ما يزال التنمر مشكلة منتشرة في المدارس، تؤثر على سلامة ورفاهية التلاميذ في جميع أنحاء العالم؛ لما يمكن أن يكون لهذا السلوك من عواقب مدمرة على الطفل، إذ أظهرت أبحاث نُشرت في مطلع عام 2024، أنه يمكن أن يؤدي إلى "انخفاض الأداء التعليمي، وارتفاع مخاطر الاكتئاب والقلق، وصولا إلى السلوك الانتحاري".
لذا، "يُعدّ منع التنمر والحد منه أولوية ملحة لكل من الأسرة والمدرسة"؛ كما تقول الدكتورة كارين هيلي، الباحثة الفخرية الرئيسية في علم النفس، بجامعة كوينزلاند الأسترالية، في مقالها على موقع "ذا كونفرزيشن".
لكن إحدى العقبات الشائعة أمام معالجة التنمر هي أن "20% فقط من حوادث التنمر في المدارس يتم الإبلاغ عنها، وفقا لموقع "ستوب بوليينغ" الحكومي الأميركي.
بالإضافة إلى "اختلاف الآباء والمدارس في كثير من الأحيان، حول ما إذا كان موقف معين يُشكّل تنمرا من عدمه"؛ إذ وجدت دراسة نرويجية نُشرت عام 2021، أنه عندما يعتقد الآباء أن طفلهم يتعرض للتنمر، فإن المدرسة "لا توافق في حوالي ثلثي الحالات"؛ كذلك عندما تقول المدرسة إن طفلا ما يتنمر على الآخرين، فإن والديّ الطفل "لا يوافقان". فكيف يمكن للآباء التعامل مع هذا الوضع؟
وفقا للعناصر الرئيسية التي حددتها الأبحاث الدولية المعتمدة من وزارة التعليم الأميركية، فإن التنمر هو شكل من أشكال العدوان الذي تتوفر فيه 4 شروط، هي أنه:
يؤذي الضحية. يتكرر مع مرور الوقت. ينطوي على نية الإيذاء. يتسم باختلال في توازن القوى، لدرجة تُشعر الضحية بالعجز عن إيقاف المشكلة. علامات تعرض الطفل للتنمروفقا لموقع "ستوب بوليينغ" الحكومي الأميركي، هذه أهم العلامات على تعرض الطفل للتنمر:
إصابات جسدية غير قابلة للتفسير. فقدان أو تلف الملابس أو الكتب أو الأجهزة الإلكترونية. تكرار الشكوى من المرض، أو التمارض. عودة الأطفال من المدرسة جائعين لعدم تناولهم الغداء. صعوبة النوم أو الكوابيس المتكررة. انخفاض الدرجات، أو إهمال الواجبات المدرسية، أو عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة. تكرار الفقدان المفاجئ للأصدقاء، أو تجنب المواقف الاجتماعية. وجود علامات على الشعور بالعجز أو انخفاض تقدير الذات.من أهم العلامات على تنمر الطفل على الآخرين:
إعلان زيادة عدوانيته ودخوله في شجارات جسدية أو لفظية. لديه أصدقاء يتنمرون على الآخرين. تكرار إرساله إلى مكتب مدير المدرسة بشكل متكرر. امتلاكه أموال أو أشياء جديدة غير مبررة. عدم تحمل مسؤولية أفعالهم، ولوم الآخرين على مشاكله. التحديات المترتبة على الإبلاغ عن التنمرعندما يُبلغ طالب أو ولي أمر عن تنمر، عادة ما يكون أول ما تفعله المدرسة هو التحدث مع الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، "لتحديد ما إذا كان السلوك تنمرا"؛ وهنا تظهر 7 تحديات:
صعوبة مشاهدة التنمر بشكل مباشر، إذ يحدث غالبا في غياب البالغين، كما أن معظم الضحايا يمتنعون عن إخبار معلميهم. أشكال التنمر الخفية، فحتى في وجود المعلم، يمكن أن تكون بعض أشكال التنمر (مثل نبذ شخص ما، أو استخدام تعبير وجه ساخر) خفية للغاية، لدرجة تساعد على التغاضي عنها بسهولة. صعوبة إثبات "نية الإيذاء"، وخصوصا عند ادعاء المتهم بالتنمر أنه كان "يمزح فقط"، أو لم يقصد الإيذاء أو الإزعاج. صعوبة إثبات "الاختلال في توازن القوى"، فقد لا يكون فارق القوة واضحا بين الطرفين. الاتهام الكيدي بالتنمر، فهناك حالات قد يتهم فيها التلميذ الآخرين بالتنمر عمدا، لإيقاعهم في مشاكل؛ "وهو ما قد يشكل بحد ذاته تنمرا". مشاهدة المعلمين لنوبة الغضب، فالتحدي الأكثر صعوبة عندما يرد ضحية التنمر على الإيذاء بعدوانية، ويكون رد فعله العدواني أكثر وضوحا للمعلمين من التنمر الذي أثار غضبه، وهذا قد يجعل تحديد مصدر التنمر صعبا. ليس كل شجار تنمرا، فالجدال والمشادات الكلامية وحتى السلوك العدواني العابر، لا تُصنف تنمرا؛ ما دام لم يتوفر فيها شرط "الاختلال في توازن القوة". وإن كان هذا لا ينفي أنها نماذج لسلوكيات مزعجة.وجدت دراسة أجريت في سنغافورة عام 2021، أن "حوالي 70% من أولياء الأمور أفادوا بتعرض أطفالهم للتنمر". لكن المدرسة قد لا تلتفت للحالات التي لا تعتبرها تنمرا، وهذا قد يجعل الطالب مستمرا في المعاناة، ويسبب حزنا شديدا للوالدين.
وتُظهر الدراسة النرويجية المنشورة عام 2021، أن أولياء الأمور الذين يُبلغون بتعرض طفلهم للتنمر، "يصبحون عرضة لزيادة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب، بغض النظر عما إذا كانت المدرسة وافقت على تعرض الطفل للتنمر أم لا".
وهنا تنصح الدكتورة هيلي بـ4 إستراتيجيات مفيدة للآباء لتحسين الوضع، وهي:
الاحتفاظ بسجل دقيق لتجارب الطفل، يدون به ما يمر به بالضبط وكيف يؤثر عليه؛ للمساعدة في تحديد نمط السلوكيات المؤذية له بمرور الوقت، ومن ثم تحديد مخاوف التنمر ومعالجتها فورا. التواصل بين الأسرة والمدرسة أمر بالغ الأهمية، لذا توصي هيلي بحفاظ الآباء على علاقة جيدة وانفتاح مستمر مع المدرسة (مهما كانت الصعوبة)، لأن التنمر قد يكون مشكلة معقدة، والتواصل الجيد يمكن أن يساعد في ضمان التعامل مع المشكلات بسرعة. مساعدة الأبوين للطفل، بمحاولة التواصل مع الطلاب الآخرين، وإقناعهم بطريقة ودية وواثقة، بالتوقف عن فعل ما يضايق الطفل. تدريب الأبوين للطفل على التواصل المنفتح مع الأطفال، وإدارة الموقف في حال التعرض لمشكلة، وطلب المساعدة من المعلم. إعلانتقول هيلي: "وهكذا، بالتعاون وفهم المشكلة بشكل أفضل مع مرور الوقت، يمكن للمدرسة والأسرة معالجة السلوك المؤذي"؛ سواء اتفقوا مبدئيا على أنه "تنمر" أم لا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات على الآخرین علامات على یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الأوقاف تكثف نشاطها التوعوي بمدارس الدقهلية وأسيوط لمواجهة التنمر
واصلت مديريات الأوقاف في عدد من المحافظات تنفيذ برامجها التوعوية داخل المدارس، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، في إطار خطة شاملة تستهدف بناء الوعي لدى النشء، وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية، وتعزيز الانتماء الوطني، ومواجهة الظواهر السلوكية السلبية وعلى رأسها التنمر.
وتأتي هذه الجهود ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» التي أطلقتها وزارة الأوقاف، بهدف تصويب المفاهيم المغلوطة، ونشر الفكر الوسطي المستنير، والتأكيد على دور الدين في بناء الإنسان أخلاقيًا وسلوكيًا.
قوافل دعوية بمدارس الدقهلية: التوكل وصناعة الأمل
في محافظة الدقهلية، نظّمت مديرية أوقاف الدقهلية عددًا من القوافل الدعوية داخل المدارس، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، تحت عنوان: «التوكل وصناعة الأمل في حياة المسلم»، وذلك برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الشيخ السيد عبد الرحمن ربيع، مدير المديرية.
وأكدت القوافل الدعوية أن الأمل يُعد ركيزة أساسية في حياة المسلم، وينبع من الإيمان بالله وحسن الظن به، موضحة أن التوكل الصحيح لا يعني التواكل، بل يقوم على الجمع بين الاعتماد على الله والأخذ بالأسباب، بما يعزز الثقة في النفس، ويقوّي روح الإيجابية، ويبعد الإنسان عن اليأس والقنوط الذي نهى عنه الشرع الحنيف.
الأمل قوة نفسية في مواجهة التحديات
وأوضحت الندوات أن ترسيخ مفهوم الأمل في نفوس الطلاب يسهم في بناء شخصية متوازنة وقوية، قادرة على مواجهة ضغوط الحياة وتحدياتها بعزيمة متجددة، مشيرة إلى أن القيم الدينية الصحيحة تُعد عنصرًا أساسيًا في دعم الصحة النفسية، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
كما شددت القوافل على أهمية غرس قيم العلم والانضباط وحسن الخلق، وتأكيد رسالة طالب العلم في بناء ذاته وخدمة مجتمعه ووطنه، بما يسهم في إعداد جيل واعٍ يدرك مسؤوليته تجاه نفسه ووطنه.
أسيوط تواجه التنمر بندوة تثقيفية للطلاب
وفي السياق ذاته، نظّمت مديرية أوقاف أسيوط ندوة تثقيفية بمدرسة النصر الخاصة للتعليم الأساسي، بعنوان: «التنمّر.. مخاطره وآثاره السلبية»، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وذلك في إطار الدور الدعوي والتوعوي للوزارة، وضمن مبادرة «صحح مفاهيمك»، برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الدكتور عيد علي خليفة، مدير المديرية.
التنمر خطر ديني وإنساني
وتناولت الندوة مفهوم التنمر وصوره المختلفة، مؤكدة أن الإسلام حذّر تحذيرًا شديدًا من إيذاء الآخرين قولًا أو فعلًا، لما لذلك من آثار نفسية واجتماعية خطيرة، تؤدي إلى إضعاف الروابط الإنسانية داخل المجتمع، وتخلّف جراحًا نفسية عميقة لدى المتضررين.
واستشهد المتحدثون بقول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11]، مؤكدين أن السخرية والاستهزاء والاعتداء اللفظي أو الجسدي تتنافى مع القيم الإسلامية والإنسانية.
صور متعددة للتنمر في العصر الحديث
وأشارت الندوة إلى أن التنمر لم يعد مقتصرًا على الإيذاء الجسدي، بل تعددت صوره لتشمل التنمر اللفظي، والنفسي، والاجتماعي، فضلًا عن التنمر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال الإساءة أو التشهير أو نشر الشائعات، وهو ما يتطلب وعيًا متزايدًا من الطلاب وأولياء الأمور والمؤسسات التعليمية.
رسالة للطلاب: المدرسة بيئة آمنة للجميع
وفي ختام الندوة، وجّهت وزارة الأوقاف رسالة واضحة للطلاب بضرورة الوقوف إلى جانب زملائهم، ورفض جميع أشكال التنمر، والإبلاغ عن أي ممارسات سلبية، مع التأكيد على أن المدرسة يجب أن تظل بيئة تربوية آمنة، قائمة على الاحترام المتبادل، والمودة، والتعاون، بما يحقق رسالة التعليم في بناء الإنسان أخلاقيًا وسلوكيًا إلى جانب التحصيل العلمي.
خطة متكاملة لمواجهة الفكر السلبي
وأكدت مديريات الأوقاف أن هذه الأنشطة التوعوية تأتي ضمن خطة شاملة تستهدف مواجهة الفكر المتطرف، والتصدي لتراجع القيم الأخلاقية، والعمل على بناء الشخصية المصرية على أسس دينية صحيحة، تسهم في صناعة الحضارة، وترسيخ ثقافة التسامح، واحترام الآخر، وقبول الاختلاف.