نيويورك تايمز: الخطر ممتد للجميع.. واشنطن بوست: مات بثقافة الاغتيال التى حذر منها

ﺑﻮﻟﺘﻴﻜﻮ: الحﺎدث أﻇﻬﺮ اﻓﺘﻘﺎر اﻟﻮﻻﻳﺎت المﺘﺤﺪة ﻟﻘﺎﺋﺪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺳﺪ ﻓﺠﻮة اﻹرﻫﺎب

 

يظهر مقتل المعلق اليمينى تشارلى كيرك خلال فعالية بجامعة يوتا فالى أن الولايات المتحدة تعيش لحظة تتجاوز حدود الخلاف السياسى التقليدى لتدخل فى مرحلة تتجسد فيها الشعبوية العنيفة كأحد ملامح الحياة العامة.

فبينما رآه أنصاره رمزا لصوت الشباب المحافظ ومناصرا صلب لدونالد ترامب، كان بالنسبة لخصومه شخصية مثيرة للاستقطاب بخطاباته التحريضية ضد المهاجرين والجامعات. هذه الازدواجية فى صورته السياسية هى نفسها صورة المشهد الأمريكى الأوسع: بلد ينقسم بشدة، حيث يتحول الجدل إلى تهديد، والخطاب إلى عنف.

صحيفة الجارديان ربطت حادثة إطلاق النار بظاهرة متصاعدة من العنف السياسى، مشيرة إلى أنها لم تعد حوادث معزولة بل سلسلة مترابطة من الوقائع كمحاولة اغتيال ترامب فى 2024، الهجوم على منزل حاكم بنسلفانيا، الاعتداءات المرتبطة بمعارضة حرب غزة، وصولا إلى إطلاق النار على مشرعين ديمقراطيين، والهجوم على مراكز السيطرة على الأمراض. نيويورك تايمز بدورها وضعت مقتل كيرك ضمن سردية ممتدة تبدأ من هجوم الكونجرس فى 6 يناير 2021 وتمر باعتداءات على قادة من الحزبين، معتبرة أن الخطر لم يعد يقتصر على أفراد بعينهم بل صار تهديدًا لمنظومة القيم الديمقراطية الأمريكية نفسها.

الأرقام الواردة من دراسات أكاديمية تزيد الصورة قتامة. فاستطلاعات روبرت بيب من جامعة شيكاغو تُظهر أن قبول الأمريكيين لفكرة استخدام العنف السياسى تضاعف فى أقل من عام. ما يقرب من 40% من الديمقراطيين و25% من الجمهوريين أعربوا عن استعداد لتبرير القوة إذا تعارضت مع أجنداتهم أو مصالحهم الحزبية. الأخطر أن هذه النسب آخذة فى التوسع بين الشباب الجامعى، حيث يؤيد أكثر من ثلث الطلاب استخدام العنف لمنع خطيب غير مرغوب به من الحديث فى الحرم الجامعى.

ما يجعل اللحظة أكثر خطورة أن الإدانات الواسعة لاغتيال كيرك من مختلف الأطياف – من ترامب إلى معارضيه – لم تعد كافية لوقف التدهور. الباحثون مثل بيب يحذرون من أننا «برميل بارود» جاهز للاشتعال، خاصة مع دعوات علنية للانتقام ظهرت فور إعلان مقتل كيرك، منها تصريحات حسابات يمينية مؤثرة وصفت ما حدث بأنه «حرب». هذا الخطاب يزيد احتمالية أن يتحول الحادث إلى شرارة لموجة جديدة من العنف المتبادل.

وبحسب رويترز يشير خبراء فى الإرهاب المحلى إلى تضافر عوامل تفاقم العنف فى الولايات المتحدة، منها انعدام الأمن الاقتصادى، والقلق من التحولات الديموغرافية العرقية والإثنية، وتصاعد حدة الخطاب السياسى. وقد تحولت الانقسامات الأيديولوجية التقليدية – التى كانت فى السابق تتمحور حول الخلافات السياسية - إلى عداء أعمق وأكثر شخصية. ويتفاقم هذا الغضب بفعل مزيج من وسائل التواصل الاجتماعى ونظريات المؤامرة والمظالم الشخصية.

بينما ترى بولتيكو أن وقوع الحادث عشية ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية - وهو يوم قبل 24 عامًا ألهم دعوات للوحدة الوطنية - بدا جليا أن البلاد تفتقر إلى قائد قادر على سد الفجوة العميقة المتزايدة. ويبدو أن مستوى الغضب غير المسبوق فى السياسة الأمريكية لا يجد له مخرجا سوى التحليل الأعمق يكشف أن الأزمة ليست مجرد انعكاس لانقسام حزبى، بل أزمة ثقافة سياسية فقدت القدرة على قبول الخسارة أو إدارة الخلاف سلمياً. الأمريكيون، وفق افتتاحية نيويورك تايمز، يتصرفون وكأن قيمة الفرد تُحدد بانتمائه الحزبى، ما يجرّد الخصوم من إنسانيتهم ويبرر التعامل معهم كأعداء لا كمواطنين. هذه الحالة تعكس تآكلًا فى القيم الديمقراطية الأساسية: التعددية، التسامح، وحق التعبير الآمن عن الرأى.

التداعيات المحتملة لمقتل كيرك قد تتجاوز شخصه لتؤثر على الحملات الانتخابية المقبلة وعلى قدرة المؤسسات على حماية النقاش العام. هناك خشية من أن يرد بعض أنصاره بموجات انتقامية ضد خصوم سياسيين، كما أن اليسار قد يشهد بدوره محاولات عنف مضاد. ما لم يُكسر هذا النمط، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها أمام دورة خطيرة من الهجمات والردود قد تهدد السلم الأهلى.

فى المحصلة، حادثة كيرك ليست حدث منفرد بل جزء من مسار ممتد يربط بين أحداث العنف السياسى خلال العقدين الماضيين. السؤال الآن هل تتعامل النخب السياسية والإعلامية مع هذه اللحظة باعتبارها جرس إنذار أخير، أم أنها ستُطوى سريعًا فى دوامة الاستقطاب والتجييش؟ الواضح أن استمرار الاتجاه الحالى قد يجعل من «الشعبوية العنيفة» العنوان الرئيسى للحقبة الأمريكية الراهنة.

وبحسب افتتاحه واشنطن بوست انه قبل أشهر قليلة من مقتله كان كيرك يحذر من انتشار ما وصفه بـ»ثقافة الاغتيال» فى الولايات المتحدة مشيرًا إلى محاولة اغتيال ترامب ومقتل رئيس تنفيذى فى قطاع الرعاية الصحية فى ظروف مشابهة، ويبدو اليوم أنه أصبح هو نفسه ضحية لتلك الحماسة العنيفة 

وصف حاكم ولاية يوتا سبنسر كوكس الحادث بأنه «اغتيال سياسى» مؤكدًا أن الدافع لم يتضح بعد لكن الخبراء يرون أن مثل هذه الجرائم تنشأ عادة من مزيج معقد بين الاضطرابات النفسية والتطرف السياسى، ومهما يكن الدافع فإن العنف السياسى بات يتكرر بوتيرة مقلقة فى الولايات المتحدة فقد شهدت البلاد خلال الأعوام الأخيرة اغتيالات وهجمات استهدفت مسؤولين منتخبين وزعماء سياسيين من الحزبين.

غالبًا ما يتحول الجدل السياسى بعد مثل هذه الحوادث إلى تبادل اتهامات بين الحزبين بدلًا من الإدانة الصريحة لكن الدراسات تؤكد أن التنديد الواضح والسريع بالعنف من جانب القيادات السياسية له دور كبير فى ترسيخ معايير مناهضة له وفى حالة كيرك جاءت الإدانات متلاحقة من معظم الطيف السياسى حيث عبر كبار الديمقراطيين عن صدمتهم وغضبهم من مقتله فقد وصف المرشح لمنصب عمدة نيويورك زهران ممدانى ما حدث بأنه «طعنة خطيرة لقيم الديمقراطية» وقال حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم الذى استضاف كيرك قبل ستة أشهر فى برنامجه الصوتى أن «إسكات أى صوت بالعنف يهدد الجميع» كما أضاف الرئيس الأسبق باراك أوباما أن «هذا النوع من العنف الحقير لا مكان له فى ديمقراطيتنا»

لكن بعض التصريحات كشفت الانقسام الحزبى المستمر حيث لم يتردد حاكم إلينوى جيه بى بريتزكر فى انتقاد خطاب ترامب رغم إدانته للهجوم قائلا: إن «خطاب ترمب كثيرا ما يغذى هذه الأجواء» وهو ما اعتبره مراقبون تعليق غير مناسب فى توقيت مأساوى كهذا.

شهود عيان أشاروا إلى وجود تراخٍ أمنى فى الفعالية التى أقيمت فى يوتا حيث لم تُفرض إجراءات حماية استثنائية على الرغم من أن كيرك كان هدفا مثيرا للجدل بخطابه التحريضى، ومع ذلك يرى مؤيدوه أن مجرد الحديث عن ضرورة حماية مشددة يعكس عمق الأزمة إذ كان من حقه أن يشارك فى النقاش الجامعى دون خوف على حياته.

كان من المفترض أن تكون جولة يوتا بداية سلسلة من الفعاليات الجامعية هذا الخريف ضمن حملة أطلق عليها كيرك اسم «العودة الأمريكية» لكن مقتله المفاجئ أنهى الجولة قبل أن تبدأ، وأثار مخاوف من أن تتحول رسالته السياسية إلى مادة لتعبئة انتقامية أو لتصعيد أكبر فى دائرة العنف السياسى، ورغم أن صوته قد خبا إلا أن ملايين من أنصاره تعهدوا بأن تبقى رسالته حية وأن لا يُسمح بأن يسكتها الرصاص.

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حدود الخلاف

إقرأ أيضاً:

سلطنة عُمان وبوركينا فاسو تؤكدان توسيع الشراكات السياسية والاقتصادية

العُمانية: استقبل معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية اليوم بمكتبه معالي كاراموكو جان ماري تراوري وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإقليمي والبوركينيين في الخارج بجمهورية بوركينا فاسو. وأكّد الوزيران خلال المقابلة على أهمية تعزيز أواصر التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات الدبلوماسيّة والسياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والاستثماريّة والتجاريّة، بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الصديقين، إلى جانب استعراض فرص تعزيز الشراكات المستقبلية الدّاعمة لمسارات التنميّة المستدامة. وتبادل الجانبان وجهات النظر حول الأوضاع الإقليميّة والدوليّة، وبحث سُبل دعم الحوار والتّفاهم بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

كما التقى معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار اليوم بمقر الوزارة معالي كراموكو جان ماري تراوري وزير خارجية بوركينا فاسو، وذلك في إطار تعزيز علاقات التعاون الثنائي وبحث مجالات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية.

وتم خلال اللقاء استعراض فرص التعاون في عدد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تنمية التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة ودعم النمو الاقتصادي للجانبين.

كما ناقش الجانبان أهمية تبادل الخبرات وتعزيز التواصل بين مؤسسات القطاعين العام والخاص، وفتح آفاق جديدة للتعاون في المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية.

وأكد معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حرص سلطنة عُمان على توسيع شراكاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، بما ينسجم مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز تنافسية بيئة الأعمال، واستقطاب الاستثمارات النوعية.

ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود التي تبذلها الوزارة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الدولية، وبناء شراكات استراتيجية تسهم في دعم التنمية المستدامة وتحقيق المصالح المشتركة.

مقالات مشابهة

  • حماس تندد باغتيال «قيادي القسام» وتحذر من انهيار الهدنة
  • بالتفاصيل.. الاتحادية تضع الكتل السياسية الفائزة أمام مهلة 15 يوماً
  • سلطنة عُمان وبوركينا فاسو تؤكدان توسيع الشراكات السياسية والاقتصادية
  • المنفي يلتقي «موسى فرج» لبحث دعم العملية السياسية
  • إشادة برلمانية بارتفاع الصادرات الزراعية لـ8.8 مليون طن: يؤكد نجاح خطوات القيادة السياسية
  • إسرائيل أبلغت واشنطن باغتيال رائد سعد بعد 20 دقيقة
  • ملتقى شبابي في الوسط لتعزيز المشاركة السياسية والتحديث
  • زيدان: اختيار الرئاسات الثلاثة بيد القوى السياسية العراقية
  • متوسط انتاج النفط يرتفع إلى 997.4 ألف برميل يوميا خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025
  • المصرى الأمريكى عصام فارس جاسوس لصالح ايران.. ما القصة وما علاقة سميرة موسى؟