون تسللت إلى مؤسسات الدولة الفرنسية”، في إشارة إلى استدعاء لجنة تحقيق برلمانية لمستشارين مرتبطين بمنصة “إكران دو فاي” للإدلاء بشهاداتهم حول ما سمي “التغلغل الإسلامي”.
وقد استمعت اللجنة إلى كل من نورا بوسيني وإيمانويل رازافي، اللذين يقدمان نفسيهما كصحفيين، ويعرفان بتأليف كتب تتهم حزب “فرنسا الأبية” بالارتباط بإيران وبـ“معاداة السامية الجديدة”.
ويرى الحزب أن اختيار هذين الاسمين يعكس نجاح عمليات التأثير الأجنبية في توجيه النقاش السياسي الداخلي، خصوصا أن التحقيق البرلماني وصف من قبل معارضين بأنه “سيئ التصميم” ويخدم أجندات اليمين واليمين المتطرف.
الاستخبارات تنفي… وميلانشون يحذر
وخلال مثوله أمام لجنة التحقيق، شدد ميلانشون على أن جميع مسؤولي الاستخبارات الفرنسية الذين أدلوا بشهاداتهم نفوا وجود أي صلة بين حزبه وجماعات إسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.
وحتى ماتيو بلوخ، النائب اليميني المقرر للجنة، أقر قائلا: “في هذه المرحلة، لا يوجد ما يثبت وجود روابط هيكلية أو مالية بين الأحزاب السياسية والمنظمات الإسلامية”.
في المقابل، تساءل ميلانشون عن تجاهل اللجنة لما وصفه بـ“الخطر الإماراتي”، محذرا من أن فرنسا قد تتحول إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية، ولا سيما في ظل التوتر بين الإمارات وقطر.
وقال أمام اللجنة: “احذروا، هناك قوة خارج فرنسا تتلاعب وتتدخل لتصفية حساباتها مع قطر… لا أقبل أن تكون فرنسا مسرحا لهذه الصراعات”.
قضية كارلوس بيلونغو تعود للواجهة
كما أعيد فتح ملف استهداف النائب كارلوس مارتنز بيلونغو، عضو حزب “فرنسا الأبية”، الذي خضع عام 2023 لتحقيق مالي بعد تقرير صادر عن وحدة الاستخبارات المالية الفرنسية Tracfin بتهم التهرب الضريبي وغسل الأموال.
وبعد عامين، أسقطت النيابة العامة القضية، معترفة بعدم وجود أي مخالفات. وكشف موقع “L’Informe” الاستقصائي أن تقرير Tracfin كان مليئا بـ“أخطاء غير معقولة”، ما أثار شبهات بأنه أعد تحت ضغط إماراتي، خصوصا بعد انتقادات بيلونغو لتنظيم الإمارات لقمة المناخ COP28 برئاسة مدير شركة “أدنوك”.
ووصف بيلونغو القضية بأنها “فضيحة تدخل أجنبي”، وتقدم بشكوى بتهمة “الوشاية الكاذبة” و“التواطؤ مع قوة أجنبية”.
سياق أوسع لحملات التأثير
وتخلص التحقيقات إلى أن ما يجري في فرنسا ليس حادثا معزولا، بل جزء من استراتيجية إماراتية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل النقاش الأوروبي حول الإسلام، وإضعاف الأصوات الداعمة لفلسطين، وتعزيز خطاب اليمين المتطرف.
وتشير تقارير إلى أن أبوظبي أقامت علاقات مع أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، من بينها حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، الذي استفاد – بحسب “ميديابارت” – من قرض بقيمة 8 ملايين يورو مر عبر بنك إماراتي عام 2017.
ورغم ذلك، تجاهل تحقيق برلماني فرنسي حول التدخل الأجنبي عام 2023 الإشارة إلى أي دور إماراتي أو إسرائيلي، مكتفيا بالتركيز على روسيا والصين.
وبحسب “دارك بوكس”، فإن حجم الاختراق لا يزال غير واضح، لكن المؤكد أن فرنسا تواجه معركة نفوذ غير مسبوقة على أراضيها، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى استعداد الطبقة السياسية والإعلامية لمواجهة هذا النوع من التدخل الخارجي، الذي يجري – وفق التحقيق – “على مرأى من الجميع”.